كيف أصبحت أذربيجان أقوى حليف لإسرائيل في آسيا الوسطى؟

كيف أصبحت أذربيجان أقوى حليف لإسرائيل في آسيا الوسطى؟

25 أغسطس 2024

بعد نيلها الاستقلال عام 1991، كانت إسرائيل من أولى الدول التي اعترفت بأذربيجان، الأمر الذي تبعه تطوير الطرفين لعلاقتهما في مجالات عدة، جاء على رأسها ملفا الطاقة والتقنية العسكرية. 

ربما تكون أذربيجان غائبة ظاهرًا لكنها حاضرة باطنًا وبقوة في علاقاتها مع إسرائيل. ومع أنه من النادر تداول اسمها عند الحديث عن إسرائيل، إلا أنها فعليًا أقوى حليف لدولة الاحتلال في آسيا الوسطى. والتساؤل المطروح: كيف حدث ذلك؟

مسار العلاقات تاريخيًا: سياسات التوازن ثابت رغم المتغيرات

في 30 آب/أغسطس 1991، أُعلن استقلال أذربيجان وكان أياز مطلبوف أول رئيس لها. لكنها سرعان ما أن انزلقت على وقع أزمات وانقلابات أشعلها وقادها أبو الفضل إلجي بيك، مؤسس الجبهة الشعبية الأذربيجانية السياسية والمسلحة في الوقت ذاته. واستمر أبو الفضل في معارضته السياسية والعسكرية إلى أن تم انتخابه في حزيران/يونيو 1992 رئيسًا للبلاد.

وعلى الرغم من حالة عدم الاستقرار، إلا أن إسرائيل اعترفت مطلع عام 1992 بأذربيجان، وافتتحت سفارتها في باكو في العالم التالي. غير أنه لم يتمخض عن ذلك أي تطور إيجابي للعلاقات بين البلدين، إذ كان أبو الفضل يتبنى النهج القومي الذي دفع به نحو تطوير العلاقات مع تركيا ذات الخلفية القومية التركية، كما أن تركيا قامت على أركانها عام 1923. وبالتالي، بالنسبة لأبو الفضل، فإن لدى تركيا ما يكفي من الخبرة المؤسسية التي يمكن اقتباسها للتطبيق في أذربيجان. كما أنه من الممكن تدشين تحالف سياسي وعسكري وثيق معها وتده الخلفية القومية المشتركة، ما يمنح أذربيجان ظهيرًا قويًا أمام مطامع أرمينيا بالأراضي الأذربيجانية.

تلاقت طموحات أبو الفضل مع توجهات تركيا صوب إحداث انفتاح على دول آسيا الوسطى عمومًا باعتبارها، أي تركيا، دولة لديها - بمؤسساتها القائمة وعلاقاتها الناضجة - حنكة يمكن نقلها لدول آسيا الوسطى بحيث تصبح تركيا دولة إقليمية مؤثرة في ذلك الإقليم بعد تراجع أهميتها في المعادلات الجيوسياسية جراء انهيار الاتحاد السوفيتي.  

وعلى عكس ما تشتهي تركيا، كانت أذربيجان في 10 حزيران/يونيو 1993 على موعد مع منعطف تاريخي نجم عنه انقلاب الأمور رأسًا على عقب، حيث قاد حيدر علييف في ذلك اليوم انقلابًا عسكريًا انتهى بتوليه مقاليد الحكم. ولم يكن الانقلاب ذا عواقب داخلية فقط، بل طال لهيب نيرانه العلاقات مع تركيا، حيث قطع علييف العلاقات معها معبّرًا عن رغبته في تأسيس علاقات تحمل روح التوازن التي تمكن من أذربيجان من المناورة بمعزل عن التبعية لأي طرف.  

صب ذلك المسار في صالح تأسيس علاقات جيدة مع إسرائيل، إذ كانت أذربيجان دولة وليد بحاجة لمساندة دولة إقليمية أمام المخاطر المحيطة بها، وإسرائيل لبت المطلوب لما تتمتع به أذربيجان من أهمية جغرافية لقربها من إيران، وأهمية اقتصادية باحتضانها مخزون هائل من الطاقة. 

انتقل الطرفان، بعد 1994، إلى مرحلة تطوير العلاقات الاقتصادية والعسكرية من خلال حصول شركة بيزك "Bezeq" الإسرائيلية على الحصة الأكبر في شركة "Bakcell" الأذربيجانية الخلوية، بالإضافة إلى استيراد أذربيجان معدات عسكرية متنوعة من إسرائيل

كانت حاجة أذربيجان لإسرائيل عسكرية أكثر منها اقتصادية في ضوء التحالف الوثيق بين أرمينيا وموسكو، الذي مكّنها من احتلال إقليم كاراباخ الأذربيجاني عام 1992. ولتغطية نقص المعدات العسكرية، دأبت أذربيجان على استيراد كميات كبيرة من الأسلحة الإسرائيلية سعيًا لتأسيس توازن قوى أمام أرمينيا في وقت لم تتجه الولايات المتحدة، المنافس الأساسي لروسيا، نحو التعاون مع أذربيجان لما يحظى به اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة من نفوذ أعاق استفادة أذربيجان من الأسلحة الأميركية. وفي هذا الإطار، شكّلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، في آب/أغسطس 1997، قاعدة متينة لانطلاق الطرفين في تطوير التعاون العسكري على كافة الأصعدة

وفي ظل "الحرب الأميركية على الإرهاب"، ما بعد عام 2001، قصدت أذربيجان وإسرائيل درب التعاون الاستخباراتي بتزويد إسرائيل لأذربيجان بأنظمة تجسس متطورة القدرات، ومعلومات حول نشاط الحركات الإسلامية المسلحة النشطة في أفغانستان وعموم آسيا الوسطى، لا سيّما "حزب التحرير" فرع أذربيجان، مما أدى إلى زيادة التقارب بين الطرفين

وكان عام 2009 محطة أخرى في تعميق التعاون العسكري بين الطرفين، إذ أبرمت شركة "Aeronautics" الإسرائيلية المختصة في صناعة المسيرات وأنظمة الدفاع الجوي، على هامش زيارة الرئيس الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز إلى أذربيجان، عقدًا مع وزارة الدفاع الأذربيجانية لبناء مصنع لها هناك.

اتساقًا مع سياسة التوازن التي تتبعها أذربيجان تجاه الدول الحليفة، لا سيما تجاه تركيا، فإن علاقتها بإسرائيل تأثرت عقب حادثة "مافي مرمرة" التي وقعت عام 2010 حينما هاجمت قوات البحرية الإسرائيلية سفينة "مافي مرمرة" التي كانت تنقل مساعدات إنسانية لقطاع غزة، حيث تراجعت أذربيجان نسبيًا ومؤقتًا عن تطوير علاقاتها مع إسرائيل.

والجدير بالذكر هنا أن الرئيس الأذربيجاني، حيدر علييف، أعاد تأسيس علاقات عسكرية واقتصادية جيدة مع تركيا عام 1996 سعيًا للاستفادة من موقفها المعارض لاحتلال أرمينيا إقليم كاراباخ، خاصةً أن العلاقات بين تركيا وأرمينيا متوترة على صعيد تاريخي بسبب اتهام أرمينيا للدولة العثمانية بارتكاب إبادة جماعية بحق الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى، وتحديدًا عام 1915.

لكن المصالحة المصالحة التركية الإسرائيلية، عام 2016، أعادت قبلة الحياة لمسار تنامي أُطر التعاون بين أذربيجان وإسرائيل، إذ اندمج الطرفان بعد هذا العام في مسيرة تعاون شملت مجالات عدة. 

وقد عكست أذربيجان تبنيها سياسة التوازن مع إسرائيل، وتجاه العالم عمومًا، بذهابها نحو افتتاح سفارتها في تل أبيب نهاية آذار/مارس 2023. وجاء فتح السفارة بعد 30 عامًا على تأسيس العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الطرفين. وقد أقدمت أذربيجان على افتتاح سفاراتها عقب تطبيع بعض الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل، إذ كانت أذربيجان، على الأغلب، تسعى إلى تأخير افتتاح سفاراتها تماشيًا مع توجّه غالبية الدول الإسلامية والعربية لعدم الاعتراف بإسرائيل.

ولكن بعد تخلي بعض الدول العربية عن هذا التوجه، وجدت أذربيجان أن الوقت قد أصبح مناسبًا للقيام بهذه الخطوة. وعلى الأرجح، فإن أذربيجان أجلت هذه الخطوة 30 عامًا حتى يتم تأسيس ميزان قوى حقيقي ومتين يستند إلى تعاون وطيد مع تركيا وإسرائيل، ويستطيع فعلًا مجابهة التهديدات المتدفقة من جارتها إيران.

أصبحت أذربيجان بفعل علاقتها الوطيدة مع إسرائيل الشريك الأول لها من ناحية الطاقة، إذ تغطي إسرائيل 40 بالمئة من حاجتها للنفط من أذربيجان، بيد أن الأخيرة تساهم بتوفير ما نسبته 69 بالمئة من المعدات العسكرية للجيش الأذربيجاني. وهذه النسب الأساسية التي تجعل أذربيجان الحليف الأول والأكبر لإسرائيل في آسيا الوسطى.

عوامل تطوّر العلاقات بين الطرفين

كانت أذربيجان بعد إعلان استقلالها بحاجة ماسة لتأسيس علاقات وثيقة مع دول توفر لها ما تسعى إليه من تطوير للدخل الاقتصادي والقدرات العسكرية. وكانت إسرائيل إحدى أهم هذه الدول، بل وتفوقت على تركيا رغم أن تركيا وأذربيجان دولتان بخلفية قومية واحدة، وأقرب لبعضهما جغرافيًا وسياسيًا من إسرائيل، والسبب في حدوث ذلك يعود إلى العوامل التالية: 

أولًا: عامل عسكري وآخر سياسي مبعثهما ميزان قوى متوازٍ ومتوازن

في المجال العسكري، توفِّر إسرائيل لأذربيجان ما تحتاجه من معدات عسكرية متنوعة ما بين أسلحة خفيفة ومدفعية وجوية وطائرات من دون طيار منذ عام 1994 وحتى يومنا هذا. وتُعتبر الطائرات بدون طيار من طراز "Sky Strikers" و"Heron"، بالإضافة إلى صواريخ "Iron-dome" الدفاعية المضادة للصواريخ الباليستية؛ من أهم الأسلحة التي تستوردها أذربيجان إلى جانب ثلة كبيرة من الأسلحة الأخرى.  

وظهر تتويج التعاون العسكري بصبغة استراتيجية للسطح عقب زيارة رئيس الأركان الأذربيجاني، نجم الدين صادقوف، إلى تل أبيب في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2018، ملتقيًا نظيره الإسرائيلي بهدف توثيق العلاقات العسكرية.

تمحوّرت الزيارة بشكل أساسي حول صفقات تتلقى أذربيجان بفعلها المزيد من الطائرات المسيّرة، لكن لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ انطلق بعدها الطرفان نحو إضفاء الصبغة الاستراتيجية على تعاونهما العسكري من خلال تمهيد الطريق لتوقيع اتفاقية بين شركتي " Meteor Aerospace" الإسرائيلية و"Caspian" الأذربيجانية لبناء أسطول السفن الخاصة بقوات البحرية الأذربيجانية الفاعلة في بحر قزوين المشاطئ لإيران أيضًا، وكذلك عبر انضواء أذربيجان في شراكة استراتيجية مع شركة صناعة الطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي الحكومية في إسرائيل، وكان معدل مساهمة أذربيجان في تأسيس هذه الشراكة 1.6 مليار دولار

انطلاقًا من الطرح أعلاه، يتضح أن أذربيجان تحتاج لدعم إسرائيلي يعود عليها تلقائيًا بدعم أميركي بغية تأسيس ميزان قوى متوازٍ ومتوازن يمكّنها، دبلوماسيًا وعسكريًا، من مواجهة أرمينيا التي لا تزال تحتل أجزاءً من إقليم قره باخ، لا سيّما أن أرمينيا تُعد حليفًا وثيقًا لروسيا، كما دخلت في الآونة الأخيرة مضمار تطوير العلاقات مع فرنسا. 

وليس أرمينيا فقط، بل هناك أيضًا إيران التي تحذو استراتيجية تشكيل تهديدات لإسرائيل بهدف جذب حركات مناهضة لها تحت نفوذها سعيًا لتوسيع ظلال فعاليتها الأمنية والاقتصادية في المنطقة. وبطبيعة الحال، فإن أذربيجان المحاذية لإيران حليفة لإسرائيل، ما يجعلها تهديدًا وفق الحسابات الإيرانية، لا سيما أن أذربيجان لا تربطها علاقات جيدة مع إيران منذ استقلالها وحتى يومنا هذا.

ولصد المطامع الأرمينية واحتواء التهديد الإيراني، تحتاج أذربيجان للاعب دولي جدير بتحقيق ما تريده منه، وهذا ما وجدته في إسرائيل التي تنظر بدورها إلى أذربيجان على أنها دولة يمكن التوافق والتحالف معها على كافة الأصعدة في سبيل إلجام النفوذ الإيراني عن التمدد. وبفعل هذه الاعتبارات الجيوسياسية والأمنية، تجمع الطرفين علاقات متينة بشكل دفع إسرائيل عام 2018 إلى التراجع عن تلويحها بطرح "مذابح الأرمن" على الكنيست لاستخدامها كورقة ضغط ضد تركيا.

ويبدو أن التراجع عن ذلك مردّه إلى الأهمية الاستراتيجية لأذربيجان المتاخمة لإيران بحدود طويلة، حيث أنها مستقر جغرافي مهم للنشاط الاستخباري ضد إيران. وفي ضوء ذلك، خشيت إسرائيل من ارتداد ذلك سلبًا على علاقاتها مع أذربيجان التي ترتبط مع تركيا بعلاقات تاريخية وعرقية وأمنية واقتصادية ذات صبغة استراتيجية أيضًا.

يحمل المثال المذكور في طياته مؤشرين مهمين. أولهما: إسرائيل ترتبط فعلًا بحسابات ذات صبغة استراتيجية مع أذربيجان مما دفعها إلى أخذ حساسية أذربيجان بعين الاعتبار رغم أن ورقة الاعتراف بـ"مجازر الأرمن" لها وقعها الضاغط بقوة على تركيا في الساحة الدولية.

أما المؤشر الثاني، فهو حرص أذربيجان على تثبيت سياسة التوازن في علاقاتها، وتحديدًا بين تركيا وإسرائيل. فالأخيرة داعم كبير في المجال العسكري وظهير دبلوماسي مهم في الساحة الدولية. أما تركيا، فهي تظهر كحليف استراتيجي شقيق يشترك مع أذربيجان بالقومية ذاتها، خاصةً أنه يتم الترويج بتضخيم ملموس للتحالف بين تركيا وأذربيجان ليظهر أن تركيا هي الحليف الأول والأخ الذي يشد أزر أذربيجان، ما يوفر عنصر تحييد لوسائل الإعلام والنخب عن حقيقة أن إسرائيل هي الشريك الأول والأكبر لها. 

لا يخلو الأمر، بطبيعة الحال، من حقيقة توفير تركيا أسلحة استراتيجية، خاصةً الطائرات بدون طيار، لأذربيجان. وكذلك توفيرها ظهير دبلوماسي لها باعتبار أن تركيا عضو في حلف الناتو وعدة منظمات إقليمية مهمة. لكن الأرقام والنفوذ الدبلوماسي والاقتصادي يؤكدان أن إسرائيل هي الحليف الأقوى لأذربيجان. 

ثانيًا: علاقات متبادلة الاعتمادية اقتصاديًا وسياسيًا 

يقوم أساس العلاقات الدولية على علاقات دبلوماسية سياسية تنشأ من التنوع في القدرات، والحاجة لتبادل هذه القدرات بحسب احتياجات المصلحة القومية، التي هي المحرك الأساسي لأي دولة في بناء علاقاتها مع دولة أخرى، وبهذا المحرك يطفو على السطح طابع الاعتمادية المتبادلة التي تعني تقديم دولة ما مصلحة معينة لدولة أخرى تقدم بدورها مصلحة مختلفة.

ومن هذا المنطلق، تُغطي إسرائيل 40 بالمئة من حاجتها للنفط عبر استيراده من أذربيجان من خلال خط باكو – تبليسي – جيهان، الذي بدأ ضخه للنفط الأذربيجاني نحو إسرائيل لأول مرة عام 2005، ويُتوقع أن تنضم قريبًا كازاخستان لضخ نفطها عبر ذات الخط. ومقابل ذلك، تستفيد أذربيجان من التقنية العسكرية الإسرائيلية المتطورة. وليس ذلك فحسب، بل تحصل على دعم من اللوبي الإسرائيلي النافذ في الولايات المتحدة مقابل اللوبي الأرمني القوي أيضًا في أروقة المؤسسات الأميركية.

ثالثًا: توجه أذربيجان الاستراتيجي ضمن سياسات الولايات المتحدة

بالنظر إلى تحركاتها، يتضح أن العقلية الاستراتيجية للدولة الأذربيجانية استخلصت أن تحرير أراضيها من الاحتلال الارميني ومواجهة أي مخاطر أخرى، لا يتم إلا من خلال التقرب من القطب الأميركي ومن يدور في فلكه، وإسرائيل جزء مهم من هذا القطب، مقابل دول آسيا الوسطى الأخرى التي تناور ضمن المحور الروسي - الصيني.

تقع أذربيجان ضمن حسابات واشنطن في توفير أمن الطاقة لحلفائها الأوروبيين، إذ يشكّل الغاز الأذربيجاني بديلًا نسبيًا للغاز الروسي. وفي هذا الإطار، من الجدير بالذكر أن واشنطن أبدت دعمها الكبير لمشروع خط أنابيب الممر الجنوبي الذي يرتبط بخط أنابيب الأناضول "TANAP"، الذي يرتبط بخط "TAP"، في اليونان إلى إيطاليا لنقل الغاز الطبيعي الأذربيجاني من بحر قزوين، باعتباره ينافس مشروع السيل الشمالي 2 الروسي.

ويوفر خط الأناضول 10 مليار متر مكعب من الغاز لأوروبا، بينما كان من المخطط أن ينقل خط نورد ستريم 5.6 مليار متر مكعب. لكن أعمال بنائه توقفت عام 2022 بفعل العقوبات الأميركية. وبذلك وفر خط أنابيب الممر الجنوبي - الأناضول بديلًا فعليًا ومجديًا لأوروبا عن الغاز الروسي. ولعل هذه الميزة الاقتصادية لأذربيجان جعلت الولايات المتحدة تولى أهمية للحفاظ على مستوى جيد من العلاقات مع أذربيجان، وقد انعكس ذلك بتشجيع التقارب بين إسرائيل وأذربيجان. 

إلى جانب الميزة الاقتصادية، تمثل أذربيجان بالنسبة للولايات المتحدة جيبًا جغرافيًا مهمًا لتفعيل عقوباتها المفروضة على إيران، فإقناع أذربيجان بتفعيل العقوبات يضمن للولايات المتحدة نجاعة تحركها في الضغط على إيران عبر هذه العقوبات لامتلاك أذربيجان حدودًا كبيرة مع إيران، ولتخطيط أذربيجان مسبقًا للتعاون مع إيران في نقل غازها نحو أوروبا. وقد انضمت أذربيجان فعلًا للعقوبات الأميركية، ما يكفل لواشنطن تحقيق نتائج إيجابية في المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي. 

ومن الناحية الجغرافية أيضًا، يُشار إلى أن واشنطن تستند إلى استراتيجية العصا الغليظة التي تعني تأسيس قواعد جغرافية تضمن إمكان التدخل الظرفي والجزئي المبني على التعاون التكاملي مع الدول الحليفة، بهدف تشكيل أحزمة أمنية تساهم في احتواء وتطويق الطرف المنافس، والمقصود في هذا السياق إيران.

وربما تعكس التقارير الاستخبارية التي تُشير إلى انطلاق بعض العمليات الإسرائيلية ضد إيران من الأراضي الأذربيجانية، التطبيق العملي لاستراتيجية العصا الغليظة المذكورة. وفي إطار هذه الاستراتيجية، لا بد من الإشارة إلى أن علاقات الولايات المتحدة الجيدة مع أذربيجان وجورجيا تأتي في إطار تطويق النفوذ الروسي في حديقته الخلفية التاريخية: آسيا الوسطى. 

الخاتمة

كلما زاد حجم المنافع المتبادلة، ازدادت العلاقات بين أي دولتين متانة واستراتيجية. وهذا هو سر التقارب بين أذربيجان وإسرائيل في ظل تبادلهما لعدد من المنافع والتوجهات المتبادلة بصبغة متطورة أنبتت ارتباطًا وثيقًا بينهما. 

الكلمات المفتاحية

الأكثر قراءة

1

حكاية سيد درويش.. الحب والثورة والزوال

اعتُبر سيد درويش مخلّصًا للأغنية المصرية من عجمتها التركية، وقال البعض إنه أعاد الموسيقى إلى أصلها العربي كما كانت في زمن الخلافة العباسية

2

كل شيء رائحة.. العطور العربية في حياتها وموتها

تحدّث الرومان واليونانيون قديمًا بإعجاب عن بخور وطيوب سبأ، لدرجة أنهم وصفوا سكانها بأنهم من أثرى شعوب العالم، وأنهم يأكلون في أوعية من الذهب، ويسكنون بيوت فارهة

3

من يمتلك الإنترنت؟

تقول ولادة شبكة الإنترنت الكثير من ناحية تحولها إلى مجال للسيطرة والربح، خصوصًا حين نضع نصب أعيننا أنها استراتيجية اتصالية أميركية

4

"يا ما في الجراب يا حاوي".. الحواة من إبهار الشارع إلى شاشات التليفزيون

لم يكن الحواة فئة طارئة على المجتمع المصري، فقد تواجدوا في الشوارع والميادين العامة منذ القرن التاسع عشر الميلادي

5

طيف جيم كرو الذي لم يغادر الولايات المتحدة

أضفت قوانين جيم كرو شرعية قانونية على سياسة الفصل العنصري، وساهمت في ترسيخ ثقافة فوقية تضع السود في مرتبة أدنى من البيض، وتعزز العنف الممنهج ضدهم

اقرأ/ي أيضًا

من يمتلك الإنترنت؟

من يمتلك الإنترنت؟

تقول ولادة شبكة الإنترنت الكثير من ناحية تحولها إلى مجال للسيطرة والربح، خصوصًا حين نضع نصب أعيننا أنها استراتيجية اتصالية أميركية

رائد وحش

قادة دول بريكس
قادة دول بريكس

ماذا يعني "بريكس" الشرق أوسطي؟

تتباين أجندات الدول المنضمة من المنطقة إلى بريكس بلس بشكل كبير يصل إلى حد التناقض، مقارنةً بأجندات الدول المؤسسة للمجموعة، التي تتسم هي الأخرى بالتباين

طارق الكحلاوي

جنود من الدروز يخدمون في الجيش الإسرائيلي

كيف نفهم خدمة الدروز والبدو في الجيش الإسرائيلي؟

انخرط الدروز والبدو الفلسطينيين في جيش دولة الاحتلال بسبب سياساتها الاستعمارية القائمة على تقسيم المجتمع الفلسطيني، واستغلال حاجة الأقليات/الجماعات الصغيرة للأمان والبقاء

هبة حمارشة

دونالد ترامب

ترامب رئيسًا.. هل أفسحت كامالا هاريس الطريق لعودته؟

يبدو أن أداء إدارة بايدن وهاريس كان بالنسبة للناخب الأميركي أسوأ من أن تكافأ بالتصويت لها من إعادة انتخاب ترامب

حسن زايد

ولايات الحسم السبع

ولايات الحسم السبع.. ما الحسابات التي قد ترجّح فوز ترامب أو هاريس في الانتخابات؟

أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تقاربًا شديدًا بين كامالا هاريس ودونالد ترامب في الولايات السبع المتأرجحة، مما يصعّب التنبؤ بالفائز قبل اكتمال فرز الأصوات غدًا الثلاثاء

محمد يحيى حسني

المزيد من الكاتب

جلال سلمي

كاتب وأكاديمي فلسطيني

السردية كقوة.. صناعة الشرعية والسيطرة على الرأي العام

تشكّل السردية الرأي العام وتسيطر عليه وتُضفي الشرعية على السياسات الخارجية والداخلية للدول، خاصةً الكبرى منها، بغض النظر عن شكلها

شيطنة الخصم لشرعنة محاربته.. "الأمننة" كأداة لتبرير الصراعات

يعتمد مفهوم الأمننة على شيطنة الخصم، سواء كان محليًا أو دوليًا، وتصويره على أنه تهديد وجودي لتبرير التحركات العسكرية والأمنية ضده وإضفاء الشرعية عليها، بما في ذلك الحروب

دور أم كلثوم في نشر القومية العربية

ساهم صوت أم كلثوم في الترويج للمشروع القومي العربي، وأصبحت أغانيها جسرًا بين القاهرة وباقي العواصم العربية