في مطلع آذار/مارس الماضي، عاشت العاصمة الهايتية ليالٍ جحيمية بعدما شنت عصابات إجرامية مسلحة هجومًا واسعًا على المرافق الحكومية تتقدمها السجون ومخافر الشرطة، حيث أطلقت سراح أعداد كبيرة من المساجين الذين عاثوا تخريبًا في الأملاك العامة والخاصة، وروَّعوا الآلاف من المدنيين.
وسعت تلك العصابات عبر هذه الهجمات المستمرة إلى اليوم، وتُعد من أغرب الأحداث في التاريخ، إلى السيطرة على السلطة في البلد الكاريبي الفقير، مستغلةً حالة الفراغ السياسي التي يعيشها، ومستقوية بسطوة هائلة راكمتها على مر السنين الأخيرة وتسليح وتمويل قويين، إضافةً إلى اتساع شبكة علاقاتها الداخلية والدولية.
ليست هذه الأحداث وليدة اللحظة، وكأن الزمن يعيد نفسه ملحًا على زيادة القهر الذي يعيشه هذا البلد الواقع تحت أزمات يتداخل في تشكيلها سوء إدارة الحكومات المتعاقبة على حكمه، والكوارث الطبيعية التي تعرّض لها، إضافةً إلى التاريخ الاستعماري الذي استنزف البلاد خلال قرون استعمارها وبعدها، إذ تعرضت هايتي لواحدة من أكبر عمليات النصب والاحتيال الاستعماري في التاريخ عندما فرض الفرنسيون على حكومة الجمهورية الوليدة عام 1804 فدية ثقيلة مقابل الاستقلال، ما أوقعها لعقود في أزمة ديون فقّرت اقتصاد البلاد وشعبها، وهذا عدا عن الإنهاك الإيكولوجي الذي مارسه الاستعمار (الإسباني والفرنسي بعده) على أراضيها باستغلاله المجحف لمواردها الطبيعية.
رغم كل هذه الأحداث، إلا أننا لا نعرف سوى القليل عن هذا البلد وتاريخه، ربما بسبب المسافة الجغرافية، مع أن هذه المعرفة عبرة مضافة لمعرفتنا المسبقة بما يعنيه استمرار التداعيات الاستعمارية على بلد ما، كما تسعفنا في فهم الواقع الهايتي المعاصر في ظل سيطرة الفقر والإجرام على مناحي الحياة فيه أيضًا. ولهذا الغرض، تحاور "ميغازين" الباحث المختص في الشأن الهايتي، والأستاذ المبرز في جامعة السوربون بباريس جان ماري ثيودا.
- أستاذ جان ماري ثيودا، شكرًا على قبولكم دعوتنا. لا أخفيكم أن القليل من قرائنا العرب يعرفون ما يحدث في هايتي، والمعاناة التاريخية التي عاشتها البلاد، فهلّا أعطيتمونا نظرة عن الوضع هناك؟
يسعدني أن أجيب على أسئلتكم وأن أخاطب الجمهور اللطيف الذي تمثلونه، وقراءكم بالتحديد. إذن، الأزمة الهايتية تدعونا للتفكير من عدة جوانب، فهي أزمة بيئية لأن هايتي واحدة من البلدان التي ستعاني، وتعاني الآن بالفعل، من التغير المناخي بشكل شديد، حيث شهد هذا البلد تدهورًا بيئيًا وتصحرًا على مدار أكثر من 200 عام. ومع كثافة سكانية تفوق 400 ألف نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، فإن هايتي تُعتبر بلدًا على حافة الانهيار.
وهناك أيضًا الأزمة اقتصادية، إذ تعتبر هايتي أفقر دولة في منطقة الكاريبي وأفقر دولة في العالم الغربي بأكمله، مع وجود أكثر من 60% من السكان تحت خط الفقر. أما من الناحية المؤسسية، فإن البلاد تفتقر منذ ثلاث سنوات إلى سلطة شرعية على رأس الدولة عقب اغتيال آخر رئيس للجمهورية، جوفينيل مويس، عام 2021. ومنذ عام 2016، لم تُجرَ أي انتخابات سواء على المستوى التشريعي أو البلدي. وأخيرًا، تعيش هايتي أزمة اجتماعية مع اجتياح العصابات الإجرامية المسلحة للمجال العام وتنامي قوتها وسلطتها، وهو ما يضع البلاد في حالة من الفوضى والاضطراب. وبالتالي، يمكن القول إن هايتي تمثل بؤرة لكل المشاكل الكونية التي تتكالب على هذا البلد الصغير بشكل خاص.
- لنبدأ من مشكلة العصابات الإجرامية المسلحة التي مثّلت الحدث الأبرز في بلادكم خلال الأشهر الأخيرة بسعيها إلى الاستحواذ على السلطة ونجاحها بشكل نسبي في ذلك. ما الظروف التي ساهمت في صعود قوة هذه العصابات الإجرامية إلى الدرجة التي دفعتها للقيام بهذا التحرك؟
لفهم سيطرة العصابات على السلطة والحياة العامة في هايتي، يجب العودة إلى الوراء قليلًا، إلى حوالي ثلاثين عامًا، وبالضبط انتخابات عام 1995. فعند عودته إلى السلطة مجددًا بعد أن تعرض لانقلاب عسكري عام 1991، قام الرئيس المنتخب جان برتران بحل الجيش الهايتي، وهو ما يعني أنه اعتبارًا من تلك اللحظة فقدت الحكومة احتكار العنف الشرعي الذي كان يتيح لها ضمان الأمن العام داخل البلاد ومراقبة وضمان الحدود. في المقابل، ومنذ ذلك الحين، تم القيام بنوع من توزيع ذلك العنف الشرعي على المجموعات الخاصة والشركات الأمنية، والاعتماد على المرتزقة الذين أصبحوا أذرعًا مسلحة لسلطة تزداد استبدادًا، وقاموا بأفعال وحشية.
وبالتوازي مع هذه التطورات السياسية، شهدنا صعودًا لقوة ما يسمى بـ"الاقتصاد الخفي"؛ اقتصاد المخدرات الذي يبدأ من سلسلة جبال الأنديز ويمتد نحو السوق الأميركي، حيث أصبحت هايتي بذلك بوابة حقيقية بين مناطق الإنتاج الموجودة في أميركا الجنوبية، والمناطق الرئيسية للاستهلاك في فلوريدا أو كاليفورنيا في جنوب غرب الولايات المتحدة. وهكذا، وجدت دول مثل فنزويلا وكولومبيا وبنما والسلفادور وهندوراس وغواتيمالا، وكذلك المكسيك في الوقت الحاضر، نفسها تواجه تحديات هذه المافيا المنظمة، المافيا الكاريبية/الدولية، التي بالإضافة إلى تهريب الأسلحة والذخيرة والمخدرات، تشارك أيضًا في تهريب البشر؛ لأن العصابات التي تسيطر على الساحة العامة في هايتي تشارك أيضًا في عمليات الاختطاف وأخذ الرهائن، ولا تحرر ضحاياها إلا مقابل دفع فدية باهظة جدًا.
- تقصد أن رؤساء هايتي استخدموا هذه العصابات في قمع معارضيهم والنشطاء الحقوقيين؟
بالضبط، تم القيام بذلك. بل ويمكننا الحديث حتى عن تقليد سياسي دائم ومتكرر في هايتي؛ كان هذا هو الحال مع ميليشيات "تونتون ماكوت" الشهيرة (قوة شبه عسكرية أسسها الدكتاتور الهايتي فرانسوا دوفالييه الشهير بـ "بابا دوك")، التي هي في الواقع مجرد عصابة منظمة من قبل السلطة.
لقد كانت البلاد تقاد بقانون العصابات منذ حكم دوفالييه من عام 1957، وبعده حتى 1986 تقريبًا. ثم تكرر الوضع مع العسكريين عندما قاموا بانقلاب في عام 1991، واستحوذوا على السلطة حتى عام 1994، مع المجموعات المسلحة الشهيرة "زينغندو" التي كانت تابعة للجيش وأغرقت الأحياء الشعبية المؤيدة للديمقراطية بالدماء.
ومنذ التسعينيات، لجأت الحكومات المختلفة أيضًا إلى خدمات العصابات المسلحة التي انتهت بإفساد كامل الحياة العامة. في الواقع، عندما لا تكون شرعية السلطة قائمة على أسس ديمقراطية، فإن العنف والقوة هما اللذان يتوليان القيادة. وعندما تصبح القوة هي المبرر الرئيسي للسلطة، تختفي أي حدود أو حواجز في وجه الوحشية، ووسط هذا تكون العصابات واللصوص في موقف قوة.
- كيف انعكس هذا على الوضع الحاضر؟
يجب اعتبار أن أرييل هنري، رئيس الوزراء، وجيمي شيريزير، الزعيم الرئيسي للعصابات، هما وجهان لعملة واحدة، بمعنى أنهما يمثلان نفس الانحراف في السلطة. فمن جهة، هناك رئيس وزراء فاقد للشرعية، مغتصب، لا يملك المهارات ولا العلاقات اللازمة لإفهام الناس صعوبة الوضع الحالي، ولذلك نعتبره "بلطجي بربطة عنق". ومن جهة أخرى، هناك بلطجي مسلح يعبّر عن كاريكاتورية الوضع الحالي لسلطة مغتصبة من خلال العنف المباشر والفج تمامًا. إذن، ماذا يمكن أن نتوقع من هذا؟ كل شيء سيئ.
ومن الناحية الدولية، يجب أن ندرك أن هايتي ضحية منعطف خطير دفعت نحوه بشكل متزايد السلطة التي أصبحت أكثر غرورًا، أكثر وحشية، وأكثر اصطناعية. وإذا كنا اليوم في مواجهة مثل هذا الوضع، فذلك لأن العالم الذي كان في البداية عالمًا ثنائي القطب، ثم أصبح عالمًا أحادي القطب مع الولايات المتحدة، بات الآن بلا مرجعيات، وبلا مبادئ، بحيث أصبح الأمر أشبه بقانون الغاب: الأقوى والأفضل تسليحًا والأكثر غرورًا ووحشية، هو الذي يفرض رأيه.
- تورد عدة تقارير وتحقيقات أن معظم الأسلحة في أيدي العصابات الهايتية مصدرها من الولايات المتحدة. بالتالي، هل يمكننا القول إن واشنطن متورطة بما يقع في هايتي؟
لنقلب الفكرة قليلًا؛ لو كانت معظم الأسلحة المنتشرة في هايتي تأتي من كوبا، لكان الجميع قد وجَّه أصابع الاتهام إلى الحكومة الكوبية، قائلين: إن كوبا تتحمل مسؤولية الفوضى التي تحدث. لكن في الواقع، جميع الأسلحة المتداولة في هايتي أميركية الصنع، وكذلك الذخيرة. نحن نعلم تمامًا كيف تصل هذه الأسلحة إلى البلاد، ونعلم أيضًا أن في الاتجاه المعاكس، تُعاد المخدرات على متن السفن التي تصل إلى فلوريدا بشكل خاص.
لذلك، ما لم يكن المرء أعمى أو عاجزًا تمامًا، فيمكنه القول إن الحكومة الأميركية تتحمل مسؤولية ضمان شفافية العلاقات مع الدول المجاورة، وخاصة مع دولة ذات رمزية مهمة مثل هايتي. وبالحد الأدنى، يمكننا القول إن الحكومة الأميركية مسؤولة عن عدم تقديم المساعدة لشعب في خطر. وهذا يُعد تورطًا غير مباشر، إذ إن عدم القيام بأي شيء لمنع تهريب المخدرات والأسلحة والذخيرة إلى هذا البلد العزيز يُعدّ تواطؤًا ضمنيًا.
- لننتقل الآن إلى موضوع آخر، لقد أشرتم في مطلع حديثكم إلى الأزمة الإيكولوجية التي تعيشها هايتي، وربطتم ذلك بالتاريخ الاستعماري للبلاد. هل يمكن أن توضحوا لنا ذلك الرابط وتجلياته في الأزمة الإيكولوجية الحالية؟
خلال الغزو الإسباني في عام 1492، كانت الجزيرة (عُرفت آنذاك باسم هايتي) مغطاة بنسبة 90% بالغابات، وتسكنها شعوب مسالمة للغاية تعيش في جميع أنحاء الأرخبيل، لها ثقافة وحضارة راقية جدًا طورتها بنفسها. وبعد خمسين عامًا فقط من وصول الحملات الإسبانية، أصبحت الجزيرة تحت سيطرتهم المحكمة، حيث تم استعباد شعبها وتدمير أراضيها بالرعي الجائر. وبالإضافة إلى ذلك، تم القبض على الحكام الشرعيين وإعدامهم، مثل الملكة دياكونا آخر ملكات البلاد التي أُعدمت شنقًا. وبالتالي، يمكن القول إن الإسبان قاموا بإبادة شاملة في هايتي.
ومنذ القرن السابع عشر، قُسمت الجزيرة إلى جزئين حيث سيطر الإسبان على جزء والفرنسيون على الجزء الآخر، وقاموا بتطوير اقتصاد قائم على زراعة السكر باستخدام العبيد الذين جُلبوا من القارة الإفريقية. ويقدر أن أكثر من 12 مليون إفريقي قد نُقلوا إلى مزارع البرازيل، وكوبا، وجامايكا، وسانتو دومنغو، وبطبيعة الحال إلى الولايات المتحدة، حيث عملوا في المزارع لخدمة أسيادهم البيض. وضمن إطار هذا الاقتصاد الزراعي، بعد قصب السكر، شهدت البلاد أيضًا ازدهارًا في اقتصاد القهوة والكاكاو، وكل هذه الزراعات قامت على إزالة الغابات بشكل شبه كامل في تلك المنطقة من الجزيرة، لتحل محلها المزارع والمحاصيل.
بحلول إعلان استقلال هايتي في 1804، كانت الجزيرة قد فقدت تقريبًا كل غاباتها بسبب هذا الاقتصاد الاستعماري. واليوم، بعد 220 عامًا، ازداد عدد سكان الجزيرة بشكل هائل، حيث انتقلنا من 500.000 نسمة إلى حوالي 12 مليون نسمة، مما يعني أن عدد السكان تضاعف عشرين مرة أو أكثر خلال قرنين فقط. والضغط الديموغرافي اليوم كبير لدرجة أن حوالي 1% فقط من أراضي هايتي ما زالت مغطاة بالغابات، بعد أن كانت تغطي 90% منها. لذلك يمكننا الحديث، كما يقول الجغرافي "دايموند"، عن انهيار بيئي.
علاوة على ذلك، تعاني هايتي تعاني من تدهور بيئي وتواجه تحديين رئيسيين: الأول هو تكرار الأعاصير التي أصبحت أكثر عنفًا، مما يؤدي سنويًا إلى أضرار تُقدر بآلاف الدولارات لكل عائلة في البلاد. والثاني هو التهديد الزلزالي، حيث تقع هايتي على صدع جيولوجي خطير، وكان زلزال 12 كانون الثاني/يناير 2010، الذي أودى بحياة 300,000 شخص، بمثابة تذكير دائم بالخطر الزلزالي. هذا يوضح أن هايتي بلد شديد الهشاشة، مع عدد سكان فقير وكبير، يتعرضون أيضًا لعنف العصابات والجماعات الإجرامية.
- سيد جان ماري، عدا هذا الجانب الإيكولوجي، كيف تستمر أضرار التاريخ الاستعماري في إثقال كاهل المواطن الهايتي إلى اليوم؟
في نهاية حرب تحرير استمرت أكثر من عشر سنوات، استقلت هايتي لتصبح أول جمهورية للسود في العالم تنال استقلالها على أنقاض اقتصاد استعبادي واستعماري. كما كانت أول دولة في العالم الجديد، باستثناء الولايات المتحدة، تعلن استقلالها. ومع كل هذا، اضطرت هايتي إلى الانتظار نحو 20 عامًا تقريبًا حتى تعترف فرنسا بهذا الاستقلال في حدود عام 1825، مشروطًا بدفع فدية قدرها 150 مليون فرنك ذهب. واستغرق الأمر أكثر من قرن حتى تمكن البلد من سداد هذا المبلغ، وهو ما يمثل مفارقة غريبة في التاريخ، حيث دفع المنتصر (في حرب التحرير) تعويضًا للمهزوم. يشبه هذا ما لو كانت الجزائر قد اضطرت بعد 21 عامًا من حرب الاستقلال، أي في عام 1983، لدفع تعويض لأحفاد "الأقدام السوداء" (لقب يطلق على المستوطنين الفرنسيين في الجزائر) الذين غادروا البلاد بعد الاستقلال.
عندما ننظر إلى هذا الأمر بأثر رجعي، نجد أن هذه الفدية كانت غير عادلة تمامًا، وكانت سببًا أساسيًا في تدهور الاقتصاد الهايتي، إذ كان الفلاحون الهايتيون، لمدة 125 عامًا، مجبرين على العمل بجد لإنتاج الثروات ودفع الضرائب لكي تتمكن البلاد من سدادها. والأسوأ من ذلك، بما أن هايتي لم تكن تملك الموارد المالية اللازمة لدفع 150 مليون فرنك ذهبي لفرنسا، أنها اضطرت لاقتراض المال من البنوك الفرنسية لدفع المبلغ لفرنسا نفسها! هذا يعني أن هايتي تحولت إلى مستعمرة مالية جديدة لفرنسا، التي كانت قد خسرت سيطرتها العسكرية عليها بعد هزيمتها في معركة فيرتيير في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 1803.
وبالتالي، أثرت هذه الديون الاستعمارية على كامل تاريخ هايتي الاقتصادي والاجتماعي منذ القرن التاسع عشر. ونظرًا لاضطرارها إلى دفع فدية ضخمة كهذه، لم تتمكن الدولة الهايتية من القيام بالاستثمارات اللازمة في مجال الرعاية الصحية والبنية التحتية والخدمات العامة للسكان، ما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد بينما كان الاقتصاد الفرنسي ينعم ويزدهر. هذا جزء من العلاقة السامة بين الاقتصاد الهايتي والبنوك الخاصة الفرنسية التي راكمت أرباحها على حساب هذه الجمهورية الصغيرة في الكاريبي.
- هل يمكننا القول بأن التدخل القوى الاستعمارية، كالولايات المتحدة أو فرنسا، في الشأن الهايتي اليوم، يزيد من تأزيم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني للبلاد؟
ما يجب التأكيد عليه هو أن القوى الاستعمارية السابقة لا تزال هي التي تسيطر على الأوضاع في هايتي من خلال ما يسمى "مجموعة أصدقاء هايتي"، والتي تضم الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، كندا، وبعض الدول مثل البرازيل، بالإضافة إلى بعض المنظمات غير الحكومية. هذه الأطراف تستمر في إبقاء هذا البلد تحت سيطرة استعمارية بشكل غير مباشر، بمعنى أن السلطات الهايتية لا تستطيع فعلاً اتخاذ قراراتها بحرية تامة فيما يتعلق بتوجهاتها السياسية أو علاقاتها الدولية.
على سبيل المثال، لو كانت هايتي دولة حرة ومستقلة بالكامل، كان من الممكن أن تلجأ إلى كوبا للحصول على الدعم المادي واللوجستي اللازم لحل مشكلة العصابات. لكن هذا الأمر غير وارد اليوم، لأن كوبا لم تُدعَ أبدًا إلى طاولة المفاوضات الجيوسياسية.
من المهم أيضًا ملاحظة أن العصابات تعمل وفق نمط يذكرنا بنظام المستعمرين، أي أنهم يستولون على الأراضي، يستغلون الفرص، يجمعون الثروات دون أي نوع من إعادة التوزيع أو دفع الضرائب للدولة، ودون أي اعتبار للمصلحة الوطنية العامة. إنه مبدأ "كل شخص يعمل لصالح لنفسه"، أي: قانون الغاب وأخلاق الأقوى. ومن هذه الزاوية، يمكن القول إن هايتي، التي كانت أول دولة تقف ضد النظام الاستعماري، تعيش اليوم، للأسف، عودة قوية لأساليب الاستيلاء الاستعماري على الأرض والشعب، وتدفع ثمنًا باهظًا نتيجة ذلك.