"المرأة حيوان ذو شعر طويل قصير النظر".
قد تظن، للوهلة الأولى، أن صاحب هذه المقولة إما جاهلٌ أو متأخر عقليًا. لكن، للأسف، قائلها هو أحد أشهر الفلاسفة الألمان في القرن التاسع عشر: آرثر شوبنهاور.
لم يكن شوبنهاور وحده من ردد مثل هذه المقولات، إذ كان يعتقد أغلب الفلاسفة في زمنه أن المرأة لها مكانة أدنى من الرجل، وأنها خُلِقت لأجله ولا تستحق أن تُعامل مثله، كموروث ثقافي يتناقلونه. وغير بعيد عنه، فالطبيب النفسي الأشهر، سيغموند فرويد، الذي وضع اللبنة الأساسية لأبرز النظريات النفسية، كان يرى أن المرأة تميل إلى الشعور بالضعف والتبعية أكثر من الرجل.
فلاسفة ميسوجينيون
في ورقتها البحثية التي صدرت عام 1925، قالت دونا ستيوارت إن: "فرويد يعارض حركة تحرير المرأة ويعتقد أن وظائفها الجنسية والإنجابية تهيمن على حياتها"، كما كان يعتقد بأن النساء مصابات بما يسمى "حسد القضيب"، فتحمّل الفتيات الأمهات مسؤولية افتقارهن إلى القضيب ولا يسامحنهن على تعرضهن للخطر.
فرويد وشوبنهاور، وغيرهما، كانا يمثلان النظام الذي كانت تحكمه الأبوية السلطوية المطلقة والذكورية في ذلك العصر، والذي يرى أن الرجل هو صاحب السلطة الوحيد في العائلة وفي الشارع والبيت وكل مكان. بينما تكون المرأة في هذا النظام تابعًا لأي رجل في عائلتها بدءًا من الأب، ثم الأخ، ثم الزوج، ثم الابن، أو أي ولي أمر ذكر في عائلتها.
ورغم أن تلك النظرة ظلت، حتى منتصف القرن العشرين، حاضرة يتناقلها العلماء والفلاسفة والمثقفون، إلا أنها لم تكن وليدة ذلك الزمان، إذ كان أرسطو يرى أن المرأة عبارة عن رجل مشوه لا تصلح إلا للإنجاب، فيما كان نيتشه ينصح الرجال بألا ينسوا السوط عند لقاء النساء. أما أفلاطون، صاحب المدينة الفاضلة، فكان يعتقد أن المرأة أدنى من الرجل في العقل والفضيلة.
هكذا بدأت الميسوجينية
الميسوجينية، أو كراهية واحتقار وازدراء النساء، هو مصطلح تمت صياغته في القرن السابع عشر، وهو مشتق من الكلمة اليونانية ميسوس التي تعني "الكراهية"، وجوني التي تعني "امرأة"، وفقًا لإيمي كاندال.
أو هو، كما عرفه آلان جونسون، جزءٌ من العنصرية الجنسية وسبب رئيس وهام لاضطهاد النساء في المجتمعات الذكورية. وتظهر كراهية النساء بأشكال مختلفة: في النكات، المواد الإباحية، العنف، وتعليم، والنساء ازدراء أجسادهن.
والقائمة لا تنتهي في تلك التصرفات، فتتفنن المجتمعات والأفراد في أفعال تنتج من الكراهية تجاه النساء واحتقارهن واعتبارهن أداةً جنسية لمتعة الرجل، وأن المرأة خُلقت في العموم لخدمة الرجل.
وحتى في بعض الأديان غير السماوية، مثل الهندوسية التي، ووفقًا لبحث نُشر في المكتبة القومية الأميركية للعلوم الطبية، تقدّم وجهة نظر متنوعة حول وضع المرأة التي تضعها بعض النصوص في مكانة أنها أعلى آلهة، والبعض يقيدها بدور الأم والابنة والزوجة.
ولا يزال بعض أتباع الهندوسية يتجنبون النساء أثناء دورتهن الشهرية، ويخصصون لها غرفة بعيدة في المنزل لتقضي تلك الأيام وحدها. كما انتشر عن المجتمع الهندوسي قتل النساء اللواتي يموت أزواجهن قبلهن.
لكن القمع والكراهية لهما جذور تعود إلى آلاف السنين، فكان أول تجسيد للميسوجينية في الأسطورة الإغريقية "باندورا" التي تقول بأنها أول امرأة خلقها زيوس من الماء والتراب وكان جمالها فائقًا. لكنها حينما منحت صندوق الشرور الذي يحوي كل شرور البشر من الغرور والتكبر والأنانية والحروب، أمرها زيوس ألا تفتحه لكنها فتحته وكانت السبب في انتشار الشرور في العالم.
المسيوجينية في الأديان السماوية
تنقلنا القصة السابقة إلى آدم وحواء. ففي العهد القديم الذي نقل سردية مشابهة، هناك إيمان راسخ بأن المرأة – حواء – هي أصل الخطيئة ومنبع الشرور. ووفقًا لسفر التكوين، خُلق آدم وحواء من تراب وماء، لكنهما طُردا من جنة عدن لأن الحية أغوت حواء التي أغوت بدورها آدم لعصيان أمر الله وأكلا من الشجرة المحرمة.
وترسّخ اعتقادٌ قوي لدى أتباع اليهودية والمسيحية من ذوي الفكر الأصولي أن المرأة هي أصل كل الشرور، وسبب انتشار الموت في العالم.
وفي القرن الخامس الميلادي، اجتمع مؤتمر "ماكون" للبحث في مسألة: هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه؟ أم لها روح؟ وخرج بنتيجة أن جميع النساء المسيحيات سوف يدخلن جهنم، بقوله: "إنها خالية من الروح الناجية من عذاب جهنم، ما عدا أم المسيح". وفي عام 568 ميلادي، عقد الفرنسيون مجمعًا لدراسة ما إذا كانت المرأة إنسانًا أو غير إنسان، وخرجوا بنتيجة مفادها: "أنها إنسان خُلقت لخدمة الرجل".
ورغم أن العديد من المنظّرين والمفكرين لديهم آراء مختلفة عن تلك القصة، مثل خزعل الماجدي، إلا أنهم اتفقوا على أن تلك القصص رسّخت للاعتقاد السائد بأن النساء هن السبب في طرد بني البشر من الجنة ونشر الشرور في العالم.
ومع أن بعض الحضارات القديمة أعطت المرأة مكانة قيمة، كالحضارة المصرية القديمة حيث كانت المرأة إلهة، ملكة، قائدة جيوش – والحال نفسه في البابلية والآشورية ومملكة سبأ أيضًا – إلا أنه مع تدهور تلك الحضارات، نُزعت تلك الأدوار من النساء وسلبت مُنهن بعض الحقوق وزادت عليها الواجبات، خاصةً التي تخدم الرجل، مقابل العكس للرجل.
في اليهودية، هناك اعتقادات حول النساء لا تختلف كثيرًا عن اعتقادات الأصوليين في الديانات المسيحية والإسلام. فوفقًا لمبادئ النسوية اليهودية التي نشأت في ستينيات القرن الماضي، كرد فعل على النظرة الدونية للرجل اليهودي تجاه المرأة اليهودية، تعتبر بعض الفرق اليهودية البنت في مرتبة الخدم، وأن لأبيها الحق في بيعها، كما جعلوا من المرأة اليهودية إحدى ممتلكات الرجل.
ووفقًا لتلك الأفكار الدينية، فإنه ثمة تمييز واضح لصالح الرجل، منها على سبيل المثال ما يتعلق بالطهارة، حيث نجاسة ولادة الأنثى ضعف نجاسة ولادة الذكر، وأنها تحتاج ضعف المدة لتتطهر إذا ما ولدت أنثى مقارنةً بالذكر.
خاب وخسر من ولوا أمورهم لامرأة
انتقلت في المنطقة العربية التي كانت موطنًا لحضارات متقدمة، عادات قبلية همّشت النساء وعظّمت من احتقارهن، فانتشر بيعهن أو وأدهن والتخلص منهن بالقتل أو الدفن وهن على قيد الحياة، أو حتى تشويه أجسادهن، وفي أحسن الظروف: البقاء حبيسات داخل المنازل يطعن الرجال في كل شيء.
ودومًا ما تكون النساء نقطة ضعف أثناء الحروب، فإما يتم سبيهن وبيعهن أو اغتصابهن لقهر الخاسر أو استغلالهن جنسيًا، ولا نزال نرى ذلك حتى يومنا هذا خاصة في الحربين على غزة والسودان.
وبعدما انتشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية، ورغم النظرة التقدمية التي جاء بها، خلافًا لما كان موروثًا في الجزيرة آنذاك، حيث أعطى النساء حق التعليم والخروج للعمل والجهاد والمشاركة في القرارات؛ إلا أنه، في الوقت نفسه، انتشرت ثقافة ذكورية مستندة إلى نصوص دينية إما موضوعة، أو ضعيفة، أو لمفسرين يحقرون من شأن النساء. ورغم دحض تلك النصوص من تنويريين إسلاميين، إلا أن النظرة الذكورية والسلطوية التي اكتسبت تلك الشرعية زادت قوتها، فعمدت إلى اتخاذ زوايا مختلفة من الروايات الدينية.
وانتشرت أحاديث مثل "خاب وخسر من ولوا أمورهم لامرأة" ليكون مبدأً شرعيًا يُستند إليه في كل الأمور التي أقصي بها، في القرون الأخيرة، أصحاب الحضارات في المنطقة (المصرية، البابلية، الآشورية، إلخ) النساء من أي مهمة عمل ذات منصب رئاسي أو حتى قضائي، زاعمين أن عاطفة المرأة ستتغلب عليها، أو أن "دورتها الشهرية" ستجعل منها شخصًا خاضعًا لسيطرة هرموناتها، ولا تحكم وفقا للمبادئ القانونية، وغيرها من الحجج غير المنطقية أو المستندة على أساس علمي.
واستندوا كذلك إلى الأحاديث النبوية ذات السند الضعيف عن ختان الإناث – تشويه وقطع الأعضاء التناسلية الأنثوية – التي أكد الأزهر ودار الإفتاء المصرية عدم صحتها، وهي عادة يُقصد منها التحكم في أجساد النساء، وتنتشر في مصر والسودان بشكل كبير.
غذى ذلك بعض الموروثات الشعبية التي تتسم بعدائية كبيرة تجاه المرأة. في مصر، مثلًا، يُقال عمن يشاور زوجته في أمر ما "شورة المرة تجيب ورا"، أو "شورة المرة تخرب الدار سنة إن صحت، وإن خابت بخراب العمر كله"، لأن المرأة وفقًا لاعتقادهم "ناقصة عقل ودين".
كما يُقال أيضًا "يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات"، و"اكسر للبنت ضلع يطلعلها 24"، و"هم البنات للممات لو عرايس أو متجوزات"، و"أم البنت مسنودة بخيط، وأم الولد مسنودة بحيط". وذلك رغم وجود نظرة عكس تلك نجدها في أمثال شعبية أخرى، مثل "بنتك اللي بتفتحلك البيت وابنك اللي بيطردك منه"، أو "اللي من غير أم حاله يغم"، لكن هذه الأمثال لا تحظى بانتشار السابقة.
كراهية النساء لبعضهن
"المرأة عدوة للمرأة". مقولة ربما نسمعها أو نصادفها، يوميًا، عشرات المرات في الإنترنت، حيث يتهم أشخاص النساء بأنهن أعداء، في المطلق، لبعضهن دون البحث وراء تلك الأيديولوجيا التي جعلت من بعضهن عدوات لبعض.
الأفكار الذكورية أو الأبوية السلطوية هي بالأساس أفكار ليست حكرًا على جنس بعينه، فبعض النساء يعتقدن ويؤمن بالموروثات الشعبية والرؤى الدينية التي ترسخ الذكورية، فيتماهين معها ويصبحن مصدّرات لها لدرجة أنهن يكرهن أنفسهن وأجسادهن وفقًا لتلك الأفكار.
وتعتقد هؤلاء النساء، وفقًا لما يعتقد أصحاب الرؤية الذكورية، أنهن مصادر للعار، وأول من يدخلن النار، ومسكنًا للشيطان، وغيرها. وقد تنبع تلك الأفكار في بعض الأحيان من الخوف. ولا يكون/ تكون صاحب/ة تلك الأفكار تتبع دينًا بعينه أو من طبقة اجتماعية بعينها.
هل يمكن أن تكون النساء مسيوجينيست؟
يمكننا أن نجد بعض النساء يصدّرن عنفًا وازدراءً تجاه بعضهن، ولا ننسى في هذا السياق، نساء الحسبة أو "لواء الخنساء"، تلك الفرقة التي أسسها تنظيم "داعش" في عام 2014، ونفذت مهام تجاه نساء أخريات في تلك المنطقة تنم عن كراهية مثل الازدراء والتشويه والضرب أحيانًا لمن لا تلتزم بالعقيدة الإسلامية من وجهة نظرهن، إضافةً إلى فرض أيديولوجية "داعش" على كافة نساء المخيم، وكانت أساليب العقاب تتضمن: التعذيب، والحرمان من الطعام، وأحيانًا القتل. وهناك أيضًا "الزينبيات" في اليمن، ولهن أعمال مشابهة لـ"لواء الخنساء".
أما في مصر، فلن يكون غريبًا أن تجد عشرات من القصص تتناقلها فتيات عبر الإنترنت، من تعرضهن للتنمر أو السخرية أو الضرب على يد نساء أخريات، لأنهن لا يلتزمن بمعايير هؤلاء النساء في الملبس أو الشكل الاجتماعي العام.
وهناك قصة شهيرة لسيدة أخرجت مقصًا وقصت شعر سيدة أخرى في المترو عقاًبا لها لأنها دون حجاب، وهي قصة تكررت عدة مرات. عدا عن رجال يلقون بمواد حارقة على نساء يرتدين ملابس ضيقة أو قصيرة أو لا تلاقي الكود الخاص بهم للاحتشام، وآخرون عاقبوا نساءً بالطعن علنًا في الشارع للسبب ذاته، كحادث إمبابة الشهير.
خلاصة القول إن هذه المفاهيم المجتمعية التي تتناقل أيديولوجيا مفادها أن النساء مرتبة أدنى من الرجل، سواء من نصوص دينية تؤكد ذلك – وفقًا لتفسيرهم – أو مصادر شعبية موروثة ومعتقدات؛ تؤدي في النهاية إلى المزيد من الكراهية تجاه النساء، الميسوجينية، مع التفنن في أشكال تلك الكراهية.