يجري التعبير عن النشاط الجنسي وترتيباته بطرق مختلفة، من بينها - حسب بعض الباحثين - الهندسة المعمارية للدار والمدينة والمجال بصفة عامة. ذلك المجال الذي يغدو، انطلاقًا من هذا المنظور، فضاءً جنسيًا وجزءًا لا يتجزأ من السرد الجنسي لحياة المجتمعات البشرية بما يكتنفها من تجارب متصلة بالسمو الروحي أو المعراج نحو السماء من جهة، وباللذة وسياسة الغرائز من جهة أخرى، وعبور كل واحد من الحقلين إلى الآخر.
وهنا يغدو التساؤل عن الطرق التي تتقاطع فيها العمارة أو المعمار مع الجنس مطروحًا بقوة. وبمعنى آخر، يتعلق الإشكال بما يسميه عبد الصمد الديالمي بالتفكير في ميتافيزيقا الجنس وقدسية المعمار، أي بالطرق التي يمكن أن تستجيب من خلالها العمارة للجنسانية والتعالي من جهة، والكيفية التي تثير بها تلك العمارة رغباتنا العميقة من جهة أخرى.
وعلى العموم، يقترح الباحثون في استكشاف العلاقة بين العمارة والجنسانية، أي النشاط الجنسي وترتيباته، خطاطةً تاريخية كانت البداية فيها مع صناعة التماثيل التي تصور الجسد، ثم انتقلت الفكرة في مرحلة لاحقة إلى الهندسة المعمارية: "إذ بدأ المعماريون تطوير أشكال معمارية تحاكي سيولة وديناميكية الجنس البشري، وتستثمر الأشكال العضوية للجسد في مباني ومعمار المدينة (المنازل، الجوامع، القصور، المحلات)، فالجسدي ـ الجنسي مؤسس بشكل لا شعوري للنظام التعميري والمعماري"، بحسب الباحث المغربي عبد الصمد الديالمي. ويذهب ميرلوبونتي أبعد من ذلك عندما يقول إن الجسد: "هو المقياس الأول لتنظيم العالم".
وسنرى أنه في العمارة العربية الإسلامية بالتحديد كان الجسد هو المشبّه به المثالي، مع استحضارنا أنه ليس ثمة من معطى أكثر حرمة من الجسد في مواضعاتنا الاجتماعية سواء كانت ثقافية أو دينية. ومن هنا بالذات، يمتح المعمار من "معين" القدسية ويسري عليه ما يسري على الجسد والجنس من تقابلات وتعارضات قائمة على ثنائيات (الطاهر والمدنس، المستقيم والمحدب، المركز والمحيط، الظاهر والخفي، الخارج والداخل، الأعلى والأسفل، العمودي والأفقي.. إلخ).
ومن بين الباحثين الذين اهتموا بكشف المضامين الجنسية للعمارة العربية الباحث المغربي عبد الصمد الديالمي الذي حاول في كتابه "المدينة الإسلامية والأصولية والإرهاب: مقاربة جنسية"، بلورة تاريخ جنسي للعمارة العربية الإسلامية التي تعد، كما الجنس، تعبيرًا مثاليًا عن المجتمعي لتوفرهما على حمولة أيديو ـ معرفية لا تخطئها العين.
ولا يرى الديالمي أن المجتمعات العربية استطاعت تجاوز تلك المرحلة بعد، فلما يتحول فيها الجنس والمجال: "إلى خيرات استهلاكية، إلى أشياء اقتصادية". تلك سيرورة لم تكتمل بعد حسب الديالمي عند: "الإنسان العربي ـ الإسلامي. وليس من المؤكد أنها ستكتمل ذات يوم، ما لم تكتمل مرحلة العبور من الأوهام".
التداخل والتقاطع بين الجنس والمعمار
إنه من الصعوبة بمكان "فصل العمارة عن البعد الجنسي لحياة الإنسان". ففي إطار "الهندسة المعمارية يتم تأمين الخصوصية وتجري معظم اللقاءات الحميمية"، وتلك هي الحاجات الرئيسية التي يلبيها المعمار للإنسان، سواء كان ذلك المعمار مدينة أم دارًا. لكن الفرضية الرئيسية التي يسعى بعض الباحثين إلى إثباتها في هذا الصدد تتجاوز "حاجيات الخصوصية والإخفاء التي يلبيها المعمار"، إلى افتراض وجود تداخل صميمي بين الجنس والمعمار واختراق كل منهما للآخر، بحيث يُخضع كل منهما الآخر ويقيده بالقيم التي يتقيّد بها هو نفسُه.
تتمظهر الرمزية الجنسية على مستوى المعمار العربي الإسلامي من خلال أربعة أنماط، يُجملها عبد الصمد الديالمي في النمط الرمزي القائم: "على إعطاء دلالة جنسية للموضوع المعماري، مما يؤدي إلى التمييز بين مواضيع معمارية مُذكرة وأخرى مُؤنثة، وذلك انطلاقًا من أشكالها الهندسية أو من وظائفها".
والنمط الثاني هو النمط اللساني القائم على اقتراض معجمي من مسميات الجسد بغية إسقاطها بشكل لا شعوري في الغالب على الأمكنة في المعمار: "فنسمي أمكنة معينة بأسماء أعضاء جسدية"، الغالب فيها أن تكون أعضاء مُجَنْسَنة أو قابلة للتجَنْسُن، قضيبية أو قبل قضيبية، مثل: الثغور، الفروج، صدر البيت، فم الدار، رأس الدرب، مما يفضي إلى: "اعتبار المجال امتدادًا للجسد وفضاءً أولَ للجنسانية". وبالتالي، فإن التماثل بين الجسد والدار يجعل من هذه الأخيرة جسدًا ثانيًا، يحتمي داخل جسد أكبر هو جسد المدينة.
أما النمط الثالث، فهو النمط الوظيفي وتدور أسئلته حسب الديالمي حول أمكنة الفعل الجنسي داخل المنزل، والربط بين الجنسانيات اللاشرعية واللاسوية وبين فضاءات معينة، ذلك أن: "أمكنة الجنس تختلف باختلاف طبيعة الجنس، وهو ما يوحي إليه التمييز الصارم بين الدار والماخور، أي بين النكاح والزنا، بين المقدس والمدنس".
والنمط الأخير يتمثل في النمط الحدودي المتعلق: "بانتصاب حدود مجالية بين عالم الرجال وعالم النساء، أي بتقسيم الفضاء المجالي إلى أماكن خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء داخل البيت وخارجه".
معمار انطوائي وجنسانية سلالية
يتميز المعمار العربي بالانطواء، وهذه الخاصية تعبر عن المحافظة من جهة وتعكس الوظيفية الدفاعية من جهة ثانية، فالمعمار الانطوائي: "يوجه حياة الدار نحو داخلها أو وسطها، أما بُعدَهُ الدفاعي فيبرز في غياب الشرفة والنوافذ والدرب اللامخرج والمدخل المكوّع". فالدار حَرَمٌ يحمي الحُرمة وهي حرمة الأنا الأبيسي في نهاية التحليل حسب الديالمي. كما أن المدينة أمٌّ ورَحِمٌ يؤوي المؤمنين ويضمن إعادة إنتاجهم باستمرار.
وفي ظل الحاجة إلى وجود نوافذ في المنازل المكونة من أكثر من طابق، قام التقليد أو القانون المعماري الإسلامي على ما أوصى به الخليفة الثاني عمر بن الخطاب واليه على مصر عمرو بن العاص، حيث أمره أنْ: "يراعي في بناء الدور والمساكن في الفسطاط إذا زاد عن طابقين أن تُرفع النوافذ في الطابق فوق الأرض إلى القدر الذي لا يسمح بأن يطل أحد من أهل الدار على جاره فيجرح حرمته، حتى لو كان المطل واقفًا على مقعد" (فريد محمود شافعي، العمارة العربية الإسلامية، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ص 9)، وكان ابتكار المشربيات لذات الغرض ثم للتهوية وأغراض أخرى.
وبما أن "الجنسي والمعماري" تعبيران عن المجتمعي بامتياز، فإن هذا النمط المعماري الانطوائي يُعبر حسب الديالمي عن: "إرادة حياة سلالية، أي عن إرادة الاحتفاظ بكل فتيات العائلة لفتيان العائلة، فتزوج المرأة من خارج السلالة الأبيسية يمكنها من نقل ثروتها الموروثة بفضل الشرع الإسلامي إلى أبنائها، أي إلى عَصَبٍ آخر"، والهدف من هذا النظام العربي المعروف للزواج الداخلي هو الحفاظ على وحدة الملكية العائلية بالحفاظ على وحدة أساسها الاقتصادي عبر الزواج الداخلي وأيضًا عبر الوقف والتحبيس على الأبناء. إن المعمار الانطوائي من هذا المنظور التفسيري: "يعكس إرادة الزواج الداخلي، أي إرادة الاحتفاظ بصفاء النسب وبوحدة الملكية العائلية وبتوارثها في الخط الأبوي".
يمكن القول، بناءً على ما سبق، إن النمط المعماري الانطوائي الذي يُوجه حياة الدار نحو داخلها/وسطها يعكس: "طريقة يعني بها المجتمع نفسه ويستغلها من أجل كتابة رؤياه للعالَم"، وذات الأمر ينطبق أيضًا على تدبير الجنس وسياسة الغرائز، فهي: "إحدى الأدوات الأساسية الخاضعة لمطلب المجتمعي"، من حيث الحث على "التزاوج/التناكح وتشجيع النسل والتكاثر العددي" بوصفهما: "مصدر القوة الاقتصادية والعسكرية بامتياز للقبائل المشكلة للدولة الإسلامية".
إذن، فالمعمار الانطوائي هو معمار "لا يكتسب معقوليته إلا بجانب جنسانية سلالية، إلى درجة أن المعمار يصبح سلاليًا في الوقت الذي تتحول فيه السلالة بدورها إلى معمار: درب فلان، طريق علّان. إلخ. ذلك هو الرهان المؤسِّس للمدينة العربية الإسلامية، ذلك هو التمزق بين المطلب السلالي (الخصوصي) وبين المثل الأعلى الإسلامي (الشمولي)، وهو تمزق يتحول إلى منطق عملي ينسحب على الفضاء والجنس معا باعتبارهما حقلين مختلفين للممارسة".
المدينة العربية: نظامُ الجسد نظامٌ للمعمار
يصل التحليل الجنسي للمعمار مداه تفسيريًا في تناوله لمعمار المدينة، والمقصود هنا المدينة العربية الإسلامية ما قبل الصناعية الحديثة. إن الحديث هو عن المدينة المسورة بأسوار عمودية (كقضيب منتصب على الدوام) بهدف "تحصينها" من الغزو والغرباء، وبصوامعها ومناراتها ومآذنها، وأيضًا بقبابها الدائرية رمزًا "للجسد الأنثوي أثناء الحمل"، وبتقابلاتها وتعارضاتها بين المحيط والمركز الذي يقوم حتمًا، حسب الديالمي، على التقابل بين الطاهر والمدنس، وهذا التقابل الأخير له: "أصل جنساني بين جنسانية مذكرة طاهرة، وجنسانية مؤنثة قذرة (حيض، نفاس)". ففي مركز المدينة، يوجد دائمًا الجامع الكبير والقصر وضريح مؤسس المدينة في العادة، وفي الأطراف توجد الأنشطة الحرفية الملوثة. ههنا أيضًا نجد أن: "الجسدي ـ الجنسي مؤسِّسٌ بشكل لا شعوري للنظام التعميري والمعماري".
وفي هذا السياق، يشار أيضًا إلى القرض المعجمي من لغة الجسد وإسقاطه على المدينة، والمثال الكلاسيكي الدال على هذه الحالة هو نموذج المدينة ـ الثغر، حيث الجسد يقرض المدينة أحد أعضائه، وما يؤكد أسبقية الدلالة الجسدية لكلمة الثغر المرادفة للفم على دلالتها المجالية الحضرية ما نقله لنا الطبري عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عند خروجه إلى الشام سنة 17 هجرية بقوله: "وقسّم الأوراق وسمى الشواتي والصوائف وسد فروج الشام ومسالحها. وقال فجندنا لكم الجنود وهيأنا لكم الفروج". وفي تعليقه على كلام الطبري، يقول طه الولي: "أطلق اسم الفروج على ما عرف بعده باسم الثغور". وكلا التسميتين وفق الديالمي: "هما لمسمى واحد، فقد جاء في لسان العرب: الفرج، الثغر المخُوف، وهو موضع المخافة، وجمعه فروج. سمي فرجًا لأنه غير مسدود".
وكما أن معمار الدار هو معمار انطوائي دفاعي، كذلك الحال بالنسبة لمعمار المدينة العربية بأسوارها ومركزها ومحيطها ومتاهات دروبها وطرقها. وتعمل المدينة هي الأخرى في تناسق واضح مع "استراتيجية الزواج الداخلي". وبالتالي، يعد معمارُها معمارًا يحمي استمرارية الأنا البطريركية: "من خلال تحوله إلى حرم يحمي الحرمة".
ويقود هذا التمشي إلى استنتاج آخر لا يقل قيمة معرفية، ألا وهو عجز المدينة العربية عن صهر المجموعات القبلية المشكلة لها وتجاوز الطابع الانقسامي لمجتمعها على أساس القبيلة والعائلة. مع العلم أن تلك المدينة كانت تهدف: "في مشروعها التأسيسي إلى تجاوز التجزؤ القبلي وإلى القضاء على المعمار السلالي". والسبب، حسب الديالمي، يتمثل في استراتيجية الزواج الداخلي التي اخترقتها وأصبحت المدينة خادمةً لها بطابعها المعماري الانطوائي الدفاعي.
أما السبب الثاني، فيتمثل في أن: "الهوية الانقسامية لا تندثر إلا داخل المجتمعات الفردانية الليبرالية". بناءً على هذا الاستنتاج، تغدو المدينة العربية مجرد "مكثف اجتماعي ليس لها مفعول إدماجي تحويلي"، ما يعني أنها مجرد: "تجميعٍ مركّز لهويات اجتماعية مختلفة متصارعة في فضاء محدود مسيج بأسوار مقاومة ضد المدينة لكن داخل المدينة". وفي نموذج المدينة الأولى التي أُسِّست في الإسلام وكانت عاصمة المسلمين لعدة عقود، ثارت ثائرة الهويات القبلية بعد وفاة النبي (ص) مباشرةً في قضية سياسية هي قضية التآمر على المسلمين بعد وفاة نبيهم، حيث طُرح في اجتماع السقيفة مقترح الأنصار (الأوس والخزرج) "منا أمير ومنكم أمير"، وهو مقترح قائم على الانقسامية القبلية بشكل واضح. ولم يُحسم الموضوع إلا بحل قبلي تمثل في مقولة أول خليفة للمسلمين بعد النبي أبو بكر الصديق: "إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش"، قبل أن ينفجر الصراع لاحقًا في حدث الفتنة الكبرى.
يغدو السؤال المطروح عندئذ هو: ما إذا كانت المدينة العربية الحالية قد تمكنت من التحول إلى مدينة حديثة تقوم بوظيفة الصهر والدمج وتتجاوز الطابع الانقسامي القبلي؟
الحداثة على صعيد المعمار وسياسة الغرائز
في الوقت الذي يحاجج فيه البعض أن الهندسة المعمارية ما يزال لها دور في تشكيل وعكس العلاقات الجنسية والثقافية، يرى آخرون بأن الجنس والمجال تحولا في الحداثة ومدنها الصناعية الحديثة إلى مجرد خيرات استهلاكية أي إلى أشياء اقتصادية، فعمودية ناطحة السحاب لا تعكس كما يقول عبد الصمد الديالمي: "رغبةً في التعالي أو سيادة المذكر" شأن المنارات وأعمدة أسوار المدينة والمآذن، ذلك أنها: "عمودية تدل فقط على تسليع المجال وتشييئه فهي استجابةً لهاجس اقتصادي بالدرجة الأولى"، إذ يتعلق الأمر بتوفير السكن لأكبر عدد ممكن من السكان في أصغر مساحة سكانية ممكنة. لقد غدا المجال مجرد مُفْرِزٍ للمال "وفي ذلك تقلص دلالي عنيف". وينطبق ذات الاستنتاج على مجال "الجنس" الذي غدا بدوره خاضعًا للنظرة الوظيفية الأداتية القائمة على التسليع، وفي ذلك تسطيح شديد لحقل الجنس وإفراغه من المعاني العاطفية الشديدة.
وفي ظل العولمة والتشييء والتسليع، أصبح المجال والجنس: "كما لو أنهما عاجزان عن التعبير، فقد تحولا معًا إلى بضاعة سوقية، فقدت كل إحالة إلى الميتافيزيقا وقدسية الرمز".
إلا أن مثل هذه السيرورة لم تكتمل بعد عند الإنسان العربي ـ الإسلامي وفق عبد الصمد الديالمي، فما تزال جَنْسَنَةُ المجال قائمة بنسب متفاوتة وكذلك تَمْجِيلُ الجنسانية. فالحدود المجالية بين عالم الرجال وعالم النساء ما زالت فاعلة داخل البيت وخارجه في أماكن مثل الحمام والمسجد، وفي ذلك دليل على: "استمرار قدسية المجال والجنس، ودليلًا على عدم تحويلهما إلى أشياء اقتصادية بشكل كلي"، بل إن بعض الفضاءات الأكثر حداثة ـ التي لا تحمل علامة دينية ـ تستمر فيها تلك الحدود الجنسية: "فجلوس المرأة في المقهى لم يتحرر من بعض الشروط التي تبين أن الحداثة المجالية لا تعني آليًا الحداثة الجنسية التي هي سيرورة مناهضة للتقسيم الجنسوي للمجال".
إن المشكلة التي تنجم عن عدم التزامن في التحديث داخل الحقل الجنسي أو المجالي هي: "تحول كل حقل إلى وحدة منفجرة، إلى مخلوق متعدد التشوه ينقصه الاندماج، ففي المدن الكبيرة تتأرجح الأوساط الشعبية بين تأجج الرغبة الجنسية، وبين قلة حظوظ إشباعها رغم وفرة الإثارة"، والسبب شح الأمكنة أي الوسائل المادية متمثلةً في السكن أو الأمكنة المناسبة ومعاناة البطالة عند قطاع كبير من الشباب الذين أججتْ المدينة العربية الرأسمالية رغبته الجنسية دون أن توفر له المكان المناسب نظرًا لاعتبارات سوقية بالدرجة الأولى، وذلك ملمح بارز من ملامح تناقضات المدينة الرأسمالية في العالم العربي. ويطال شح الأمكنة العلاقات الزوجية الشرعية نظرًا لتقلص حجم المسكن والزيادة العددية في أعضاء الأسرة ما يفقد السكن الحضري وظيفته السوسيولوجية بسبب حالة الاكتظاظ الذي يحتم في مسكن الحياة الزوجية ظاهرة النوم غير السوي وغياب الخصوصية. يضاف إلى هذا القيد "القيود الدينية والقانونية" وفق الديالمي.
إنها وصفة مكتملة لظاهرة العنف والتفلت التي تتخذ نزعة حربية عند الأصوليات الفكرية التي يعد "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" المكنى "داعش" مثالًا عمليًا عليها. فهذه الظاهرة في وجه من وجوهها تعبير عن حرمان جنسي. وتتخذ داخل الأسر في الفضاء الحضري شكل النزاعات العائلية بين الزوجين وعصبية وعنف الأطفال، وفي الشارع تنتج ظاهرة التحرش والعنف الجنسي الذي يعد الاغتصاب درجته القصوى بسبب عدم التخلص من النظرة إلى المرأة كموضوع جنسي للاستهلاك، خاصةً عندما تخرج إلى الشارع في وسائل النقل وفي بيئات العمل والمقاهي وأماكن الترفيه.