أريان أمنيمويانيس

أريان أمنيمويانيس: فلسطين أحيت النضال المناهض للإمبريالية في الجامعات الفرنسية

8 أكتوبر 2024

أحيت باريس الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة بمسيرة تضامنية ضخمة، يوم السبت 5 تشرين الأول/أكتوبر. وشارك في المسيرة مئات المحتجين تلبيةً لدعوات عدة منظمات حقوقية وسياسية بينهم عدد من الشبان وطلاب الجامعات. وهذه ليست المرّة الأولى التي يشارك فيها الشباب بهذه الكثافة في فعاليات تضامنية مع الشعب الفلسطيني في فرنسا، إذ لعبوا منذ الأسابيع الأولى للحرب دورًا محوريًا في رفع الوعي بالقضية والنضال من أجلها بطرق مختلفة، بينها الاعتصام الذي نظّمه طلاب معهد الدراسات السياسية بباريس (Science Po) الذي دام لأسابيع. 

وفي المقابل، تعرض الطلاب لحملة قمع شرسة سواء من قِبل إدارات جامعاتهم أو من أجهزة الدولة بهدف إسكات أصواتهم. وتراوحت حدة هذا القمع من الفصل من الدراسة إلى الاعتقال والتهديدات، مرورًا باقتحام الشرطة للحرم الجامعي وتفرقة الأشكال الاحتجاجية باستعمال العنف.

يطرح ما سبق أسئلةً عدة حول خلفيات هذا القمع، وأسباب دفاع الحكومة الفرنسية المستميت عن إسرائيل، وكيف ارتبطت القضية الفلسطينية بالنضال الطلابي في فرنسا، وبالساحة السياسية الفرنسية عمومًا. 

للحديث عن كل هذا وأكثر، تستضيف "ميغازين" أريان أمنيمويانيس، الناطقة باسم منظمة "Poing Levée" (القبضة المرفوعة)، القطاع الطلابي لحزب "الثورة الدائمة" اليساري الثوري في فرنسا. 

  • على مدار عام هذا العام الذي شهدت فيه فلسطين حرب إبادة جماعية إسرائيلية، كيف كان تفاعل الطلاب في فرنسا مع تلك الأحداث؟ 

منذ اندلاعها، على طول العام الماضي، تفاعل الطلاب في فرنسا بشكل واسع مع حرب الإبادة الجارية في قطاع غزة، وذلك عبر النزول إلى الشارع والمشاركة في المظاهرات التي دعت إليها المجموعات الفلسطينية أو الفرنسية المناصرة للقضية الفلسطينية في فرنسا، حيث شاركوا في هذه المظاهرات والتجمعات وكانوا جزءًا مهمًا من هذه الفعاليات التي استمرت على مدار العام. 

لكن المساهمة النوعية للطلاب في هذا الحراك تمثّلت في نشاطاتهم داخل الجامعات، حيث بدأوا بمناقشة شراكات الجامعات الفرنسية مع إسرائيل، أو الشركات التي تستفيد من الإبادة والاستعمار.

كما بدأنا بتنظيم اعتصامات داخل الجامعات واحتلال مرافقها، بالإضافة إلى تنظيم تجمعات طلابية لإحياء تقليد مناهض للإمبريالية، كان قويًا في فرنسا خلال ستينيات القرن الماضي، إذ انتشر بشكل كبير في الجامعات آنذاك، لكنه تراجع فيما بعد، على عكس ما حدث في الجامعات الأميركية.

لهذا السبب، ونتيجة تأثرهم بالحركة الطلابية في الولايات المتحدة، بدأ الطلاب في فرنسا بالتعبئة، وكانت البداية من معهد "Science Po" (معهد الدراسات السياسية بباريس)، ومنه انتشر إلى جامعات أخرى داخل البلاد، بما في ذلك جامعات النخبة مثل جامعة باريس الأولى، والسوربون التي أنشط فيها بدوري. هناك، رفض العديد من الطلاب أن يُستخدم عِلمهم ومهاراتهم لتحسين تكنولوجيا الأسلحة التي تساهم في أعمال التطهير العرقي أو احتلال الأرض الفلسطينية التاريخية، وغيرها من الجرائم. 

وبالتالي، كانت مطالب الطلاب تدور حول هذه النقطة المركزية المتعلقة بالشراكات، فبدأنا نشهد حراكًا طلابيًا مناصرًا لفلسطين يتشكل داخل الجامعات، خاصةً خلال شهر نيسان/أبريل، لكننا نظمنا طوال العام تجمعات وسهرات ومظاهرات، وكانت منظّمتنا في الصفوف الأمامية لهذه الفعاليات من أجل إظهار أن الجامعات متضامنة مع الشعب الفلسطيني ولسنا إلى جانب الإبادة.

  • ما هي التحركات التي قمتم بها في منظمة "Poing Levée" لدعم القضية الفلسطينية؟

في "Poing Levée" (القبضة المرفوعة)، وهي القطاع الشبابي لـ"حزب الثورة الدائمة"، المنظمة السياسية الثورية من أقصى اليسار الفرنسي، سعينا إلى إطلاق التعبئة لدعم الشعب الفلسطيني من خلال تشكيل لجان طلابية في كل جامعة نتواجد فيها. الهدف كان تمكين الطلاب من تبني هذا الحراك وتنظيمه من داخل حرم جامعاتهم، حتى نتمكن من تسليط الضوء على دور الحركة الطلابية في هذه التعبئة.

بناءً على هذا، قمنا منذ خريف وشتاء العام الماضي بتنظيم تجمعات تضامنية، بما في ذلك وقفة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في ساحة السوربون، تضامنًا مع الشعب الفلسطيني وضد الإبادة. تخللت الوقفة كلمات وشهادات ونقاشات وقراءات شعرية وإضاءة الشموع، وغيرها من الفعاليات.

ولقد اخترنا ساحة السوربون لمكانتها الرمزية، إذ كانت فيما مضى موقعًا للنضالات المناهضة للاستعمار وضد حرب فيتنام. لذلك أردنا لتعبئتنا من أجل قضية فلسطين أن يكون امتدادًا لهذه التقاليد المناهضة للإمبريالية والاستعمار، والذي نطمح إلى إحيائها داخل الجامعات، وذلك بتنسيق مع طلاب آخرين من اللجان الفلسطينية.

وفي سياق التعبئة الطلابية الدولية في الربيع، ركزنا على تشكيل تنسيقات طلابية لمواجهة القمع الذي كان يستهدف الطلاب الناشطين في الجامعات، حيث شهدت تلك الفترة اعتقالات واحتجازات عديدة، وفي بعض الحالات محاكمات. وبفضل عدد من المحامين والحقوقيين، نجحنا في تشكيل جبهة دفاع جماعية لحماية الطلاب، وتجنب إمكانية أن تؤدي الضغوط والخوف من القمع إلى كسر الحراك الطلابي، كما لوضع حد لقمع الإدارات الجامعية والحكومة لأصوات أولئك الذين يدينون الإبادة.

وهنا أود إيضاح أمر مهم، وهو أننا في منظمتنا ندافع عن الحقوق الديمقراطية في الجامعة، خاصةً الحق في التعبير بحرية عن الإبادة الجماعية وانتقاد ما تقوم به حكومتنا. لذا نطالب بإنهاء الملاحقات التأديبية لجميع الطلاب، وإيقاف الملاحقات القضائية لكل من يدعم الشعب الفلسطيني، والعفو عن جميع المدانين، إضافةً إلى استقبال جميع الطلاب الفلسطينيين واللبنانيين الذين يفرون من الحرب في جامعاتنا.

  • ما المشاكل التي واجهتكم وهل تعرضتم للقمع؟ 

كما ذكرت في إجابتي السابقة، كان هناك قمع شديد لأن الحكومة وإدارات الجامعات في فرنسا دخلوا في حالة قصوى من التوتر خوفًا من عودة التقاليد المناهضة للإمبريالية في الجامعات الفرنسية. وبالتالي، يتم اتخاذ كل التدابير لمنع أي انتقاد للإبادة في قطاع غزّة داخل حرم الجامعات. وقد انتشرت مذكرات وتعاميم من الوزارة، خاصةً هذا الأسبوع، تدعو بشكل ضمني إلى قمع الأصوات المتضامنة مع القضية الفلسطينية.

تحاول الحكومة الفرنسية، منذ سنوات وحتى قبل الأحداث الجارية، القضاء على أي انتقاد لدولة إسرائيل، وهو توجه لحكومة ماكرون منذ عام 2018، ما أدى إلى خلق مناخ من الرقابة وقمع الحريات يستهدف بشكل خاص الحراك الطلابي. ومن جهة أخرى، تستغل الجامعات قمع الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية لتوسيع نطاق القمع ليشمل جميع أشكال المعارضة للنظام والسياسات الحكومية.

وعلى مستوى الحراك الطلابي بصورة عامة، جرى اعتقال العديد من الطلاب وإخراجهم بالقوة من الجامعات، بمن فيهم العديد من رفاقنا في "Poign Levée" الذين تعرضوا للاعتقال والاستجوابات البوليسية على خلفية نشاطهم. أضف إلى ذلك أن الشرطة بدأت تتدخل في الجامعات الفرنسية وتقتحمها لتفكيك المخيمات المؤيدة لفلسطين، وهو أمر خطير للغاية لأنه ليس من حق الشرطة الدخول إلى حرم الجامعات، وهذا متعارف عليه منذ العصور الوسطى في فرنسا، هو تقليد يعود إلى 800 عام، ومكسب تاريخي للحركة الطلابية يتم اليوم الاعتداء عليه تدريجيًا.

  • ما خلفيات هذا القمع؟ وما العلاقات التي تربط الجامعات الفرنسية بإسرائيل؟ 

السبب وراء هذا القمع يعود إلى رغبة عامة في إسكات أصوات المعارضة السياسية في الجامعات، مع تزايد عنف وصرامة النظام، ذلك أنه يفتقر إلى القدرة على تحقيق إجماع شعبي على سياساته. لكن فيما يخص القضية الفلسطينية، هناك مصالح عميقة مشتركة مع إسرائيل داخل الجامعات، ولهذا يتم منعنا باستمرار في مجالس إدارة الجامعات من تمرير قرارات تدعو إلى استقبال الفلسطينيين اللاجئين، أو تندد بالإبادة الجماعية، أو بالشراكات التي تربط هذه الجامعات مع إسرائيل.

وفي الواقع، معظم جامعاتنا لديها شراكات إما مع جامعات إسرائيلية كالجامعة العبرية وجامعة تل أبيب، أو مع شركات سلاح مثل "تاليس" و"داسو" التي تقوم بتزويد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة. هذه الشراكات توفر للحكومة والاتحاد الأوروبي العديد من الفوائد في مجالات التكنولوجيا، والمراقبة، والهندسة التي تُستخدم لخدمة سياساتهم الخاصة.  وعلى سبيل المثال، قدّم الجيش الإسرائيلي نصائح للحكومة الفرنسية حول كيفية قمع الاحتجاجات التي وقعت في صيف 2023. هذه التبادلات بين فرنسا وإسرائيل تمر عبر الجامعات، وهم يسعون لحماية هذه المصالح.

  • سؤال أخير، كيف تربطون القضية الفلسطينية بما يقع في فرنسا من أحداث سياسية؟ ومن وجهة نظركم، كيف تتورط الطبقة السياسية الحاكمة في فرنسا فيما يقع من إبادة في غزة ولبنان؟

أعتقد أن العلاقة بين السياسة في فرنسا والقضية الفلسطينية تتجسد في أزمة الإمبريالية الفرنسية. ففرنسا، من خلال دعمها غير المشروط لإسرائيل، تسعى أيضًا إلى منع قوتها الإمبريالية من التهاوي، خاصةً مع ما يحدث من إعادة النظر في نفوذها التقليدي في مناطق مثل "فرانس أفريك" (مناطق النفوذ الفرنسي في إفريقيا ما تحت الصحراء) وأقاليم ما وراء البحار التي كانت مستعمرات سابقة، مثل كاليدونيا الجديدة ومارتينيك، حيث تتطلع الشعوب هناك إلى الاستقلال وتحسين ظروف معيشتهم، بينما تتعامل فرنسا مع سكانها بطريقة استعمارية من خلال فرض حظر التجول ونشر الجيش، بالإضافة إلى الأسعار والتضخم المرتفعين مقارنة بباقي أقاليم البر الفرنسي. وهذا هو ما تحاول فرنسا الحفاظ عليه من خلال القمع الشديد ودعمها الكبير لإسرائيل.

الكلمات المفتاحية

الأكثر قراءة

1

حكاية سيد درويش.. الحب والثورة والزوال

اعتُبر سيد درويش مخلّصًا للأغنية المصرية من عجمتها التركية، وقال البعض إنه أعاد الموسيقى إلى أصلها العربي كما كانت في زمن الخلافة العباسية

2

كل شيء رائحة.. العطور العربية في حياتها وموتها

تحدّث الرومان واليونانيون قديمًا بإعجاب عن بخور وطيوب سبأ، لدرجة أنهم وصفوا سكانها بأنهم من أثرى شعوب العالم، وأنهم يأكلون في أوعية من الذهب، ويسكنون بيوت فارهة

3

من يمتلك الإنترنت؟

تقول ولادة شبكة الإنترنت الكثير من ناحية تحولها إلى مجال للسيطرة والربح، خصوصًا حين نضع نصب أعيننا أنها استراتيجية اتصالية أميركية

4

"يا ما في الجراب يا حاوي".. الحواة من إبهار الشارع إلى شاشات التليفزيون

لم يكن الحواة فئة طارئة على المجتمع المصري، فقد تواجدوا في الشوارع والميادين العامة منذ القرن التاسع عشر الميلادي

5

طيف جيم كرو الذي لم يغادر الولايات المتحدة

أضفت قوانين جيم كرو شرعية قانونية على سياسة الفصل العنصري، وساهمت في ترسيخ ثقافة فوقية تضع السود في مرتبة أدنى من البيض، وتعزز العنف الممنهج ضدهم

اقرأ/ي أيضًا

الشاعر والروائي المصري علاء خالد

علاء خالد: للهزيمة والموت وقع بطولي

يستعرض علاء خالد في هذا الحوار علاقته بمدينتي الإسكندرية والقاهرة، ورؤيته للحياة الثقافية فيهما، والاختلاف بينهما في كيفية استيعابهما للماضي والحاضر

آية السمالوسي

جان ماري ثيودا
جان ماري ثيودا

جان ماري ثيودا: هايتي بؤرة لكل المشاكل الكونية

يشرح جان ماري ثيودا في هذا الحوار ما يحدث في هايتي منذ محاولة مجموعة من العصابات الإجرامية الاستيلاء على السلطة

سفيان البالي

هاني الديب

هاني الديب: شادية أجمل مطربة مثلت وأجمل ممثلة غنت

يتحدث هاني الديب في حواره مع ميغازين عن رحلته في الكتابة عن الفنانة المصرية شادية، حيث نقّب في تلال من المصادر لأجل توثيق مشوارها الفني

محب جميل

فرنسيس كومب

فرنسيس كومب: أكتب ضد ما يرعبني

يؤكد فرنسيس كومب في أعماله الشعرية ونشاطاته المختلفة على انتمائه للتغيير وللشعوب المقهورة، وأصدر مؤخرًا مختارات بالفرنسية عن غزة

فريق التحرير

خوسيه سارّيا

خوسيه ساريّا: أنا شاعر أندلسي

يتحدث ساريا في هذا الحوار عن علاقته بالشعر، والتجارب المؤثرة في تشكيل توجهه الشعري، وحضور الإرث الثقافي للأندلس في تجربته الشعرية

فريق التحرير

المزيد من الكاتب

سفيان البالي

كاتب وشاعر مغربي

جان ماري ثيودا: هايتي بؤرة لكل المشاكل الكونية

يشرح جان ماري ثيودا في هذا الحوار ما يحدث في هايتي منذ محاولة مجموعة من العصابات الإجرامية الاستيلاء على السلطة

من النهر إلى البحر.. ساحات الحراك الشعبي الفرنسي لأجل غزة

تنوعت الرسائل على اللافتات التي حملها المتظاهرون بين الدعوة إلى إيقاف الإبادة، واتهام الرئيس إيمانويل ماكرون بأنه شريك إسرائيل في سفك دماء الفلسطينيين واللبنانيين