قد تلجأ النساء إلى حيل ووسائل كثيرة، لا تخطر على عقل رجل، من أجل استمالة الحبيب أو إعادة الزوج الغائب، سواء بالسحر والأعمال السفلية والخرافات، أو وسائل أخرى. لكن الجديد هو أن تلجأ المرأة إلى الشعر، وهو ما حدث في سابقة ربما لم تحدث من قبل، ما يعبّر عن إيمانها بأن للكلمة، خاصةً الشعرية، دور السحر في استمالة القلوب ورد الغائب عن عقله إلى صوابه.
وبقدر ما تبرز الحكاية قدرة الجملة الشعرية في مواجهة تعنت وتحجُّر المشاعر، فإنها في الوقت ذاته تكشف عن المشاعر الحقيقية التي تختزنها المرأة للرجل ولا تظهر غالبًا إلا في أوقات المحن. ومن جانب ثالث، تبرز قوة المرأة واستماتتها في الوصول إلى غايتها إذا أرادتْ.
صاحبة القصة شاعرة اسمها منيرة توفيق. وعندما عرض رجاء النقاش قصة قصيدتها المثيرة التي استعادت بها زوجها الصاغ، في مقالته بالأهرام (بتاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1998)، بعنوان قصيدة "تمنع الطلاق"، وأعاد نشرها في كتابه "عباقرة ومجانين"؛ شكّك في حقيقة الشاعرة نفسها، بل ذهب مذاهب شتى منها أن المرأة لجأت إلى أحد أقاربها الذين يكتبون الشعر، وكتب لها قصيدتها التي استطاعت من خلالها أن تمنع الطلاق وتستعيد زوجها الجنرال بقوة الشعر.
كان استدلال النقاش عجيبًا بأنه لم يعثر على قصيدة أخرى للشاعرة، بل ووصل به الأمر إلى التشكيك في الشاعرتيْن خيرية أحمد وناهد أحمد فهمي اللتين قدمتا الدعم والمساندة لها بالشعر أيضًا، فقال إنهما مجرد شاعريْن أرادا أن يساندا هذه المرأة في محنتها تحت أسماء نسائية مُستعارة غير حقيقية.
الحقيقة أن النقاش جانبه الصواب فيما ذهب إليه، ذلك أن الشاعرة التي ادعى أنها توارت واختفت بعد هذه القصيدة كانت لها قصائد عديدة، وشاركت في المحافل الأدبيّة وإن على استحياء. وقد جُمعت قصائدها في ديوان حمل عنوان "أنوار منيرة"، ونالت أيضًا وسام صاحبة العصمة عن قصيدتها "فاروق الأوّل" التي ألقتها في المهرجان الأدبي الذي أقيم في دار الأوبرا الملكية عام 1942.
لم يُغَالِ النقاش في حكمه، بل عاد وصوّب ما شكك فيه عبر مقال نشره في صحيفة الأهرام (16 تشرين الثاني/نوفمبر 1998) بعنوان "شاعرة الحنان". كما نشر رسائل من حفيدة الشاعرة، السيدة عصمت زوجة عبد العزيز حجازي رئيس وزراء مصر الأسبق، ورسالة من ابن الشاعرة.
كما نشر رسالة من ابن الشاعرة ناهد محمد فهمي، أوضح فيها بعض الحقائق المهمة بشأن هوية الشاعرة، وصاحب القصائد الأصلي. وهنا صدق حدس النقاش، حيث ذكر ابنها أن الأشعار لجده الذي كان يكتب القصائد باسم ابنته في كثير من المجلات.
الشاعرة المجهولة
وصفها محمد رجب البيومي في كتابه "طرائف ومسامرات" بأنها: "كانت متواضعة تكتب الشعر لنفسها ولا تنشر منه شيئًا إلا إذا دعت ضرورة مُلزمة. زوجها كان يحتل منصبًا لامعًا في وزارة الداخلية، عزم على طلاقها لأسباب لا تعرفها، ولا يهمنا أن نتلمس أسبابها".
وجاء في سيرتها، بحسب "أعلام من الإسكندرية - ج2" لنقولا يوسف، أن الشاعرة منيرة توفيق (1893 - 1965) ولدت في مدينة بورسعيد. كان والدها مصطفى توفيق من كبار رجال الإدارة في مصر وحكمدار الشرقية (توفي في عام 1932)، وقد أحسن تعليمها، وحبّب إليها الإطلاع، ودرّبها على ركوب الخيل، وصحبته كذلك في تنقلاته ورحلاته، فكانت تلتحق بمدارس البنات في كل مدينة ينتقل إليها، وتزداد معرفة وخبرة بشعب بلادها وريفه وحضره.
تزوّجت في العشرين من عمرها من محمد ماهر رشدي (لواء ومدير أمن بني سويف فيما بعد، توفي في عام 1958)، الذي كانت تنتقل معه من بلد إلى آخر، ولم تنقطع عن نظم الشعر، واشتركت في موسم الشعر عام 1936 بجمعية الشبان المسلمين بقصيدة عنوانها "الشباب والزواج"، وفي حفل تأبين الكاتبة مي زيادة عام 1941.
ألقت في عام 1943 قصيدة في مهرجان الربيع بجماعة نشر الثقافة في الإسكندرية، ومُنحت ميدالية ذهبية على قصيدتها في مهرجان الشعر في شباط/فبراير 1942، واشتركت في حفل تكريم الشاعر أحمد محرم، وفي حفل تأبين شوقي بدار الأوبرا، وكانت تُسهم بقصائدها في مهرجانات جماعة نشر الثقافة بالإسكندرية، وفي نادي الموظفين بالثغر، وفي مدرسة بني سويف الثانوية.
وكانت أيضًا شاعرة "الاتحاد النسوي" الذي ترأسته هدى شعراوي، وكانت تدعى إليه بالقاهرة، وألقت فيه قصيدة بمناسبة عيده العشرين. ونشرت بعض قصائدها في صحف ومجلات "الأهرام" و"الرسالة" و"الثقافة"، ومنها مرثياتها لسعد زغلول، ومصطفى كامل، وأحمد شوقي، ومي زيادة، وحافظ إبراهيم، وهدى شعراوي، وفلسطين الجريحة.
وفي عام 1967، بعد وفاتها، قام "جمعية الشابات المسلمات بالإسكندرية" بنشر ديوانها الذي حمل عنوان "أنوار منيرة"، وتضمن أكثر من مائة وأربعين قصيدة في مختلف المواضيع، مثل الوطنية والعروبة والوصف والمراثي والتهنئة والتكريم، وكذلك شعر الأسرة والأعياد والوجدانيات والذكريات.
قدّم ديوانها محمد حمدي عاشور، محافظ الإسكندرية آنذاك، الذي قال في تقديمه: "إنه لمن حسن حظ الإسكندرية أن يكون بين ربوعها سيدة أديبة أوتيت موهبة التعبير عن مشاعرها بشعر عربي رصين يهز النفس ويثري الوجدان ويوحي بالرضا والارتياح، على نحو فريد من فنون القول اختصت به هذه الأديبة الكبيرة منيرة توفيق التي لم تؤتِ نصيبًا من الشهرة لأنها كانت حتى آخر رمق في حياتها زاهدة في تلك الشهرة، راضية بأنها إذا عبرّت عن أي خاطر من خواطرها كان الصدق رائدها وروعة الفن هدفها الأول والأخير. جمعت السيدة صاحبة الأنوار في هذه المجموعة من شعرها بين القديم والجديد، جمعت بين مفاخر النضال الأصيل وبين ملاحم الثورة المباركة، فكما أشادت ببطولات مصطفى كامل وسعد زغلول وهدى شعراوي ومي، انطلقت تنظم ملحمة كاملة عن بطل ثورتنا وباعث نهضتنا جمال عبد الناصر الذي استحق بكل جدارة من كل مواطن مخلص أن يدين له بالوفاء والتأييد نثرًا وشعرًا".
ترويض الجنرال
أما حكايتها مع الجنرال كما صورتها في قصيدة كان لها من الرواج الكثير، فملخصها أنها كانت متزوجة من ضابط شرطة كبير، الصاغ محمد ماهر رشدي، لكن هذا الزوج هجرها فجأة وابتعد عنها وراح يفكّر في الطلاق منها وإنهاء حياته الزوجية.
تبدّل موقف المرأة هنا فراحت تدافع عن بيتها وتحاول استرداد زوجها، لكنها ابتكرت حيلة لم تخطر على بال أحد؛ قررت أن يكون سلاحها في مواجهة الجنرال هو الشعر، الذي تحبّه. وبالفعل، كتبت قصيدة مؤثرّة تستعرض علاقتها بزوجها وتبدّل حاله وتدعوه من خلالها إلى العودة مجددًا إلى بيته وزوجته، وقد أرسلت القصيدة إلى "مجلة الرسالة" (نشرت في العدد 22، 12 شباط/فبراير 1934) لصاحبها محمد حسن الزيات.
والغريب أنها لم توقع القصيدة باسم مجهول أو بحروف مُبهمة، وإنما كتبت اسمها صراحة: منيرة توفيق حرم الصاغ محمد ماهر رشدي مأمور بندر الزقازيق. كما اتخذت عنوانًا مباشرًا وصريحًا "إلى زوجي الفاضل"، وإن كان محرر المجلة قد وضع القصيدة تحت عنوان فرعي: "من طرائف الشعر: إلى زوجي الفاضل، قصيدة طريفة من الأدب النسوي الجميل للسيدة منيرة توفيق".
وعلى ما يبدو، فإن القصيدة لاقت الإعجاب من أصحاب المجلات، فأعادت مجلة "المعرفة" نشرها من جديد، لكنها وضعت عنوانًا مختلفًا: "هل رُمتَ غير زوجة؟".
بدأت القصيدة، حسب ما ذكر النقاش، بوصف حالة الحزن والقلق التي تعيش فيها بسبب هجران زوجها الحبيب، حيث قالت:
طال السهاد وأرقت عيني الكوارث والنوازل
لما جفاني من أحب وراح تشغله الشواغل
طوى صفحة حبنا وأصاخ سمعًا للعواذل.
ثم في خطوة مباشرة توجهت إلى زوجها بعد وصف إحساسها بالحزن، ورضوخ الزوج للعواذل، تذكّره بما كان بينهما من أيام سعيدة ولحظات جميلة، وكأنها تعزف على وتر العيش المشترك وأيام الصفاء والودّ، فتقول:
يا أيّها الزوج الكريم وأيها الحب المواصل
مالي أراك معاندي ومعذبي من غير طائل
لم ترعَ لي صلة الهوى وهجراني والهجر قاتل.
كانت الزوجة محامية بارعة في الدفاع عن قضيتها، فلم ترمِ بكل أسلحتها مباشرة، كما أنها لم تستجدِ الزوج وتظهر ضعفها، وإنما كانت تُقارع حججه في الهجران، بما يدحضها ويبطلها. فتسأله بترقق عمّا يبغيه من الزواج من أخرى: هل تريد المال أم الجمال أم الأصل والنسب؟ بل لا تكتفي بهذا، وإنما تنبهه إلى خطأ موقفه، وفي الوقت نفسه تعدد من فضائلها التي كان ينبغي أن يحرص عليها ويسعد بها فتقول:
إن تبغ مالًا فالذي تدريه أن المال زائل
وإن تبغ أصلًا فالتي قاطعتها بنت الأماثل
أو تبغ حسنًا بالمحاسن جمّة عندي موائل
أو تبغ آدابًا فأشعاري على أدبي دلائل
أنا ما حفظت سوى الوفاء ولا ادخرت سوى الفضائل
وأنا، ولي شرف العفاف أعد مفخرة المنازل
فجزيتني شرّ الجزاء وكنت فيه غير عادل.
بالطبع هي محقّة فيما ذكرت، لكن لماذا لم تذكر لنا، ما كان ربما يبحث عنه عند غيرها، ألا وهو الحب والأمان والدفء؟ في الحقيقة لم تذكر هذا، وربما كان ما أخفته هو السبب الحقيقي لهجرانها. لماذا فكرت في كل الأشياء المادية: المال والحسب والجمال؟ أليست كل هذه الأشياء زائلة على نحو ما ذكرتْ من قبل: فالمال زائل؟ وبالمثل الحُسن هو أيضا زائل بفعل الزمن؟ والذي يبقى هو الحب! وهو الذي يدوم مع الأيام، ويجعل من عسرتها يسرًا، ومن مرّها حلوًا، ومن نكدها سعادة.
الغريب أن الزوجة بعدما تُذكّره بهذه الأشياء التي ظنت أنه يبحث عنها في غيرها، وهي عندها جمّة، بل هي الموئل لها، لا تخفي عليه عيوبه التي تحملتها (في إشارة إلى أنها من ضحايا الذكورية) ومع هذا هجرها، وإن كانت ترد هذا التحول لا إلى ذاتها، بل إلى أهل السوء الذين يخالطهم، فتقول في عنف:
ماذا جرى فهجرتني والحب شيمته التساهل
عاشرتَ أهل السوء فاقتنصوك في شر الحبائل
ومضيتَ تطلبُ بينهم عيش المقيد بالسلاسل
ورضيت هجر خليلة لما تزل خير الحلائل
والله ما فكرتُ يومًا في جفاكَ ولم أحاول
حاولتْ يا قاسي الطباع ولم تدارِ ولم تجامل.
ومع هذه الحملة العنيفة ضدّه، إلا أنها لا تريد أن تخسره أو تتركه لتلك التي ذهب إليها، فتعود للتأثير عليه بتذكيره بأثر هذا الهجران عليها؛ فموقفه الرافض لها سوف يقتلها ويقضي عليها بل وتطلب منه بأن يُقلع عن عناده ويعود إلى بيته:
فاعلم بأنك قاتلي والموت فيما أنت فاعل
أين المسائل والمواصل في العشي وفي الأصائل
أين المودة في الهَوى بيني وبينك بالتبادل
أين الحديثُ العذبُ منك وأين ولّى سحر بابل
أين أُسائلُ أين عَهدُكَ في الهوى إني أسائل
أعلمتَ ما فعل النوى بي، أم أنتَ ذاهل؟
ثم تختم القصيدة بطلب صريح (أشبه بتهديد):
- فأربأ بنفسك وانهها وارجع إلى زين العقائل.
كانت المفاجأة أن القصيدة أحدثت تجاوبًا كبيرًا مع الشاعرة صاحبة المظلمة، فتعاطف الرأي العام معها، وكتب إليها عدد كبير من نساء مصر يساندنها عاطفيًا ومعنويًا، وقد اتخذ التعاطف شكلًا مغايرًا، إذا نشرتْ مجلة "الرسالة" في الأسبوع التالي قصيدتين لأنستيْن؛ الأولى خيرية أحمد، وكانت على ثقة بعودة الزوج إلى زوجته، فقالت في قصيدتها:
وأخالُ أنكِ تحلمين وأنّ هذا الحُلم زائل
سيعود زوجك للوئام وليس عند الخلف طائل
أما الأنسة الأخرى، فكانت الشاعرة ناهد محمد فهمي، وعبرت في قصيدتها عن رفضها لموقف الزوج، وفي نفس الوقت نصحت الزوجة بأن تتساهل مع زوجها وألا تلومه بعنف وأن تصبر وتتحمل، فهذا هو الطريق الصحيح لحل المشكلة فتقول:
وترفقني في لومه فالرفق من شيم الأماثل
وتساهلي فيما جنى لا شيء ينفع كالتساهل
وتذرعي بالصبر في كل الكوارث والنوازل.
كما شارك الرجل في المواساة والمساندة فكتب الشاعر"محمد جاد الرب" مخاطبًا الزوجة المهجورة:
لكِ من كمالك غُنيةٌ عن قاطع ودّا وواصل
لا تعجبي من ميله فالدهر – يا أختاه – مائل
إن الأُلَى شغلوه عنكِ بين سافلةٍ وسافل.
تنتهي القصة بعودة الزوج إلى حضن زوجته، فقد راجع نفسه وعاد إلى الحسنى. وعلى الفور نشرت قصيدة في مجلة "الرسالة"، تبشِّر بها مَن ساندوها بعودة الطائر الشارد إلى عِشه، وإن كانت لم تتخلَ عن وصف حالة الإنكسار التي عاد بها، والجبن التي كان عليها "حين رأى الوغى" فما إن "ألقى السلاح، ولم يقاوم" ثم جاء نادمًا، كما أظهرت حُسن خلقها في تقبّل أوبته، واعتبرتها غَضبة، وإن كانت أدّت إلى حُسن الخواتم.
كما كشفت فيها عن حيل أخرى كان من الممكن أن تستخدمها لو لم يعد، لكن نجاح الشعر كان أقوى من التمائم والحيل التي تلجأ إليها النساء لتقريب الأحبة ممن ترغب، وتبعيد الأحبة إن أرادت أيضًا، فتقول في قصيدة جديدة بعنوان "الحمد لله" نشرتها في 5 مارس 1934:
يا سيداتي الفضيلات لكنّ حق الشكر دائم
قد عاد لي زوجي الكريم وجاء يقرع سنُ نادم
من بعد ما قدّرتُ أن رجوعه أضغاث أحلام
هي غضبة شعرية أدّت إلى حُسن الخواتـم
فعلتْ به ما ليس تفعلُه العزائم والتمائم.
ولا تنسى الشاعرة أن توجه الشكر لمن ساندها، فتتوجه أولا لفتيات مصر، ثم تخص خيرية أحمد وناهد محمد فهمي، بالشكر والثناء، دون أن تتوجه بالشكر للرجال بصفة عامة الذين ساندوها، أو حتى تخص الشاعر"محمد جاد الرب" الذي وقف إلى صفها، وكتب قصيدة يساندها ويدافع عنها في العدد 34 (الصادر بتاريخ 26 شباط/فبراير 1934). ومع الأسف، هذا الانحياز يكشف عن تحيزات نسوية مبكرة ضدّ الرجل، وكأنها تريد أن تعاقب الرجال جميعًا لفعلة زوجها، فتقول:
فتيات مصر تحية أنتن ربات العزائم
إني أدين بعطفكن وشكركن عليّ لازم
شكري إلى "خيرية" و"لناهد" ذات المكارم
وأعلى الصفحة كان الشاعر أحمد يحيى وصفي، هو الآخر يمدّ يد العون شعرًا، فكتب قصيدة بعنوان "إلى السيدة منيرة توفيق"، قال فيها:
أفصحتْ في شكاتها وأفاضت عن جوى القلب في بديع النظيم
حُرّة عفّة الإزار تناجي هاجر العش في بيان حكيم
أيهذي الورقاء كفي عن الشج ووعيشى بذكريات القديم
وانظيمها روائعًا تملأ الكون ففي الشعر راحة المكلوم.
ثم يتوجه إلى الزوج الهاجر قائلًا:
لا تضخ يا أخي سمعًا لقوم ينفثون الشقاق نفث السموم
إن في زوجك الجمال جمال النفس يسمو على جمال الأديم
عدّ إليها أخي زوجًا عطوفًا رحم الله كل قلب رحيم
عد إلة زوجك الأمية والثم جبهة النُّبل والوفاء العظيم
فأحبها الحب والوفاء وعيشا في حمى السعد في صفاء النعيم.
الجدير بالذكر أن الشاعرة كانت موضع حفاوة كبيرة من كبار الشعراء، فالشاعر إبراهيم ناجي أظهر إعجابه، وإن كان مال لما تتمتع به من جمال، عندما زارت عيادته مع أختها المريضة، فقال موجهًا خطابه لها مباشرة:
أمنيرة الوجه الجميل تقبّلي مِني جليل تحيتي وسلامي
إن كان قد قَصُرَ اللقاء ففي غدٍ يغدو خيالك في البُعاد أمامي
فكأنما رفّتْ عليّ خواطر مما تطوف عليّ في الأحلام
فسألْتُ نفسي منذ رأيتُكِ هَاهُنا مَن ذلك الملك الكريم السّامي؟
وإذا كان الشاعر إبراهيم ناجي أبدى إعجابه، فتغزّل – ولو صريحًا – بهذا الجمال، فهناك مَن نقموا على هذا الجمال، وأبوا أن ينكشف على الناس، فها هو الشاعر عبد الغني سلامة يلومها ويؤنبّها لاهتمامها بالأدب والشعر والحياة العامة، فيقول لها في قصيدة لوم وعتاب:
يا حسنها من زوجة لو علمت كيف التعامل
كيف الخضوع لزوجها مجتثة منه التحامل
لا أن تكون أديبة تجتاح في حل المسائل
أو بنت عراف اليمامة أو أسامة في الأوائل
وكأن الشاعر يدعوها - كما يقول رجاء النقاش – إلى الانسحاب من الحياة الأدبية والثقافية لتجعل جهدها وقفا على طاعة زوجها والخضوع له. الغريب أن موقف الشاعر يتغير إلى النقيض بعد أن التقاها، فيحول الاعتراض عليها إلى إعجاب، وهو ما يترجمه في صورة قصائد عديدة في مدحها والحماس لها.