ترجمة لمقال ماري فلانغن المنشور في موقع "Redpepper"، تتحدث فيه عن التاريخ القذر لكيفية تشكيل الاستعمار للألعاب التي نلعبها، والطريقة التي تُمكِّننا من بناء مساحات لعب خالية منه.
ــــــــــــــــــــــــ
أُغفلت الأهمية الثقافية للألعاب لفترة طويلة. فمع أنها قادرة على جلب الفرح وزيادة مشاعر الاسترخاء ومضاعفة فرص ترابطنا مع الأصدقاء والعائلة، لكنها تحمل أيضًا بعض الجوانب السلبية والمظلمة، التي بدأ المفكرون والمبدعون بالكشف عنها، في ألعاب الفيديو، من خلال انتقاد كل ما تحتويه من منافسة شرسة وعنف وشمولية وصور نمطية عنصرية، على الرغم من أن هذه الصور قد تتغير مثلما حدث في سلسلة ألعاب "Overwatch" من تطوير شركة "Blizzard"، التي تعتمد على الفريق وتتميز بتنوع شخصياتها.
في الألعاب الرقمية، قد تتغير كيفية تمثيل الشخصيات، ولكن هل يتغير اللعب نفسه؟ وماذا عن اللعب على نطاق أوسع، حتى لو كان تناظريًا؟ في نهاية المطاف، اللعب التخيلي جزء من مجمل الأشياء التي تجعلنا كائنات واعية. إن ألعابنا طفولية وبريئة، أليست كذلك؟
يعمل اللعب كوسيلة للتثاقف، العملية التي يتعلم الناس من خلالها الديناميكيات التقليدية، والسلوكيات، واللغة، والقيم لثقافة معينة. وبالتالي يستوعبون المعايير، ووجهات النظر العالمية، والقيم، والمعتقدات المتأصلة فيها. وهذا ما ينطبق بشكل خاص على لَعِب الأطفال، الذي يُنظر إليه بشكل شبه عالمي في مجال التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة باعتباره ضروريًا للتنمية والتعلم.
ووفقًا للباحثَتَين سارة سميلانسكي وليا شيفات، فإن جميع أنواع التعلم تقريبًا تستفيد من اللعب كونه قادرًا على تحسين القدرة على حل المشكلات والمهارات الاجتماعية. فمن خلال فكرة "التدريب الاجتماعي الدرامي" والمواقف المرحة المليئة باللعب، يتم تعزيز الخيال والاستكشاف وتحسين الذاكرة والقدرة على التعبير. كما ويمكن أن يزيد اللعب من التطور العاطفي والمهارات الاجتماعية والقدرات اللغوية. وقد أدى اختراع رياض الأطفال التي ركزت على اللعب في ألمانيا في القرن التاسع عشر على يد فريدريك فروبل - بالصدفة وقت التوسع الاستعماري لألمانيا - إلى نشر وجهة نظر مؤسسية للعب ليس فقط كأساس للتعلم ولكن كضرورة للتماسك الثقافي.
التثاقف الاستعماري
هناك جانب أكثر تسترًا داخل هذه الألعاب التأسيسية يرتبط بمفاهيم الإمبراطورية والاستعمار. وتوجد أمثلة واضحة، مثل لعبة الأطفال "رعاة البقر والهنود"، أو "cowboys and Indians"، حيث يصبح اللعب بمثابة سرد للصراع الاستعماري في الأميركيتين. ولم تُلعب هذه اللعبة في الولايات المتحدة فحسب، بل في جميع أنحاء العالم، وخاصةً في مناطق الاحتلال الاستعماري الكبير مثل أستراليا، حيث تم تصوير العنف على الحدود والإبادة الجماعية بشكل رومانسي. وسواء تم تسمية ما يحدث بممارسة البلوغ أو بتعلم وجهات نظر ثقافية، فإن التثاقف يحدث من خلال اللعب.
كانت ألعاب الطاولة على وجه الخصوص بمثابة مواقع لتعزيز المعايير الثقافية والقيم الاجتماعية. ومن السهل اكتشاف هذا الاتجاه في المكتبات والأرشيفات، حيث يمكن الاطلاع على عدد من ألعاب الطاولة عبر قرون مختلفة ومن مواقع متنوعة. وقد تكون قيم اللعبة سلبية أو إيجابية.
يوجد مثال تاريخي من شبه القارة الهندية للعبة "gyān caupar" أو ما تعرف بـ"لعبة المعرفة"، التي يعود تاريخ معظم نسخها إلى أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر. لقد أظهر علماء بارزون في هذا المجال كيف أن لوحات اللعبة وميكانيكياتها تتطابق بشكل وثيق مع المساعي الروحية الكونية التي طورتها مجموعات دينية مختلفة من الهند وبلاد فارس ونيبال. كانت هذه الأصول تهدف إلى تعليم التفكير في الكارما والدروس الأخلاقية. لذلك، كانت تهدف اللعبة إلى دعم هذه القيم الدينية والثقافية. وحتى الألعاب الاجتماعية يمكن أن يتغير معناها مع مرور الوقت (ومن المفارقات أنه خلال الاستعمار البريطاني، استحوذت القوى الاستعمارية البريطانية على اللعبة وحولتها إلى لعبة الثعابين والسلالم الأكثر تجريدية).
وكما هو الحال مع هذه اللعبة القديمة، خدمت ألعاب الطاولة في مختلف أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية مصالح أيديولوجية معينة وانسجمت مع القوى الثقافية. كما شهدت ألعاب الطاولة تحولات كبيرة أثناء صعود الاستعمار والحركات القومية، خاصةً تلك التي تحتوي على مواضيع أكثر موضوعية بدلًا من المواضيع المجردة التي تدمج الصور وتستخدم تمثيلات أكثر مباشرة.
منذ عام 1791، تم التعبير عن قيم جمهورية فرنسا التي تشكلت حديثًا من خلال "Le Jeu de la Révolution Française" (لعبة الثورة الفرنسية)، وهي لعبة لوحية على شكل نشرة مطبوعة، مع إصدارات يتم توزيعها على نطاق واسع لمدة 200 عام تقريبًا. على اللوحة، تنتقد الرسوم التوضيحية للعبة "الطرق القديمة" وتحتفي بالقيم الجديدة للجمهورية. وتُظهِر المشاهد التي تم تصويرها في اللعبة التحولات الدرامية في ملكية الممتلكات (على سبيل المثال، الانتقال من طبقة النبلاء إلى الولاية)، بالإضافة إلى إزالة المنظمات الدينية القوية، والحقوق الجديدة للمواطنين الفرنسيين التي لا تزال تُشكل أساسًا للمناقشات الفكرية اليوم. ورغم أن اللعبة عبارة عن سباق تدحرج وتحرك، إلا أن الصور الجذابة المطبوعة على اللوحة تشجع اللاعبين على التدرب على قيم الثورة.
وتعتبر لعبة "الفيل والقلعة النبيلة" (1822) لويليام دارتون، لعبة استعمارية بشكل صريح، حيث تصور صورًا استعمارية غريبة من شبه القارة الهندية، وتظهر اللعبة داخل جسم فيل مصوَّر بشكل مقنع.
تستكشف لعبة "رحلة رافينسبرجر حول العالم"، وهي لعبة لوحية جغرافية فكاهية (1884، وأعيد طبعها عام 1983) المستعمرات الألمانية في القرن التاسع عشر من خلال نظرة سياحية، حيث تمثل اللاعبين كشخصيات مستكشفين يرتدون خوذات اللب.
ورغم أن التركيز على الموضوعات والصور يعد طريقة جيدة للبدء في تقدير السياقات الاجتماعية والتأثير المحتمل للألعاب التي يتم إنتاجها بكميات كبيرة (على وجه الخصوص)، تبقى الصورة ليست كل شيء. فحتى الألعاب "غير المؤدلجة" قد تحمل افتراضات استعمارية. وتلعب الأساطير الاستعمارية دورًا في جوانب عدة لأي لعبة معينة، من خلال التمثيل والموضوع والأفعال (الميكانيكا) وأهداف اللعبة. إن ما يفعله اللاعبون في الألعاب هو ما يهم أكثر من أي شيء آخر، فضلًا عن الطريقة التي تُنمذِج بها الألعاب الاقتصادات والتعقيدات في آلياتها ذاتها إلى جانب ما ترمز إليه هذه الآليات.
اللعب الاستخراجي
وانتقالًا إلى أكثر ألعاب الطاولة شعبية في الجيل الجديد، يوجد على سبيل المثال لعبة "Catan"، كان اسمها في الأصل "Settlers of Catan" عام 1995، وهي من تصميم كلاوس توبر، التي نالت تفاعلًا كبيرًا من الجمهور، ويفترض فيها وصول اللاعبين إلى جزيرة والبدء من الصفر لبناء المستوطنات والطرق والبلدات والمؤسسات. يتم الحصول على الموارد المتاحة في لعبة كاتان "Catan" كالأخشاب والصوف والمواد الخام والطوب والمعادن في كل جولة، عندما تمنح رمية النرد اللاعب حق الوصول إلى رمز أرض معينة. والافتراض هو أن جميع هذه الموارد متوفرة بشكل لا نهائي، ولا تتطلب أي مدفوعات من رأس المال البشري كما ولا تحتاج إلى التجدد.
هناك العديد من الأمثلة الأخرى التي توضح قدرة نماذج الألعاب وميكانيكياتها، سواء بشكل خفي أو علني، على نقل المبررات للعقليات القومية والتفوق البشري والعنصري الأبيض من خلال تصميم الألعاب ضمن سمات لم يلاحظها العديد من اللاعبين، وحتى المصممين.
تكشف ألعابنا "البريئة" عن الجانب المظلم في اللعب الذي تم من خلاله، تاريخيًا، التعبير عن الإمبراطورية والاستعمار وإضفاء الشرعية عليهما. وقد مرَّ هذا الاتجاه نحو المبررات الاستعمارية والحماسة القومية والتفوق الأبيض عبر الأسس ذاتها لتصميم الألعاب نفسها. وأحد الأسباب التي تجعل الأفكار الاستعمارية تنتقل بسهولة هو أن الفكر الاستعماري ليس منفصلًا عن الهياكل الاجتماعية الحديثة في معظم أنحاء العالم.
وكما كتبت نانسي فريزر في كتابها "الرأسمالية آكلة لحوم البشر" الصادر عام 2022، لا ينبغي لنا أن نفصل التفكير الاستعماري عن الاقتصادات المعاصرة، حتى لو لم تعد "المستعمرة" رسميًا تحت الحكم الخارجي. إن هياكل السلطة التي نمت في الأنظمة الاستعمارية أصبحت ثابتة في ما يشار إليه الآن باسم "الرأسمالية". وأعادت فريزر في عملها تعريف الرأسمالية من الناحية الاقتصادية البحتة، بحيث أنها ليست نموذجًا اقتصاديًا بل نظامًا اجتماعيًا تطور إلى النقطة التي هو عليها الآن، ومن الصعب الهروب منه عالميًا بسبب ترسخه الشامل.
تتطلب الرأسمالية الوصول إلى العمل المجاني أو غير مدفوع الأجر من أجل بقائها مثل تقديم الرعاية والمجهودات العاطفية. وقد يتطلب الأمر استغلال البشر والأشياء كالأرض، والحيوانات، والمياه، والهواء، في سبيل تمويل أفاعي الرأسمالية الشرهة. فهي تستنفد العناصر دون تجديدها، وتعد نموذجًا لا يمكن أن يكون مستدامًا أبدًا.
كيف يمكن إزالة الاستعمار من اللعب؟
إذن، ما الذي يمكنه أن يعلمنا إياه هذا التاريخ القذر اليوم لبناء المزيد من الألعاب ومساحات اللعب التحررية؟
أولًا، يمكننا التشكيك في عدد من الافتراضات الأساسية للألعاب التي نلعبها حول أشياء بسيطة مثل الموارد اللانهائية أو غير المتجددة. والتساؤل: من أين تأتي كل الأشياء الجيدة؟ كيف يمكن أن نجعل نموذج اللعبة مهتمًا (أو كيف يمكنه فعل ذلك أصلًا)؟ كيف يمكننا جعل آليات أو ميكانيكا اللعبة أكثر استدامة وشمولًا وإنتاجية؟ ما الذي يزيد سيناريوهات اللعبة إثارة أكثر من الهيمنة والاستعمار والسيطرة؟
ثانيًا، هناك حاجة إلى نماذج أكثر تعاونية للعب، وخاصة في الألعاب السابق ذكرها، فإننا نعيش في وقت غير مسبوق للحياة على كوكبنا الجميل، ومع ذلك لدينا عدد قليل جدًا من نماذج اللعب التي يكون فيها الفوز في ظل ظروف تعاونية. كما بدأت تظهر ألعاب طاولة تعاونية تعمل كأطر جديدة لحل المشكلات بدلًا من نماذج الفائز الذي يحصل على كل شيء.
ثالثًا، يمكننا جلب اللعب إلى ظروف غير عادية حيث تكون العمليات والإجراءات والخيالات معطلة. ويمكن للسياسيين وصناع السياسات والهيئات التنظيمية استخدام اللعب لرؤية ما هو خارج الصندوق. فاللعب الحقيقي يتطلب الاستعداد للتعرض للخطر، وهو ما يشكل جوهر أي تغيير. ولابد أن تكون المشاركة الحقيقية في اللعب طوعية، كما أنها قد تكون تحررية من خلال التخلص من الأنا، والدخول إلى اللعب!