ترجمة لمقال حمزة حموشان المنشور في مجلة "Redpepper"، يتحدث فيه عن العلاقة بين النضال من أجل تحرير فلسطين والعدالة المناخية، على اعتبار أن من يحتل فلسطين مدعومٌ ممن يدمّرون مناخ الكوكب.
ــــــــــــــــــــــــ
في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (COP 28)، الذي أقيم بدبي في كانون الأول/ديسمبر 2023، قال الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو: "تُمثِّل الإبادة الجماعية والفظائع المقترفة ضد الشعب الفلسطيني ما ينتظره أولئك الذين يلوذون بالفرار من الجنوب بسبب أزمة المناخ. إن ما نشهده في غزة مجرد بروفا أو استعراض لما قد يخفيه المستقبل".
أعتقد أنه على حق. فمن الممكن أن تكون الإبادة الجماعية في غزة مؤشرًا منذرًا لأمور قادمة أسوأ إذا لم نتنظم ونقاوم بشدة. بيد أن الإمبراطورية وطبقاتها العالمية الحاكمة ستكون على أهبة الاستعداد للتضحية بملايين الأجساد السوداء والسمراء، إلى جانب الطبقة العاملة البيضاء، في سبيل مواصلة مراكمة رأس المال، وتكديس الثروات، والحفاظ على سيطرتها.
إبعاد التكاليف نحو الطبيعة
لطالما كانت الرأسمالية نظامًا قائمًا على تكاليف غير مدفوعة. إذ يتم بشكل منهجي ومنتظم إزاحة أو إبعاد هذه التكاليف إلى أماكن أخرى مثل:
أ) النساء ومقدمو الرعاية في دائرة التكاثر الاجتماعي التي غالبًا ما تكون غير مدفوعة الأجر.
ب) من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية.
ج) من الشمال إلى الجنوب، حيث تُولد مناطق تضحيات في عملية ديناميكية تُيسِّرها آليات بتر الإنسانية، والإقصاء، والعنصرية.
د) إرسال التكاليف خارجًا إلى الطبيعة ومعاملتها لقرون ككيان يتوجب السيطرة عليه ونهبه بأي طريقة كانت، سواء من خلال تسليعه أو معاملته كمستودع للنفايات، وهذا ما تسبب في حدوث الأزمة البيئية والمناخية.
تتباين تأثيرات أزمة المناخ العالمية التي نمر بها بتباين الطبقات الاجتماعية والجندرية والانتماءات العرقية، وكذلك باختلاف المناطق الحضرية والريفية، والمراكز الإمبريالية الشمالية والأطراف الجنوبية. كما يمكن أن تتفاوت هذه التأثيرات بتفاوت خطوط المستعمِر والمستعمَر.
يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون على الأرض ذاتها، لكن يوجد بينهما تباينًا كبيرًا في الأثر والهشاشة لأن الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي استولى على معظم الموارد التي نهبها وتحكّم فيها من الأرض إلى الماء إلى الطاقة، كما وطوّر، على ظهر الفلسطينيين وبدعم مكثف من القوى الإمبريالية، التكنولوجيا التي ستساهم في تقليل بعض آثار أزمة المناخ.
العدالة المناخية العالمية والتحرر الفلسطيني
قد يبدو الحديث عن قضايا المناخ والبيئة أمرًا غير مناسب أو في غير موضعه في سياق الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة، لكنني أعتقد أن ثمة تقاطعات هامة بين أزمة المناخ والنضال الفلسطيني من أجل التحرر. في الواقع، أرى أن العدالة المناخية العالمية لا يمكن أن تتحقق دون تحرير فلسطين، وأن تحرير فلسطين هو أيضًا نضال من أجل إنقاذ الأرض والبشرية. وهذه ليست مجرد شعارات، وسوف أوضح ذلك في الفقرات التالية.
أولاً، تُظهر فلسطين اليوم بوضوح تام قبح النظام الحالي وتُغلِّظ تناقضاته القاتلة، وتكشف نواياه وميوله في الانتقال لاستخدام العنف الوحشي على نطاق واسع. قال غرامشي ذات مرة: "تتجلَّى الأزمة بالتحديد في حقيقة أن القديم يحتضر والجديد ليس بوسعه أن يولد بعد.. وفي هذه المسافة الفارقة، تظهر مجموعة ضخمة من الأعراض المرَضية".
ثانيًا، إن ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد إبادة جماعية فحسب، كما ولست متيقنًا من أننا بحوزتنا المصطلحات المناسبة لوصف كل هذا الموت والدمار الذي يتكبده الفلسطينيون اليوم. وبغض النظر عن هذه الملاحظة، فإن ما يجري أيضًا هو طمس بيئي شامل أو كما يصفه البعض بالـ"holocide"، إبادة كاملة للنسيج الاجتماعي والبيئي بأكمله.
تركز حرب الإبادة الجماعية في غزة، بالإضافة إلى الحروب الأخرى، الضوء على دور الحروب والمجمع الصناعي العسكري في تفاقم الأزمة البيئية والمناخية. إذ يعتبر الجيش الأميركي بمفرده أحد أكبر مصدر للانبعاثات المؤسسية في العالم، ويتفوق على دول غربية بأكملها مثل الدنمارك والبرتغال. وفي الشهرين الأولين من الحرب على غزة، كانت انبعاثات إسرائيل لا تقل عن الانبعاثات السنوية لعشرين دولة على الأقل. وما يقارب نصف هذه الانبعاثات كانت نتيجة نقل الأسلحة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل. ولا تُعتبر الولايات المتحدة مجرد فاعل حيوي في الإبادة الجماعية فحسب، بل هي أيضًا عضو مشارك بارز في عملية الإبادة البيئية التي تحدث في فلسطين.
رابعًا، وهذا هو مطلبي الرئيس (بناءً على أعمال آدم حنية وأندرياس مالم): ليس بوسعنا فصل النضال ضد الرأسمالية الأحفورية والإمبريالية المُقادة من قبل الولايات المتحدة عن النضال من أجل تحرير فلسطين. خاصة وأن إسرائيل، كمستعمرة استيطانية أوروبية - أميركية في الشرق الأوسط، تتخذ مركزًا إمبرياليًا متقدمًا. وكان ألكساندر هيغ، وزير الخارجية الأميركي في عهد ريتشارد نيكسون، قد عبّر عن الأمر بوضوح حين قال: "إسرائيل هي أكبر حاملة طائرات أميركية في العالم لا يمكن إغراقها، ولا يوجد فيها جندي أميركي واحد، وتقع في منطقة حساسة بالنسبة للأمن القومي الأميركي".
الشرق الأوسط والنظام الأحفوري العالمي
إن أهمية الشرق الأوسط في الاقتصاد الرأسمالي العالمي واضحة ولا يمكن التقليل منها. فهذه المنطقة لا تلعب دورًا هامًا في تسهيل شبكات عالمية جديدة للتجارة، والخدمات اللوجستية، والبنية التحتية، والتمويل فحسب؛ بل هي نقطة محورية هامة أيضًا في نظام الوقود الأحفوري العالمي، ولها دور كبير في الحفاظ على استمرارية رأسمالية الوقود الأحفوري من خلال إمداداتها من النفط والغاز. في الحقيقة، تعد هذه المنطقة محورًا مركزيًا لأسواق الهيدروكربون العالمية، حيث بلغ إجمالي حصتها من الإنتاج العالمي للنفط ما يقارب 35% في عام 2022.
ولطالما سعت إسرائيل للعب دور مركز للطاقة في منطقة شرق البحر المتوسط (من خلال حقول الغاز المكتشفة حديثًا مثل تمار وليفياثان)، وهي طموحات تعززتها محاولات الاتحاد الأوروبي في تنويع مصادر الطاقة بمنأى عن روسيا في سياق الحرب في أوكرانيا. ولهذا السبب، لم تكن الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة عائقًا أمام منح تراخيص لشركات الوقود الأحفوري المختلفة في سبيل استكشاف المزيد من الغاز في الأسابيع الأولى من حرب الإبادة الجماعية.
تصنع ركيزتان رئيسيتان اليوم أساس الهيمنة الأميركية في المنطقة: إسرائيل والملكيات الخليجية الغنية بالنفط. تتخذ إسرائيل، بصفتها الحليف الأول في المنطقة، دورًا أساسيًا في الحفاظ على سيطرة الإمبراطورية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة وخارجها، بالإضافة إلى تحكمها في مواردها الضخمة من الوقود الأحفوري، لا سيما في الخليج والعراق. وهذا هو الإطار الذي نحتاج أن نفهم من خلاله محاولات وجهود الولايات المتحدة وحلفائها في دمج إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا في المنطقة من موقع المهيمن: ابتداءً من التكنولوجيا المتقدمة، والأسلحة، ومواد المراقبة، وصولًا إلى تحلية المياه وإنتاج الغذاء بواسطة الصناعة الزراعية والطاقة وغيرها.
يرجع تاريخ اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية إلى اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1978 بين إسرائيل ومصر، ومعاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في عام 1994. كما ونشأت موجة أخرى من التطبيع، برعاية ترامب، في اتفاقيات أبراهام في عام 2020 مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب.
قبل هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كان من المتوقع أن توقّع المملكة العربية السعودية وإسرائيل، برعاية الولايات المتحدة، صفقة مماثلة تُجذِّر المخططات الإمبريالية الأميركية في المنطقة، والتي كان من شأنها تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي. لكن "حماس"، التي تعد جزءًا لا يتجزأ من المقاومة الفلسطينية، أحبطت هذه المخططات من خلال هجماتها في السابع من أكتوبر.
لذلك، النضال من أجل تحرير فلسطين لا يمكن أن يكون مجرد قضية أخلاقية أو حقوقية فحسب، بل هو في جذوره نضال ضد الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة والرأسمالية الأحفورية العالمية. كما لا يمكن تحقيق العدالة المناخية دون تفكيك مستعمرة إسرائيل الصهيونية الاستيطانية العنصرية، ودون إسقاط الأنظمة العربية الرجعية، وعلى رأسها ممالك الخليج.
فلسطين جبهة عالمية ضد الاستعمار والإمبريالية والرأسمالية الأحفورية والتفوّق الأبيض. يتوجب علينا جميعًا، من نشطاء العدالة المناخية إلى المنظمات المناهضة للعنصرية والمحرضين المناهضين للإمبريالية، دعم الفلسطينيين بقوة في نضالهم من أجل التحرير والتأكيد على حقهم الذي لا يمكن إنكاره في المقاومة بكل الوسائل الضرورية!
تبدو المهمة التي أمامنا صعبة للغاية، ولكن يتوجب علينا، كما حثنا فرانز فانون، أن نكتشف مهمتنا من وسط العتمة، وننجزها دون أن نخونها.