تاريخ الانتخابات الرئاسية في تونس

الانتخابات الرئاسية في تونس.. ماضٍ من التشكيك وحب الكرسي

16 سبتمبر 2024

عندما أسقطت الثورة التونسية مطلع سنة 2011 حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، زعزعت كذلك نظرة التونسيين لمنصب رئيس الجمهورية. لأول مرة في تونس، خسر منصب الرئاسة موقعه الأول في سلم الصلاحيات والنفوذ داخل منظومة الحكم. وشاهد التونسيون، بعد 2011، برامج تلفزيونية ساخرة من رئيس الجمهورية، ومقالات صحفية تتضمن نقدًا لاذعًا لساكن قصر قرطاج. 

ومع ذلك، حافظت المدونة القانونية التونسية على نص مثير للجدل يجرّم ما يُعرف بارتكاب "أمر موحش ضد رئيس الجمهورية"، وهو نص قانوني يعود في الأصل إلى مرحلة حكم البايات وتم إصداره عام 1913 في المجلة الجزائية.

ساهم مناخ الحريات في البلاد بعد الثورة على تجنب إدانة النشطاء والمعارضين المنتقدين لرئيس الجمهورية، لكن توسع صلاحيات الرئيس الحالي قيس سعيّد منذ جويلية/ يوليو 2021، وإصداره دستورًا جديدًا حوّل السلطات إلى وظائف، إضافة إلى إقراره مرسومًا صار شهيرًا بـ"المرسوم 54"، وما تبع ذلك من إيقافات وملاحقات قضائية ضد نشطاء ومعارضين، أعاد التونسيين إلى صورة الرئاسة الموروثة وإلى حالة الخوف والصمت.

وها هي تونس تعيش على وقع انتخابات رئاسية منتظرة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول القادم. تحمل هذه الانتخابات نبضاً مختلفاً عن سابقاتها التي تلت ثورة 2011 لكنها تشترك مع ماضي الانتخابات التونسية البعيد في عدة نقاط. 

وللانتخابات الرئاسية في تونس ماض تليد يعود إلى السنوات الأولى إبان استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي ويمكن تقسيمه إلى أربع فترات كبرى، لكل فترة مميزاتها وطابعها والأسماء المهيمنة عليها.

عرفت الفترة الأولى، من انتخابات سنة 1959 إلى 1994، ترشحًا وحيدًا دائمًا في كل دورة ـ الحبيب بورقيبة في 4 دورات متتالية أو لاحقًا زين العابدين بن علي ـ وأنتخب بذلك أحدهما رئيسًا بنسبة 100 في المائة. وتخللت هذه الفترة ما يعرف بمرحلة "الرئاسة مدى الحياة" (الفترة الثانية). 

فيما شهدت الانتخابات الرئاسية في تونس بين سنتي 1999 و2009 (الفترة الثالثة) شيئًا من التعددية التي وصفت من مراقبين دوليين بالتعددية الصورية لكن سلطات البلاد حينها حرصت عليها في محاولة لإخراج صورة أكثر ديمقراطية عن حكمها. 

ومنذ 2011، تاريخ اندلاع الثورة التونسية، وإلى حدود انتخابات 2019 الرئاسية، دخلت البلاد مرحلة من الانتقال الديمقراطي والتعددية والصراع الحقيقي على السلطة، وإن لم يخل الصراع من هنات على مستوى الفساد المالي ومسائل أخرى (الفترة الرابعة). 

فيما تأتي الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 في سياق مغاير يُذكر بماضي الانتخابات الرئاسية في البلاد بين المرشح الوحيد أو الترشحات الصورية ومع انتقادات حادة من المعارضة، وهو ما يطرح تساؤلات عدة بخصوص نزاهتها ومقبوليتها.

 

مرحلة المرشح الواحد (1959 ـ 1974) و(1989 - 1994)

انتظمت أول انتخابات رئاسية في تونس سنة 1959 وتحديدًا في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1959 وكان الحبيب بورقيبة المرشح الوحيد عن الحزب الحر الدستوري الجديد وفاز فيها بنسبة 100% وكان قد حاز المنصب منذ سنة 1957 إثر انتخابه بطريقة غير مباشرة من قبل المجلس القومي التأسيسي، بعد تصويت المجلس بالأغلبية على إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية واختيار الحبيب بورقيبة كأول رئيس في البلاد.

فاز بورقيبة في 4 دورات انتخابية متتالية كلها كمرشح وحيد ودون منافس (نسبة تصويت له تناهز 100 في المائة) وهي الدورات التالية (1959 ـ 1964) و(1964 ـ 1969 مرشح الحزب الاشتراكي الدستوري) و(1969 ـ 1974 مرشح نفس الحزب) و(1974 ـ 1979 عن ذات الحزب).

بدوره فاز زين العابدين بن علي، ثاني رؤساء تونس، في مناسبتين دون أي منافس وذلك خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 1989 التي انتظمت في 2 أفريل/نيسان 1989 (مرشح حزب التجمع الدستوري الديمقراطي) وهي خامس انتخابات من نوعها في تاريخ البلاد، وكذلك في انتخابات 1994. 

 

تاريخ الانتخابات الرئاسية في تونس

 

  •  لمحة: ماذا تعرفون عن مدة الولاية الرئاسية في تونس؟ 

الولاية الواحدة لرئيس الجمهورية في تونس تدوم لـ5 سنوات وهي ثابتة لم تتغير منذ دستور سنة 1959 إلى الدستور المعتمد حاليًا في البلاد دستور سنة 2022، مرورًا بدستور 2014 وقبله قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية المحدث إبان الثورة. 

المتغير الوحيد هو عدد الولايات المسموح بها لرئيس ما، ففي دستور 1959 كان يمكن تجديدها لعدد غير محدود وأدت لإقرار الرئاسة مدى الحياة للحبيب بورقيبة عبر تعديل دستوري. أما في فترة حكم بن علي فقد عدل الدستور وحدد عدد الدورات بثلاث كحد أقصى، لكن هوس كرسي الرئاسة قاده أيضًا إلى تعديل دستوري سنة 2002 ألغى بمقتضاه البند الذي يحدد عدد دورات البقاء في كرسي الرئاسة بثلاث.

في المقابل حددت دساتير ما بعد ثورة 2011 الدورة الرئاسية بـ 5 سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة، وتكونان متصلتين أو منفصلتين.

مرحلة الرئاسة مدى الحياة (1974 ـ 1989)

لم تعرف تونس انتخابات رئاسية خلال الفترة ما بين 1974 و1989 فبعد انتخابات 1974 والتي مثلت الدورة الرابعة على التوالي التي يفوز فيها المرشح الوحيد الحبيب بورقيبة، أعلن الأخير نفسه، في مارس/أذار 1975، رئيسًا لتونس مدى الحياة وذلك عبر تعديل دستوري.

امتدت بذلك فترة حكم الحبيب بورقيبة من 25 جويلية/يوليو 1957 إلى 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987 تاريخ الانقلاب عليه من الوزير الأول حينها زين العابدين بن علي. 

اكتسب بورقيبة مكانته لدى التونسيين وجزء مهم من النخبة التونسية بالنظر لنضاله ضد المستعمر الفرنسي ودوره خلال تلك الفترة لنيل استقلال البلاد، لكن ذلك لم يساعده طويلًا ليواصل التونسيون تقبل فكرة حكم الفرد الواحد وهو ما يسر استيعاب الانقلاب عليه من وزيره الأول حينها بن علي وإخراج الأمر بشكل سلمي مرتبط بتعذر مواصلة مهامه لتردي حالته الصحية.  

 

تاريخ الانتخابات الرئاسية في تونس

 

مرحلة التعددية الصورية (1999 - 2009)

انطلاقًا من الانتخابات الرئاسية لسنة 1999، التي أقيمت يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول، وهي ثالث انتخابات رئاسية في عهد زين العابدين بن علي، دخلت البلاد مرحلة وُصفت بالتعددية الصورية. 

حاول بن علي، خلال تلك الفترة التي تعالت فيها أصوات المنظمات الحقوقية، خاصة الدولية منها، تنديدًا بالوضع الحقوقي في البلاد مع تكثف التنديد بالاستبداد واضطهاد المعارضين السياسيين، حاول رئيس البلاد حينها عرض صورة "لانتخابات ديمقراطية تعددية وبحضور مراقبين". هكذا شارك منذ الانتخابات الرئاسية لسنة 1999 سياسيون كانوا في الأساس ممثلين عن أحزاب مقربة من السلطة وممثلة في البرلمان. 

اللافت أن تأثير مشاركة هؤلاء السياسيين كان شبه معدوم ففي الانتخابات الرئاسية لسنة 1999، ترشح إضافة إلى زين العابدين بن علي، محمد بلحاج عمر عن حزب الوحدة الشعبية وعبد الرحمان التليلي عن حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، لكن بن علي جدد ولايته بنسبة تجاوزت 99 في المائة. 

 

تاريخ الانتخابات الرئاسية في تونس

 

وبصورة مشابهة، فاز بن علي بنسبة تناهز 95 في المائة في انتخابات سنة 2004، رغم مشاركة محمد بوشيحة، أمين عام حزب الوحدة الشعبية المقرب من السلطة، ومنير الباجي وهو أمين عام الحزب الاجتماعي التحرري المساند لتوجهات النظام أيضًا ومحمد علي الحلواني وهو رئيس المجلس الوطني لحركة التجديد ومرشح "المبادرة الديمقراطية" وهو تحالف يضم حركة التجديد وعدة شخصيات يسارية.

وبذلك لم تكن محاولة السلطات التونسية حينها إكساء الانتخابات طابعًا تعدديًا ومصداقية موفقة، إذ كانت النتائج محل تشكيك من الأحزاب المعارضة ومن المراقبين وحتى نسبة المشاركة، والتي دأبت السلطات على أن تكون عالية وتتجاوز أحيانًا 90 في المائة، فقد كانت محل تشكيك واسع.

وراجت في أواخر العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين سخرية واسعة بين أوساط المعارضين أو سرًا بين مجموعات الشباب من نسب المشاركة المعلنة وخاصة من نسب التصويت لبن علي التي كانت دائمًا ما تتجاوز التسعين في المائة وتداول عديد الشباب أغنيات ساخرة مشككة في نزاهة الانتخابات في تلك الفترة أو ناقدة للوعود الانتخابية وللوضع العام في البلاد. 

من بين تلك الأغنيات، نذكر "99 في المائة" و"متمسش السيستم" و"مواطنون" و"سيب صالح يا عمار" و"بلد الأمان" وغيرها من أغاني بيرم الكيلاني المعروف بـ بنديرمان المنددة بالوضع في تونس حينها وبقمع الحريات والفساد والفقر ومسائل أخرى والتي لم يكن يسمح بتداولها أو نشرها لكنها راجت سرًا في أوساط الشباب خاصة. 

عُرفت تلك الفترة بفرض ضغوط من السلطات على الأصوات المعارضة الحقيقية للمنع من القيام بحملات انتخابية وعدم تمكينهم من الوصول إلى وسائل الإعلام وتدجينه وكانت نتائج الانتخابات الرئاسية وغيرها محسومة مسبقًا رغم كل محاولات تصوير الوضع بشكل تعددي.

حاول الحزب الديمقراطي التقدمي، وهو حزب المعارضة الرئيسي حينها في تونس، المشاركة في انتخابات 2004 لكنه انسحب لاحقًا من سباق الانتخابات التشريعية لحصول تجاوزات في القانون الانتخابي كما تم منع أنصاره من توزيع برنامجه، ودعا إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية.

وطالب زعيم الحزب حينها نجيب الشابي بـ"تحرير الإعلام وعقد حوار وطني تشارك فيها كل الأطراف السياسية الوطنية، وتنقية المناخ السياسي العام بالبلاد وإصدار عفو عام وتهيئة ظروف أفضل للتنافس السياسي والانتخابي".

 

تاريخ الانتخابات الرئاسية في تونس

 

خلال الانتخابات الرئاسية 2009، شارك زين العابدين بن علي وكان حينها رئيسًا للبلاد منذ 1987، رفقة محمد بوشيحة، أمين عام حزب الوحدة الشعبية المقرب من السلطة، وأحمد الإينوبلي أمين عام الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، المؤيد للنظام أيضًا، وأحمد إبراهيم وهو الأمين الأول لحركة التجديد اليسارية المعارضة وهو مرشح المبادرة الوطنية من أجل الديمقراطية والتقدم وهي إطار عمل سياسي لعدد من القوى والشخصيات اليسارية.

وفي ذات الانتخابات، سبق أن أعلن مؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي، وأحد أبرز شخصيات المعارضة التونسية ترشحه منذ فيفري/شباط 2008 لكنه قرر الانسحاب في أوت/أغسطس 2009 بعد رفض السلطات تعديل قانون سنته يفرض على المرشح أن يكون قائدًا منتخبًا في حزبه وهو ما لا ينطبق على الشابي ونفس الأمر تكرر مع مصطفى بن جعفر، الأمين العام لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الذي لم يستوف ذات الشرط. 

 

تاريخ الانتخابات الرئاسية في تونس

 

هكذا حرص النظام في فترة الانفتاح الصوري على أن لا يشارك وحيدًا في الانتخابات ولكن دون حضور معارضة حقيقية والتي كانت إما ممنوعة ومهجرة أو في السجون أو قد تقوم أطراف منها بمحاولات عادة ما تلاقي التعقيدات والعقبات وتضطر غالبًا للانسحاب. 

فخلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2009، كانت حركة النهضة الإسلامية محظورة وقد اكتفت بالدعوة للمقاطعة ومثلها دعت أحزاب المؤتمر من أجل الجمهورية بقيادة المنصف المرزوقي وحزب العمال الشيوعي التونسي بقيادة حمة الهمامي (غير معترف بهما من السلطات حينها) و"الوحدويون الناصريون بتونس" إلى المقاطعة أيضًا لما اعتبروه "مهزلة الانتخابات الرئاسية والتشريعية" وحتى المعارض اليساري الذي شارك ـ أحمد إبراهيم ـ فقد اشتكى من المضايقات التي وضعتها السلطات حينها لعرقلة حملته الانتخابية. 

وكانت النهاية بفوز زين العابدين بن علي بولاية أخرى بنسبة تناهز 90 في المائة وهي الولاية التي لم تكتمل وأوقفتها ثورة شعبية في بداية سنة 2011. 

يُذكر أن الانتخابات الرئاسية التي سبقت الثورة في تونس تميزت أيضًا بكون الترشحات تأتي عادة كاستجابة لمناشدات من منظمات وشخصيات ومشاهير، قد يفرض على بعضهم القيام بهذه المناشدات أو هي من باب التزلف والتقرب للرئيس المرتقب والمحسومة النتائج لصالحه مسبقًا. 

 

تاريخ الانتخابات الرئاسية في تونس

 

الانتخابات الرئاسية ما بعد الثورة..  انتخابات تعددية وصراع حقيقي على السلطة (من 2011 إلى 2019)

انتخابات 2011.. انتخابات رئاسية غير مباشرة

إثر الثورة ومغادرة زين العابدين بن علي البلاد في 14 جانفي/يناير 2011، دخلت تونس مرحلة ما أطلق عليه "الانتقال الديمقراطي" والتي انطلقت بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي بتاريخ 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011.

وكان المجلس الوطني التأسيسي مكلفًا بإعداد دستور جديد وتم انتخاب رئيس للبلاد من داخله إذ لم يكن انتخابًا مباشرًا من قبل الشعب وهو محمد المنصف المرزوقي، الذي تولى منصب رئيس الجمهورية التونسية من ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى ديسمبر/ كانون الأول 2014. 

 

  • لمحة: من يشرف على تنظيم الانتخابات الرئاسية في تونس؟

الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي الهيئة المسؤولة عن تنظيم الانتخابات في تونس، وقد تأسست في أفريل/نيسان 2011 إبان الثورة وحلت مكان وزارة الداخلية التي أشرفت على الانتخابات منذ سنة 1956 وحتى تأسيس هذه الهيئة. 

أول انتخابات نظمتها هذه الهيئة كانت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وقد مكنها القانون من مهام تسجيل الناخبين والقوائم الانتخابية، والتحضير للانتخابات ومراكز الاقتراع وضمان الشفافية في الانتخاب وفي فرز الأصوات وإعلان النتائج.

تم انتخاب الهيئة الأولى سنة 2011 من قبل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي أما الهيئات اللاحقة فقد انتخبت من أعضاء مجلس النواب في المقابل تمت تسمية أعضاء الهيئة الحالية من قبل الرئيس قيس سعيّد، وهذه التسمية هي من المسائل التي تثير انتقادات ضد الهيئة ومدى حيادها.

 

انتخابات 2014.. أول انتخابات رئاسية مباشرة نزيهة وشفافة في تاريخ البلاد

هي الانتخابات الرئاسية العاشرة في تاريخ تونس وقد عقدت في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وفاز فيها مرشح حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي في دور ثان خاضه مع الرئيس المنتهية ولايته حينها محمد المنصف المرزوقي، بعد أن أخفقا في تحقيق نسبة أكثر من 50% في الدور الأول.

وخلال الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التونسية سنة 2014، تحصل الباجي قايد السبسي على مليون و731 ألف صوت أي بنسبة تناهز 55,68 في المائة فيما تحصل محمد المنصف المرزوقي على مليون و378 ألف صوت أي بنسبة 44,32 في المائة. 

قدم 70 شخصًا ملف ترشحهم لهذه الانتخابات، قبلت منهم الهيئة المكلفة بالإشراف على المسار الانتخابي رسميًا 27 مترشحًا، ورفضت 41 فيما انسحب مترشحين اثنين. 

وقد شارك في الدور الأول، المترشحون التالي ذكرهم: الباجي قايد السبسي، المنصف المرزوقي، حمة الهمامي، محمد الهاشمي الحامدي، سليم الرياحي، كمل مرجان، أحمد نجيب الشابي، الصافي سعيد، المنذر الزنايدي، مصطفى بن جعفر، كلثوم كنو، محمد الفريخة، عبد الرزاق الكيلاني، مصطفى كمال النابلي، عبد القادر اللباوي، العربي نصرة، حمودة بن سلامة، محمد الحامدي، محرز بوصيان، سالم الشايبي، سمير العبدلي، علي الشورابي، مختار الماجري، عبد الرؤوف العيادي، ياسين الشنوفي، عبد الرحيم الزواري، ونور الدين حشاد. 

مثلت هذه الانتخابات رمزيًا نهاية "الانتقال الديمقراطي" في تونس الذي تلى الثورة، وهي أول انتخابات رئاسية بعد إقرار دستور سنة 2014 من قبل المجلس الوطني التأسيسي، الذي انتخب في سنة 2011 في أول انتخابات بعد الثورة اعتبرت نزيهة وشفافة وتعددية، وفق الفاعلين السياسيين في البلاد والمنظمات المراقبة والملاحظة محليًا ودوليًا.

تمت الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 تحت أنظار الملاحظين والمراقبين المحلين والدوليين إذ توفر حوالي 30 ألف ملاحظ عمومًا منهم 1500 أجنبي وحوالي 1500 صحفي محلي ودولي. 

ومن بين الملاحظين شاركت منظمات فاعلة في المسار الانتخابي في تونس واكتسبت خبرة واسعة كـ"عتيد" و"أنا يقظ" و"مراقبون" وغيرها من الجمعيات والمنظمات. ومثل المترشح المنصف المرزوقي في مكاتب الاقتراع حوالي 31 ألف ملاحظ بينما مثل المترشح الباجي قايد السبسي حينها حوالي 28 ألف ملاحظ. 

الانتخابات الرئاسية 2019.. أول مناظرات رئاسية في تاريخ البلاد

هي الانتخابات الرئاسية رقم 11 في تاريخ تونس والثانية المباشرة بعد الثورة التونسية وقد شهدت انتخاب الرئيس السابع في تاريخ البلاد. كان من المفترض أن تجرى في 17 و24 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، غير أن المواعيد الانتخابية قد تغيرت في ظل ما فرضته وفاة الرئيس قايد السبسي في 25 جويلية/يوليو 2019 قبل خمسة أشهر من نهاية ولايته.

أصبح رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر رئيسًا مؤقتًا لتونس، استناداً لما ينص عليه الدستور التونسي حينها وتجنبًا للفراغ في المنصب إبان وفاة قايد السبسي، ثم أجريت انتخابات رئاسية مبكرة، في انتقال سلس وديمقراطي للسلطة وغير مألوف كثيرًا في معظم الدول العربية.

أجري الدور الأول إذًا في 15 سبتمبر/أيلول 2019 وشارك فيه 26 مترشحًا من مجموع 97 شخصًا قدموا ملفاتهم للترشح. 

والمشاركون في الدور الأول هم: قيس سعيّد، نبيل القروي، المنجي الرحوي، محمد عبو، عبير موسي، لطفي المرايحي، المهدي جمعة، حمادي الجبالي، حمة الهمامي، المنصف المرزوقي، عبد الكريم الزبيدي، محسن مرزوق، محمد الصغير النوري، محمد الهاشمي الحامدي، عبد الفتاح مورو، عمر منصور، يوسف الشاهد، إلياس الفخفاخ، سليم الرياحي، سلمى اللومي الرقيق، سعيد العايدي، الصافي سعيد، ناجي جلول، حاتم بولبيار، عبيد البريكي وسيف الدين مخلوف. 

ثم جرت جولة الإعادة بين قيس سعيّد ونبيل القروي يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وانتهت بفوز الأول بنسبة 72,71 في المائة (مجموع أصوات يقدر بحوالي المليونين و777 ألفًا) في مقابل نسبة 27,29 في المائة للقروي أي بمجموع أصوات يقدر بحوالي مليون و42 ألفًا. 

شهدت هذه الانتخابات لأول مرة في تاريخ تونس، تنظيم مناظرات تلفزيونية وقد نظمت من قبل مؤسسة التلفزة التونسية (عمومية) والهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، وبالتعاون مع مبادرة مناظرة، وتم بثها على عديد القنوات المحلية والأجنبية.

جدير بالذكر أنه ورغم الإجماع المحلي والأجنبي على نزاهة وشفافية الانتخابات الرئاسية سنة 2019 مثل سابقتها في 2014 فإنه قد تم تسجيل جرائم انتخابية حولت لاحقًا للقضاء التونسي تتعلق أساسًا بشبهات "الإشهار السياسي والانتفاع بدعاية غير مشروعة عبر وسائل التواصل والدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي" وقضايا مشابهة.  

 

تاريخ الانتخابات الرئاسية في تونس

 

الانتخابات الرئاسية 2024.. هل هي العودة لماض غير بعيد؟

هي الانتخابات الرئاسية 12 في تونس والثالثة بعد الثورة والتي من المرتقب أن يُنتخب فيها رئيس جديد يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

مبكرًا، تصاعد الجدل بخصوص هذه الانتخابات التي لم تجر بعد، وذلك قبل أكثر من سنتين من تحديد موعدها، إذ تعددت المطالب من المعارضة في تونس ومن المجتمع المدني لإجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها إبان قرارات الرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد في 25 جويلية/يوليو 2021 والتي نتج عنها إقالة الحكومة وحل البرلمان ثم إيقاف العمل بالدستور وكل ما تلى ذلك من قرارات واعتقالات لسياسيين ونشطاء معارضين لسعيّد.

أعلن عن تاريخ الانتخابات الرئاسية 2024 مؤخرًا، من قبل الرئيس التونسي، وعلى عكس الانتخابات السابقة التي تلت جويلية/يوليو 2021، لم تتجه المعارضة في البلاد للمقاطعة وتقدم عديد المترشحين لمنافسة المرشح الرئاسي قيس سعيّد لكن مآلات هذه الترشحات كانت مثار جدل واسع، بين رفض الهيئة المشرفة على تنظيم الانتخابات لعديد الترشحات بسبب شروط قيل إنها وضعت على المقاس لإقصاء المعارضين أو تتالي القضايا والسجن ضد مترشحين آخرين.

لكن أكثر ما أثار الجدل والاستياء داخل تونس وخارجها كان رفض تطبيق قرارات المحكمة الإدارية من قبل هيئة الانتخابات وذلك بعد أن قررت المحكمة قبول طعن 3 مترشحين للانتخابات الرئاسية 2024 وإعادتهم للسباق الانتخابي وهم الوزير الأسبق ورئيس حزب الإنجاز والعمل عبد اللطيف المكي والوزير الأسبق المنذر الزنايدي والناشط السياسي عماد الدايمي. 

عبرت الهيئة المنظمة للانتخابات في تونس عن أسباب رفضها تطبيق قرارات المحكمة الإدارية، في سابقة وفق المتابعين للشأن التونسي، لكن حصل إجماع أنها أسباب واهية وأن قرار الرفض خدم فكرة ترسخت تدريجيًا منذ فترة وهي أنه يُراد لهذه الانتخابات أن تكون على المقاس بترشحات محددة وفائز منتظر ونتيجة محسومة ربما منذ الدور الأول وهو ما يذكر بمرحلة التعددية الصورية وبعودة لماض ليس ببعيد. 

حاليًا، وإلى تاريخ كتابة هذا المقال، قبلت هيئة الانتخابات في تونس 3 مترشحين فقط لخوض السباق الرئاسي وهم الرئيس الحالي قيس سعيّد، والنائب السابق وأمين عام حركة الشعب (قومية) زهير المغزاوي (عرف الحزب بمساندته توجهات قيس سعيّد إبان قرارات 25 جويلية 2021 ثم إظهاره بعض النقد في توجهاته لاحقًا) وأخيرًا رئيس حركة عازمون ورجل الأعمال العياشي زمال. 

اللافت أيضًا أنه ومنذ قبول ترشحه، تتالت القضايا ضد المترشح للانتخابات الرئاسية العياشي زمال، والذي يرى البعض أنه قد يحظى بأصوات المعارضين غير المقاطعين، في ظل عدد الترشحات المقبول حاليًا، والقضايا ضد زمال تتعلق بشبهات "افتعال تزكيات للترشح".

وتتحدث هيئة الدفاع عن زمال عما تعتبره "فضائح" وكونها قضايا مفتعلة بغاية إخافة منوبها ودفعه للتخلي عن الترشح للانتخابات الرئاسية، ويتواصل في الأثناء سجن العياشي زمال على ذمة هذه القضايا التي لم يُحكم فيها بعد بشكل نهائي وعددها في تزايد يومي وقد تجاوزت الثلاثين قضية في وقت وجيز، وفق ما أعلنته مؤخرًا هيئة الدفاع لوسائل الإعلام. 

ومن المنتظر أن تُجرى هذه الانتخابات أيضًا في ظل تراجع لافت في عدد الجمعيات الملاحظة والمراقبة للمسار الانتخابي إذ أعلنت الهيئة المنظمة للانتخابات الرئاسية القادمة في تونس أنها رفضت اعتماد بعض الجمعيات لملاحظة الانتخابات علمًا وأنها من أبرز الجمعيات التي راقبت المسارات الانتخابية السابقة ما بعد الثورة والتي اكتسبت خبرة واسعة ومعارف في هذا المجال. 

من جانب أخر، ورغم قرب الاستحقاق الانتخابي، لا معلومات ثابتة عن إمكانية إجراء مناظرات بين المترشحين على عكس الانتخابات الرئاسية السابقة، التي تم فيها اعتماد المناظرات والترتيب لها مسبقاً ولاقت صدى إيجابيًا محليًا وأجنبيًا. 

ساهم كل ذلك في ترسيخ الحيرة بخصوص طبيعة هذه الانتخابات والمناخ الذي تجرى فيه، بدل النقاش عن البرامج الانتخابية وما ينفع لتطوير البلاد والخروج بها من أزمتها. كان سؤال المرحلة: هل هي عودة لانتخابات التعددية الصورية، متى تكون النتيجة محسومة ومعلومة وتغيب البرامج والتنافس الحقيقي وتحضر التضييقات على المعارضين؟ 

تُطرح أيضًا في تونس حاليًا أسئلة أخرى، عن تواصل إيقاف مترشح رئاسي في السجون دون وجود حكم بات في حقه ومدى منطقية إنجازه لحملته الانتخابية من السجن وعن تساوي الفرص بين المترشحين واستخدام وسائل الدولة لدعم مرشح بعينه أو من قبله وغير ذلك الكثير من الأسئلة.

أي تقاليد لتونس فيما يخص التداول على السلطة بين الرؤساء؟ 

ماضي تسليم كرسي الرئاسة في تونس لم يكن في معظمه ديمقراطيًا خاصة خلال السنوات التي سبقت ثورة 2011. 

لما استلم بورقيبة منصب الرئاسة، إبان إعلان الجمهورية في تونس في جويلية/يوليو 1957، أنهى بذلك حكم البايات في البلاد وإن كان هذا التسليم سلميًا فهو لم يخل، وفق مؤرخين، من تصرفات تجاه الملك وعائلته وحاشيته اعتبرت انتقامية. 

وفي ذات السياق، وعندما انقلب زين العابدين بن علي على خليفته بورقيبة، تم ذلك عبر اعتبار أن الحالة الصحية للأخير لم تعد تسمح له بممارسة مهام الرئيس وقد أهمل رغم إرثه الكبير في تاريخ تونس وتم تجاهله إعلاميًا رغم حظوته السابقة حتى أن التونسيين يذكرون جيدًا التعتيم الذي تم فيما يخص جنازته. 

إبان الثورة، عرفت تونس أول تسليم لكرسي الرئاسة بشكل سلمي وديمقراطي، في البداية عند الانتقال من فؤاد المبزع الذي عيّن كرئيس مؤقت إبان هروب بن علي وقبل إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2011 والرئيس محمد المنصف المرزوقي، ثم لاحقًا عندما سلم الأخير الرئاسة إلى الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، إبان فوزه في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 وكان تسليم السلطة في موكب رسمي معبر عن التداول السلمي على السلطة والانتقال الديمقراطي الذي كانت تشهده البلاد.

لاحقًا، توفي قايد السبسي أثناء فترة حكمه وأجريت انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في سبتمبر/أيلول 2019، تمكن إثرها الرئيس الحالي قيس سعيّد من الفوز وانتخب رئيسًا للبلاد لخماسية تنتهي مع إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024 والتي ترشح لها سعيّد أيضًا وأثارت تصريحاته خلال الأشهر الأخيرة جدلًا واسعًا حول مدى قبوله بنتائج الانتخابات وخاصة تصريحه إن هذه الانتخابات هي "قضية فناء أو بقاء".

 

الكلمات المفتاحية

الأكثر قراءة

1

حكاية سيد درويش.. الحب والثورة والزوال

اعتُبر سيد درويش مخلّصًا للأغنية المصرية من عجمتها التركية، وقال البعض إنه أعاد الموسيقى إلى أصلها العربي كما كانت في زمن الخلافة العباسية

2

كل شيء رائحة.. العطور العربية في حياتها وموتها

تحدّث الرومان واليونانيون قديمًا بإعجاب عن بخور وطيوب سبأ، لدرجة أنهم وصفوا سكانها بأنهم من أثرى شعوب العالم، وأنهم يأكلون في أوعية من الذهب، ويسكنون بيوت فارهة

3

من يمتلك الإنترنت؟

تقول ولادة شبكة الإنترنت الكثير من ناحية تحولها إلى مجال للسيطرة والربح، خصوصًا حين نضع نصب أعيننا أنها استراتيجية اتصالية أميركية

4

"يا ما في الجراب يا حاوي".. الحواة من إبهار الشارع إلى شاشات التليفزيون

لم يكن الحواة فئة طارئة على المجتمع المصري، فقد تواجدوا في الشوارع والميادين العامة منذ القرن التاسع عشر الميلادي

5

طيف جيم كرو الذي لم يغادر الولايات المتحدة

أضفت قوانين جيم كرو شرعية قانونية على سياسة الفصل العنصري، وساهمت في ترسيخ ثقافة فوقية تضع السود في مرتبة أدنى من البيض، وتعزز العنف الممنهج ضدهم

اقرأ/ي أيضًا

كل شيء رائحة.. العطور العربية في حياتها وموتها

كل شيء رائحة.. العطور العربية في حياتها وموتها

تحدّث الرومان واليونانيون قديمًا بإعجاب عن بخور وطيوب سبأ، لدرجة أنهم وصفوا سكانها بأنهم من أثرى شعوب العالم، وأنهم يأكلون في أوعية من الذهب، ويسكنون بيوت فارهة

هديل عطا الله

الحاوي
الحاوي

"يا ما في الجراب يا حاوي".. الحواة من إبهار الشارع إلى شاشات التليفزيون

لم يكن الحواة فئة طارئة على المجتمع المصري، فقد تواجدوا في الشوارع والميادين العامة منذ القرن التاسع عشر الميلادي

محب جميل

طيف جيم كرو

طيف جيم كرو الذي لم يغادر الولايات المتحدة

أضفت قوانين جيم كرو شرعية قانونية على سياسة الفصل العنصري، وساهمت في ترسيخ ثقافة فوقية تضع السود في مرتبة أدنى من البيض، وتعزز العنف الممنهج ضدهم

محسن القيشاوي

غزة تحت الإدارة المصرية

تسعة عشر عامًا من الزمن.. غزة تحت الإدارة المصرية

يستعرض النص أبرز المحطات التاريخية بارزة للعلاقات المصرية الفلسطينية في ظل الإدارة المصرية لقطاع غزة، التي بدأت بعد نكبة 1948، واستمرت حتى نكسة 1967

عبد الرحمن الطويل

الإسلام المغربي في إفريقيا

الإسلام المغربي في إفريقيا.. جسور روحية من فاس إلى تمبكتو

عمل المغرب على نشر الإسلام الصوفي في دول غرب إفريقيا، مما جعل الزوايا والطرق الصوفية مع الوقت فاعلًا رئيسيًا في استمرارية الروابط الروحية والثقافية بينه وبين عدة دول إفريقية

عبد المومن محو