تُعتبر الإنجليزية اليوم لغة العالم، لكن هل كانت هكذا على الدوام؟
يتحرك الناطقون بالإنجليزية فوق مساحات جغرافية مثيرة للدهشة لشدة اتساعها، إذ يتردد صدى مفرداتها الأخاذة فوق أجزاء من أوروبا والأميركيتين وآسيا وإفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا، وفي بعض جزر المحيط الأطلسي والهندي والمحيط الهادئ.
ويتحدث بها كلغة أولى ما بين 370 إلى 400 مليون شخص، بينما يتم استخدامها كلغة ثانية من قبل عدد مماثل من الناس، وتعتبر لغة أجنبية لمئات الملايين الآخرين. ولهذا التصقت بها، وباستحقاق، صفة "لغة عالمية".
وعلى الرغم من كل هذا المنجز الإنساني الكبير، إلا أن إنجلترا احتاجت قرونًا طوال لتبدأ بالتعرف على ذاتها لغويًا، وبالتالي اجتماعيًا وثقافيًا ودينيًا. وهذا كله حدث بعد ترجمة كتاب واحد لم يكن سوى "الإنجيل"، أو "الكتاب المقدس".
لمحة من حياة سابقة
ضمن الحكاية الإنسانية، تتموضع اللغات على قماشة تاريخية ذات خيوط متشابهة ومتشابكة كأغصان دغل، حيث تمور في جسد الكون ديناميكية طورتها الحروب والهجرات الكبيرة وصنعتها المآسي، تاركةً الحكاية لتتجلى كما هو متوقع دون حاجة لنبوءات كبرى، فهناك الحاكم والمحكوم، المستعمِر والمستعمَر، الكهنة والمؤمنين، رجال الدولة والبسطاء.
وهذا ما حصل في إنجلترا بالطبع، حيث حملت اللغة الإنجليزية حصتها من حكاية البلاد التي مرت بها وعبرها الكثير من الحضارات، فاضطلعت اللغتان اللاتينية والفرنسية بنقل مفرداتهما القيَمية ذات الشأن، ليس لأنها لغة عليا، متطورة وناقلة للفلسفة والحكمة والدين فحسب، بل لحمل تلك المفردات وظائف سلطوية بطبيعة الحال. دخلت اللاتينية والفرنسية إلى الحقل الجمعي اللغوي الإنجليزي بسيطرتهما – كمستعمرين تاريخيين – على المفاهيم العليا للدولة من عدالة وفضيلة وإيمان، إذ لم تسيطرا عسكريًا ودينيًا فقط، بل ولغويًا أيضًا على مفاهيم الفلسفة والقيم بأحكامها المطلقة، بما فيها التعليم اللاهوتي وأسئلة الثواب والعقاب، تاركةً للإنجليز الذين تم استعمارهم مفردات الحياة اليومية ليستخدموها في حياتهم اليومية المتواضعة، كطبقة دنيا لا شأن لها بما يجري في مستويات أعلى للسلطات، حيث رمت اللغتان الفرنسية واللاتينية، وبحرية لا تتاح سوى لمستعمر، بآلاف الكلمات في بحر المعجم الإنجليزي؛ مصطلحات علمية وقانونية وطبية وأكاديمية تجذرت داخل اللغة، ولم تستطع اللغة الإنجليزية نفضها عن كاهلها حتى يومنا هذا.
قدِمت اللغة اللاتينية إلى إنجلترا مع الغزو الروماني لبريطانيا، الذي بدأ عام 43 للميلاد تحت حكم الإمبراطور كلوديوس. ومع الغزو، جاءت تلك اللغة البهية ذات الهيمنة عبر الجنود والإداريين والمستوطنين الرومان الذين لم يقوموا بإنشاء المستعمرات فحسب، بل قاموا بإنشاء منظومة عمرانية واقتصادية متكاملة.
وكنتيجة حتمية لا مفر منها، أصبحت اللاتينية لغة الإدارة والتجارة والتعليم في بريطانيا، واستمر تأثيرها حتى بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي. وكونها ضرورة للانتقال الطبقي أيضًا، ولنيل الاعتراف والحصول على المكانة الاجتماعية، على اعتبار أن اللاتينية كانت لغة البحث العلمي في أوروبا لعدة قرون؛ اضطر العديد من الكتّاب والمثقفين الإنجليز، خاصةً خلال عصر النهضة، أن يكونوا على دراية جيدة بتلك اللغة وبالأدب اللاتيني تحديدًا ليتم الاعتراف بهم وبقامتهم إن كانت علمية أو أدبية، فقاموا بدمج العبارات والتعابير والأدوات البلاغية اللاتينية في أعمالهم.
ولا يخفى على أي متتبع لأصل بعض المفردات إدراك ما تمت الاشارة إليه سابقًا، سيما مفردات القيم العليا مثل العدالة "Justice" المشتقة من اللاتينية "Justitia"، والحرية "Freedom" – بحالتها الأولية كقيمة مطلقة – المشتقة من الكلمة الفرنسية القديمة "franch" التي تعني "حر".
بينما اشتُقت الحرية "Liberty" أيضًا من كلمة "ليبرتي" الفرنسية القديمة، التي جاءت من كلمة "ليبرتاس" اللاتينية. أما المساواة "equality"، فقد حطت رحالها داخل رحم اللغة الإنجليزية من الكلمة اللاتينية "aequitas"، بينما أتت الكلمة الأشهر الآن حول العالم "peace"، السلام، كاشتقاق من كلمة "pais" الفرنسية القديمة، التي جاءت من كلمة "pax" اللاتينية. وذلك بالإضافة إلى العديد من المفاهيم المتعلقة بالحب التي اشتقت من اللاتينية، مثل الشغف والرغبة "amorous" أو "passion" المنحدرتين بأصولهما من "amor" و"passio" على التوالي.
وعلى العكس من هذا كله، من قاع الحياة واعتياديتها وحسّيتها غير المشذبة، أتت الكلمات الإنجليزية ذات الأصول الأنجلوسكسونية أو الجرمانية – في معظم الأحيان – مرتبطة برنين الواقع ومنغمسة لنخاعها في تتبع وظائف الحواس. كما أنها مشتبكة بمعاني مباشرة لا مخاتلة فيها مع الأرضي واليومي والعادي، فحملت الأنجلوسكسونية مفردات تصف نهارات تعيشها الحواس بيومية مفرطة لا تحتاج لبيئة عالية التكلف كي تفصح عن أفعالها، فالبيت والنهر والحجر والطاولة لم يأت بها الرومان، بل ملكها الإنجليز منذ بدأ زمانهم. فالمفردات الممسوكة والواضحة والمجردة ثابتة المعنى، ولن تحتاج إلى سفسطات أرسطو ولا تأملات هوميروس. كما لن يضطر العقل الجمعي للبلاد لخوض مماحكات ليثبتها أو ينفيها، ولا لمنطق ليشّرعها أو يرمي بها خارج منظومة الأفكار المصنّعة. إنها حياة البسطاء الذين لم يترك لهم المستعمر رفاهية أن يجدوا صوتهم اللغوي الأكثر تعقيدًا، ولا أن يشكلوا وجدانهم بألقه، فلم يبق لهم سوى اعتيادية المفردات، مباشرتها وقلة خيالها.
الرؤية:
Eye, see, look, watch, view, sight, vision, glimpse, stare, gaze.
السمع:
Ear, hear, listen, sound, noise, loud, quiet, silent, whisper, shout.
اللمس:
Hand, touch, feel, grasp, hold, texture, rough, smooth, soft, hard.
التذوق:
Mouth, taste, eat, drink, flavor, sour, sweet, bitter, salty, delicious.
الشم:
Nose, smell, scent, odor, fragrance, stench, aroma, pungent, pleasant, foul.
الحركة:
Walk, run, jump, move, push, pull, lift, carry, drag, throw.
أشياء محسوسة:
House, tree, stone, river, mountain, road, table, chair, bed, book.
أفعال:
Work, play, sleep, eat, drink, talk, sing, dance, laugh, cry.
مشاعر لها جذور في التجربة الإنسانية:
Happy, sad, angry, scared, excited, calm, surprised, bored, content, anxious
على الرغم من كل تلك الهيمنة والانسحاق الإنجليزي أمام التأثيرات اللاتينية والفرنسية، نستطيع تعقب محاولات مبكرة للتمرد أتت مع الانتشار المسيحي المبكر في إنجلترا خلال العصر الروماني، حيث جرى نشر تعاليم المسيحية والكتب المقدسة في حوالي القرن الأول الميلادي.ومع ذلك، خلال هذه الفترة، تم نقل هذه التعاليم في المقام الأول شفهيًا أو من خلال النصوص المكتوبة باللغة اللاتينية، اللغة السائدة في الإمبراطورية الرومانية.
أما في "العصر الأنجلوسكسوني"، أي الفترة الممتدة من القرن الخامس إلى القرن الحادي عشر، والمعروفة باسم العصر الأنجلوسكسوني، فقد تم توحيد المسيحية داخل بريطانيا. وقد ساهمت المساعي التبشيرية، لا سيما من قبل شخصيات مثل أوغسطينوس من كانتربري، في نشر المسيحية بين السكان الأنجلوسكسونيين.
وُلد أوغسطينوس الأنغليكاني داخل ما يعرف اليوم بفرنسا حوالي عام 530م، وكان راهبًا وأسقفًا في الكنيسة الكاثوليكية أرسله بابا روما، غريغوريوس الأول، إلى إنجلترا في عام 597م لإعادة إحياء الدين المسيحي في الجزيرة الإنجليزية.
وبموافقة الملك الأنجلوسكسوني إيثيلبرت، بنى أوغسطينوس كاتدرائية في كانتربري، وأصبح أول أسقف لها. كما عمل على تحويل الملك إيثيلبرت وشعبه إلى المسيحية. توفي أوغسطينوس في 26 أيار/مايو 604م، ويعتبر الآن قديسًا في العديد من الطوائف المسيحية، بما في ذلك الكنيسة الكاثوليكية والأنغليكانية.
ومع ذاك الانتشار الكبير للمسيحية وتنصير الإنجليز، إلا أن سيطرت اللاتينية باعتبارها اللغة الكنسية على الخطاب الديني عزل الإنجليز عن دينهم، إذ احتاجوا لوسيط كان هو المستعمر اللاتيني والفرنسي من بعده، وذلك حتى في ظل نقل النصوص الدينية بشكل خجل إلى الإنجليزية خلال تلك الحقبة على يد عدة علماء، مثل المبجل بيد Bede the Venerable، الذي يعتبر أحد أهم الشخصيات الدينية في تاريخ إنجلترا.
اضطلع بيد (673م- 735م) برئاسة دير جارو، وكان له دور بارز في نشر المسيحية في إنجلترا خلال العصور الوسطى المبكرة. وهو من أوائل الشخصيات التي سعت لنشر العلوم والفنون في إنجلترا على نطاق أكثر اتساعًا مما كان متاحًا سابقًا، وشجع على تأسيس المكتبات والمدارس. كما قام بترجمات جزئية لنصوص "الكتاب المقدس" إلى اللغة الإنجليزية القديمة خلال القرن الثامن، لكن مساعيه المبكرة لترجمة "الكتاب المقدس" إلى اللغات العامية ظلت محدودة النطاق والتوزيع.
أدى الغزو النورماندي لإنجلترا عام 1066 إلى جلب التأثير الفرنسي إلى اللغة الإنجليزية، حيث أصبحت اللغة الفرنسية النورماندية لغة النخبة الحاكمة والإدارة بالطبع. ولكنها، على العكس من اللغة اللاتينية، دمجت المفردات الفرنسية وحفرتها داخل نخاع اللغة الإنجليزية، التي خضعت في القرون التي تلت الغزو النورماندي لعملية توحيد وتطوير أدبي كبيرين أنتجا اللغة الإنجليزية الوسطى، التي امتد استخدامها من القرن الثاني عشر إلى القرن الخامس عشر، فتنفست الإنجليزية هواءً أقل ثقلًا من الهواء اللاتيني، وتُركت لتنمو وتتطور كجنين متسق وليس هجينًا منسلخًا عن واقعه وحياته وأسلافه، فتحولت الإنجليزية إلى لغة أكثر توحيدًا مع قواعد ومفردات متجانسة، وأنتجت أعمالًا أدبية مؤثرة مثل "حكايات كانتربري" لجيفري تشوسر، وقد تجلّت أصالتها في كتابات ويليام لانجلاند وجون ويكليف، معتمدةً بشكل واضح على المفردات الأنجلوسكسونية والفرنسية.
أصبح "الكتاب المقدس" بعد ترجمته إلى الإنجليزية في متناول جمهور أوسع، بما في ذلك الأشخاص العاديين الذين أصبح بإمكانهم الآن قراءة النص وتفسيره بأنفسهم. وقد أدت إمكانية الوصول هذه إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الدين من خلال تمكين الأفراد من التعامل مباشرة مع النصوص المقدسة، وتعزيز الشعور بالروحانية الشخصية والاستقلال الديني. فترجمة "الكتاب المقدس" إلى اللغة الإنجليزية لم تكن حدثًا اعتياديًا، بل ظاهرة تاريخية معقدة تشكلت نتيجة التقاء العوامل الاجتماعية والثقافية والدينية واللغوية على مدى عدة قرون.
تركت ترجمة "الكتاب المقدس" إلى اللغة الإنجليزية بصمة لا تُمحى على الروح الجماعية للسكان الناطقين بهذه اللغة، حيث عملت كخيط رَبطَ مجموعات إقليمية واجتماعية متنوعة في نسيج وطني متماسك. وقد تجاوز هذا التراث الديني والأدبي المشترك، الذي حمله "الكتاب المقدس"، الإنجليزي، الحدود الضيقة لمفهوم الهوية، وأشبع الدولة القومية الإنجليزية الوليدة بشعور من التضامن الثقافي والمصير المشترك، فقد تزامن مشروع ترجمة الكتاب إلى اللغة الإنجليزية مع التجلي الأوضح والأعلى ضجيجًا وشعبوية لروح العصر، أي ارتباط ترجمة "الكتاب المقدس" بالتملص التدريجي من الكاثوليكية والإصرار على إيجاد هوية دينية ملائمة للإنجليز لم تتجسد بأفضل من النزوع لفكرة الإصلاح البروتستانتي. فها هو العصر الذهبي الأكثر ملائمة للاعتناق من الكاثوليكية بإرثها الفرنسي اللاتيني الشديد. ومع حصول الإنجليز على ترجمة حقة للإنجيل، استطاعوا قيادة إصلاحهم الكنسي، بل والتبشير أيضًا بنهضتهم العقائدية دون تباطؤ أو توانٍ.
وأصبحت الترجمات الإنجليزية بعد نشرها، بقيادة شخصيات بارزة مثل ويليام تينديل، قنوات حقيقية لنشر المعتقدات البروتستانتية، حيث سهّل هذا النشر من القطيعة التاريخية مع العقيدة الدينية، مما أدى إلى إثارة موجة من الثورة على هيمنة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وأشعل نيران الجدل اللاهوتي وأدى إلى تهديم وإعادة بناء تنظيمه للسلطة الدينية السابقة.
مبادرة ويكليف للترجمة
شهد النصف الأخير من القرن الرابع عشر ظهور جون ويكليف كمصلح ديني بارز داخل إنجلترا، وكانت الدعوة إلى ترجمة "الكتاب المقدس" إلى اللغة الإنجليزية من الأمور المركزية في أجندة ويكليف الإصلاحية، مدعومة بالاقتناع بأن كل المسيحيين يجب أن يتمتعوا بحرية الوصول غير المقيدة إلى الكتب المقدسة بلغتهم الأصلية.
قاد ويكليف وأتباعه إنتاج أول ترجمة إنجليزية شاملة للكتاب المقدس خلال هذه الفترة. وقد أثار إنجيل ويكليف، والذي تم نشره في شكل مخطوطة، معارضة كبيرة من السلطات الكنسية التي كانت تشعر بالقلق من احتمال أن تؤدي الترجمات العامية إلى تقويض سلطتها المؤسسية.
كان جون ويكليف لاهوتيًا وإصلاحيًا إنجليزيًا اعتُبر من الشخصيات البارزة في تاريخ الكنيسة والفكر الديني. وُلد في حوالي عام 1320، وتوفي في 31 كانون الأول/ديسمبر 1384. يعتبر من بين أوائل الشخصيات التي دعت إلى إصلاح الكنيسة الكاثوليكية في إنجلترا، إذ كان متأثرًا بالفكر البروتستانتي المبكر، وكان يعتقد بأن الكنيسة يجب أن تتخلى عن العديد من العقائد والتقاليد التي اعتبرها غير مبنية على "الكتاب المقدس". كما عارض بشدة سلطة البابا والأساقفة، واعتبر أنهم لا يملكون السلطة الروحية الحقيقية.
صعود الوعي الوطني
شهدت أواخر العصور الوسطى ازدهار الوعي الوطني وبلورة الهوية الإنجليزية. وفي الوقت نفسه، ظهر طلب واضح للاستقلال الثقافي والديني، بما في ذلك الرغبة واسعة النطاق في الوصول إلى النصوص الدينية باللغة الإنجليزية البحتة. وعلى هذه الخلفية تم الحفر في جذور اللغة الإنجليزية وإعادة خلق وابتكار لا مثيل لهما لروح تلك اللغة المستمدة من تاريخها ذاته، حاملة روحية الأرض الإنجليزية، ونافضة عن كاهلها مئات السنين من العبودية اللغوية وتحملها لثقل إرث غير مرغوب أتى به مستعمر غير غفور.
اكتسبت ترجمة "الكتاب المقدس" إلى اللغة الإنجليزية أهمية متزايدة، وتشابكت مع الحركات الأوسع التي تدعو إلى الإصلاح الاجتماعي والديني. فأدى ظهور المطبعة في القرن الخامس عشر إلى حدوث تحول كبير في نشر المعرفة، بما في ذلك النصوص الدينية مثل "الكتاب المقدس"، مما أتاح إمكانية الوصول إلى النسخ المترجمة للنصوص الدينية وللكتاب المقدس بطبيعة الحال.
وتزامن ذلك كله مع عصر النهضة الذي أدى إلى إحياء التعلم الكلاسيكي والبحث الإنساني، مما عزز بيئة فكرية مواتية لدراسة النصوص القديمة، بما في ذلك "الكتاب المقدس". وساهم علماء مثل إيراسموس في إصدار طبعات نقدية لنصوص "الكتاب المقدس" بلغاتهم الأصلية، مما أثار الاهتمام بالترجمات العامية "الإنجليزية" وحفز الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر، الذي قادته شخصيات بارزة مثل مارتن لوثر وجون كالفين، الجهود الحثيثة لترجمة "الكتاب المقدس" إلى اللغات العامية.
وكان مبدأ سولا سكريبتورا هو محور الروح الإصلاحية البروتستانتية، حيث دعا إلى أن يكون "الكتاب المقدس" هو المرجعية الدينية الوحيدة المتخلية عن الوساطة الباباوية "البشرية"، واعتبار "الكتاب المقدس" المترجم الحكم النهائي للإيمان والعقيدة.
الإنجيل إلى الإنجليزية ونسخة الملك جيمس
يُعتبر "الكتاب المقدس" بترجمته الإنجليزية مثالًا للبراعة الأدبية واللاهوتية، إذ حفر علامة لا تمحى على جداريات المجتمع الإنجليزي، وشبك بخيوطٍ شديدة الغنى والتنوع عناصر نمنمت القماشة الثقافية لهذا المجتمع، مانحة لشعبها إرثًا من الخصوبة الأدبية والفنية لم تتكرر.
إن الإيقاعات الرنانة لنسخة الملك جيمس، على وجه الخصوص، التي نُشرت في عام 1611، ما زال يتردد صداها عبر سجلات الأدب الإنجليزي، مما أضفى قدسية على الأعمال الرائعة لأساتذة الأدب مثل ويليام شكسبير، وجون ميلتون، وجون بنيان.
وقد كشفت رحلة ترجمة "الكتاب المقدس" إلى اللغة الإنجليزية عن نسيج من التحولات الثقافية واللغوية والدينية، التي أذنت ببدء حقبة تاريخية حملت هوية وطنية لا مخاتلة فيها.