كتاب "النهضوي الأخير".. معارك طه حسين

20 سبتمبر 2024
النهضوي الأخير

"إنه بلا شك لا يوجد أحد من المثقفين وبصفة عامة في الوطن العربي لم يتأثر بطه حسين، حتى الذين تأثروا بالعقاد والرافعي والمازني تأثروا بطه حسين بشكل أو بآخر".

غالي شكري.

 

"وأعتقد أنكم جميعًا متفقون على أنه لو كان هناك شيء واحد ينبغي أن يوحد جهودنا الصادقة للارتقاء بالعلم والأدب، وتحقيق الوحدة العربية حقيقة وليس استهزاءً، فهو الحكومة ومجمع اللغة العربية ومختلف الهيئات والمنظمات، للعمل معًا من أجل تسهيل كتابة اللغة وتعلم قواعدها، بحيث تصبح اللغة العربية أكثر سهولة، وتصبح لغة يمكن للشباب أن يتعلموها ويتمكن المعلمون من تدريسها".

طه حسين.

 

لا يزال طه حسين (1889 - 1973)، على الرغم من مرور 50 عامًا على رحليه، مثار بحث ودراسة من قبل الباحثين، بل واكتشاف لمواهب وقدرات استثنائية ظهر بها متحديًا كافة العقبات وأولها عاهة العمى (العضوي والمجتمعي)، التي كانت بمثابة الحافز لأن يكون ما صار عليه. ثم عقبة البيروقراطية (الوطنية [ممثلةً في البرلمان، والأحزاب السياسيّة، والحملات المضادة في الصحف]، أو الاستعمارية [الفرنسية والإنجليزية]، وما حملته تقارير سفارتيهما من تحامل ورفض لأفكاره) التي عرقلت الكثير من المشروعات التنويرية التي صاغ أفكارها العميد.

كل ذلك، إضافةً إلى حضوره المتجدِّد والمستمر في الثقافة المصرية، خلق منه شخصية أيقونية بامتياز، وهو ما حفّز الكُتّاب والباحثين والدارسين على النبش في تراثه الأدبي والفكري، وكذلك الوثائق الرسمية (المكاتبات، ومحاضر الاجتماعات، والقرارات، وغيرها) التي تركها أثناء خدمته كأستاذ جامعي، أو وزيرًا للمعارف العموميّة، أو رئيسًا لمجمع اللغة العربية، أو حتى مشرفًا على هيئة من الهيئات التي أسّسها، كالمجلس الأعلى للجامعات، والمجلس الأعلى للتعليم، والمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب (المجلس الأعلى للثقافة الآن)، وغيرها من المؤسسات والهيئات داخل مصر أو خارجها، مثل معهد الدراسات الإسلامية في مدريد.

الموهبة الاستثنائية

المثير حقًا أنهم كلما نبشوا في تاريخ الرجل وأرشيفه العلمي والوظيفي خرجوا بالجديد، وبأدوار قام بها وقلّما يقوم بها رجل بمفرده، بل هي عمل أمة بأسرها. وتعدُّد الصور التي شكّلت شخصية طه حسين أكبر دليل على حالة الثراء الفكري والتعدّد التي تمتّع بها على خلاف مجايليه.

ولهذه الصورة في الحقيقة تردداتها داخل نِتاجات حسين الأدبيّة والفكريّة على حد سواء، وقد نجح كثير من هؤلاء النقاد في استقراء شخصيته ومنهجيته، وتحليل الكثير من أفكاره، وتقديم صورة مُقرّبة له ولعصره في الوقت ذاته. ولكن، وسط هذه الصّور المتعدّدة، كانت هناك صورة المثقف بالمعنى الحرفي للكلمة، ذلك الذي ينطبق عليه تعريف جوليان بندا الذي قال إن المثقفين: "عصبة صغيرة من الملوك - الفلاسفة الذين يتحلّون بالموهبة الاستثنائية، وبالحسّ الأخلاقي الفذ، ويشكلّون ضمير البشرية". 

ولم يكن عميد الأدب العربي مجرد باحث أو ناقد ومفكّر بالمعنى المستهلك لهذه الكلمات، فعصره كان زاخرًا بالأعلام من الكتّاب والمفكّرين أمثال عباس محمود العقاد، والمازني، وأحمد أمين وغيرهم. غير أن حسين انتهج لنفسه خطًا مميزًا وضعه في مكانة تمايز بها على كل أقرانه، وقربته من صورة "المثقف العالمي" بتعبير ميشيل فوكو.

ينطبق على حسين الذي مارس دوره كمثقف تنويري تعريف إدوارد سعيد المثقف بأنه: "وُهب ملكة عقلية لتوضيح رسالة، أو وجهة نظر، أو موقف، أو فلسفة، أو رأي، أو تجسيد أي من هذه، أو تبيانها بألفاظ واضحة؛ لجمهور ما، وأيضًا نيابة عنه، ولا يمكن القيام به من دون شعور المرء بأنه إنسان مهمته أن يطرح علنًا للمناقشة أسئلة محرجة، ويجابه المُعتقد التقليدي والتصلّب العقائدي (بدل أن ينتجهما)، ويكون شخصًا ليس من السهل على الحكومات أو الشركات استيعابه" (إدوارد سعيد: صور المثقف، ص 28). فلم ينسَ حسين وسط معاركه التي انقاد لها بنفسه، أو تلك التي سيق إليها دون إرادته، أن يُمارِس دوره كمثقف فاعل وحيوي مؤثّر بشكلٍ إيجابي لا يتخلّى عن دوره أمام أمته (بمعناها القومي)، حتى ولو لم يُعلن ذلك صراحة، لكن يبدو ثمة عقد (أو اتفاق ضمنيّ) بينه وبين ذاته، بأن يكون هذا الفاعل والمؤثّر. 

ربما مَن يقرأ كتبه المثيرة للجدل، بدءًا من "في الشعر الجاهلي" (1926) مرورًا بـ"الفتنة الكبرى" بجزيئه (علي وبنوه، وعثمان بن عفان)، وصولاً إلى "مستقبل الثقافة في مصر" (1938)؛ يُدرك جيدًا عبء الرسالة التي حملها طه حسين على عاتقه، وخاض من أجلها المعارك (وقد خرج في كثير منها مجروحًا مكلومًا، على نحو ما تُصوِّر سيرته "الأيام" التي كتبها عَقب أزمة الشعر الجاهلي، فقد بدأ كتابتها في فرنسا عام 1926 كنوع من التسرية لذاته الجريحة)؛ يُدرك أن الثقافة عنده: "لم تكن أبدًا مجالًا اجتماعيًا فنيًا معزولًا، بل كانت أفضل وسيلة لضمان نجاح الديمقراطية المصرية، وتحقيق التكافؤ الفكري مع أوروبا، ومحاربة علاقات القوة غير المتكافئة التي أعاقت البلاد عن الاستقلال الكامل".

ومن ثم، فإن كتاباته ليست لمجرد الكتابة فقط وإنما لتثوير العقل وإيقاظه من ثباته العميق، فالهدف الأسمى الذي يدعو إليه حسين (في كل كتاباته، ومحاضراته، ومقالاته)، بالإضافة إلى الدعوة للتفكير الخلّاق، هو التنوير والتحديث.

واللافت أن هذه الأفكار لم تكن مجرد شعارات برّاقة يستغلها لاستقطاب أنصاره وقرّاءه، وإنما رافقت هذه الدعوات ممارسة حقيقية على مستوى الواقع. وهذه الممارسة، بكل جسارتها ومغامراتها (ومخاطرها أحيانًا) تكشف عن دور المثقف الفاعل الذي تلبّسه وأجاده، لا المثقف العاكف في برجه العاجي والمكتفي بالتنظير.

يتناول حسام أحمد في كتابه "النهضوي الأخير: طه حسين وبناء المؤسسات في مصر" (دار كلمة 2023/ ترجمة موسى الحالول) هذا الدور الذي توارى خلف هالة شخصية طه حسين المتعدّدة، كالأديب والناقد، والمفكّر ورجل السياسية وغيرها، عبر سردية جديدة ترسم ملامح سيرة جديدة لطه حسين. سيرة مغايرة عن آليات كتابة السيرة الذاتية أو حتى الغيرية؛ سيرة مجتمعيّة في المقام الأوّل يتزاوج فيها العام والخاص. أو بالأحرى سيرة حِقبة زمنية حُبلى بالأحداث الجسام والخصومات الفكرية، والتحولات الاجتماعية التي شهدتها مصر في النصف الأول من القرن العشرين، وكذلك الصراعات السياسيّة لا على مستوى الوطن، بل على مستوى العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر.

 الجامعة منارة النهضة 

بطل هذه السردية بلا منازع هو طه حسين، ليس بسيرة كفاحه من القرية إلى السوربون، أو حتى صراعه مع مشايخه في الأزهر، والمتشددين ممّن أوغلوا في نقده والهجوم عليه؛ وإنما بدوره الفاعل كصانع سياسات، وأحد الفاعلين (أو المؤثّرين) الأساسيين في هذه الحِقبة، سواء بحضوره كطالب انتقل من الأزهر إلى الجامعة الوليدة، فكان شاهدًا على ميلادها الحقيقي بكسر الجمود الفكري الذي ساد في نظام التعليم في الأزهر ودار العلوم، والمدارس (من الممكن مراجعة مقدمته لرسالة الدكتوراه عن أبي العلاء المعري المعنونة بـ"تجديد ذكرى أبي العلاء" عام 1914، ثم الفصل الإضافي الذي أضافه لكتاب "في الشعر الجاهلي"، بعد أن غير اسمه إلى "في الأدب الجاهلي" عام 1927، بعنوان "الأدب وتاريخه")، من جهة.

وشاهدًا على دورها التنموي والتثقيفي ليس فقط على مستوى أبناء الوطن، حيث دافع عن حقّ الجميع في التعليم الجامعي، دون قصره على فئة بعينها، لأن التعليم الجامعي كما تصوّر: "يزوّد [البلاد] العقول المفكّرة القادرة على تنظيم أنواع التعليم الأخرى ورفع مستوى [التعليم]".

وكذلك بتجاوزه المنطقة العربية برمتها غربًا (بلاد المغرب العربي، وشرقًا)، بتزويد هذه البلاد بالمعلمين من أبنائها النابغين من جهة أخرى، وذلك عدا عن تعويله الكبير على دور كلية الآداب المهم في محيطها، وقد اعتبرها: "وحدها هي القادرة على قيادة مصر على طول الطريق"، ولمَ لا وأهم أهدافها كما رسمها طه حسين هو: "إحياء العقل المصري وإعطائه القوة الخصبة اللازمة للعيش وحب الحياة والفهم". 

أحد المحاور المهمة التي يركّز عليها الكتاب "النهضوي الأخير" فكرة إنشاء الجامعة المصرية ودورها المنوط في النهضة. قراءة وثائق التأسيس وبيانات التدشين تكشف عن نزعة قومية من قبل المؤسسين للجامعة الذين ابتغوا أن تصبح المحرك القوي للنهضة، حيث إنهم أدركوا أن هناك تناقضًا في القوة بين الدول "المتقدمة" والدول "الأقل تقدمًا"، ورأوا في الجامعة حلاً عمليًا لمعالجة هذا الضعف والردّ على التهديد الاستعماري.

وبالنسبة لهم، سيتم تنفيذ الإصلاح الثقافي المطلوب من قبل جيل من العلماء الجدد المدربين على أساليب البحث والتدريس الحديثة التي استخدمها بالفعل المستشرقون الذين يستكشفون التراث الكلاسيكي العربي الإسلامي. 

ولئن كانت الجامعة حظيت بمباركة من رأس الدولة، وهو ما أتاح لها توفير كافة الإمكانات لتؤدي دورها المنوط به كما جاء في بيان التأسيس، وقد تحقّق عبر استقدام هيئات التدريس من الخارج لتدعيم الكادر التعليمي داخل الجامعة، وفي الوقت ذاته إرسال البعثات من الطلاب للتزود بالعلوم والمعارف، وتحديدًا الفنون والعلوم الإنسانية؛ فإن كلية الآداب هي الأخرى حظيت بدعم استثنائي لتكون مهمتها: إحياء الفكر العربي الإسلامي الكلاسيكي المجيد الذي كان يحظى بتقدير الغرب في السابق، ونسيه العرب المعاصرون الآن.

لم تكن الجامعة عند طه حسين مجرد مكان انفتح من خلاله إلى عالم جديد، العالم العلماني النقيض للعالم الذي ألفه في الأزهر، وساعده في أن يتحرّر من عبء المناهج القديمة التي درسها على يد مشايخه؛ وإنما كانت هي بمثابة المدرسة التي تربّى فيها طه حسين، وكوّن فيها وجهات نظره حول الدور الجوهري الذي شعر بأنه يجب على الدولة أن تلعبه في المجالات للثقافة والتعليم.

كما كانت الجامعة، والحياة القصيرة التي قضاها فيها، بمثابة الحافز لأن يعي بأن مشروعه الإنساني في التعليم لن يكون قابلًا للتطبيق اقتصاديًا إلا بدعم الدولة. ومن ثمّ، وكما يقول حسام أحمد، لقد: "شكّلت مسألة كيفية تنظيم دور الدولة في الثقافة والتعليم تحديًا خطيرًا بالنسبة له، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من مشروعه". 

عوّل طه حسين على الجامعة بصفة عامة (وكلية الآداب على وجه الخصوص) كثيرًا في عملية النهضة والتثوير لبنية الوعي في المجتمع، بل إنه كان يرى، كما يشير أحمد في كتابه، أن: "العداء الذي توجه إلي كتاب في الشعر الجاهلي كان قبل كل شيء إدانة لكلية الآداب، ورفضًا لمنهجيتها، ورفضًا لهذا العلم الجديد وتداوله بين الجمهور". فبالإضافة إلى تثمينه دورها في قيادة مصر والأمة العربية، كان يسند إليها كل المهام الجسام. ففي قضية تطوير اللغة العربية، وبعد مناقشات كثيرة، ومقترحات حول آليات التطوير، ومنها تبسيط الكتابة، أوكل طه حسين المهمة إلى كلية الآداب، وطالب بأن تتولى كلية الآداب تدريب معلمي اللغة العربية من أجل تحسين قدراتهم، بل رأى ضم مجلس التعليم الذي أسسه عام 1929 إلى الجامعة، إلا أن الوزارة رفضت خشية تهميش دورها.

كما أصرّ على ضرورة تمكين المعلمين من تقييم الاحتياجات الحالية للغة وكيفية جعلها أكثر سهولة وجاذبية للشباب. وأصر على أن الجامعة وحدها هي التي تمتلك الوسائل التقنية لتوفير مثل هذا التدريب من حيث أساليب ومواد التدريس، لا سيما في ظل ارتباطاتها القوية بالحياة الأكاديمية في أوروبا.

استطاع حسين بوعيه المُستنير وحُسن إدارته للأمور إدخال الفتيات المصريات كليّة الآداب، حيث قَبِل دخول تلميذته سهير القلماوي، وغيرها من الطالبات، بعد أن رفض عميد كلية العلوم البريطاني قبولها عنده، فقبلها حسين معتمدًا على لائحة الجامعة التي تسمح بقبول جميع المصريين في مختلف الكليات، وقد فسّر: "هذا القانون على أنه يعني جميع المصريين، ذكورًا وإناثًا". ثمّ استغلّ شرط مسوغات القبول بأن يكون الطالب حاصلًا على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها. وعلى الرغم أنه كان في ذهنه الأزهر، إلا أنّه استغله في قبول سهير القلماوي لأنها لم تكن حاصلة على هذه الشهادة، وإنما تخرجت من الكلية الأمريكية، وبهذا القرار تمكّن طه حسين كما تقول لطيفة سليم: "من ضمان بقاء الجامعة مفتوحة أمام الطالبات مرة واحدة وإلى الأبد". 

تكشف هذه الثغرة التي فتحت الباب أمام الفتيات لدخول الجامعة، والتي استغلها طه حسين أحسن استغلال، عن حُسن إدارته للأمور وحنكته في إدارة ملفات الهيئات (والمؤسسات) التي يترأسها كموظف مثالي يكسر التقاليد البيروقراطية، بإحاطته بكافة الثغرات، بل وقدرته على الدفاع عن المؤسسات التي يترأسها أو تلك التي يقترح إنشاؤها، مثل تصديه للحملة المغرضة التي تعرضت لها كلية الآداب، على اعتبار أنها لم تؤدِ إلى النتيجة التي أُسِّست من أجلها، فدافع عنها دفاعًا مستميتًا، وهو ما تكّرر فيما بعد في شكل المظاهرات التي رفضت التعليم المختلط، حيث وقف ضدّ هذه المؤامرات التي اعتبرها مُعطّلة لمفاوضات الوفد لإنهاء الامتيازات، والانضمام إلى عصبة الأمم المتحدة، وقد انتصر في معركته وحُمل على الاكتاف بوصفه راعيًّا لحرية التعبير.

النتيجة المهمّة التي يمكن الخروج منها من هذه المعركة التي انتصر فيها حسين، وبالغ في التعبير عن انتصاره، هي الرؤية الثاقبة التي أرادها للجامعة منذ شارك في وضع لوائحها. فهذه الرؤية (الاستشرافية) هي التي سمحت للفتيات المصريات بالدخول إلى الجامعة والتخرج منها، ومن ثم كان احتفاؤه بانتصار المرأة بعد تخرُّج الفتيات من الجامعة عام 1933 تأكيدًا لانتصاره على البيروقراطية التي رفضت قَبول الطالبات من قبل.

وقد كتب حينها مقالًا اعتبر فيه حدث تخرّج الفتيات الأربع، وقد ذكرهن بالاسم (فاطمة سليم: تخصصت في الأدب اليوناني والروماني، زهيرة عبد العزيز وفاطمة فهمي: فلسفة وعلم اجتماع، ونعيمة الأيوبي: قانون)؛ انتصارًا لمصر وللجامعة، ومن ثمّ لم يتردد في مقالته بأن يهنئ مصر والمرأة المصرية، ويهنئ الجامعة المصرية على هذا النصر.

لم يكن شعار "التعليم كالماء والهواء" مجرد شعار برّاق رفعه طه حسين كدعاية انتخابية لفوز حزبه في الانتخابات، بل كان بمثابة معركة حقيقيّة بينه وبين الحكومة قبل أن يصل إلى كرسي الوزارة، إذ يقول حسام أحمد إن: "الحكومة لم تكن تريد تبنّي فكرة التوسّع في التعليم، وعارض وزيرها إسماعيل القباني الفكرة، رافضًا أن يكون التعليم متاحًا للجميع، بل هناك مَن غالى بمحاولة فرض مبالغ مالية على الطلاب مقابل الخدمات التي تمنحها الحكومة، كالسنهوري الذي حاول فرض رسوم على الطلاب مقابل الغداء والكتب، ومحمد العشماوي الوزير التالي الذي أراد أن يأخذ من الطلاب مقابل رسوم القرطاسيّة والرعاية الصحيّة والرياضة والأنشطة والألعاب والامتحانات".

واجه طه حسين الجميع، ودافع عن حقّ الطلاب في التعليم، بل زاد بتعريف الشعب بحقوقه وواجباته، وأخذ يذكّر الدولة بحقوقهم قائلاً: "إن الدولة أنشئت لمنح الناس حقوقهم. إذا فشلت الدولة في توفير هذه الحقوق، فإن: "الدولة ليس لها حقوق على الشعب ولا ينبغي للشعب أن يطيعها بعد الآن"، ودعا المصريين إلى قبول هذا المبدأ باعتباره أحد أحجار الزاوية في حياتهم التي لن تتحسن دونه أبدًا، وكتب: "لن يكون المصريون مؤهّلين للحرية أو الاستقلال أو الكرامة ما لم تصبح هذه الأولويات جزءًا من قلوبهم وعقولهم".

وكان حسين يدعو فعليًا إلى عقد جديد بين الدولة والشعب من خلال حثّ المصريين على رؤية مبرّر الدولة. فالتعليم، من وجهة نظره، لا يجب أن يكتفي بتوعية الناس بواجباتهم ومسؤولياتهم، بل أيضًا بحقوقهم وخاصّةً حقّهم في محاسبة الدولة وقياس أدائها بما تفعله لتحسين حياتهم.

وإزاء موقف طه حسين المدافع عن القضية، ومشاركة البعض له في رفض قرارات الحكومة كمحمد فريد أبو حديد، استجابت الحكومة وقامت بتعديل سياستها وإعفاء الطلاب من رسوم الكتب والامتحانات. وقد ربط طه حسين في دفاعه عن حق الجميع في التعليم، بين الجيش القوي والتعليم، فقال: "إن الجيش القوي يحتاج إلى أمّة قوية، والأمة القوية هي تلك التي تتكوّن مِن أشخاص متعلمين، وأصحاء ليسوا مرضى".

كل هذه المحاولات كانت قبل أن يصل "حزب الوفد" إلى السلطة، وما إن فاز "حزب الشعب" عام 1950، وجاء طه حسين وزيرًا للمعارف العمومية حتى حقّق ما كان يدافع عنه، بل وهدّد بإقالة أي مدير مدرسة يعيد طالبًا إلى بيته بسبب المصروفات الدراسية. بل وراح ينشر دعوته في البلاد العربية معتبرًا أن تجربة مصر في التعليم المجاني خير وسيلة للدول في كفاحها من أجل الحرية والاستقلال، وأن تجربة التعليم المجاني ليست تجربة جديدة وإنما تمتد جذورها إلى الإسلام. أما التعليم المأجور، فلم يعرف إلا بعد الاتصال بأوروبا.

تبدو القضايا التي تبناها طه حسين ودافع عنها مترابطة ومتسلسلة، إذ تفضي كل قضية إلى أخرى. فبعد مجانية التعليم، وتمكين أفراد الشعب منه، تبنّى حسين مهمّة جعل اللغة العربية الفصحى أكثر سهولة، ورأى أن ما دام التعليم لم يعد مقتصرًا على قلة مختارة، فلا بدّ من: "إضفاء الطابع الديمقراطي عليها (أي اللغة) وتقريبها من الناس".

ولتحقيق هذه الغاية، أصرّ على تبسيط قواعد النحو وإيجاد طرق لجعل الكتابة العربية انعكاسًا أكثر دقة للنطق العربي الصحيح. ونظرًا لأنه رأى أن الأزهر غير مؤهّل للقيام بهذه المهمة (دون محاولة لتهميشه)، كانت كلية الآداب (من وجهة نظره) هي القادرة على هذا الأمر، والربط بين العصر الحديث واللغة الحديثة. 

 طه حسين التنويري

ينفذ حسام أحمد في كتابه "النهضوي الأخير" إلى دور طه حسين كمثقف فاعل لم يحصر جهوده في الدرس العلمي الذي يلقيه على الطلاب في الجامعة، أو في المحاضرات العامة، وحتى ما ينشره في المقالات في الصحف والدوريات؛ وإنما قام بتوسيع نشاطه الفكري والتنويري بحيث يشمل الاهتمام بالصحافة الثقافية، فعمل في الكثير من الدوريات والصحف، سواء بالكتابة فيها، أو بتأسيسها في مرحلة لاحقة على نحو اشتراكه مع عبد الحميد حمدي ومحمد حسين هيكل ومصطفى عبد الرازق ومنصور فهمي في تأسيس مجلة "السفور" (1915)، ثم مجلة "الكاتب المصري: (1945) لاحقًا.

الدور الأهم الذي يرصده أحمد بذكاء هو دور حسين التنويري عبر اشتغالاته في المؤسسات الثقافية والمناصب التي عُهد بها إليه باعتباره موظفًا عامًا، يمكن وصفه بالموظف المثالي، وكذلك كيف استطاع أن يقوم بدور ريادي يكشف أثر القوى الناعمة للثقافة في تكريس وجودها في شمال إفريقيا، بل يمكن اعتبار هذا الدور بمثابة صورة من صور مقاومة حسين لنفوذ الاستعمار. فالمعاهد التي سعى إلى تأسيسها في إفريقيا تعكس صورتيْن إيجابيتيْن من وجهة نظري؛ تتمثل الأولى في وعي طه حسين بدوره الثقافي، وفي الوقت ذاته وعيه بالطبيعة السياسية لهذه المعاهد.

وتكشف الإيجابية الثانية عن شخصه المناهض للنفوذ الاستعماري ومقاومته للاستعمار بتقليل نفوذه وإحلال المكوّن الثقافي العربي في الأماكن التي يحتلها، ما دفع بالمستعمر وتحديدًا الفرنسي إلى محاولة عرقلة جهوده في إنشاء مثل هذه المعاهد الثقافية لوعيهم بخطورة تأثيرها في تشكيل الوعي، وهدم الأفكار التي سعوا إلى ترسيخها خلال فترة وجودهم (غير الشرعي) في الوعي الشعبي. ومن ثمّ جاء حسين بذكاء شديد وسعى إلى هدم ومحو هذا التأثير، بل وإحلال ثقافة بديلة بحيث تكون كفيلة بإعادة الوعي ثمّ تشكيله باتكائه على تراثه وثقافته العربيين.

الجانب المهم الموازي أن دور طه حسين، ورغباته في تأسيس هذه المؤسسات الثقافية، قد كشف عن التحولات التي حدثت في المشهد المصري بعد أن تولت حكومة منتخبة مقاليد الحكم، والمقصود حكومة "الوفد" التي شكّلها النحاس باشا وكان طه حسين عضوًا فيها كوزير للمعارف. وقد قدمت هذه الصراعات سردية سوسيولوجية لما كان يدور في دهاليز الحكم، والعراقيل التي كانت تقف أمام مشروع النهضة. والجدير بالذكر أن هذه المشاريع التي تقدّم بها طه حسين أتاحت الفرصة لأن تقدّم الحكومة نفسها، كما يقول الدكتور حسام: "كمدافع عن الدراسات العربية والإسلامية".

مواقف طه حسين وإصراره على إنشاء المؤسسات الثقافيّة في شمال إفريقيا وامتدادها إلى إسطنبول (ولكن الأخيرة رفضها الملك بعد تشجعه في البداية وتدبيره للأموال وإعداد الموازنات لذلك) يكشف عن جوانب مهمة في شخصيته؛ أوّلها أنه موظف إداري استثنائي يعي جيدًا مهام الدور المنوط القيام به فلا يتعداه، ويحافظ على المسافة التي وضعها لدوره كمثقف يؤدي دوره بعيدًا عن السياسة. 

والجانب الثاني توافق ما يتبناه من أقوال وأفعال، ففي كتابه "مستقبل الثقافة" الذي أصدره عام 1938، حثّ على تزويد الدول العربية بمناهج التعليم المصري، والكتب المصرية، وهو ما طبّقه عندما تولّى تقاليد وزارة المعارف العموميّة في عهد حكومة النحاس. ولم يكتفِ بالكلام، بل قام بتزويد هذه الدول بالمعلمين وفتح المدارس والمؤسسات الثقافية فيها. 

ويكشف الجانب الثالث عن شخصية طه حسين المستبسلة، فإشرافه على إنشاء هذه المؤسسات والسفر إلى افتتاحه كنوع من إسباغ الصبغة الرسمية، وتأكيده لدور مصر الثقافي الريادي، أثبت أنه رجل دولة من طراز رفيع.

أما الجانب الخفي، فهو عكس ما أشاع عنه معارضوه من أنه لم يُعارض الوجود الفرنسي في الجزائر وتونس على نحو معارضته للاحتلال البريطاني لأنه درس عندهم وزوجته فرنسيّة. ولكن الوقائع (أو الشواهد) تقول إن طه حسين تعمّد عرقلة الوجود الفرنسي في شمال إفريقيا، فسعى بطريقة غير مباشر إلى تقويض الإمبريالية. وهو الدور الذي أزعج الإدارة الفرنسية، فأخذت تراقب جهوده، وتكتب التقارير عن نشاطه.

وفي الجانب المقابل، عرقل طه حسين الوجود الفرنسي في مصر، وأوقف بعثات التنقيب عن الآثار. وإزاء تنامي الدور المصري في شمال إفريقيا وعجزها عن تحجيمه، بدأت فرنسا تغيّر سياستها، خاصةً أنها تأكدت من أنه "حامي إفريقيا المضطهدة". ومن ثم أجبرتها هذه السياسة على تغيير دورها بأن تقبّلت الوضع، ومعاملته بالمثل وقبول إرسال المصريين لمعلمين في شمال إفريقيا.

ومن جانب آخر، استطاع هذا الأمر، كما يقول حسام أحمد، أن: "يعيد تصحيح الصورة التي راجت بأن قضايا الدفاع عن الشعوب المستعمَرة، تبناها رجال ثورة يوليو بعد عام 1952"، فالحقيقة أن معركة طه حسين مع السلطات الفرنسية كشفت أن حكومة ما قبل الثورة كانت تتبنّى هذا الاتجاه، والدليل أنها دعمت الوزير في حكومتها في معركته، واستجابت لمواقفه بمعاملة الفرنسيين بالمثل، خاصةً في إيقاف البعثات الفرنسية إلى مصر، وعرقلة مشروعات الحفر الأثرية، والمماطلة في منح الراغبين من الفرنسيين تأشيرات للدخول إلى مصر، في تأكيد على تبني الحكومة أفكار وزيرها.

صانع السياسات

كشفت التقارير التي حلّلها الدكتور حسام أحمد أن تنامي الدور الثقافي المصري لم يكن مرغوبًا وكان مثيرًا للقلق من جانب السلطات الفرنسية وبعض القيادين المغاربة الذين رفضوا مثل هذا التواجد، في حين كان هناك حُسن استقبال لمثل هذا الدور من قبل السلطات التونسية. فالوزير محمد شفيق طالب بمثل هذا الدور، بل وأثنى على دور مصر الريادي في المنطقة بأثرها.

وزادت مطالب طه للحكومتين الفرنسيّة والإسبانية بزيادة إرسال أساتذة مصريين إلى شمال إفريقيا وإنشاء ثانويات مصرية في جميع مدنها الكبرى. وقد سلطت الصحف المصرية الضوء أيضًا على أن حسين لن يقرّر وضع المدارس الفرنسية في مصر إلا بعد معالجة الطلبات المصرية.

وقد أدّى تعزيز علاقات مصر مع شمال إفريقيا إلى إبداء مخاوف السلطات الفرنسية. فمن خلال متابعة تطوّر العلاقات، بدأت المخاوف الفرنسية تظهر، بل وأخذت صيغة رسمية عبر التقارير التي أرسلها تشارلز لوسيه القائم بالأعمال في السفارة في مصر. ففي 22 كانون الثاني/يناير 1950، وعلى خلفية هذه المخاوف الفرنسية، أرسل لوسيه برقية عاجلة أبلغ فيها باريس بما نشرته مجلة "زمان" عن أن مجموعة من المثقفين المغاربة طلبوا من حكومة الوفد الجديدة فتح مدرسة ثانوية مصرية، "مدرسة ليسيه فاروق"، في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسبانية في المغرب، أو في طنجة الخاضعة للسيطرة الدولية منذ عام 1923. 

وقالت المجلة أيضًا إن وزير التعليم الجديد، طه حسين، أعلن رغبته في بناء مؤسسات تعليمية مصرية في كل العواصم العربية. وبعد أيام قليلة، أرسل لوسيه تقريرًا من خمس صفحات إلى وزير الخارجية الفرنسي حول وزير المعارف العمومية المصري الجديد. ولخص لوسيه مسيرة حسين المهنية وعلاقاته القوية مع فرنسا، من حيث الثقافة والتعليم والأسرة، لكنه حذّر قائلاً: "إذا كانت المعرفة بتفكيره العميق تمنحنا أقوى أمل لمستقبل عملنا هنا، فإن حساسية شخصيته وموقفه السياسي فيما يتعلق بالبلاد تعني أنه لا ينبغي لنا أن نقترب منه إلا بالخطوات الأكثر حكمة". 

أراد عميد الأدب العربي الحصول على إذن من الحكومتين الفرنسية والإسبانية لإرسال أساتذة مصريين إلى شمال إفريقيا، وإنشاء مدارس ثانوية مصرية في جميع مدنها الكبرى. وشدّدت الصحف المصرية أيضًا على أن حسين لن يقرّر وضع المدارس الفرنسيّة في مصر إلا بعد تلبية الطلبات المصرية. وأضاف لوسيه بأنه لا يعتقد أن حسين سيتصادم مع الحكومة الفرنسية بسبب هذا الأمر. لقد قدم حسين هذه الوعود خلال الحملة الانتخابية، وكان عليه، على الأقل في البداية، أن يقدّم نفسه على أنه "قومي متشدد" وكانت توصية لوسيه هي الانتظار على أمل أنه بمجرد وصول حسين إلى السلطة، فإن أفكاره سوف تنضج، وكل ما توقعه لوسيه لم يحدث.

والجانب الموازي الذي يعكسه الكِتاب، وهو يتتبع دور طه حسين كرجل دولة ومؤسسات يضطلع بجهود جبارة من أجل تفعيل دور المثقف العضوي وفقًا لاشتراطات غرامشي، أن هذه الرحلة في دهاليز العمل المؤسساتي الرسمي وغيره كشفت عن أن دور القاهرة واهتمامها بالعالم العربي تجاوز ما تقدمه من فنون كالأفلام والعروض المسرحية وما تتركه الدوريات من تأثير، إلى دور رسمي أكثر فاعلية قد يرتبط شق منه بجانب سياسي، وهو ما تمثّل في إصرار القاهرة على تدعيم حركات التحرّر في شمال إفريقيا، بشكل مباشر، وبتقويض الحركات الاستعمارية عبر إنشاء المعاهد ومراكز اللغة بشكل غير مباشر. فالتقارير التي كانت تتبع حركات المبعوثين والعلماء إلى القاهرة من أجل افتتاح المدارس أو المعاهد التعليمية، كشفت أيضًا عن تنامي النشاط السياسي للقاهرة واعتبارها مركزًا أو قبلة للثوار.

ومن بين هذه التقارير تلك التي أرسلها مبعوث السفارة الفرنسية لوزارة خارجيته يرصد فيها رحلة ابن عاشور عالم الدين إلى القاهرة، قد أشارت إلى اعتبار القاهرة مصدرًا للمشاكل السياسية. فكما وصفها التقرير، صارت موطنًا للعديد من قادة الشمال، وكان يزورها بانتظام قادة الحركات القومية الإفريقية، بما في ذلك الحبيب بورقيبة وأحمد بن بلة، وكذلك الشاذلي المكي الذي لجأ إلى القاهرة وأنشأ مكتبًا لحزب الشعب الجزائري سنة 1945.

وقد أسفرت زيارة ابن عاشور عن نتائج ثقافية متعلّقة بالشق التعليمي، إذْ طالب بمعادلة شهادات الزيتون بالأزهر كترغيب للطلاب الدراسة في الأزهر، وأيضًا استقدم إلى تونس ثلاثة أساتذة لتعليم الجغرافيا والتاريخ والفلسفة.

وكانت نتائجها من الناحية السياسية كبيرة أيضًا، إذ شارك في اللقاء مع دول من شمال إفريقيا وأكّدوا انتماء دولهم إلى جامعة الدول العربيّة، واعتبر القاهرة هي المركز. ولم يخيّب طه حسين الآمال، إذ استغل الفرصة للحصول على موافقة مجلس الوزراء المصري على إرسال أربعة طلاب إلى تونس لتدريس الرياضيات والتاريخ والجغرافيا واللغة الإنجليزية، وضاعفت الحكومة رواتبهم كما اتفق على أن تغطي الحكومة المصرية نفقاتهم وأسرهم من وإلى تونس أسوة بالعاملين في لبنان وسوريا. كما شدّد طه حسين في مذكرته على أن وزارة المعارف العمومية حريصة على تعزيز توثيق التعاون الثقافي بين مصر وتونس.

معارك ومواقف

تكشف التقارير التي كان يرسلها سفير فرنسا، ويرصد فيها امتداد البُعد الثقافي المصري إلى خارج الحدود وصولًا إلى دول شمال إفريقيا، عن الأهداف الاستراتيجية التي كانت تسعى إليها الحكومة المصرية باعتبار قضايا الشمال الإفريقي قضايا تخصّ مصر في المقام الأول، ومن ثمّ كان الدفاع المستميت عن حقها في اكتساب معارف عربية بعيدة عن أهداف المستعمِر الفرنسي. 

وكان الحديث عن "حق مصر في التعليم" بمثابة إشارة واضحة للسفير مفادها أن هدف الدولة المصرية هو بسط نفوذها على العالم العربي بأكمله، ووسيلة أيضًا لتلك الأمة للتعامل مع ما وصفه بالدونية التي شعر بها المصريون تجاه فرنسا والدول الأوروبية الأخرى التي تدير شبكات تعليمية مرموقة في مصر، بينما حُرمت مصر من دور مماثل في البلدان التي تشترك معها في الدين واللغة.

كان الخوف من أن تأسيس المعهد في طنجة بمثابة تأسيس جامعة عربية هناك. ومن شدة المخاوف من الأهداف التي يرمي إليها طه حسين ومن خلفه حكومته، صنعوا العراقيل أمامه للحيلولة دون تنفيذ أهدافه، ففشلت فكرة إنشاء معهد في طنجة، ومن ثم اتجه طه حسين إلى الرباط، وقوبل طلبه بالرفض الشديد.

وإزاء هذا الرفض، قامت الصحف المحلية في المغرب بنشر مقابلة مع طه حسين أعلن فيها بصراحة أن مصر ستنتقم من المؤسسات الفرنسية في مصر إذا لم تسمح الحكومة الفرنسية بالمعهد المصري في الرباط، وهو ما اعتبره السفير الفرنسي ابتزازًا. وفي المقابل، رد حسين بعنف، بل سعى إلى المطالبة بإعادة توصيف العلاقة بين مصر وفرنسا، ودعا إلى أن تكون المعاملة بالمثل، وذكّرهم بما يربط البلدين من صداقة تقليدية، ومن ثم يجب أن تكون نتائج الصداقة متبادلة.

كشفت مواقف طه أنه كان ذكيًا في مناوراته مع العقلية الفرنسية من أجل تحقيق أهدافه، فهو مثلما كان يعي جيدًا كيف يواجه العراقيل، فإنه كان أيضًا يختار رجاله بعناية فائقة بحيث لا تعترض عليهم فرنسا، فرشّح يحيى الخشاب لمنصب مدير المعهد في الجزائر لمعرفته بأنه سيلقى قبول جميع الأطراف، وهو ما حاز القبول لدى الإدارة الفرنسيّة، بل ووصف بأنه: "مخلص ومسلم غير متعصب".

وقد أثبت هذا الإصرار من جانب طه حسين غيرته على اللغة العربية والعلوم الإسلاميّة، وأيضًا ثقته المُطلقة في مؤسسات بلده التعليمية سواء الكلاسيكيّة كـ"الأزهر"، والحديثة كـ"الجامعة المصريّة" و"مجمع اللغة العربية". وفوق هذا وذاك، ثقته غير المحدودة بخبرة العلماء ونبوغهم، أو قوة مصر الناعمة التي كانت تستخدمها في تثبيت مكانتها خارجيًا، وتقويض هيمنة الاستعمار في البلاد العربية. 

أكدت هذه المواقف إيمان طه حسين بما طرحه من أفكار ونادى بها، مثل "عالمية الثقافة". فدعوته إلى نشر التعليم في البلاد العربية تأكيد لتمسكّه بصدق دعوته. كما أكدت هذه الإجراءات الصادمة بحسب وصف السفير الفرنسي، دهاء طه حسين السياسي ومناوراته في ملاعبة الخصم للوصول إلى أهدافه، فبدأت إجراءاته تتصاعد بدءًا بوقف جميع تصاريح العمل الممنوحة للبعثات الفرنسية في مصر، والتشديد على تقييد الإجراءات برفض طلبات التأشيرات المقدّمة من شخصيات قادمة من فرنسا إلى مصر، وأدرك السفير بأن جميع الطرق فاشلة إلا بالتحدّث مع طه حسين نفسه.

وعلى الرغم من تواتر الأحداث بعد حريق القاهرة وتنازل الملك عن حكمه وترك حسين لمنصبه أيضًا، إلا أن الحكومة التالية لم تكن لديها النية لتغيير الإجراءات التي اتخذها، فالمسألة صارت مسألة هيبة للحكومة المصرية، والتراجع غير وارد بالمرة.

كانت الأداة التي اعتمدها طه حسين في معركته، سواء معركته الداخلية مع الحكومة والمعارضة، أو الخارجية مع الاستعمار؛ هي الصحافة. ذلك أن الغرض الأساسي من المعركة كان الإصلاح، وقد: "عبر عن أفكاره وردّ على منتقديه على صفحات المجلات والدوريات المقروءة على نطاق واسع".

أبرَزَ كتاب أحمد العراقيل التي وضعها الاستعمار عبر ممثليه في الدول المستعمَرة بهدف الحيلولة دون أي نهضة. فاللورد كرومر كان من المعارضين لمشروع إنشاء الجامعة القومية، وبالمثل عارض سفراء فرنسا في المغرب وإسبانيا والجزائر دعوة طه حسين لإنشاء معاهد تعليمية، أو إرسال معلمين من مصر إلى هذه البلاد.

الغريب أن معارضة ممثلي الاستعمار لمثل هذه المشاريع التنويرية كانت حافزًا لتكوين جبهات معارضة، والتمسّك بالموضوع، واعتباره قضية وطنية. وبعد أن فشلت معارضة بريطانيا لإنشاء الجامعة، وتحقّق المشروع على الرغم من إرادتها؛ تحوّل النضال إلى عرقلة أهدافها بالتنافس مع فرنسا في الهيمنة على برامج الدراسة، وتعيين العمداء، وفي ضوء هذا برز دور الجامعة كلاعب أساسي في البلاد.

سردية سوسيولوجية

لا يكتفي الكتاب فقط بتقديم صورة مقرّبة لطه حسين الموظف الحكومي المثالي الذي يعي مهام وظيفته جيدًا، ويسعى بكل ما أوتي من قوة إلى استغلال منصبه السياسي لتطبيق الأفكار التي نادى بها في كتاباته ومحاضراته عن تثقيف العالم العربي وعالمية الثقافة؛ بل ذهب أبعد من ذلك إلى تقديم سردية سوسيولوجية لحالة الحراك المجتمعي عقب افتتاح الجامعة الأهلية، وحالة الجدال بين النخبة والسياسيين من أجل تحقيق الجامعة لأهدافها التي نص عليها بروتوكول التأسيس.

وإلى جانب ما سبق، يقدّم أيضًا تقريرًا مفصّلًا عن كافة الظروف التي مرّت بها الجامعة وتحولاتها من جامعة أهلية إلى جامعة حكومية، وما تبع ذلك من متغيرات على مستوى مخصصاتها المالية وبرامجها التعليمية التي أخذت تتأثر بأفكار مسؤولي الحكومة، ثم ضعف الإمكانات المادية فيما بعد.

وذلك عدا عن حالة البيروقراطية التي أعاقت الكثير من تقدم الجامعة على نحو رفض وزارة المعارف العمومية الاعتراف بالشهادات التي تمنحها الجامعة لطلابها، وكانت حجتها أنها: "لا تستطيع الاعتراف بالشهادات التي تقدمها الجامعة لخريجيها بالطريقة المرغوبة طالما أن الوزارة لم تكن منخرطة في الإشراف على الدراسات هناك".

وقد كشفت هذه الحجة عن حالة التربص البيروقراطية من قبل المعادين لفكرة الجامعة الذي سمح ضعف الالتحاق بها لهؤلاء بالتشكيك في فائدتها، وهو الأمر الذي أظهر حالة العداء من قبل المستعمِر البريطاني المستتر للمشروع، فانتقدت جريدة "المصري" المؤيدة لبريطانيا ولإدارة الملك فؤاد الاستبدادية مجلس إدارة الجامعة، وتساءلت بشكل فج: "عمّا إذا كان المشروع بأكمله يرقى إلى أكثر من مجرد مدرسة ثانوية؟".

وفي مقابل حالة العداء والتربص الشديد بفكرة المشروع، قامت الجامعة بالدفاع عن نفسها مدينةً الصحيفة ومطالبةً بمزيد من الدعم لما أسمته: "المشروع الأول الذي أظهرت فيه مصر وطنيتها المستنيرة".

يضع الكتاب الجامعة في موقعها الحقيقي، خاصةً بعد حالات التربص بها والمحاولات المستمرة للتقليل من أهدافها، فتجاوز دورها مجرد نشر المعرفة وإتاحة التعليم إلى دور مؤثّر ليس فقط على مستوى الحيز الجغرافي لها، وإنما امتدّ إلى خارجها ومحيطها العربي، ذلك أن دورها كان كبيرًا وفعّالاً رغم كافة الإكراهات التي وقفت كعقبة أمام الاستمرار في تحقيق أهدافها، إذ إن منتوج الجامعة من مثقفين ورجال علم بدأوا يمارسون دورهم في عملية التعليم والتثقيف، وهو ما بلوره طه حسين في صورة المعاهد التعليمية والثقافية في شمال إفريقيا، وإرسال بعثات المعلمين إلى الدول العربية في لبنان وسوريا وشمال إفريقيا، الأمر الذي جعل الخطر يتجاوز موضعه إلى بقاع أخرى أراد الاستعمار أن يحتفظ بسطوته عليها.

لم تكن معاناة الجامعة مقتصرة على حالة التربص بها من قبل المثبطين، وإنما أيضًا بسبب حالة الصراع بين إدارتها والحكومة حول مشروعيتها، ثم جاءت الحرب لتفاقم من أزماتها، خاصةً أن بعض الداعمين لها قاموا بتقليص مساعداتهم المادية، الأمر الذي كان له تأثيره الكبير، وكانت نتيجته اضطرار مجلس الجامعة إلى استدعاء الطلاب من أوروبا كخيار بديل عن إيقاف التدريس فيها، ذلك أن وقف التدريس وإغلاق أقسام الجامعة كانا بمثابة "إعلان وفاة"، ومن ثم كان بمثابة محاولة ملتوية لتقويض المشروع النهضوي الحديث.

إلى جانب دور الأستاذ الجامعي والمثقف العضوي، لعب طه حسين دورًا مهمًا في تعزيز مؤسسات العمل الحكومي والعمل على التنسيق بين المؤسسات فيما بينها، حتى لا يحدث تعارض في التخصصات، فإليه يعزى الدور المهم لتأسيس المجلس الأعلى للجامعات كآلية للتنسيق بينها. لكن لم يكن اقتراح طه حسين بالأمر السهل، حيث لاقى اعتراضات جمّة، بل تم تذكيره بأزمته عندما طرد من الجامعة على اعتبار أن المجلس الأعلى للجامعات الذي دعا إليه بمثابة تقويض لاستقلالية الجامعات، فشُنَّت الحملات الصحافية ضدّه برفض دعوته، بل وضرورة أن يكون لكل جامعة لوائحها المستقلة. وبالمثل، قام بتأسيس المجلس الأعلى للتعليم، وقوبل هو الآخر باعتراضات لكن في النهاية تمّ له الأمر كما أراد.

 بين التفاؤل والإحباط

ومع حدوث ثورة تموز/يوليو 1952، لم يتخلَ طه حسين عن دوره كمثقف حامل لرؤية تبصيرية بل، وعلى العكس، كان أوّل من أطلق لقب ثورة على حركة الضباط، واعتبرها: "حِقبة جديدة من الحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الحقيقي"، بحسب ما قاله حسام أحمد في كتابه. وتوقع أيضًا أن الثورة لن تغيّر مصر فقط، بل كذلك الدول العربية المجاورة، فقد قارن مرارًا وتكرارًا بين الثورة المصرية والثورة الفرنسية في المُثُل التي سعت إليها والتأثير الذي كان يأمل أن تحدثه.

ومن جانب آخر، حرّض حسين المثقفين على استقبال العهد الجديد والوقوف خلف القيادة الجديدة وأن يولوا عناية كبيرة بالدستور الجديد، إضافةً إلى الاضطلاع بدورهم في تنوير المواطنين بحقوقهم وواجباتهم، وأن يقدّموا المشورة للحكام، وقام في الوقت ذاته أيضًا بتقديم خارطة طريق للثوار. 

ومع هذا، رفض طه وصف القيادة الجديدة للفترة ما بين الثورتين، ومثقفيها، بأنها فاسدة ومعزولة عن الشعب، وقال إن الثورة هي نتاج الثقافة والمعرفة، أو بالأحرى "الصحوة الثقافية" في مصر خلال العهد السابق، وطالبهم بأن يولوا جهدهم للتعليم والثقافة، كما نصحهم بطلب المشورة من "النخبة الذكية المتبصرة"، وحذّر من الإفراط في الوعود بالتغيير والإصلاح.

ومع الوقت، أحبطته سياسة الضباط بعدما كان شديد التفاؤل مع إعلان الحركة الانقلابية وقابل ما قاموا به من تغييرات بصمت، وكان صمته بمثابة اعتراض على الدستور وعلى المنظمات الشعبوية التي أسسها عبد الناصر مثل "تجمع التحرير" عام 1953، و"الاتحاد الوطني" عام 1957، وأخيرًا "الاتحاد الاشتراكي العربي" عام 1962؛ لملء الفراغ السياسي الذي خلفه إنهاء نظام التعددية الحزبية. بل صار طه حسين في خانة مَن لم يدعم الثورة بحسب الاتهامات التي وجهها محمد حسنين هيكل للمثقفين المصريين.

لكن صمت عميد الأدب العربي لم يستمر في السياسات الخارجية. بل على العكس، كما يثبت حسام أحمد في كتابه، أشاد بمواقف ناصر الخارجية التي كانت في نظره: "تمنح مصر الثقة وتسمح لها بالتعامل مع الدول الأخرى، بما في ذلك القوى الكبرى على قدم المساواة دون خوف أو تردد". كما عارض القوى الإمبريالية (في سلسلة من المقالات التي امتدت في الخمسينيات وأوائل الستينيات) وخاصةً فرنسا، بسبب غطرستها وقمعها العنيف لحركات الاستقلال في إفريقيا وآسيا. 

وفي آب/أغسطس عام 1954، كتب أن فرنسا: "لم تتعلم من مأساتها المؤسفة في الهند، وأنها تتعامل مع شمال إفريقيا بنفس قصر النظر والحذر"، بل استمر في سياسة الصوت العالي قائلًا: "لن تستمر مصر في دعم التونسيين والمغاربة فحسب، بل ستدعم أيضًا الجزائريين في مطالبتهم بالاستقلال، حتى لو استمرت فرنسا في الادعاء بأن الجزائر جزء من فرنسا. مصر لا تؤمن بالغزو. الجزائريون ليسوا جزءًا من فرنسا، وفرنسا ليست جزائرية في شيء".

استمر دعم العميد لجمال عبد الناصر وهو يقاوم القوى الإمبريالية، فدافع عن قرار تأميم القناة 1956، وكان ينتقد التصرفات الفرنسية في الجزائر حتى فترة الستينيات. وتعليقًا على خطاب ألقاه رئيس الوزراء الفرنسي في أوائل عام 1958، واصفًا وحشية فرنسا في الجزائر بأنها ضرورية للدفاع عن "العالم الحر"، كتب حسين: "وأي عالم حرّ يتطلب ارتكاب هذه الخطايا والجرائم دفاعًا عن نفسه، في حين يخالف أساسيات كل الأديان والأخلاق والحضارة والقانون؟ ما هي الحرية التي يتم تأسيسها أو الدفاع عنها عن طريق إذلال الأحرار والحكم على النساء والفتيان الذين لم يبلغوا سن الرشد ولم يحملوا السلاح قط إلى بلادهم؟".

هكذا دفعت مواقفه ضد فرنسا، خاصةً أنه كان معروفًا بأنه "صديق الفرنسيين"، السفارة الفرنسية إلى وصفها بأنها ليست مزعجة فحسب، بل "مؤلمة للغاية"، ذلك أن طه رفض نفي ملك المغرب، ورفض سياستها في الجزائر ثم في السويس، واضطر إلى ردّ وسام جوقة الشرف.

وتؤكد حالة خيبة الأمل التي لم يستطع طه حسين إخفاؤها، بعد فشل جهود مجمع اللغة العربية لتبسيط القواعد النحوية والكتابة، رغبته الصادقة في العمل المؤسساتي، وأنه لا يعمل ضد المؤسسة، فكل المشروعات أحالها إلى الجامعة و النخبويين من أساتذة الجامعة. ومع هذا، لم يستسلم العميد، بل قام أيضًا بإعلان مسابقة مفتوحة عام 1947 لتغيير الكتابة، بما في ذلك مقترح عبد العزيز فهمي بتحويلها إلى اللاتينية، لكن المتقدمين لم يقدموا مقترحات بنّاءة، فتم إلغاء المسابقة.

دفعه الترغيب في اللغة العربية إلى محاولات التسهيل على نحو ما سبق وذكرت حول مسألة تبسيط الكتابة. كما طالب في كتاب "مستقبل الثقافة في مصر"، بتبسيط قواعد النحو حتى لا يثقل على الطلاب بعبئها. وقال أيضًا إن متخصصي اللغة فقط هم الذين يحتاجون إلى الخوض في التفاصيل وإنه من السخافة تدريس قواعد اللغة بالقواعد نفسها التي دُرِّست بها منذ ألف عام في البصرة والكوفة. 

وقد كشفت الوثائق تقارير المضبطة واللجان عن البيروقراطية التي كانت تحكم المؤسسات، وهو ما أدى إلى عرقلة الكثير من القوانين التي تبناها طه حسين للإصلاح، فالصراعات بين القدماء والمحدثين في المجمع أفشلت كافة المقترحات لتبسيط اللغة والنحو. والشيء المهم في هذه الوثائق والقرارات هو حرص طه حسين على اللغة العربية الفصحى باعتبارها حلقة الوصل بين الماضي والحاضر في العالم العربي.

ولم يكن طه حسين دكتاتوريًا في اتخاذ القرار، بل كان يُشارك الجمهور في المناقشات والمنشورات والمسابقات لدرجة أنه نصح وزارة التعليم العمومية بعدم أخذ أي اقتراحات لتغيير اللغة في الاعتبار إلا بعد بثها للجمهور في مصر وخارجها للتدقيق والدراسة والتعليق، حتى لو تمت الموافقة على الإصلاح المقترح.

في النهاية، قدّم الدكتور حسام أحمد في كتابه "النهضوي الأخير" صورة جديدة عن عميد الأدب العربي هي صورة المثقف النموذجي التي تتسق مع شخصيته وأفكاره وأطروحاته التي تبناها سواء في كتاباته أو في آرائه أو في مواقفه أيضًا، فأثبت عبر الوثائق والمحاضر (أو بالأحرى الأرشيف) التي اعتمد عليها أن المكانة التي استحقها العميد وما زالت، جدير بها بامتياز.

وعلى كلٍ، تبقى سيرة حسين مكتنزة بالأسرار والحقائق التي ترسم إلى جانب سيرته الشخصية سيرة مجتمعيّة أو سرديّة لحقبة تعج بالأحداث التي رسمت ملامح عصر بأكمله.

الكلمات المفتاحية

الأكثر قراءة

1

جورج طرابيشي.. عندما كان النقد الأدبي ممتعًا

كان جورج طرابيشي يؤمن، ويطبق ما يؤمن به، أن لكل رواية أو قصة قفلها الخاص، وبالتالي فلا بد من البحث عن مفتاح مناسب لها

2

رواية "الجثث".. تماثيل من الملح تشبه الأطفال

هذه الرواية ليست مجرد خيال ديستوبي، بل هي أيضًا نقد اجتماعي حاد لفكرة تعايش المجتمعات البشرية مع الأزمات بدلًا من البحث عن حلول لها

3

كتاب "العرب العثمانيون".. ما الذي حدث قبل قرن؟

ما يميّز كتاب زكريا قورشون عن غيره من الدراسات التركية هو عمله على تفنيد الرواية الرسمية التي كٌتبت حول العرب في مرحلة الحرب العالمية الأولى واتهام العرب بـ"طعن الأتراك من الخلف"

4

ما بين الكواكبي والرحالة العربي.. طبائع الاستبداد الراسخة

بعد قرن من كتاب الكواكبي، يتناول الرحالة العربي الاستبداد بأسلوب مشابه، مبرزًا الفروقات بين الاستبداد التقليدي الذي يعتمد على السلطة المطلقة، والحديث الذي يستغل الخطاب الأيديولوجي لاستمالة الجماهير

5

كتاب "غرباء على بابنا".. صناعة الذعر تجاه المهاجرين

يُبيّن زيجمونت باومان في كتابه كيفية قيام وسائل الإعلام والسياسيين في الغرب باستبعاد المهاجرين من دائرة التعاطف وتحويلهم إلى مصدر تهديد أمني واقتصادي لتحقيق مصالحهم

اقرأ/ي أيضًا

الأعمال النقدية الكاملة - جورج طرابيشي

جورج طرابيشي.. عندما كان النقد الأدبي ممتعًا

كان جورج طرابيشي يؤمن، ويطبق ما يؤمن به، أن لكل رواية أو قصة قفلها الخاص، وبالتالي فلا بد من البحث عن مفتاح مناسب لها

سلمان عز الدين

طبائع الاستبداد الجديد

ما بين الكواكبي والرحالة العربي.. طبائع الاستبداد الراسخة

بعد قرن من كتاب الكواكبي، يتناول الرحالة العربي الاستبداد بأسلوب مشابه، مبرزًا الفروقات بين الاستبداد التقليدي الذي يعتمد على السلطة المطلقة، والحديث الذي يستغل الخطاب الأيديولوجي لاستمالة الجماهير

إسراء عرفات

كتاب غرباء على بابنا

كتاب "غرباء على بابنا".. صناعة الذعر تجاه المهاجرين

يُبيّن زيجمونت باومان في كتابه كيفية قيام وسائل الإعلام والسياسيين في الغرب باستبعاد المهاجرين من دائرة التعاطف وتحويلهم إلى مصدر تهديد أمني واقتصادي لتحقيق مصالحهم

مثنى المصري

المزيد من الكاتب

ممدوح النابي

كاتب وناقد

كتاب "الطاهي يقتل.. الكاتب ينتحر": القارئ الحساس يتنزّه في مطبخ الكتابة

ثمة عوامل مشتركة كثيرة تجمع بين الطاهي والكاتب، بينها المهارة والذوق والحدس الذي هو مرشد لكليهما لكي يحدث تناغم الشكل والمضمون

هجرة الفنون: صعود وانهيار العلاقات العربية – التركية كما جسدتها القوة الناعمة

حُظر بث الموسيقى الشرقية في تركيا بعد إعلان الجمهورية الجديدة التي أراد مؤسسوها استبدالها بالموسيقى الغربية