في عام 2011، نشر Ryan D’Agostino كتابه الذي سيصبح من أكثر الكتب مبيعًا في الولايات المتحدة، بعنوان "كُل كرجل: كتاب الطبخ الوحيد الذي قد يحتاج إليه رجل". غلاف الكتاب الذي نشر بالإنجليزية هو مجرد صورة لقطعة لحم بقري كبيرة، مع العنوان واسم المؤلف. لم تكن صورة اللحم البقري على الغلاف مجرد صدفة. من خلال بحث سريع يمكن العثور على عشرات الكتب التي تتضمن نفس المحتوى أو تعد به، والتي كما تشرح صافرونيا كارسون، في دراسة مفصلة، تستهدف بشكل أساسي جمهورًا من الرجال البيض، الغاضبين والفقراء واليائسين. تتضح هذه الصورة أكثر في نقيضها، حيث إن الكتب التي تستهدف جمهورًا من النساء غالبًا ما تتضمن وصفات نباتية، بصور أغلفة تملؤها الخضراوات والفواكه والمكسرات. إضافةً إلى النساء البيض، فإنه وكما تلاحظ الباحثة، غالبًا ما يتم ربط الحميات الغذائية النباتية بالرجال والنساء الملونين.
هذه العلاقة الشائكة بين الذكورة والعرق واستهلاك اللحوم هي أوضح من أي وقت مضى في الغرب اليوم، حيث يلجأ ملايين الرجال البيض للتعبير عن ذكورتهم العرقية في مجتمعات أكثر تعددية، وفي عالم من التحولات الاقتصادية والركود الذي هدد امتيازاتهم العرقية. لكن هذه العلاقة أقدم من ذلك بكثير، بل وتعود كما تشرح أدبيات عديدة إلى بدايات الاستعمار الأوروبي في آسيا وأفريقيا. على نحو خاص، فإن الرجولة الاستعمارية البريطانية خلال القرن التاسع عشر مثلًا ارتبطت بتناول لحوم البقر تحديدًا.
يشكل النظام الغذائي للبشر إذًا مجالًا خصبًا لتوليد العديد من المعاني وتفكيك الكثير من العلاقات التي تربط البشر بالطبيعة التي يتغذون عليها من جهة، والعلاقات التي تربطهم ببعضهم البعض من جهة ثانية. وعلى ذلك الأساس، توظَّف التفضيلات في مجال الغذاء توظيفات تلبّي أغراضًا اجتماعية وسياسية تتجاوز الغذاء إلى رهانات أخرى ذات صلة وطيدة بثلاثي: الجنس، والحرب، والاستعمار. أي بالقوة والسلطة بشكل عام. وفي هذا الصدد، تجادل بعض الدراسات بأنّ إحدى الطرق المهمة لبناء وتعزيز ضروب الذكورية المعاصرة المهيمنة، تتم من خلال النظام الغذائي الخاص باستهلاك اللحوم كعلامة مميزة للرجولة والفحولة، في مقابل ربط النظام النباتي في الغذاء بالأنوثة.
وفي مستوى آخر من إشكالية الغذاء والاستعمار، تربط نظريات النسوية البيئية الاعتماد المفرط على اللحوم في الغذاء بنزعة رأسمالية أبوية تدميرية للطبيعة والبيئة والمناخ. وتجادل بعض الدراسات في هذا الحقل المعرفي، بأنّ النساء في النظام الأبوي يختبرن عنفًا أكبر وفرص وصول أقل إلى الموارد، بما فيها الغذاء. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قام الاستعمار البريطاني في الهند بـ"تأنيث الثقافة الغذائية النباتية للهند" وربَطها بالجبن والخوف والخضوع، وذلك في مقابل الإعلاء من الثقافة الغذائية للمستعمِرين المتمثلة أساسًا في استهلاك اللحوم، بهدف تبرير الاستعمار والحماية. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على وجود صلة بين الغذاء والبنى الاجتماعية للجنس والعرق. ذات التنميطات حول الثقافة الغذائية يساهم ما يسمى الاستعمار الجديد في تكريسها عبر بروباغندا إعلامية وسينمائية تربط استهلاك اللحوم ومشتقات الألبان بالرجولة، بينما تربط النظام الغذائي النباتي، في المقابل، بالأنوثة والتخنث.
انطلاقًا من هذا المدخل الذي يبين أهمية النظام الغذائي في بناء المفاهيم المعاصرة للذكورة والأنوثة، واجتراح صيغ جديدة للتبعية ضمن ما يسمى الاستعمار الجديد، لا بد من خلال تاريخ أكل اللحوم في الوطن العربي تلمس تداعيات تفضيلاتنا الغذائية على نظام علاقاتنا بشكل عام بالجنس أولًا، لناحية تكريس عدم المساواة بين الجنسين في الغذاء، وعلاقتنا بالطبيعة ثانيًا لناحية خياراتنا الغذائية التي تتجه بنا نحو "إنكار الترابط بين الإنسان ومحيطه، وأن حق الوجود ملكٌ لجميع أشكال الحياة"، وثالثًا، علاقتنا بالاستعمار في أشكاله الجديدة لناحية مسايرة الأشكال الغربية الذكورية الأكثر إيذاءً للمرأة والطبيعة والبيئة والمناخ، من خلال رأسمالية السوق بجشعها وعدم عنايتها بالعدالة والطبيعة معًا. زد على ذلك أنّ الاستعمار التقليدي مدين لنا بعدالة تعويضية لمّا تنجز بعد، نظرًا لما قام به من استنزاف وحشي لثروات بلداننا واستغلال خيراتها. ففرنسا لم تعوض الجزائر، على سبيل المثال، عن استعمارها الاستيطاني وحصد أرواح مئات آلاف الجزائريين، ولو باعتذار. والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مستمر، على قدم وساق، في مصادرة الأرض ومواردها وحصد السكان الأصليين وإذلالهم بأساليب الاستعمار المختلفة.
ويقوم الاستعمار بذلك بعد أن يُنزل المستعمَرين إلى مرتبة أقل من الإنسانية، أي إلى مرتبة الحيوان، ليفقدهم بذلك أي حقوق، مما يخوّل له استباحتهم، وذلك بالضبط ما شاهدناه في تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، يصف فيه سكان قطاع غزة بـ"الحيوانات البشرية". وهذا تقليد استعماري راسخ القدم، فقد كان المستعمِر الأبيض في القرن التاسع عشر يقوم بنقل هنود السيلنام الأصليين بأمريكا اللاتينية لعرضهم في أوروبا في حدائق حيوان بشرية. فالمستعمر يساوي بين مستعمريه والحيوانات دائمًا، ليكون في موضع امتياز أمامهم، وليتخلص من أي مسؤولية أخلاقية تجاههم.
ويجادل بعض الباحثين أنّ بداية التأسيس الفكري لنبذ أخلاق العناية بالطبيعة وتأسيس مسلكيات التدمير والاستغلال المفرط للبيئة من حولنا، كانت مع عصر الأنوار الذي كرّس فيه فلاسفة ذلك العصر، وعلى رأسهم رينيه ديكارت، فكرة أن الطبيعة شيء لا روح له، شيء نتملّكه ونسيطر عليه بمعرفة القوانين التي تتحكم فيها. وكذلك تفعل الأنظمة الذكورية من أجل اضطهاد النساء وظلمهن، فتحولهن إلى غرض وأداة للاستعمال الشهواني. فشهية الطعام وشهية الاستعمال الجنسي للمرأة لا تنفصلان، حسب ما تجادل دراسات في النسوية البيئية، إذ "ثمة أوجهَ تشابه بين تعامل المجتمع الحديث مع الأرض وتعامله مع الناس الذين لا يستوفون شروط نموذج الرجل الأبيض الحديث. إنّ التعامل مع المحيط الطبيعي كمخزون للمادة غير الحية والصالحة للاستخراج، ومع النساء والبشر الملونين كمخلوقات دونية، شكّل نقطة التقاطع بين دمار الطبيعة والاضطهاد الاجتماعي".
لكن ماذا عن الوطن العربي؟
حسب آخر تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة "فاو" حول "التوقعات الزراعية 2018 ـ 2027"، أنتج المزارعون 323 مليون طن من اللحوم في سنة 2017، وهذا الرقم مرشح للزيادة بنسبة 15 في المئة في غضون 10 سنوات. ووفقًا للتقرير ذاته، يتربع سكان أميركا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) على صدارة معدلات استهلاك اللحوم، حيث يستهلك الفرد الواحد سنويًا حوالي 95 كيلوغرام من اللحم. أما في العالم العربي فتصل حصة الفرد الواحد من اللحم 25 كيلوغرامًا في السنة، وهو "ضعف حصة الفرد الواحد في أفريقيا"، وضعف حصة الهندي 6 مرات. إلا أن ثمة تباينًا كبيرًا بين الدول العربية في استهلاك اللحوم، فالرقم المعلن عن نصيب استهلاك العربي من اللحوم بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة، إذ إن دول الخليج بالإضافة إلى لبنان والأردن "تستهلك اللحوم بكميات تفوق المعدل العالمي" المسجل في أميركا الشمالية، حيث وصل استهلاك اللحوم في الكويت والسعودية في بعض السنوات إلى معدل 100 كيلوغرام للشخص الواحد في السنة. أما في الدول العربية الأخرى الأقل دخلًا، على غرار الجزائر والعراق: "فيتراوح الاستهلاك السنوي للفرد فيها ما بين 20 و30 كيلوغرامًا في السنة".
لكنّ هذه المعدلات الاستهلاكية العالية للحوم لم تكن هي السائدة في تاريخ مجتمعاتنا العربية، على الأقل وفقًا لما وصلنا من ذلك التاريخ موثّقًا في كتب الأخبار والطبقات والأعيان، التي تناولت المعيش اليومي للإنسان العربي في تقلباته بين البداوة والعمران.
وقد فرض شظف العيش المميز للبيئة الصحراوية البدوية على المجتمعات العربية اتباع نهج غذائي يطبعه التقشف في مكوناته، نظرًا لمحدودية الموارد المتاحة سواء الحيوانية أو النباتية. ولذلك تمثلت أهمّ وجبات العرب "الدسمة" قبل تشكّل المدن العربية الإسلامية الكبيرة، وما اقترن بها من تحسن ظروف العيش والرفاه أحيانًا، في "الثريد" و"المضيرة" و"العصيدة" و"الحريرة" والمرضوف"، وهي كلها أغذية بسيطة تتكون من عنصرين الخبز المفتوت المبلول بالمرق واللحم في حالة "الثريد"، أو اللحم واللبن الحامض في حالة المضيرة، أو الدقيق والحساء الدسم كما الحال في وجبة "الحريرة".
وبالتالي، من النادر أن يشكل اللحم عنصرًا واحدًا في الغذاء إلا في المرضوف الذي هو وجبة من اللحم المشوي، وهو وجبة غير متاحة للجميع وغير دائمة على مائدة العربي في بداوته الصحراوية. بل إن الوجبات الأخرى نفسها ارتبطت بمستوى من المقدرة الاقتصادية وبالفترات غير القاسية مثل فترات الجفاف والقحط، فالعرب كانوا إذا أجدبوا يأكلون أي شيء يدبّ على الأرض ما عدا "أم حبين أي الحرباء"، حسب ما جاء ذكره في كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة الدينوري المتوفى 276 للهجرة. لذلك أصبح من الأطعمة الجارية الاستعمال لديهم في معظم الأوقات "الغث: نوع من الخبز" و"التمر"، و"الهبيد: حب الحنظل"، و"الفطس: حبوب"، و"العنكث: نبات"، و"العلهز: دم الجمل ووبره المشوي"، و"العراجين: نوع من الكمأة"، و"الضِّباب"، "والجرابيع"، و"القنافذ"، و"الحيات".
وقد استغلت الشعوبية، كنزعة عرقية سلبية تجاه العرب، هذا الملمح في حربها الثقافية ضدّ العرب، فقال كاتبهم الوزير الساماني أحمد بن محمد الجيهاني، المتوفى سنة 375 للهجرة، إن العرب: "يأكلون الجرابيع والضِّباب والجرذان والحيات وكأنهم قد سُلخوا من فضائل البشر، ولبسوا أُهُبَ الخنازير، ولهذا كان كسرى يسمّي مَلِكَ العرب "سَكَان شاه"، أي ملك الكلاب. وهذا لشبههم بالكلاب وجرائها والذئاب وأطلائها".
الإمبراطورية والسرف في استهلاك اللحم
قبل تأسيس دولتي بني أمية وبني العباس، احتفظت لنا كتب الأخبار بمعلومات مهمة عن اتباع عدد من الأعيان في الفترة المبكرة من الإسلام لنظام غذائي لا يوجد فيه اللحم، دافعهم في ذلك أساسًا الزهد وإماتة شهوات الجسد بحرمانه من اللحم الذي كان علامة الصحة والفحولة، ومن بين هؤلاء سيّد بني العنبر عبد الله بن حبيب العنبري الذي كان يقال له "آكل الخبز"، وعبد الله بن عبد الملك الغفاري المتوفى السنة الثامنة للهجرة الذي كان يكنّى بـ"آبي اللحم لأنه لا يأكله"، ولعله يكون بذلك "أول نباتي عربي نعرفه". ويضاف إلى هؤلاء شاعر الحكمة المعروف أبو العلاء المعرّي الذي استنكف عن أكل اللحوم 40 عامًا "رأفة ورفقًا بالحيوان"، حسب ما ذُكر في أخباره.
وعلى العموم اتسم النظام الغذائي في دولة النبي، في المدينة المنورة، بالشظف والتقشف. لكن مع اتساع الفتوحات الإسلامية لتشمل العراق وبلاد الشام، واحتكاك العرب المسلمين بالحضارات المجاورة "فارس والروم"، وفي ظلّ وفرة الموارد، اتجه النظام الغذائي العربي إلى نمط جديد قوامه الوفرة والاستهلاك الفاحش للطعام ولا سيما اللحم. فتعددت الوجبات وتنوعت، ولا سيما بالنسبة للملوك والأمراء والوزراء والتجار.
وفي هذا الصدد، تذكر بعض المصادر أن وجبات ملوك بني أمية كانت تتراوح بين 5 و6 وجبات لليوم، ومن بين ملوك بني أمية اشتهر معاوية بن أبي سفيان وسليمان بن عبد الملك وأخوه هشام بن عبد الملك، ومن الولاة عبيد الله بن زياد والحجاج بن يوسف؛ بالإسراف في الأكل. وكانت اللحوم المكون الأبرز في استهلاكهم، حيث يقول ابن كثير في "البداية والنهاية": "لمّا صار معاوية إلى الشام أميرًا كان يأكل في اليوم سبع مرات، يُجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، ومن الحلوى والفاكهة شيئًا كثيرًا، ويقول: والله ما أشبع وإنما أعيا". ويضيف ابن كثير معلقًا: "وهذه نعمة ومَعِدة يرغب فيها كل الملوك"، وقد ظهر تأثير هذا النظام الغذائي سريعًا في انتشار السمنة بين الملوك والأمراء، فكان معاوية أول من يخطب جالسًا بسبب وزنه الزائد.
واستمر الأمر على هذا النمط مع خلفاء بني العبّاس نظرًا للموارد والإمكانات الضخمة التي وقعت تحت أيديهم ومستوى الإسراف الذي طبع استهلاك الملوك والأمراء للأطعمة وللنساء أيضًا "ملك اليمين"، فكانت مائدة الرشيد: "تشتمل على ثلاثين لونًا من الطعام في اليوم الواحد، وكان ينفق عليها يوميًا 10 آلاف درهم" حسبما ذكره المسعودي في "مروج الذهب". أما نفقة ابنه المأمون اليومية، فكانت تصل إلى: "ستة آلاف دينار، وربما احتوت مائدة طعامه على 300 نوع من الطعام".
يرتبط هذا النمط من الاستهلاك الفاحش بالضرورة باستنزاف الموارد وتكريس اللامساواة الغذائية بين شرائح المجتمع، وتنمية الروح الحربية لضمان تدفّق الموارد. وبالإضافة إلى ذلك، يعزز استهلاك اللحوم تصورًا جنسيًا عن الفحولة والرجولة يدفع، بشكل واع أو غير واع، بإنزال النساء مرتبة دون الرجال من ناحية حصص الطعام، وتحويلهن إلى موضوع جنسي للتناول فقط. لكن في الفترات التي تنتشر فيها المجاعة بسبب الأوبئة والقحط أو الحروب، كانت الأوضاع تنقلب رأسًا على عقب، فقد دفعت الشدة المستنصرية المصريين أثناء فترة حكم الفاطميين إلى أكل كل ما يدبّ فوق الأرض بسبب الجوع ونفوق الأنعام والدواجن.
ويشار إلى أن الدواجن قد دخلت في التفضيلات الغذائية العربية إلى جانب اللحوم الحمراء في فترة مبكرة مع العباسيين، وتشير إحصائيات منظمة الغذاء الدولية في زماننا الراهن إلى أنّ "ما يميز استهلاك اللحوم في العالم العربي اعتماده على الدواجن بشكل كبير، ثم على لحوم أنواع الماشية المختلفة، باستثناء لحم الخنزير، علمًا بأن لحم النوع الأخير هو الأكثر طلبًا في السوق العالمية".
وكغيرها من المناطق في العالم، فإن النمط الغذائي في الوطن العربي تأثر بشكل كبير بالتحولات العميقة في اقتصاد الطعام الرأس مالي، حيث صارت الوفرة في الإنتاج ميزة العصر الجديد. لكن لم يكن هذا التغير على مستوى الإنتاج فحسب، ولكن تزامن مع إنتاج خطاب متمركز غربيًا، في سياقات استعمارية وما بعد استعمارية، يعمم من قيم استهلاك اللحوم غربيًا ومن أطر الهيمنة والرجولة التي توجد هذه القيم فيها. وتجادل العديد من الدراسات أن البروباغاندا الغربية ونمط الاستهلاك الرأسمالي اللذين يربطان بين تناول كميات كبيرة من اللحوم بالفحولة والرجولة، هي أكبر دافع للاستهلاك المعمّم للحوم، في كثير من المجتمعات، ومن بينها مجتمعاتنا العربية. وفي هذا الصدد، تفترض بعض الدراسات وجود علاقة بين تصدير الأنظمة الغذائية الغربية (أي الوجبات السريعة والمشروبات الغازية والتركيز على استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان)، وبين معاييرنا للعلاقات بين الجنسين، ونظرتنا للبيئة والطبيعة من حولنا.
هل من مخرج؟
بات من شبه المؤكد أن لسلوكنا الغذائي وتفضيلاتنا الغذائية عواقب وتداعيات وخيمة على الاقتصاد والطبيعة وظاهرة التغير المناخي الآخذة في الاستفحال. فالصناعة الحيوانية تتطلب مساحات كبيرة من الأراضي للرعي وزراعة الأعلاف وموارد مائية ضخمة، ويتم ذلك على حساب الأشجار التي تقطع بمئات الآلاف. كما أن إنتاج كلغ واحد من اللحوم الحمراء يخلف حوالي 60 كيلوغرامًا من ثاني أوكسيد الكربون.
ووفقًا لبيانات "الفاو"، فإنّ: "إنتاج الطعام مسؤول عن 26 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة، وأن المنتجات الحيوانية تتسبب بنحو 58 في المائة من الانبعاثات المرتبطة بإنتاج الطعام عالميًا، رغم أنها لا توفر لمتناوليها أكثر من 20 في المائة من السعرات الحرارية التي يحصلون عليها عبر الغذاء".
أمام هذه الصورة القاتمة، تقترح دراسات في النسوية البيئية: "نزع الاستعمار عن الاقتصاد وأخلاق العناية" كمخرج من هذه الأزمة. ويعني نزع الاستعمار حسب هؤلاء: "الانطلاق من التصوّر الإيكولوجي للإنسان والعالم الذي يخلق صلات جديدة بين الكائنات البشرية وغير البشرية، وأشكال جديدة من العلاقات الاقتصادية التي تهدم الغيرية، وتتجاوز بذلك الفروق على أساس العرق والجندر والقومية". وبالتالي، فالنموذج الاقتصادي البديل عليه أن ينطلق من اقتصاد الاكتفاء، أي من فكرة "النصيب المتساوي من الأرض للجميع، والتقسيم العادل لثروات الأرض ضمن حدود الكوكب، وكذلك توزيع عادل للغازات الدفيئة. وهذا لا يعني التوقف عن استخدام الطاقة الأحفورية فحسب، بل نزع الطابع المادي عن الاقتصاد إلى حدٍ كبير".
وبحسب النسوية البيئية. لا يمكن تَصوُّرُ هكذا اقتصاد إلا من منظور ما بعد الرأسمال وما بعد النمو. ويتطلب هذا عقدًا اجتماعيًا إيكولوجيًا، تدور ثيماته الأساسية حول حقوق الإنسان الشاملة للجميع، والمساواة وأخلاق العناية ونزع الاستعمار والعدالة الجندرية، وتنشيط التضامن بين الحركات الاجتماعية والتحالفات التقدمية التي تجمع العلماء والسياسيين والنشطاء.