أقرت ألمانيا العام الماضي صادرات أسلحة إلى إسرائيل بقيمة 363.5 مليون دولار منها عتاد عسكري وأسلحة تستخدم في الحروب، بزيادة 10 أضعاف عن عام 2022، وفق بيانات وزارة الاقتصاد التي توافق على تراخيص التصدير، لكنها علّقت مؤخرًا جزءًا من تراخيص أي صادرات أسلحة جديدة إلى إسرائيل، وذلك في الوقت الذي تتعامل فيه مع تحديات قانونية ضمن ملف الجنائية الدولية التي رفعته جنوب إفريقيا. وخلال هذا الأسبوع جدد المستشار الألماني أولاف شولتز دعمه لإسرائيل وتزويدها بمزيد من الأسلحة.
لكن هذا التعليق المنوط بوجود قضية دولية، لا يجب أن يخفي دور ألمانيا في دعم إسرائيل في كافة جرائم الحرب التي نفذتها منذ خمسينيات القرن الماضي، والتي كان جزء منها يجري سرًا كما حدث عام 1967 عندما ادعت تعليق تصدير الأسلحة لإسرائيل بينما كشفت التقارير حديثًا أنها كانت تصدرها سرًا، مما يطرح سؤلًا عما إذا كان التعليق الحالي للأسلحة هو جزء من التواطؤ السرّي.
"إذا كنت تريد أن تكون صديقًا جيدًا لإسرائيل، فالانتقاد أمر جيد، عندما يكون صديقك في حالة سكر، لا تقدم له مشروبًا آخر، بل تأخذه إلى المنزل وتضعه في السرير"، هذا ما قاله الناشط الإسرائيلي، ألون لي جرين، في ندوة عقدت في برلين في كانون الأول/ديسمبر 2023، منتقدًا فيها إفراط السياسة الألمانية في الدفاع عن إسرائيل، في ألمانيا، يجمع الإفراط في الدفاع عن إسرائيل بين السياسيين الألمان من كافة التيارات على مبدأ واحد، دعم إسرائيل المطلق وغير المشروط، ويقصي أناسًا من مختلف الأعراق والأديان والجنسيات والأصول بسبب موقف واحد، انتقادهم لإسرائيل، هكذا ببساطة يمكن أن يلتقي اليسار مع اليمين، وهكذا يمكن الجمع بين شاعر هندي وسياسي أسترالي وفرقة أيرلندية ومؤرخ أمريكي، وكاتب مسرحي إسرائيلي نمساوي وروائية فلسطينية، أنهم جميعهم، وجدوا أنفسهم قد أقصوا فجأة في ألمانيا، لأنهم انتقدوا إسرائيل وهو ما يعتبره الساسة الألمان معاديًا للسامية.
عندما تقدّمت جنوب إفريقيا بدعوى قضائية للمحكمة الجنائية الدولية، كادت ألمانيا أن تسبق إسرائيل في تولي مهمة الدفاع عنها، فسارع ستيفن هيبستريت، المتحدث باسم الحكومة الفيدرالية الألمانية، للقول إن الاتهامات الموجهة ضد إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، ومع أن تدخّل ألمانيا كطرف ثالث يستدعي أن تكون متأثرة قانونيًا بقضية جنوب أفريقيا، فإنها لم تفسّر أبدًا سبب إعلانها هذا وكيف تأثّرت بالدعوى الجنوب إفريقية، لكن يمكن لهذه المادّة أن تفسّر الكثير من هذا الاندفاع الألماني تجاه إسرائيل في من عدّة زوايا.
يصف المؤرخ إسرائيلي راز سيغال، المقيم في الولايات المتحدة والباحث في دراسات المحرقة، ما يحدث في غزة منذ السباع من أكتوبر بـ "حالة نموذجية من الإبادة الجماعية تتكشف أمام أعيننا"، ومع ذلك، ظلت الحكومة الألمانية والمشهد الإعلامي الألماني صامتين إزاء القصف الإسرائيلي الوحشي لغزة. ولنكن أكثر دقّة فألمانيا ليست صامتة فقط على جرائم الحرب الإسرائيلية، بل إنها متواطئة فيها، بدليل تصريحات الحكومة التي تؤكد باستمرار دعمها لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، وهو مفهوم لا ينطبق على احتلال من الناحية القانونية، وتقديمها الدعم غير المشروط لإسرائيل، وتعهد أعضاء البوندستاغ بالإجماع بمنح إسرائيل "التضامن الكامل وكل الدعم"، وهو دعم دون قيد أو شرط فيما تنتهك إسرائيل اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والقوانين المطبقة في النزاعات المسلحة الدولية، إضافة للدعم العسكري غير المحدود.
تدّعي ألمانيا إن دعمها غير المشروط لإسرائيل متأصل في الدولة "ألمانيا الموحّدة" كسبب وجودي، فباعتبارها من ارتكب المحرقة، ترى ألمانيا نفسها ملزمة بضمان أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها فوق أي اعتبار وتحت ذريعة أن هذا الالتزام مسألة "مصلحة دولة"، لا يخضع للنقاش ولا لوجهات النظر، ولا حتى رأي الأغلبية في دولة ديمقراطية، ومن الأمثلة الواضحة التي تدين ألمانيا صراحة بتواطئها، تقديمها طائرتين مقاتلتين بدون طيار من طراز "هيرون تي بي" للقوات الجوية الإسرائيلية التي قتلت أكثر من 30 ألف فلسطيني حتى بداية شهر آذار/ مارس 2024، وتشكل الغواصات القادرة على حمل أسلحة نووية واحدة من العديد من التعبيرات الألمانية المادية عن هذا الالتزام تجاه إسرائيل، وفي تصريح لصحيفة "دي زايت" الألمانية، قالت المستشارية الألمانية حينها أنجيلا ميركل إن تمويل ألمانيا للغوّاصات يُظهر أنّ ألمانيا ما زالت ملتزمة بمسؤوليّتها التاريخية تجاه أمن إسرائيل "غير المشروط"، وبحسب وزارة الاقتصاد الألمانية شهد العام 2023 تصدير سلاح بقيمة تقارب 305 ملايين يورو إلى إسرائيل، أي ما يقرب عشرة أضعاف المبلغ لعام 2022، وبينما تسمح القنوات التلفزيونية العامة في ألمانيا بإطلاق دعوات لإبادة غزة، فإنها ملتزمة بالصمت إزاء سياسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وبينما تقدّم الحكومة دعمها غير المشروط لإسرائيل فإنها تحظر المظاهرات التضامنية مع غزة وتجرّمها وتنتشر على نطاق واسع ممارسات وحشية من الشرطة ضد المتظاهرين، إلى حد اضطرار منظمة العفو الدولية في ألمانيا إلى إصدار بيان يذكر الحكومة بحرية الشعب في التجمع.
ومن المفارقات في ألمانيا، أنه في حين تدعي وزارة الداخلية أنها "تعطي الأولوية لحرية اليهود"، فإنها تعمل جاهدة لقمع تلك الآراء اليهودية أيضًا، في حال كانت لا تتماشى مع الخطاب الصهيوني، فألمانيا الرسميّة تعترف باليهود فقط عندما يكونون صهاينة وداعمين لإسرائيل، أما باقي اليهود فهم يهود من منظور نازي لم يفارقها، أو كما يعيّر عن ذلك الملحن اليهودي من مدينة فرانكفورت، فيلاند هوبان، عندما انتقد الدولة الألمانية في سياساتها بما يتعلق بتعريف الساميّة "عندما تخبرك الدولة كيف تكون يهوديًا، فهي تمارس عليك معاداة السامية".
في استطلاع للرأي في أيار 2023 أجرته صحيفة فيلت أم زونتاغ الألمانية تبيّن أن "الشعب الألماني يقف بشكل واضح إلى جانب الفلسطينيين، و13% فقط يرون أن السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين عادلة"، فرأت النخبة السياسية في ألمانيا هذا الرأي معاديًا للساميّة، وذهبَ أوميد نوريبور، الزعيم المشارك لحزب الخضر الموجود في الائتلاف الحكومي، لاعتبار نتائج الاستطلاع دليلًا على جهل أكثر من نصف الألمان لما سمّاه "المسؤولية الخاصة عن أمن دولة إسرائيل"، وكرّر هذا الخطاب المستشار الألماني أولاف شولتز عقب عملية طوفان الأقصى عندما زار تل أبيب وصرّح من هناك أنه "لدى ألمانيا مسؤولية تاريخية لحماية إسرائيل"، مبررًا ذلك بأن الألمان أبادوا اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، ولذلك على بلاده محو وصمة العار هذه من خلال حماية الأجيال اليهودية التي أتت بعد الحرب، متجاهلًا أن ألمانيا النازية قتلت أثناء الحرب العالمية الثانية الملايين من غير اليهود، لكن لا أحد في الدولة الألمانية يشعر بضرورة حماية هؤلاء الناس أو الدفاع عنهم أو تعويضهم.
تشير عبارة مصلحة الدولة أو "Reason of State" التي لا تفارق تصريحات السياسيين الألمان عند تبرير دعمهم المطلق لإسرائيل، تشير في الأدبيات السياسية إلى الدافع وراء اتخاذ إجراء حكومي بناءً على احتياجات أو متطلبات للدولة، بغض النظر عن أي انتهاك محتمل لحقوق مواطنيها أو الاعتداد برأيهم، ويستخدم السّاسة الألمان، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية، ومن أقصى اليمين المتطرف إلى اليسار الاشتراكي، يستخدمون هذا المفهوم كسند قانوني لدعم القضية الإسرائيلية، بصفتها وعدًا ودينًا على ألمانيا يجب الوفاء به، دون الالتفات إلى الرأي العام.
هوس المسؤولين الألمان بمصطلح مصلحة الدولة "Staatsräson"، يتجلى في كثير من الأمثلة الحيّة، ففي خطابيها أمام الكنيست وفي برلين عام 2008 في ذكرى ليلة الكريستال، ادعت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل أن "حماية أمن إسرائيل جزء من عقلية الدولة الألمانية"، وفي أيار/ مايو 2019 أصدر البوندستاغ قرارًا يدين حركة المقاطعة (BDS) باعتبارها معادية للسامية، مؤكدًا في قراره على أن "أمن إسرائيل هو جزء من مصلحة دولتنا"، وفي الذكرى الخامسة والسبعين لقيام إسرائيل، أكّد خليفة ميركل، أولاف شولتز، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أن حكومته تبذل قصارى جهدها "لمكافحة معاداة السامية بكل أشكالها بحزم، بما في ذلك معاداة السامية المرتبطة بإسرائيل، وأن أمن إسرائيل كان وسيظل مصلحة دولة بالنسبة لنا".
تعرض هذا المفهوم لكثير من الانتقادات منذ بدايات القرن الماضي، تحديدًا بعدما وظفّه الفيلسوف كارل شميت إبّان الحكم النازي ليوائم "حالة الاستثناء" القائمة على تحديد العدو الرسمي من قبل الزعيم حصرًا وبما يراه هو مناسبًا. ففي كتابه "التعليم بعد أوشفيتز"، أصرّ تيودور أدورنو على الحاجة إلى معالجة نقدية لهذا المفهوم، فمن خلال وضع حق الدولة فوق حق مواطنيها "لن يكون هناك إلا الرعب". وأشارت حنة أرندت، في كتابها "أيخمان في القدس" إلى أن المفهوم يحمل في طياته الإشارة ضمنًا إلى أن تصرفات الدولة لا تخضع لنفس القواعد التي تخضع لها تصرفات مواطني البلاد، كما أكّد رئيس مركز آن فرانك الألماني، ميرون مندل، والمولود في إسرائيل، إلى أن "مصلحة الدولة" يتعارض مع تكريس الدستور الألماني للحفاظ على كرامة الإنسان، وأن القادة الألمان يقدمون دائمًا دعمهم لإسرائيل تحت مبررات أخلاقية، ما هي في الواقع إلا حسابات سياسة لاستعادة مكانة ألمانيا في العالم، ولكي لا تضطر إلى التعامل مع فشلها في التصالح مع ماضيها النازي.
منذ 2018، وظفت الدولة الألمانية "مفوّضين من غير اليهود" تتمثل مهمتهم في محاربة معاداة السامية وتعزيز الحياة اليهودية في ألمانيا، أمثال العالم السياسي صموئيل سالزبورن، الذي سبق له أن قال في تغريدة "عندما يبدأ الأشخاص الجالسون على الطاولة التالية في القطار في ذكر فلسطين دون سبب على الإطلاق، فهذا الوقت المناسب لوضع سماعات الرأس أو النزول من القطار ونحن نصرخ في وجوههم أنهم معادون للسامية"، سالزبورن ليس حالة استثنائية بين هؤلاء المفوّضين الذين وصل بهم الحال للسخرية والتحريض حتى من اليهود المناهضين للصهيونية، فمفوض معاداة السامية في ولاية بادن فورتمبيرغ، مايكل بلوم، سخر من منظّمة الصوت اليهودي "Jüdische Stimme" المناهضة للاحتلال، ووصفها بأنها منظمة "يفترض أنها يهودية"، كما لو أن اليهود الحقيقيين الوحيدين هم الصهاينة الداعمون لتحالف ألمانيا غير المشروط مع إسرائيل.
في ألمانيا لا يشكّل الانتماء السياسي والحزبي والأيديولوجي أي فرق فيما يتعلّق بدعم إسرائيل، ويبدو أن مفهوم "مصلحة الدولة" أثبت بالفعل أنه "وسيلة لاستعادة مكانة ألمانيا في العالم" كما اقترح ميرون مندل، فحتى حزب الخضر، الذي يسعى من نهاية الحرب العالمية إلى السلام العالمي، يعمل من ذات المنطلق عندما يتعلق الأمر بمشاركته في الحكم، وفي مقابلة مع دانييل مارفيكي مؤلف كتاب "ألمانيا وإسرائيل: التبييض وبناء الدولة"، يقول إنه بالنسبة لألمانيا لم تشكل التعويضات المدفوعة لإسرائيل منذ خمسينيات القرن الماضي ضغطًا على الميزانية، بل على العكس تمامًا، تبين أن مدفوعات التعويضات كانت بمثابة استثمار مربح من الناحية الاقتصادية وحدها، وذلك لأن التعويضات كانت تُدفع على شكل سلع وليس نقدًا، وكانت بمثابة حافز للاقتصاد الألماني، ومع ذلك، كانت هذه التعويضات حاسمة بالنسبة لإسرائيل، فقد ساعدت في تحديث الاقتصاد الزراعي، وخلافًا للتفكير الشائع، فإن التحالف الأميركي الإسرائيلي لم ينطلق فعليًا بشكله الحالي إلا بعد عام 1967، وقبل ذلك، كانت فرنسا وألمانيا من أهم موردي الأسلحة إلى إسرائيل، وفي حين كان على إسرائيل دفع ثمن الأسلحة الفرنسية، كانت الأسلحة الألمانية تأتي بالمجان.
جيوسياسيًا، تشكلت العلاقة العسكرية بين ألمانيا وإسرائيل بعد حرب السويس عام 1956 عندما هاجمت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مصر، وعارضت الولايات المتحدة حينها التدخل فاحتاجت إسرائيل إلى التوجه أكثر نحو ألمانيا، والتي شكّلت علامة فارقة في انتصار إسرائيل لاحقًا في حرب 1967، وفي المقابل، تقرر اندماج ألمانيا الغربية في تحالف الغرب في الحرب الباردة منذ 1952، وكان حينها إظهار ألمانيا للندم على نازيتها مهمًا، ولكنه لم يكن على رأس قائمة أولويات واشنطن في ذاك الوقت.
كان المستشار الألماني كونراد أديناور في سيتينيات القرن الماضي يردّد كلام ثيودور هرتزل بأن إسرائيل ستكون موقعا متقدمًا للحضارة الغربية في الشرق، وكان في الواقع أكثر تأييدًا لدعم إسرائيل من نظرائه في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي لم تكن تريد أن تظهر وكأنها تنحاز علنًا إلى إسرائيل كي لا تثير غضب الدول العربية الواقعة تحت تأثير الناصرية القومية، بينما كان أديناور متحررًا من هذه المخاوف، ولو كان هناك أي خيار آخر أمام إسرائيل لما طبّعت علاقاتها مع ألمانيا، فثلث السكان المؤسسين لإسرائيل ناجون من المحرقة، والجميع حينها كان لديه عائلة أو أصدقاء قتلوا على يد الألمان، وقد ثار المجتمع الإسرائيلي بالفعل ضد قرار دافيد بن غوريون الدخول في مفاوضات التعويضات مع ألمانيا.
تقدّم ألمانيا سنويًا أكثر من مليار دولار كتعويضات لإسرائيل -كان يجب أن تنتهي مع نهاية العام الفائت لكنها مددتها لعام 2027- لضحايا الهولوكوست وورثتهم، لكن هل ألمانيا مقتنعة فعلًا بأنها بذلك تكفّر عن ذنبها النازي في قتل 6 ملايين يهودي؟ فلو كان الأمر كذلك، لكان عليها أن تقدم تعويضات أكبر بكثير لنحو 11 مليون قتلتهم من العرق السلافي في بولندا والاتحاد السوفييتي، وأن تكون مشاعرها المتضامنة والداعمة لأحفاد هؤلاء المسيحيين الأرثوذوكس مساوية على الأقل لتلك التي تخصّ إسرائيل واليهود "الصهاينة حصرًا" بها، وهو ما يقود إلى أن جوهر دعم إسرائيل يأتي لأسباب سياسية مرتبطة بوضع ألمانيا اليوم ومكانتها العالمية.
عملت واشنطن، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لأن تكون ألمانيا تحت سيطرتها، وأن يكون الموقف الألماني من أي قضية متطابق تمامًا مع الموقف الأميركي منها، ليس فقط فيما يتعلق بإسرائيل، فألمانيا وافقت على حرب كلينتون على البلقان مثلًا، وتقف إلى جانبها في صف أوكرانيا ضد روسيا حتى لو كان هذا مضرًا بمصالحها الاقتصادية والأمنية، وبالرغم من كل التكلفة الباهظة التي ستدفعها أوروبا دون أن يعرف الألمان على وجه الدقة ما هي فوائد هذا الانحياز في المقابل، تمامًا كما في حالة إسرائيل حيث عليهم الاقتناع أنهم يدفعون تعويضات عن المحرقة لثلث من قتلتهم النازية في الحرب العالمية الثانية دونًا عن باقي الضحايا.
لا يحتاج الموقف الألماني من إسرائيل الكثير من التبريرات الأخلاقية والسياسية والفلسفية، فجميع الأدلّة تشير إلى أن "مصلحة الدولة" بالنسبة للسياسيين الألمان هي أن تثبت للعالم أنه لا يجب عليه القلق من ألمانيا الموحدة القوية، وما التفاني في خدمة الصهيونية، والفخر بذلك، إلا إشارة للعالم إلى أن ألمانيا تعلمت الدرس، وأنها قلبًا وقالبًا داعمة للغرب ومستعدّة للتكفير عن ماضيها النازي بأي ثمن، وهو أمر لم يعد خافيًا حتى على الإسرائيليين أنفسهم، الصحفية الإسرائيلية، أميرة هاس، ومن بين الكثير من الإسرائيليين الذي انتقدوا تصرفات ألمانيا، عبّرت عن ذلك في مقالها على صحيفة هآرتس قائلة "خان الألمان مسؤوليتهم تجاه الهولوكوست بدعمهم غير المشروط لإسرائيل، التي تحتل وتستعمر وتحرم الناس من المياه، وتسرق الأراضي وتسجن مليوني شخص في غزة في سجن مزدحم، وتهدم المنازل، وتطرد مجتمعات بأكملها من منازلهم، وتشجع عنف المستوطنين، وبدلًا من محاربة هذه الجرائم، فإن ألمانيا متواطئة فيها".