الصراع بين الصين والغرب على موارد التحول الأخضر

التنين الأخضر: كيف أصبحت الموارد الأولية للتحول الأخضر ساحة صراع بين الصين والغرب؟

16 سبتمبر 2024

باسل رزق الله - سفيان البالي

في الطريق من أجل التحول الطاقي والابتعاد عن الوقود الأحفوري، قد تساهم "معركة" بين الصين والولايات المتحدة في تهديد "المعركة ضد تغيّر المناخ"، حيث يتصاعد التنافس بين البلدين على الموارد والمعادن المخصصة للتحول الطاقي، بالإضافة إلى سيطرة الصين على معدات الطاقة النظيفة، مثل الألواح الشمسية والبطاريات.

وتتشابك جهود الولايات المتحدة والصين المناخية (وهما أكبر منتجَين للغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، المناخية ضمن أجواء التنافس العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية. ورغم إيجابيات التنافس، لناحية تقليل أسعار الموارد المخصصة للتحول الطاقي، فإن ذلك قد يؤدي إلى إخراج سلاسل توريد هذه الموارد من الأسواق في ظل التنافس المحموم بين بكين وواشنطن، إضافةً إلى إعاقة عملية التحول في عدة بلدان حول العالم، وبينها الولايات المتحدة نفسها التي قد تخسر المعادن ذات المصدر الصيني، مما يولد صعوبة في الوصول إلى هدف الرئيس جو بايدن المتمثل في خفض التلوث الكربوني إلى النصف بحلول عام 2030، وسط شكوك في قدرة الصين على خفض الانبعاثات الكربونية أيضًا. فعلى الرغم من ريادتها في مجال التوجه نحو الطاقة المتجددة، إلا أن الطاقة المولَّدة بالفحم في الصين نمت نتيجة أزمة الغاز في خريف عام 2021.

وتشي هذه الأوضاع بصراع دولي جديد يتمثل في صورته الكبرى بالسيطرة الصينية على الموارد والمعادن والأتربة الهامة للانتقال الطاقي، وتتضح واحدة من تجلياته في التنافس الشرس حول المركبات الكهربائية والجدل الطويل حول إنتاجها وبيعها، خاصةً بين الصين والاتحاد الأوروبي. كما يتمظهر في شكل جديد من السعي الاستعماري باتجاه إفريقيا لنهب/السيطرة على ثرواتها، الحاسمة في عملية التحول الطاقي.

نفوذ صيني على معادن الانتقال الطاقي

تسيطر الصين على أكثر من 80% من جميع مراحل صناعة الألواح الشمسية، إضافةً إلى ما يقدر بما يقرب من 77% من البطاريات في العالم وفق أرقام الوكالة الدولية للطاقة، وهو ما يجعل الصين الدولة الأكبر عالميًا (حتى الساعة) التي تتغذى على المعادن والأتربة النادرة، التي تدخل بشكل أساسي في صناعة تلك المنتجات، وستصبح نفط عصر الانتقال الطاقي القادم.

وقبل ثلاثة عقود، انطلقت بكين في استراتيجية محكمة للسيطرة على مصادر المعادن والأتربة النادرة في العالم، وذلك عبر منحيين رئيسيين: الاستثمار الكبير في شركات التعدين وشركات التكرير والإنتاج المحلية، وتوجيه هذه الشركات نحو التعدين في مناطق العالم المنخفضة التكلفة (إفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا الوسطى) مستعينة بالقدرات الدبلوماسية والمالية الكبيرة للحكومة الصينية، أو ما يعرف إعلاميًا بـ"فخ الديون الصينية".

هكذا استحوذت الصين على 60% من الإنتاج العالمي لمعادن الانتقال الطاقي. لكن الأمر يتجاوز مجرد الاستخراج بعدما أصبحت الصين الاقتصاد المهيمن عندما يتعلق الأمر بعمليات المعالجة والتكرير، فهي تسيطر على 85% من قدرات تكرير وإنتاج تلك المعادن، حيث تبلغ حصة البلاد من التكرير حوالي 35% للنيكل، و58% لليثيوم، و65% للكوبالت، و87% للعناصر الأرضية النادرة.

في المقابل، لا تظهر الولايات المتحدة بين أكبر المنتجين لأي من المعادن المدرجة. ولتقليص الفجوة، أطلقت إدارة بايدن مؤخرًا أمرًا تنفيذيًا لمراجعة الاستراتيجية الأميركية للمواد الحيوية والاستراتيجية.

ودفعت الهيمنة الصينية على المجال وكالة الطاقة الدولية إلى التحذير من أن الهيمنة الصينية على سلاسل توريد المعادن الرئيسية للتحول الأخضر في العالم، قد تشكل تحديًا رئيسيًا أمامها.

واحدة من مظاهر الصراع التي توظف فيها هذه الموارد جاءت بعد إعلان هولندا عن قيود جديدة على صادرات الرقائق الدقيقة المتقدمة إلى الصين في شهر تموز/ يوليو 2023. فيما ردت الصين بنظام مراقبة للصادرات يرقى إلى التهديد بفرض حظر على صادرات نوعين من المواد الخام الحيوية إلى البلدان غير الصديقة لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

أمّا المواد الخام التي اختارتها بكين، فقد تم تصنيفها بعناية، وهي: الغاليوم والجرمانيوم، نظرًا لدورهما في تصنيع سلع مثل أشباه الموصلات ومحطات الجيل الخامس الأساسية والألواح الشمسية، وهي عناصر ترمز إلى التحولات الخضراء ذات الأولوية العالية في الاتحاد الأوروبي، ويعتبر كلا المعدنين "حاسمين" و"استراتيجيين" وفقًا لمعايير الاتحاد الأوروبي.

وتتحول كافة المجالات التي تتداخل فيها الصين والدول الغربية إلى ساحة تنافس وصراع على النفوذ يهدّدان عملية التحول الطاقي والانتقال الأخضر في العالم، وتُظهِر أن لهذه العملية جوانب سياسية عديدة، تتكشف من خلال قصة المركبات الكهربائية، والسعي المستمر للسيطرة على إفريقيا.

المركبات الكهربائية.. نقطة صراع جديدة

"غزو المركبات الصينية". بهذه الكلمات تعامل أحد مدراء شركات السيارات الكهربائية الأوروبية مع نشاط شركات المركبات الصينية في أوروبا، إذ تتحول المركبات الكهربائية، أي إنتاجها وتصديرها، إلى ساحة جديدة من ساحات الصراع الدولي بين الصين والدول الغربية، حيث تستهدف بكين السوق الأوروبي بالأساس، وتهدف للاستحواذ عليه محاولةً استغلال التوجه الأوروبي إلى منع بيع المركبات التي تعمل على الوقود في عام 2035.

في المقابل، تتقدم الصين بشكلٍ كبير في مجال صناعة المركبات الكهربائية، وتتقدم بخطوات في مواجهة أوروبا تحديدًا. ففي منتصف عام 2022، انتعشت شحنات المركبات الكهربائية من الصين بعد الانتهاء من إغلاق كوفيد – 19، إذ شحنت شركات تصنيع السيارات في الصين ما قيمته 1.2 مليار دولار من سيارات الركاب الكهربائية، بزيادة 122% عن العام السابق.

أمّا أكبر سوق صيني فهو في أوروبا التي استحوذت على حوالي ثلاثة أرباع صادرات السيارات الكهربائية، مع توجه معظم الباقي إلى آسيا. وفي العموم، شكلت الصين 60% من الصادرات العالمية للسيارات الكهربائية في عام 2021. ومن المتوقع أن تستحوذ شركات صناعة السيارات الصينية على حوالي 15% من سوق السيارات الكهربائية في أوروبا بحلول عام 2025.

أمّا المأزق الأوروبي والارتهان الذي قد يكون إجباريًا للصين مستقبلًا، فهو مواجهة شركات المركبات الأوروبية مشكلة في الانتقال من محركات الاحتراق الداخلي إلى البطاريات.

وبالطبع، لا يتعلق السعي الصيني لزيادة تصنيع المركبات الكهربائية باهتمام مكتشف بالبيئة، خاصةً أنها تفضل تصدير هذه المركبات إلى أوروبا وغيرها من الأسواق، بدلًا من إرسالها إلى السوق المحلي، بل يرتبط فعليًا بتفضيل الانخراط في السوق العالمي للمركبات.

ويدور القلق الأوروبي حول فكرة أن المركبات الكهربائية المصنوعة في الصين يمكنها أن تقلب تجارة السيارات بين الصين والاتحاد الأوروبي رأسًا على عقب، ويقلل من الإنتاج الأوروبي منها، مما خلق توترات داخل الاتحاد نفسه حول كيفية مواجهة القطاع الصيني، الذي يتطور بالتوازي مع امتلاك شركات أوروبية في المجال.

يرتبط الجانب السياسي في القصة أساسًا في هيمنة الدولة الصينية على كافة الموارد والمكونات المستخدمة في صنع المركبات الكهربائية، التي "أصبحت الشركات الصينية خبيرةً فيها". ومنذ وصوله إلى الحكم عام 2013، ركز شي جين بينغ على قطاع الطاقة والاكتفاء الذاتي، وتعمق استثمار الدولة في هذا المجال، إذ تشير التقديرات إلى إنفاق الصين 60 مليار دولار على قطاع المركبات الحكومية في الأعوام من 2009 إلى 2017، وارتفعت بمقدار 66 مليار دولار أخرى من 2018 إلى 2021.

وتسيطر الدولة الصينية على غالبية موارد الليثيوم، وهو معدن مهم من أجل صناعة بطاريات المركبات، المحرك الأساسي للعمل في قطاع صناعة المركبات الكهربائية. كما تتمتع بإمكانية الوصول إلى الجرافيت والمكونات الأخرى، في حين أن أكبر شركة لتصنيع البطاريات للمركبات الكهربائية في العالم تقع في مدينة نينغده في مقاطعة فوجيان الصينية.

ووفق كافة التقديرات، فإن هذه الصناعة التي استفادت من الأسبقية في المجال، والأسعار التنافسية، وعدم الحاجة إلى تحويل نمط عمل مصانع المركبات، لم تكن لتنمو بهذا الشكل، وتمتلك موقفًا تنافسيًا، لولا الدعم الحكومي الصيني لها.

وتقول صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إنه: "حتى بالمقارنة مع التدفقات السابقة من العلامات التجارية اليابانية والكورية لاحقًا، فإن الموجة التي تلوح في الأفق من المركبات الكهربائية الصينية في أوروبا وضعت شركات صناعة السيارات في القارة على حافة الهاوية. وتخشى الحكومات أيضًا من انزلاق صناعة أخرى بعيدًا إلى أكبر اقتصاد في آسيا، في حين أن التهديد للوظائف المحلية سيختبر الكبرياء الوطني وربما يؤجج كراهية الأجانب"، وفق تعبيرها. 

يختلف هذا الوضع مع الولايات المتحدة الأميركية التي عززت من "حمائيتها"، في مواجهة المركبات الكهربائية الصينية من خلال رفع الرسوم الضريبية عليها من قِبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتعزيز هذا التوجه مع الرئيس الحالي جو بايدن من خلال قانون خفض التضخم، مما يصعب مهمة اختراق السوق الأميركية. ورغم صعوبة اختراقه، إلا أن الشركات الصينية بدأت بمنافسة الشركات الأميركية في هذا المجال، ومن بينها شركة "تسلا" التي تملك مصنعًا في شنغهاي. 

ومع ذلك، فإن الرئيس التنفيذي لشركة "فورد"، جيم فارلي، قال إنه: "ليس لديه أوهام حول ما تعنيه الصين بالنسبة لصناعته"، موضحًا: "نرى الصين على أنها المنافس الرئيسي، وليس جنرال موتورز أو تويوتا. الصينيون سيكونون القوة، على ما أعتقد".

ويعقب موقع "بوليتيكو" بقوله إن: "حقيقة أن شركة فورد – مع مصانع السيارات في الولايات المتحدة وأوروبا والصين – ليست مشغولة بتويوتا (أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم) أو جنرال موتورز (منافستها المحلية الرائدة) هي إشارة واضحة لكيفية تقييم شركة صناعة السيارات للتهديد من الصينيين والمركبات الكهربائية في السوق". ويعود ذلك إلى تفوق الصين على اليابان لتصبح أكبر مصدر للسيارات في العالم لأول مرة في التاريخ، وفقًا للإدارة العامة للجمارك في الصين. 

ويضيف الموقع الأميركي: "الخطر على الاقتصاد الأوروبي بالغ الخطورة. المركبات هي أكبر صناعة في القارة وأكبر جهة توظيف وتمثل 10% من نشاط التصنيع". 

في المقابل، تصارع أوروبا في الوقت الحالي من أجل زيادة "حمائية" أسواقها التي تواجه الخطر بشكل أكبر نتيجة الضرائب المنخفضة بالمقارنة مع أميركا، فيما تتحول صناعة المركبات الكهربائية إلى ساحة مواجهة سياسية ونقطة انشقاق داخل أوروبا نفسها، وبالتحديد بين ألمانيا وفرنسا، إذ تسعى الأخيرة إلى الحد من نفوذ الصين في هذا المجال، فيما يدور القلق الألماني حول مصانع المركبات داخل البلاد. وتتحول المركبات الكهربائية إلى حلقة ضمن صراع الدول الغربية والصين الذي يتجاهل، في جوهره، الواقع البيئي القائم ليصبح نقطة تصادم جديدة.

ويتجلى ما سبق في التنافس على أدوات التحول الطاقي، أي المعادن المستخدمة في عملية إنتاج المركبات الكهربائية التي تمتلك الصين نفوذًا كبيرًا بالسيطرة عليها. وبالأرقام، تسيطر الصين على 70% من سلاسل توريد المعادن النادرة التي ترتبط بعملية التحويل الطاقي، مما يطلق منافسة جديدة بينها وبين الدول الغربية في ظل حرب أوكرانيا والقلق على الميزان التجاري مع الصين.

ويقول عميد معهد العلوم الإنسانية في فيينا، ميشا جليني، إن: "التنافس على المعادن النادرة أصبح يحمل مخاطر جيوسياسية خطيرة.. وفيما يتدافع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة لتنويع سلاسل التوريد لمعادن النادرة وغيرها من المواد الخام المهمة، فإنهم يكتشفون أن الأمر ليس بهذه السهولة. إذا ترك السوق للشركات الخاصة، فلن يبتعد عن الإنتاج الصيني، بالتالي يجب على الحكومات التدخل".

التنافس الدولي: حرب باردة على إفريقيا

تتصارع الصين والولايات المتحدة الأميركية على عدة مناطق في العالم، من بينها أميركا اللاتينية وشرق آسيا وإفريقيا، التي يتكثف ويستعر فيها الصراع، وبالتحديد من أجل السيطرة على الموارد النادرة والأتربة الثمينة الهامة في عملية الانتقال الطاقي.

ووفق التقديرات، فإن إفريقيا تمتلك نحو 30% من الموارد المعدنية في العالم، وتشكل جزءًا بالغ الأهمية من عملية التحول الطاقي في العالم والحد من انبعاثات الكربون.

يدرك الكل جزئية التنافس العالمي في هذا المجال. وبناءً عليه، استضافت جنوب إفريقيا في شباط/فبراير من العام الفائت أكبر مؤتمر للاستثمار في مجال التعدين في العالم، وذلك وسط تنافس كبير بين الولايات المتحدة والصين على المعادن المهمة، مثل الكوبالت والليثيوم التي من المرجح أن تدعم التحول المتوقع إلى الطاقة النظيفة. ويعود ذلك إلى امتلاك الدول الأفريقية، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، بعضًا من أكبر الودائع من هذه الموارد. لكن الصين تهيمن حاليًا على سلسلة التوريد، فيما تريد الولايات المتحدة تقليل اعتمادها على العملاق الآسيوي.

وخلال مشاركته في المؤتمر، ألمح وكيل وزارة الخارجية الأميركية للنمو الاقتصادي والطاقة والبيئة، خوسيه فرنانديز، إلى هذا قائلًا: "لست بحاجة إلى تذكيركم بما يحدث عندما تكون سلسلة التوريد مرتبطة بالاعتماد على مورد واحد، لقد عشنا ذلك أثناء جائحة كوفيد، وهذه ثغرة أمنية نحتاج إلى حلها معًا".

وأشار فرنانديز – الذي لم يذكر الصين بالاسم – إلى أنه من المتوقع أن تسيطر السيارات الكهربائية على نصف السوق العالمية بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن يزيد الطلب على الليثيوم 42 ضعفًا بحلول عام 2040، فيما تُعد الصين مسؤولة عن حوالي 80% من الليثيوم في العالم.

وترى عدة تقديرات أن الصين جعلت احتكار سوق المعادن المهمة أولوية لها منذ حوالي عقدين من الزمن، وقامت بذلك من خلال استراتيجية دبلوماسية عامة ضخمة، واستثمارات في البنية التحتية في أفريقيا. فيما تعتقد التقديرات البحثية بأن: "الغرب انتبه بشكل متأخر إلى ذلك".

وتعتبر المعادن الأرضية النادرة ضرورية لإنتاج السيارات الكهربائية وتوسيع إنتاج التقنيات الخضراء. ومع ذلك، فإن استخراجها يمكن أن يأتي بتكلفة بيئية أو اجتماعية بالنسبة للبلدان الأفريقية التي لديها رواسب كبيرة.

وتهيمن الشركات الصينية حتى الآن على هذا المجال، حيث كانت شركة "Zijin" الصينية هي الراعي الأول لمعرض "Indaba" للتعدين هذا العام، وهي واحدة من أكبر مجموعات التعدين في العالم التي لها مصالح في الليثيوم والنحاس والمعادن الأخرى، وقد شارك فيه واحد من أكبر الوفود الأميركية على الإطلاق.

لا يقتصر الأمر على الكونغو فقط، فقد أصبحت منطقة شمال وغرب إفريقيا، وعلى نحو متزايد أيضًا، مركزًا للتنافس الجيوسياسي مع تزايد اهتمام الصين وروسيا باستخراج ومعالجة رواسب الكيانات الأرضية النادرة. وترى هذه التقديرات أن توسيع الصين لمبادرة "الحزام والطريق" يرتبط، إلى حد كبير، بالمعادن. وبحسب هذه التقديرات فإن حوالي خُمس جميع القروض التي قدمتها البنوك الصينية لإفريقيا تم تقديمها إلى دول ذات موارد أو ذات أهمية استراتيجية، مثل أنغولا وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وزامبيا، اعتبارًا من تشرين الأول/أكتوبر 2021.

وواحدة من أبرز مظاهر هذا الصراع الاستراتيجي إطلاق الولايات المتحدة وأستراليا وكندا وفنلندا وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والسويد والمملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية، شراكة أمن المعادن في أيلول/سبتمبر 2022 في اتفاقية جمعية المنقبين والمطورين في كندا.

وبالتزامن مع اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 أيلول/سبتمبر 2022، جمعت الولايات المتحدة الأميركية هؤلاء الحلفاء، فضلًا عن الدول الغنية بالمعادن، على أمل الوصول إلى الموارد والخبرات لدى الدول المتقدمة من أجل تعزيز معالجة المعادن النادرة محليًا. وكانت موزمبيق وناميبيا وتنزانيا وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية هي الدول الإفريقية الخمس التي تلقت الدعوات. وبحسب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، تهدف الشراكة إلى تعزيز ممارسات التعدين مع ضمان أن تبدأ الدول النامية في تحقيق مكاسب أكبر من معالجة مواردها الطبيعية. 

بدأت معالم هذا الصراع الاستراتيجي على العلن، بشكلٍ مبكر، في عام 2019 عندما أجرت وزارة الدفاع الأميركية محادثات مع شركة "مكانجو ريسورسز" المحدودة في مالاوي، وغيرها من شركات استخراج المعادن النادرة في جميع أنحاء العالم، بشأن إمداداتهم من المعادن الاستراتيجية في إطار خطة للعثور على احتياطيات متنوعة خارج الصين.

وجاءت هذه الخطوة مع تهديد الصين بالحد من صادراتها إلى الولايات المتحدة من المعادن النادرة، وهي مجموعة من 17 معدنًا تستخدم في عدد كبير من المعدات العسكرية والإلكترونيات الاستهلاكية عالية التقنية.

وعلى الرغم من أن الصين تحتوي فقط على ثلث احتياطيات الأرض النادرة في العالم، فإنها تمثل 80% من واردات الولايات المتحدة من المعادن لأنها تسيطر على جميع منشآت معالجة المواد تقريبًا. ولا ترتبط هذه المعادن في عملية الانتقال الطاقي فقط، بل تصل إلى جوانب عسكرية مثل دخولها في صناعة نظارات الرؤية الليلية والطائرات المصنوعة باستخدام معادن أرضية نادرة.

وترى الولايات المتحدة أهمية إفريقيا وامتلاكها للمعادن في جانبين أو مشكلتين، الأول هو النقص العالمي في المعادن التي ستكون هناك حاجة إليها إذا كان العالم يرغب في أن يحقق أهدافه المناخية. وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن صانعي تكنولوجيات الطاقة النظيفة سيحتاجون إلى 40 مرة أكثر من الليثيوم، و25 مرة أكثر من الجرافيت، ونحو 20 مرة أكثر من النيكل والكوبالت بحلول عام 2040، مقارنةً بالعام 2020.

أمّا الجانب أو المشكلة الثانية بالنسبة للغرب والولايات المتحدة، فهي نفوذ الصين الضخم على سلاسل التوريد، إذ تقوم الصين بتكرير 68% من النيكل في العالم، و40% من النحاس، و59% من الليثيوم، و73% من الكوبالت. وحول ذلك، يقول بريان مينيل، الرئيس التنفيذي لشركة "TechMet"، وهي شركة معادن: "كانت للصين حرية التصرف لمدة 15 عامًا، بينما كان بقية العالم نائمًا".

وبشأن المعادن الهامة والصراع المتصاعد عليها، يمكن تقديم مثال على مادة "الكوبالت" التي تستخدم في صناعة البطاريات، وهي مادة تُعد الكونغو مصدر حوالي 70% من الإنتاج العالمي منها، فيما تمتلك الكيانات الصينية أو لديها حصص في 15 من 19 منجمًا لإنتاج الكوبالت اعتبارًا من عام 2020. وما يثير قلق الولايات المتحدة، في هذا السياق، هو أن تتحول الصين إلى ما يشبه منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" في مجال المعادن نتيجة نفوذها واستثمارها الضخم في إفريقيا.

مع مرور الوقت، وازدياد التنافس العالم على إفريقيا، يمكن أن تكون القارة: "مسرحًا رئيسًا للحرب الباردة، وللمنافسة الاستراتيجية بين الجهات الفاعلة ذات المصالح المتباينة والمتضاربة".

وفي ضوء ما سبق، هناك تحذيرات جدية حول العالم تشير إلى أن هذه الصراعات على الموارد والمعادن المهمة قد تعيق عملية التحول الأخضر حول العالم والانتقال الطاقي، وتفتح الباب أمام صراعات جديدة في العالم ضمن تصور الهيمنة المتبادل بين الصين والغرب، ما يتسبب بتداعيات مناخية قد تكون مدمرة، إذ سيكون الصراع على النفوذ وسلاسل توريد المعادن فوق الخطر المناخي المحدق في الكوكب.

الكلمات المفتاحية

الأكثر قراءة

1

حكاية سيد درويش.. الحب والثورة والزوال

اعتُبر سيد درويش مخلّصًا للأغنية المصرية من عجمتها التركية، وقال البعض إنه أعاد الموسيقى إلى أصلها العربي كما كانت في زمن الخلافة العباسية

2

كل شيء رائحة.. العطور العربية في حياتها وموتها

تحدّث الرومان واليونانيون قديمًا بإعجاب عن بخور وطيوب سبأ، لدرجة أنهم وصفوا سكانها بأنهم من أثرى شعوب العالم، وأنهم يأكلون في أوعية من الذهب، ويسكنون بيوت فارهة

3

من يمتلك الإنترنت؟

تقول ولادة شبكة الإنترنت الكثير من ناحية تحولها إلى مجال للسيطرة والربح، خصوصًا حين نضع نصب أعيننا أنها استراتيجية اتصالية أميركية

4

"يا ما في الجراب يا حاوي".. الحواة من إبهار الشارع إلى شاشات التليفزيون

لم يكن الحواة فئة طارئة على المجتمع المصري، فقد تواجدوا في الشوارع والميادين العامة منذ القرن التاسع عشر الميلادي

5

طيف جيم كرو الذي لم يغادر الولايات المتحدة

أضفت قوانين جيم كرو شرعية قانونية على سياسة الفصل العنصري، وساهمت في ترسيخ ثقافة فوقية تضع السود في مرتبة أدنى من البيض، وتعزز العنف الممنهج ضدهم

اقرأ/ي أيضًا

الحروب والبيئة

دماء لا مرئية.. البيئة في عالم الحروب

تمتد الآثار الكارثية البيئية للحروب إلى تدمير الطبيعة واستنزاف الموارد، وإلحاق أضرار جسيمة بالتنوع البيولوجي، مما يسهم في تسريع وتيرة التغير المناخي وتهديد مستقبل البشرية

زاهر هاشم

أزمة النفايات الصلبة في غزة
أزمة النفايات الصلبة في غزة

حرب أخرى يواجهها الغزيون.. النفايات الصلبة قاتل صامت يتربص بغزة

تلال النفايات الصلبة المنتشرة بين مخيمات النازحين ومراكز الإيواء والشوارع، قاتل صامت يهدِّد حياة أكثر من مليوني شخص في قطاع غزة

دعاء شاهين

تغير المناخ

مفارقات الطبيعة: الاقتصاد الذي دمّر المناخ سيدمّره المناخ

تنتج البلدان ذات الدخل المنخفض عُشر الانبعاثات العالمية لكنها الأكثر تأثرًا بتغيّر المناخ، ويعاني سكانها من تداعيات مدمرة في مجالات الصحة والغذاء والمياه والتعليم

زاهر هاشم

الحاجة أم زياد وأزمة النفايات

الحاجة أم زياد وأزمة النفايات.. السيدة المصرية نجحت بما فشل به كلينتون

تعد النفايات البشرية قنبلة موقوتة تزداد آثارها الكارثية يومًا بعد يوم. وبحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإنه من المتوقع أن يزداد معدل الإنتاج البشري للنفايات بحلول عام 2050

معتز ودنان

العرب وأكل اللحوم.. عن علاقة الغذاء بالجنس والاستعمار والذكورة

استهلاك اللحوم في الوطن العربي.. الجنس والاستعمار والذكورة

تلبّي التفضيلات في مجال الغذاء أغراضًا اجتماعية وسياسية تتجاوز الغذاء نفسه إلى رهانات أخرى ذات صلة وطيدة بثلاثي: الجنس، والحرب، والاستعمار

محمد يحيى حسني

المزيد من الكاتب

فريق التحرير

فريق التحرير

الكارثة بوصفها فرصة: كيف يطلق الاحتباس الحراري سباق التسلح في العالم؟

لم تتعامل الدول الكبرى مع التغيرات المناخية في منطقة القطب الشمالي بوصفها "كارثة" وإنما "فرصة" تسعى إلى استغلالها بطريقة تجعل المنطقة ساحة صراع

الوحدة غير الممكنة.. الحياة الاجتماعية للقراءة

يقول إدموند وايت إنه قرأ الكتب من عدة زوايا؛ كباحث، ومعلم، ومحكم، وناقد. وعلى الرغم من أنه يجد قراءة الكتب من أجل المتعة أعظم فرحة، إلا أنه في حالات النقد والمراجعة يشعر بأنه مقيد بالالتزام

خوسيه ساريّا: أنا شاعر أندلسي

يتحدث ساريا في هذا الحوار عن علاقته بالشعر، والتجارب المؤثرة في تشكيل توجهه الشعري، وحضور الإرث الثقافي للأندلس في تجربته الشعرية

ما الولايات المتأرجحة في الانتخابات الأميركية؟

الولايات المتأرجحة ولايات حاسمة في مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعادةً ما تكون "ساحة المعركة" الحقيقية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري

فرنسيس كومب: أكتب ضد ما يرعبني

يؤكد فرنسيس كومب في أعماله الشعرية ونشاطاته المختلفة على انتمائه للتغيير وللشعوب المقهورة، وأصدر مؤخرًا مختارات بالفرنسية عن غزة