مغاربة فرانكو

"الحاج فرانكو" وجنوده المغاربة.. من تطوان إلى مدريد في الحرب الأهلية الإسبانية

15 سبتمبر 2024

يتحول المغرب إلى عنصر أساسي في فصول كثيرة من المِخيال الشعبي والذاكرة التاريخية الإسبانيين، وخاصةً التفاصيل المثيرة من الحرب الأهلية الإسبانية ما بين 1936-1939، إذا افترضنا أن بعض أبناء المغرب شاركوا قائدهم الجنرال فرانسيكسو فرانكو جرائمه ضد إخوانه هناك في إسبانيا.

وتحضر صورة هذه الحرب، وما تلاها من دكتاتورية على الأقل، بشكل سيئ جدًا في مخيلة الإسبان، إذ عبّر عن ذلك بكثير من الألم كُتّاب كثر منهم الكاتب الإسباني فرناندو آرابال في "رسالة إلى الجنرال فرانكو" (كتبها من باريس عام 1971).

يقول آرابال (وهو بالمناسبة من مواليد مدينة مليلية المحتلة شمال شرقي المغرب): "اقرأني أيها الجنرال: بعد انقلابك العسكري قلت حينها إن إسبانيا كانت بربرية صرفًا. إنك أنت من أتى بالبربرية، تلك التي كانت في عصر ملوك الكاثوليك والاستبداد الديني".

ولم يتردد الإسبان من أدباء ومؤرخين في نسج حكايات تقترب من الأسطورة حول المشاركين المغاربة في الحرب التي جرت على أرض إسبانيا. بل إن هناك كتابات إسبانية، وأغلبها تنتمي إلى اليسار، وصفت من شارك من المغاربة في الحرب الأهلية بـ"الوحوش". 

التباسات وصورة "سيئة"

هناك التباسات ما زالت قائمة، بل وخطيرة لدى الإسبان، من خلال "اجترار" هذه الصورة غير المرغوب فيها (تثير حساسية لدى المغرب على الأقل) التي خلّفتها مشاركة فليق من المجندين المغاربة إلى جانب الجنرال فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية.

ولعل أكبر ما أخفاه الخطاب الإسباني التبسيطي، وتمثّله الكتابات المسيئة لـ"مغاربة فرانكو"، أن هؤلاء المغاربة جُنّدوا قسرًا في هذه الحرب، بل كانوا في الأصل ضحايا الاستعمار الإسباني للمغرب، أو ما عُرف باسم "الحماية" التي استمرت على الأقل رسميًا ما بين 1912 - 1956، وأجبرت البلاد والعباد قسرًا على خدمة مسيرة تقدم "متروبول" مزهو بمركزيته. 

مغاربة فرانكو

وقد طوّعت إسبانيا (قبل فرانكو وخلال فترة حكمه)، بالقوة والغصب، مناطق نفوذها بالمغرب (في الشمال والجنوب) وأهالي تلك المناطق، مع ما رافق ذلك من جور وشطط وأساليب ومفاهيم أخرى متنوعة حمّالة للمعاني في ذاكرة المُنهزم، ولا تثير أدنى عقدة ذنب لدى المنتصر المُدجّج بأعتى أنواع السلاح وأكثرها بطشًا.

رواية إسبانية تصحيحية

في تصحيح للرواية الإسبانية حول مشاركة المغرب في الحرب الأهلية بإسبانيا، تذهب المؤرخة الإسبانية مارية روسا دي مادارياغا في كتابها: "مغاربة في خدمة فرانكو" (ترجمة كنزة الغالي)، إلى أن أولئك المحاربين كانوا قد اقتيدوا إلى تلك المعمعة بإرادة من فرانكو الذي ذهب بهم إلى هناك حينما تمرّد على الحكومة الشرعية، انطلاقًا من الأراضي المغربية، التي كانت خاضعة للنفوذ الإسباني.

ولفتت الكاتبة في تقديمها للكتاب إلى أن: "الجيش الذي سحق المقاومة الريفية (شمالي المغرب) بزعامة عبد الكريم الخطابي (تقصد محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي قاد ثورة الريف ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي، وتوفي في منفاه بالقاهرة عام 1963) في عشرينيات القرن الماضي، كان هو نفسه من جلب الفيالق المغربية إلى إسبانيا سنة 1936".

لهذا، تفترض مارية روسا دي مادارياغا أنه لو أن الحكم الجمهوري في إسبانيا، قبل الانقلاب، قد منح المغاربة الاستقلال أو على الأقل الحكم الذاتي، لما تمكن فرانكو من استخدام الجيوش المغربية التي ساهمت في الحرب الأهلية بقوة إلى جانب جيوش أخرى من عسكر إفريقيا، وحققت له النصر خلال الحرب الأهلية سنة 1936.

كأنهم ولدوا في إفريقيا

يبدو أن المغرب شكّل بالنسبة لإسبانيا منذ مطلع القرن الـ19 فرصة لاستعادة قوتها ومكانتها بين الدول الأوروبية التي تتنافس من أجل تعزيز مكانتها وقوتها الاقتصادية العالمية، خصوصًا أن الليبرالية الاقتصادية التي انتعشت في النصف الثاني من القرن الـ19 أفسحت المجال للقوى الأوروبية المُهيمنة من أجل استباحة باقي بلدان المعمورة الضعيفة وجعلها حدائق خلفية.

ومع بداية القرن العشرين، عملت الحكومة الإسبانية على إعداد فرقة جيش جديدة بغرض إنجاح تدخلها في المغرب، وذلك بعد تقسيم إسبانيا للجنود إلى ثلاث فرق حسب الأغراض السياسية التي تستهدفها الحكومات الإسبانية. فبالإضافة إلى جيش مدريد وجيش الأقاليم، أحدثت جيش إفريقيا.

وجاء في كتاب "المغرب والحرب الأهلية الإسبانية 1936-1939"، لبوبكر بوهادي، أن: "هذا الجيش الذي تميز عن باقي وحدات الجيش الإسباني بعنفه وصلابته، ومن ثَمّ بخطورته، جعل منه ملجأ الحكومات الإسبانية، ليس فقط لضمان الهدوء والاستقرار بمنطقة الحماية، بل وكذلك لإخماد التمردات والاضطرابات السياسية داخل إسبانيا نفسها".

وبشكل استدراكي من إسبانيا في احتلالها مناطق شمال وجنوب المغرب، طُرحت في البداية فكرة خلق فرقة عسكرية مكونة من مغاربة أوفياء لإسبانيا مسيّرين من طرف الضباط الأفريقانيين. ولم يتردد هؤلاء للاعتراف بما كان لهؤلاء الجنود الأوفياء من دور في إنجاح احتلال إسبانيا مناطق في الريف.

يورد الباحث في العلاقات المغربية الإسبانية، يوسف أكمير، حول تجربة هؤلاء الجنود الإسبان الأفريقانيين: "أن السنوات التي مرت ما بين 1909 و1913 كانت كافية لكي يجعل هؤلاء الضباط من المغرب رمزًا لهويتهم، وكي يتميزوا عن باقي فصائل الجيش الإسباني. فتجربتهم الاستعمارية في منطقة الريف خلقت لديهم نوعًا من الإحساس بالكبرياء والكفاءة الذاتية".

ويضيف أكمير في مقال "التدخل الاستعماري في شمال المغرب أشكاله ونتائجه الاجتماعية داخل صفوف الجيش الإسباني 1909-1913": "استغل هؤلاء الضباط والمسؤولين الأفريقانيون وفاء هؤلاء المغاربة وروحهم القتالية ليستثمروها في حرب أهلية إسبانية".

وبدأت تظهر الخلافات بين الجيش الأفريقاني والحكومة الإسبانية منذ عام 1931، بعد قيام النظام الجمهوري في إسبانيا (أعلنت الجمهورية الإسبانية الثانية وبعدها بيومين استقال الملك ألفونسو الثالث عشر وذهب إلى المنفى)، لا سيما بعد صعود الجبهة الشعبية إلى الحكم، وما صاحب ذلك من إجراءات حَدّت من قوة ونفوذ الجيش، فبدأ هؤلاء الضباط الأفريقانيين يكشفون عن نزعتهم الانقلابية بقوة وإصرار كبيرين.

تطوان قاعدة صلبة للانقلاب

شاع أن ساعة الصفر بالنسبة للانقلاب العسكري ضد حكومة الجمهورية الإسبانية الثانية كانت في 18 تموز/يوليو 1936 في مدينة إشبيلية، غير أنه قبل ذلك بيوم واحد، وبعد انكشاف المخطط العسكري بمدينة مليلية (الثغر المغربي المحتل إلى يومنا هذا)، استبق الجيش الأحداث بسيطرته على كل قياداته في منطقة النفوذ الإسباني شمال المغرب (مليلية، وسبتة، وتطوان، والعرائش)، وخضعت كل المنطقة لسلطة الانقلابيين في أقل من 24 ساعة.

تقول مارية روسا: "بالنسبة للضباط الذين خططوا للانقلاب ضد الجمهورية ارتأوا بأن المغرب هو المكان المناسب والأكثر ضمانًا للنجاح منذ اللحظات الأولى. وذلك بسبب العقلية الأفريقانية السائدة بين جيش أفريقيا (الضباط والجيوش الذين شاركوا في الحروب والمواجهات مع المغرب)".

وأوضحت المُؤرخة أن الثورة كانت مقررة في البداية في 17 تموز/يوليو، ثم اقترحت يوم 18 تموز/يوليو وانطلقت مساء يوم 17 من الشهر نفسه في مليلية. إلا أن معلومات وصلت إلى القيادات العسكرية التابعة للنظام الجمهوري بمدريد حول تحركات الانقلابيين، فأمرت بتفتيش أماكن ومخازن السلاح على الخصوص.

ولكن في تطوان (شمال المغرب، اتخذها المستعمر الإسباني مركزًا إداريًا في فترة استعمار البلاد): "خطط الملازم كولونيل سايينس دي بورواكا Saenz de Buruaga قائد المتمردين بمعية الكولونيل بيكبيدير Beigbeder وأسينسيو، للسيطرة على المدينة من ليلة 17 إلى 18 تموز/يوليو. وحين اطلاعهم على أن التمرد قد اندلع في مليلية قبل الموعد المُحدّد، انطلق الثلاثة في العمليات"، تردف مارية روسا.

وخلال تلك الليلة، استولى الكولونيل أسينسيو على مطار "سانية الرمل" ومحطات مهمة أخرى بتطوان، بينما استولى الكولونيل سايينس دي بورواكا على المفوضية العليا، وألقى القبض على المفوض السامي أباريس بويلا Alvarez Buylla (وأعدم لاحقًا بسبتة)، ثم تمكن بيكبيدير من السيطرة على مندوبية الشؤون الأهلية.

في خضم ذلك، استسلم الطيارون في مطار "سانية الرمل" فجر 18 تموز/يوليو، حينما شاهدوا نار القذائف. ثم استولى الثوار على العرائش، وأصيلا والقصر الكبير في ليلة 17 إلى 18 يوليو، وتغلبوا على معاقل مقاومة اليسار، خصوصًا في العرائش. 

وهكذا صارت منطقة نفوذ الاستعمار الإسباني بالمغرب رأس الحربة والقاعدة الأساسية لانطلاق التمرد العسكري. فقد تقرر الإعلان عنه مباشرة بعد وصول الجنرال فرانكو إلى مدينة تطوان في 19 تموز/يوليو لقيادة الجيش الإفريقي، ومن هناك، العبور بقواته لمضيق جبل طارق، في اتجاه جنوب إسبانيا.

حُدّد يوم 5 آب/أغسطس 1936 موعدًا للقيام بذلك العبور، انطلاقًا من مدينة سبتة في اتجاه الجزيرة الخضراء. وقد أشرف الجنرال فرانكو بنفسه، ومن مرتفعات مدينة سبتة، على انطلاق عملية مرور قواته، مُدشنًا بذلك ما عُرف في الأدبيات الفرنكاوية بـ"موكب النصر".

وبعد نجاح عملية العبور، وتدفق الجيش الإفريقي على الجنوب الإسباني، غادر فرانكو تطوان بصفة نهائية يوم 7 آب/أغسطس 1936، ليلتحق بمدينة إشبيلية التي أقام بها قيادته العليا.

القواد.. سلطة وتهديد مطلقين

ظلت الكتابات البحثية والتاريخية التي اشتغلت على ملف العلاقات المغربية-الإسبانية حريصة على النبش في العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي عجّلت بتجنيد الفيلق المغربي للمشاركة إلى جانب الثوار في الانقلاب على الحكومة اليسارية بإسبانيا، وكان أولها أن مناطق شمالي المغرب وفي جنوبه كانت تحت سيطرة الإسبان أنفسهم.

في هذا السياق بالضبط، استغلت الإدارة الإسبانية، وكانت تتمركز شمالًا في مدينة تطوان، "السلطة" المطلقة للقواد (جمع قائد وكانت مهمته الأساسية ترسيخ سيادة الإدارة المغربية بالعالم القروي بشكل خاص) لتحقيق غايتهم، وهو ما يشير إليه كتاب مارية روسا دي مادارياغا.

كتبت المُؤرخة: "إذا كان المراقبون قد قاموا بدور هام خلال عملية تجنيد الريفيين ضمن جيش فرانكو، فإن دور القياد لم يكن أقل شأنًا من ذلك، وقد اعتمد عليهم هؤلاء المراقبون لتحفيز القبائل (وفي الغالب تهديدها)، وذلك عن طريق المناداة في الأسواق (يسمى بالدارجة التَّبراح)، أو طرق أخرى كان يضعها القياد رهن الإشارة لتجنيد أكبر عدد ممكن من القبائليين".

وفي هذا الصدد، يذكر بوهادي أن فرانكو حرص على تنظيم اجتماع بمقر الإقامة العامة بتطوان يوم 21 تموز/يوليو، حضره 50 من القواد يمثلون أغلب قبائل جبالة، وغمارة، والريف، حيث عبّروا له عن مساندتهم لحركته ووضع أنفسهم تحت تصرفه. إذ قاموا، بمجرد العودة إلى قبائلهم المنتشرة شمالي المغرب، بالدعاية الواسعة لصالح فرانكو ورفاقه، وحث الأهالي على التطوع في صفوف قواتهم.

وقال صاحب "المغرب والحرب الأهلية الإسبانية": "وقد كان على هؤلاء القواد، وتحت إشراف المراقبين، وضع لوائح بأعداد الرجال القادرين على حمل السلاح داخل قبائلهم. وكانت السلطات تكافئهم على قدر ما يستطيعون تجنيده من رعاياهم، وتُشعرهم أن منصبهم مرهون بالاستجابة لهذا الهدف".

في هذا السياق، لفتت مارية روسا إلى أن الإنقلابيين الذين سيطروا على تطوان أدّبوا كل القياد الذين أبدوا برودة في التجنيد الجماعي للريفيين (تقصد أبناء منطقة الريف شمال المغرب)، بل وأعدموا كل من ظهرت عليه علامات مُعارضة انقلاب فرانكو أو أبدى رأيًا آخر، سواء من الإسبان أو المغاربة.

الجوع كافر

صارع المغاربة في شمال المغرب سلطة الاستعمار وسلطة القواد من أبناء البلد وسلطة الجوع، ما سهل من مأمورية القواد والإسبان في التجنيد وخلق كتيبة مغربية راهن عليها فرانسيسكو فرانكو لحسم معركة الانقلاب في العاصمة مدريد، وإن كان التاريخ لم ينصف هؤلاء المغلوب على أمرهم، بل يذكرهم "وحوشًا" أتوا على الأخضر واليابس في الضفة الأخرى ببلاد الإسبان.

ذكر الباحث بوبكر بوهادي أن: "مختلف الشهادات والمصادر، تؤكد تهافت الناس وإقبالهم الكبير على المكاتب (لتسجيل المجندين) منذ فتحها، حيث اصطفت أمامها طوابير الفارين من البؤس والجوع أملًا في قبولهم، والحصول على الأجر المغري والمساعدات الغذائية التي كانت تقدم لكل منخرط".

واضطر المغاربة للانخراط بكثافة في صفوف الجيش الإسباني، وبشكل خاص جدًا، بعد سنوات الجفاف الأولى ما بين 1934 و1935، ثم ظروف الحرب الأولى عام 1937. ولهذا، كان الجنود المغاربة يحصلون على الأكل والشرب واللباس والراتب.

خلال تلك الفترة بالضبط، وفي إطار الهروب من البؤس والفقر، كان المجندون المغاربة في صفوف فرانكو، الذين يتوجهون نحو إسبانيا، يتلقون شهرين من رواتبهم مسبقًا، إلى جانب السكر والزيت والخبز، بعدد أفراد عائلاتهم، وهو ما حفز أهالي آخرين على الانخراط في صفوف الفيلق المغربي.

الحاج فرانكو

تناقلت الروايات الشفوية، خصوصًا في منطقة الريف الأمازيغية شمالي المغرب التي كانت ضمن نفوذ الاستعمار الإسباني، قصصًا خرافية عن فرانسيسكو فرانكو، ومنها أنه حمل لقب "الحاج"، إذ كان قريبًا من المسلمين، وهو ما دفعه لمحاربة الملحدين الجمهوريين والماسونيين كذلك.

ولعل هذه الحكايات التي تبدو أسطورية أحيانًا سادت مناطق النفوذ الإسباني في ثلاثينات القرن الماضي، بعد حملات إقناع الريفيين بأن المشاركة إلى جانب الانقلابيين يعد "جهادًا" من أجل تطهير إسبانيا والمغرب من "الكفار" والملحدين الذين لا ربّ لهم.

مغاربة فرانكو

أوضح بوبكر بوهادي، في كتابه، أن: "توظيف الدين، واستعماله كمرجعية أساسية، كان من العناصر المهمة التي قامت عليها سياسة فرانكو في صراعه ضد خصومه من أجل تشويه صورتهم والنيل من سمعتهم وسط الشعب الإسباني. ويعود ذلك إلى اعتقاده الراسخ برسالته الروحية، وبأنه يخوض حربًا لا هوادة فيها لتخليص بلاده من مظاهر الإلحاد التي كانت تمثله في نظره الشيوعية والماسونية".

ويشير الباحث نور الدين أحميان في أطروحته "الحج والدعاية في السياسة الإسلامية الفرانكوية بالمغرب إبان الحرب الاهلية الإسبانية 1936- 1939"، إلى أن الجنرال فرانكو عمل على إظهار نفسه كصديق للعالم الإسلامي، ومدافع عن تراث الأندلس، وإظهار معالم الثقافة الأندلسية.

تحقق فعلًا الصدى الكبير الذي كان يريد فرانكو أن يعطيه لسياسته الدينية من خلال اغتنامه اقتراب موسم الحج، الذي كان له اعتبار خاص لدى المغاربة، فعملت السلطات الإسبانية الانقلابية في تطوان على تنظيم موكب الحج، وتقديم كل الدعم له.

وذكر بوهادي أن: "فرانكو أصدر أوامره يوم 28 أيلول/ديسمبر، بواسطة برقية مستعجلة، من أجل تخصيص الباخرة دوميني Domine لنقل الحجاج المغاربة، وإرسالها على وجه السرعة إلى ميناء سبتة لإدخال التعديلات الضرورية عليها وإعدادها لتلك المهمة الدينية".

لأجل هذه المهمة الدينية، وبأمر من فرانسيسكو فرانكو، اختير عالم مدينة تطوان ومؤرخها، الفقيه أحمد الرهوني، ليكون على رأس وفد حجاج المنطقة. و"خلال زيارة هذا الأخير لفرانكو في عام 1937 بإشبيلية استعدادًا لرحلة الحج، أرسل فرانكو عبر الرهوني إشارات إلى العالم الإسلامي لمد جسور الصداقة من جهة، وخلق جبهة أو تكثيف الجهود للتصدي للمد الشيوعي"، يقول أحميان.

وأضاف: "وكان الاعتماد على الرهوني (ألف الرحلة المكية تحدث فيها عن الرحلة وظروفها) كأداة للترويج للفرانكاوية، سواء داخل المغرب أو خارجه من خلال إشرافه على تنظيم الحج الذي يتمتع بصبغة دولية، باعتبار الديار المقدسة بالحجاز مجال لالتقاء المسلمين من كل الأقطار".

لهذا عرفت هذه الرحلة نجاحًا بسبب العناية التي أولتها الحركة الفرانكاوية لها، خاصة ما ارتبط بفخامة السفينة المخصصة لنقل الحجاج. لذلك حظيت بمتابعة إعلامية مهمة، سواء من قبل الصحافة العربية أو الصحافة الأجنبية، والإسبانية بشكل خاص.

ولفت نور الدين أحميان إلى أن: "السلطات الفرانكاوية نظمت حفل استقبال للحجاج المغاربة من منطقة النفوذ الإسباني في قصر المعتمد بن عباد في إشبيلية بإسبانيا بعد عودة من أداء المناسك، إذ ألقى فرانكو أمامهم خطابًا أكد فيه على العلاقات القوية بين إسبانيا والإسلام كما ذكّرهم بماضي المسلمين بالأندلس".

الكلمات المفتاحية

الأكثر قراءة

1

حكاية سيد درويش.. الحب والثورة والزوال

اعتُبر سيد درويش مخلّصًا للأغنية المصرية من عجمتها التركية، وقال البعض إنه أعاد الموسيقى إلى أصلها العربي كما كانت في زمن الخلافة العباسية

2

كل شيء رائحة.. العطور العربية في حياتها وموتها

تحدّث الرومان واليونانيون قديمًا بإعجاب عن بخور وطيوب سبأ، لدرجة أنهم وصفوا سكانها بأنهم من أثرى شعوب العالم، وأنهم يأكلون في أوعية من الذهب، ويسكنون بيوت فارهة

3

من يمتلك الإنترنت؟

تقول ولادة شبكة الإنترنت الكثير من ناحية تحولها إلى مجال للسيطرة والربح، خصوصًا حين نضع نصب أعيننا أنها استراتيجية اتصالية أميركية

4

"يا ما في الجراب يا حاوي".. الحواة من إبهار الشارع إلى شاشات التليفزيون

لم يكن الحواة فئة طارئة على المجتمع المصري، فقد تواجدوا في الشوارع والميادين العامة منذ القرن التاسع عشر الميلادي

5

طيف جيم كرو الذي لم يغادر الولايات المتحدة

أضفت قوانين جيم كرو شرعية قانونية على سياسة الفصل العنصري، وساهمت في ترسيخ ثقافة فوقية تضع السود في مرتبة أدنى من البيض، وتعزز العنف الممنهج ضدهم

اقرأ/ي أيضًا

كل شيء رائحة.. العطور العربية في حياتها وموتها

كل شيء رائحة.. العطور العربية في حياتها وموتها

تحدّث الرومان واليونانيون قديمًا بإعجاب عن بخور وطيوب سبأ، لدرجة أنهم وصفوا سكانها بأنهم من أثرى شعوب العالم، وأنهم يأكلون في أوعية من الذهب، ويسكنون بيوت فارهة

هديل عطا الله

الحاوي
الحاوي

"يا ما في الجراب يا حاوي".. الحواة من إبهار الشارع إلى شاشات التليفزيون

لم يكن الحواة فئة طارئة على المجتمع المصري، فقد تواجدوا في الشوارع والميادين العامة منذ القرن التاسع عشر الميلادي

محب جميل

طيف جيم كرو

طيف جيم كرو الذي لم يغادر الولايات المتحدة

أضفت قوانين جيم كرو شرعية قانونية على سياسة الفصل العنصري، وساهمت في ترسيخ ثقافة فوقية تضع السود في مرتبة أدنى من البيض، وتعزز العنف الممنهج ضدهم

محسن القيشاوي

غزة تحت الإدارة المصرية

تسعة عشر عامًا من الزمن.. غزة تحت الإدارة المصرية

يستعرض النص أبرز المحطات التاريخية بارزة للعلاقات المصرية الفلسطينية في ظل الإدارة المصرية لقطاع غزة، التي بدأت بعد نكبة 1948، واستمرت حتى نكسة 1967

عبد الرحمن الطويل

الإسلام المغربي في إفريقيا

الإسلام المغربي في إفريقيا.. جسور روحية من فاس إلى تمبكتو

عمل المغرب على نشر الإسلام الصوفي في دول غرب إفريقيا، مما جعل الزوايا والطرق الصوفية مع الوقت فاعلًا رئيسيًا في استمرارية الروابط الروحية والثقافية بينه وبين عدة دول إفريقية

عبد المومن محو

المزيد من الكاتب

عبد المومن محو

صحافي مغربي

مستشفى على ظهر دبابة.. سيرة الطب الحديث في المغرب

لم يُدِرْ الأوروبيون يومًا ظهرهم للمغرب، بل ظلت أعينهم تراقب هذا البلد الشمال إفريقي المطل على ساحلي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي من خلال مستكشفين

الإسلام المغربي في إفريقيا.. جسور روحية من فاس إلى تمبكتو

عمل المغرب على نشر الإسلام الصوفي في دول غرب إفريقيا، مما جعل الزوايا والطرق الصوفية مع الوقت فاعلًا رئيسيًا في استمرارية الروابط الروحية والثقافية بينه وبين عدة دول إفريقية