تغير المناخ

مفارقات الطبيعة: الاقتصاد الذي دمّر المناخ سيدمّره المناخ

20 سبتمبر 2024

يشير تغيّر المناخ إلى ظاهرة طويلة الأمد تشمل تغيّرات كبيرة في درجات الحرارة وأنماط الطقس. وترجع هذه الظاهرة بشكل أساسي إلى الأنشطة البشرية، خاصةً في قطاعات الصناعة والنقل وإنتاج الطاقة التي تزيد من تركيز الغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2) والميثان (CH4)، في الغلاف الجوي للأرض، حيث تشكّل هذه المواد طبقة تغلّف كوكب الأرض وتمنع نفاذ أشعة الشمس المنعكسة عن اليابسة والمحيطات خارج الغلاف الجوي، مما يتسبب باحتجاز الحرارة بالقرب من سطح الأرض، وبالتالي زيادة درجات الحرارة وتغيّر أنماط المناخ على المدى الطويل.

وأدى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، منذ عهد الثورة الصناعية منتصف القرن التاسع عشر، إلى زيادة معدلات الغازات الدفيئة على مستوى العالم. وبحسب تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC)، فقد تسببت الأنشطة البشرية في احترار عالمي بمقدار 1.1 درجة مئوية تقريبًا فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، ومن المرجح أن يبلغ الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية بين عامي 2030 و2052 إذا ما استمر في الزيادة بالمعدل الحالي.

اقتصاد مهدَّد في مناخ متغيّر

ووجدت دراسة نُشرت في مجلة "نيتشر" في 24 حزيران/يونيو الفائت، أن تغيّر المناخ الناجم عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الموجودة بالفعل في الغلاف الجوي، سيؤدي إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2050 بنحو 38 تريليون دولار أميركي، بغض النظر عن مدى قوة البشرية في خفض التلوث الكربوني.

وتُظهِر الدراسة أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تغيّر المناخ يمكن أن تزيد عشرات التريليونات من الدولارات سنويًا بحلول عام 2100، إذا ارتفعت درجة حرارة الكوكب بشكل ملحوظ بما يتجاوز درجتين مئويتين فوق مستويات منتصف القرن التاسع عشر.

واستخدمت الدراسة النتائج التجريبية الحديثة المستقاة من أكثر من 1600 منطقة في جميع أنحاء العالم، على مدار الأربعين عامًا الماضية، لتقدير الأضرار العالمية الناجمة عن تقلبات درجات الحرارة وهطول الأمطار، بما في ذلك التقلبات اليومية والظواهر المتطرفة. ومن المتوقع أن تظل الخسائر الفادحة - وهي أعلى بكثير من التقديرات السابقة - مؤثرة بالفعل في الاقتصاد العالمي على مدى العقود المقبلة نتيجة للانبعاثات الهائلة التي تم ضخها إلى الغلاف الجوي من خلال حرق الغاز والنفط والفحم وإزالة الأشجار.

ومن شأن ذلك أن يلحق أضرارًا جمّة بكل دولة من دول العالم تقريبًا، مع تأثير شديد بشكل غير متناسب على أولئك الأقل مسؤولية عن اضطراب المناخ، مما يؤدي إلى تفاقم فجوة التفاوت القائم في العالم.

الفقراء أكثر الفئات تأثرًا بتداعيات التغيّرات المناخية
الفقراء أكثر الفئات تأثرًا بتداعيات التغيّرات المناخية (يونيسف/ ميغازين)

وتقول الدراسة إن متوسط ​​خسارة الدخل الدائم في جميع أنحاء العالم سيصل إلى 19% بحلول عام 2049، مقارنةً بخط الأساس دون تأثيرات انهيار المناخ، وستكون في الولايات المتحدة وأوروبا حوالي 11%، بينما تصل في أفريقيا وجنوب آسيا إلى 22%، مع خسائر تتخطى ذلك بكثير في بعض البلدان.

ونظرت الدراسة أيضًا في النصف الثاني من هذا القرن، حيث يمكن لاستمرار الأنشطة البشرية الآن أن تحدث فرقًا كبيرًا. وإذا استمرت الأمور كالمعتاد، يتوقع الباحثون أن يتجاوز متوسط ​​خسائر الدخل 60% بحلول عام 2100. لكن إذا انخفضت الانبعاثات إلى الصفر الصافي بحلول منتصف القرن، فإن انخفاض الدخل قد يستقر بحلول منتصف القرن عند نحو 20%.

وستكون تكلفة خفض الانبعاثات، بحسب الدراسة، أقل بكثير من عدم القيام بأي شيء وقبول تأثيرات أكثر خطورة. وتقدّر تكاليف التخفيف، مثل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري واستبداله بمصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050، بنحو 6 تريليون دولار. وهو أقل من سدس تكاليف الأضرار المتوقعة لذلك العام، التي ستبلغ 38 تريليون دولار.

تأثيرات وتداعيات تغيّر المناخ

يؤدي تغيّر المناخ إلى تغيّر أنماط الطقس وزيادة تواتر وشدة الظواهر الجويّة المتطرفة مثل الأعاصير والفيضانات، وموجات الجفاف، وحرائق الغابات. ومن شأن هذه الظواهر التأثير بشكل كبير على المجتمعات وتدمير البنى التحتية والنظم البيئية. كما يهدد ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة ذوبان الجليد القطبي والتمدد الحراري لمياه المحيطات بغرق المدن الساحلية والمناطق المنخفضة وتآكل شطآنها.

وسيترتب على ما سبق تداعيات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك خسائر في الزراعة وتقلبات في إنتاج المحاصيل، ما يؤدي إلى تهديد الأمن الغذائي وزيادة أسعار الغذاء، عدا عن زيادة تكاليف الرعاية الصحية حيث يمكن أن يزيد ارتفاع درجات الحرارة من انتشار الأمراض، مثل الملاريا وحمى الضنك، وتحفيز ظهور وتطور أنواع جديدة من الفيروسات والبكتيريا.

وعلى العكس من المجتمعات/الدول الغنية الغربية، ستكون الفئات الأكثر ضعفًا والمجتمعات الفقيرة عمومًا أكثر تأثرًا بالتغيّر المناخي، وأقل قدرة على التكيّف مع آثاره وتداعياته الاقتصادية.

الزراعة هي الأكثر تضررًا

يمثل الإجهاد الناتج عن الجفاف وضعًا خطيرًا بالنسبة للزراعة في سياق تغيّر المناخ والتزايد المستمر لسكان العالم، إذ تؤدي ظروف الجفاف الشديدة إلى تقليل إنتاجية المحاصيل من خلال التأثير سلبًا على نمو النباتات وتكاثرها. على سبيل المثال، يعد الحُمّص من أهم البقوليات الغذائية ذات الأهمية الاقتصادية، كما أنه مصدر مهم للبروتينات، ويُزرع في أكثر من 50 دولة في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأستراليا وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية، إلا أن الإجهاد الناجم عن الجفاف في جميع أنحاء العالم  يؤدي إلى انخفاض إنتاجية هذا المحصول بحوالي 45-50%.

وقد يؤثر تغيّر المناخ على إنتاج الذرة والقمح في وقت مبكر من عام 2030 في ظل سيناريو ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة. ووفقًا لدراسة جديدة لوكالة "ناسا"، فإنه من المتوقع أن تنخفض غلّات محاصيل الذرة بنسبة 24%، في حين أنه من المحتمل أن يشهد القمح نموًا بنحو 17%.

وباستخدام النماذج المناخية والزراعية المتقدمة، وجد العلماء أن التغيّر في إنتاج المحاصيل يرجع إلى الزيادات المتوقعة في درجات الحرارة، والتحولات في أنماط هطول الأمطار، وارتفاع تركيز ثاني أكسيد الكربون السطحي الناتج عن انبعاثات الغازات الدفيئة التي يسببها الإنسان، وكلها تغّيرات تزيد من صعوبة زراعة الذرة في المناطق الاستوائية، لكنها قد توسع نطاق زراعة القمح.

ووضعت دراسة حديثة أجرتها خدمة البحوث الاقتصادية التابعة لوزارة الزراعة الأميركية (ERS) نموذجًا لكيفية تأثير التغيّرات المرتبطة بالمناخ في درجات الحرارة وهطول الأمطار على إنتاجية الذرة وفول الصويا في المستقبل، وما سيعنيه ذلك بالنسبة للأسواق والتجارة خلال منتصف العقد المقبل. وتشير التقديرات إلى ارتفاع صادرات الذرة لكن بشكل طفيف وبمعدل بطيء، وانخفاض صادرات فول الصويا بأكثر من 1 بالمئة، ما يعني انخفاضًا إجماليًا للمحصولَين يصل إلى 256 مليون دولار بحلول عام 2036.

الآثار الاقتصادية لتغيّر المناخ

تبدو إذن الأضرار المادية والاقتصادية لتغيّر المناخ واضحة بالفعل. وإذا لم يكن العمل على منع هذه الأضرار كافيًا، فإن الضرر الذي سيلحق برفاهية الإنسان والاقتصاد سيزداد سوءًا ويصبح إصلاحه أكثر تكلفة. وعلى سبيل المثال، تترك الكوارث الطبيعية من أعاصير وموجات حر وظواهر طبيعية متطرفة أخرى، آلاف الأسر المشردة التي تضطر إلى النزوح أو الهجرة، ما يشكّل ضغوطًا اقتصادية إضافية على المجتمعات المضيفة.

ذوبان الجليد
يهدد ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة ذوبان الجليد القطبي بغرق المدن الساحلية والمناطق المنخفضة (Getty/ ميغازين)

ومن المتوقع أن يزداد عدد هذه الكوارث ونطاقها مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يؤدّي إلى خسائر واضحة في حياة الإنسان ورفاهيته، خاصةً أن لها تأثيرات على الاقتصاد تتجلى بطرق مباشرة في تضرر المساكن والطرق والمحاصيل، ما يؤدّي إلى تكبّد تكاليف فادحة لإعادة البناء وإجراء الإصلاحات، عدا عن انخفاض قيمتها.

إضافةً إلى ذلك، هناك تكاليف غير مباشرة قد يكون من الصعب قياسها، حيث يشهد النشاط الاقتصادي بعد وقوع كارثة ما، تباطؤًا بسبب انقطاع الأعمال، وتعطّل شبكات النقل والطرق التي غمرتها المياه أو الجسور المنهارة، وتعطّل سلاسل التوريد. كما تترك الكوارث المناخية آثارها أيضًا على الاقتصاد العام، سواء من خلال زيادة الدين الحكومي، أو التأثير سلبًا على أسواق الأسهم، أو انخفاضات في الناتج المحلي الإجمالي.

ضعف الإنتاجيّة

تؤثّر درجات الحرارة المرتفعة وزيادة تلوث الهواء على قدرة العمال على أداء وظائفهم، بل ويمكن أن تحدّ من ساعات عملهم، لذلك ستتلقى الإنتاجية ضربة شديدة إذا أصبحت هذه الأحداث أكثر تواترًا مع استمرار تغيّر المناخ.

فمن بين العديد من الآثار الضارة التي قد يحدثها كوكب أكثر دفئًا على البشرية، سيكون التأثير على إنتاجية العمال جليًا، إذ يرتبط التعرض لدرجات حرارة أكثر سخونة بالتأثير سلبًا على صحة الإنسان، وبالتالي تراجع صحة القوة العاملة.

يؤثر تغيّر المناخ على سلامة العمّال وصحتهم من خلال ارتفاع درجات الحرارة، والتعرض لأشعة الشمس، والتعرض لمسببات الأمراض، وتلوّث الهواء، والطقس القاسي. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وانخفاض جودة الحياة، وخسائر الإنتاج.

وبحسب المركز الأوروبي للمناخ والصحة، أدت التغيّرات في درجات الحرارة في أوروبا خلال الفترة ما بين 2016 و2019 إلى انخفاض بنسبة 0.98% في عدد ساعات العمل، مقارنةً بفترة خط الأساس ما بين 1965 و1994 في القطاعات عالية التعرض، مثل الزراعة والغابات والتعدين واستغلال المحاجر والبناء، إذ يؤدي الإجهاد الحراري المتزايد الذي يعاني منه العمال إلى تقليل كثافة العمل، ويتطلب فترات راحة إضافية للعمّال، ويؤدي في النهاية إلى خسائر في الإنتاجية وعواقب اقتصادية.

وعلى الرغم من أن تأثيرات الحرارة على إنتاجية العمل تكون أكبر في القطاعات الخارجية، إلا أن الخسائر يمكن أن تكون شاملة. وبحلول عام 2030، وبدون تدابير تخفيف المخاطر، من المقدر أن يؤدي الإجهاد الحراري إلى تقليل قدرة العمل البدني للعمال في الهواء الطلق في جنوب أوروبا في أشهر الصيف إلى 60٪ من القدرة القصوى.

وقد تتكيف بعض الشركات من خلال تكييف مساحة عملها بشكل أفضل، أو قد تدفع أجورًا أعلى لتعويض العمال عن المخاطر التي تواجههم، ما سيزيد من تكلفة الأعمال التجارية التي تنعكس بارتفاع سعر المنتجات للمستهلكين.

الرعاية الصحيّة

حظي ضعف أنظمة الرعاية الصحية أمام الصدمات البيئية باهتمام متزايد من قبل الباحثين، لا سيما الصدمات البيئية الأكثر شيوعًا مثل موجات الحر والفيضانات.

على سبيل المثال، تقدر إحدى الدراسات في ألمانيا، إلى أن الحرارة الشديدة تزيد بشكل كبير من حالات دخول المستشفيات والوفيات، وترتبط معظم هذه الحالات بتفاقم الأمراض المزمنة مثل أمراض الجهاز التنفسي أو القلب والأوعية الدموية.

ويشير معهد جامعة الأمم المتحدة للبيئة إلى أن الحرارة الشديدة مسؤولة عن 500 ألف حالة وفاة زائدة سنويًا على مدى العقدين الماضيين. وفي الوقت الحالي، يتعرض حوالي 30% من سكان العالم لدرجات حرارة قاتلة لمدة 20 يومًا على الأقل سنويًا، ويمكن أن ترتفع هذه النسبة إلى 74 % بحلول عام 2100.

وقدرت دراسة أوروبية أن أكثر من 61600 شخص لقوا حتفهم لأسباب تتعلق بارتفاع درجات الحرارة في 35 دولة أوروبية خلال الأشهر الأخيرة من صيف 2022، الذي كان الأكثر سخونة في أوروبا. 

وعلى المستوى العالمي، يمكن أن يؤدي ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2-3 درجات مئوية إلى زيادة عدد الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالملاريا بنسبة تصل إلى 5%، أو أكثر من 150 مليون شخص آخرين متضررين، وسيكون الإسهال أكثر انتشارًا، كما أن زيادة ندرة المياه سيكون لها تأثير على نوعية المياه والنظافة الصحية، وستكون النتيجة وفاة ما يقدر بنحو 48 ألف حالة وفاة إضافية بين الأطفال تحت سن 15 عامًا بسبب أمراض الإسهال بحلول عام 2030.

ومع تزايد عدد السكان المسنين وزيادة عبء الأمراض غير المعدية، فإن علاج هذه الصدمات يتطلب موارد مالية كثيفة، كما تتأثر بعض شرائح السكان بشكل غير متناسب، وغالبًا ما تحتاج الفئات الأكثر حرمانًا إلى رعاية في المستشفيات العامة، وهو ما يشكل المزيد من الأعباء الاقتصادية على أنظمة الرعاية الصحيّة.

السياحة في مناخ متغيّر

تشكّل السياحة موردًا اقتصاديًا هامًا تعتمد عليه الكثير من دول العالم، ويوفر هذا القطاع الحيوي فرص عمل كبيرة، ويعد مصدرًا أساسيًا للدخل في المناطق التي تتمتع بوجهات سياحية جاذبة. لكن صناعة السياحة والاقتصادات المعتمدة عليها السياحة معرضة بشدة أيضًا لتأثيرات ارتفاع درجات الحرارة.

وعلى الرغم من أن الطقس الحار هو ما يدفع الكثير من الناس لقضاء إجازة سياحية، لكن درجات الحرارة العالمية القياسية دفعت الكثيرين إلى البقاء في منازلهم، ما يثير تساؤلات حول نوع التأثير الذي يمكن أن تخلفه أزمة المناخ على قطاع السياحة، وعلى الاقتصادات المعتمدة على السياحة.

واضطرت اليونان، حيث تشكل السياحة 15% من ناتجها المحلي الإجمالي، إلى إجلاء أكثر من 2000 سائح بعد اندلاع حرائق الغابات في جزيرة رودس الصيف الماضي، واتخذت خطوة غير مسبوقة بإغلاق الأكروبوليس الذي يعد أهم معالمها السياحية، بعد أن وصلت درجات الحرارة إلى 45 درجة مئوية.

وفي إيطاليا، دفعت الحرارة بعض السائحين إلى العودة إلى أوطانهم قبل اكتمال عطلتهم صيف العام الماضي، بعد شعورهم بآلام شديدة في الرأس والساقين، إذ بلغت درجة الحرارة في جزيرة سردينيا بالبحر الأبيض المتوسط ​​44 درجة مئوية وفي روما 40 درجة مئوية، ما دفع وزارة الصحة إلى إصدار تنبيهات الطقس الحمراء في 20 مدينة من المدن الرئيسية الـ27 في البلاد.

ويشكل ارتفاع مستويات سطح البحر تهديدًا للمنتجعات الساحلية، كما أن ابيضاض المرجان وزيادة حالات الجفاف يؤثران بالفعل على إمكانات السياحة في مناطق كثيرة من العالم. و وبينما يشكل تغيّر المناخ تهديدًا للتنوع البيولوجي والموارد الطبيعية، فإن ازدهار القطاع السياحي يعتمد على القدرة على الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من هذه الموارد الطبيعية والحفاظ عليها.

يمكن لتغيّر المناخ أن يغيّر أنماط السياحة حيث من المرجح أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى سفر السياح في الربيع والخريف بدلًا من الصيف، فضلًا عن اختيار وجهات أكثر برودة.

نساء إفريقيات
ستكون المناطق الأكثر فقرًا في العالم الأكثر تضررًا من التغيّرات المناخية (يونيسف/ ميغازين)

ولن تكون الوجهات الشتوية السياحية بمنأى عن هذه التغيرات، إذ ستتأثر بدورها بتغيّر أنماط الطقس، ما سيؤدي إلى تراجع هطول الثلوج على المرتفعات إلى تراجع الرياضات الشتوية مثل التزلج على الجليد، وقد تلجأ المنتجعات الجليدية إلى الاعتماد على الثلوج المُصنعة، وغيرها من الحلول، التي ينتج عنها زيادة التكاليف وزيادة استهلاك الطاقة وارتفاع أسعار الخدمات.

كما تلحق الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات أضرارًا كبيرة بالوجهات السياحية والثقافية والتاريخية، عدا عن تعطيل الطرق والجسور ووسائل النقل التي تُعتبر ركائز أساسية في الصناعة السياحية.

تأثيرات أشد على الدول الفقيرة

تؤثر تغيّرات المناخ على جميع دول العالم، ولا يوجد بلد محصّن ضد هذه الآثار. وعلى الرغم من ذلك، فإن البلدان الأكثر فقرًا قد تعرضت على مدى العقد الماضي لنحو ثمانية أضعاف عدد الكوارث الطبيعية مقارنةً بما كان عليه الحال قبل ثلاثة عقود، مما أدى إلى زيادة الأضرار الاقتصادية بمقدار ثلاثة أضعاف.

تنتج البلدان ذات الدخل المنخفض عُشر الانبعاثات العالمية، لكنها الأكثر تأثرًا بتغيّر المناخ، ويعاني السكان الضعفاء في هذه البلدان من نتائج مدمرة في مجالات الصحة والغذاء والمياه والتعليم وغير ذلك، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية وضعف التمويل وعدم امتلاك التقنيات الحديثة من هذه الآثار، وتقلل فرص التكيف والاستجابة للأحداث الطارئة.

ويظهر تقرير للبنك الدولي أن تغيّر المناخ يشكل تهديدًا خطيرًا للفقراء في جميع أنحاء العالم، مع القدرة على دفع أكثر من 100 مليون شخص إلى الفقر مرة أخرى بحلول عام 2030. وستكون المناطق الأكثر فقرًا في العالم في جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا وجنوب آسيا، هي الأكثر تضررًا.

ولمنع تحول هذه الصورة القاتمة إلى حقيقة، يحتاج المجتمع الدولي إلى الاعتراف بعدم المساواة المناخية، والتأكد من إدراج الخسائر والأضرار بشكل دائم على جدول أعمال محادثات المناخ إذا أردنا تحقيق العدالة، والعمل الدؤوب على الحد من الفقر كأولوية. ويعني ذلك أيضًا اتخاذ إجراءات هادفة لمساعدة الناس على التعامل مع الصدمات المناخية، وتدابير موجهة للتكيف مع المناخ، مثل تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحماية من الفيضانات والتأهب للكوارث، وإنشاء البنية التحتية الوقائية كالسدود وأنظمة الصرف الصحي، وترميم الأشجار، وتغيير قوانين استخدام الأراضي لمراعاة ارتفاع مستوى سطح البحر، وإدخال تدابير متكيفة مناخيًا في الزراعة مثل المحاصيل المقاومة للحرارة والجفاف. وفي الوقت نفسه، لا بد من التعجيل بالجهود الرامية إلى الحد من الانبعاثات.

الكلمات المفتاحية
الأكثر قراءة
1

أزمات أكثر أطفال أقل: كيف تشكل معدلات المواليد المنخفضة المستقبل؟

يهدِّد انخفاض معدلات المواليد مستقبل البشرية أكثر مما تفعل التغيّرات المناخية

2

رحلة الشاي الطويلة.. الأوراق المرة التي صنعت "كوب الإنسانية"

تجاوز الشاي كونه مشروبًا وصار رمزًا ثقافيًا وفلسفيًا في العديد من الحضارات، متحولًا إلى طقس يعكس روح الإنسانية والتناغم

3

تغيير الأبجدية العثمانية.. يوم حسم أتاتورك نقاشًا سبق ولادته

تضع هذه المقالة مسألة استبدال مصطفى كمال أتاتورك الأبجدية العثمانية بالحروف اللاتينية في سياقها التاريخي بعيدًا عن موضوع التقدّم والتأخر وصراع الهوية

4

أرشيف مصر على قارعة فيسبوك.. بروميثيوس يسرق الوثائق

يرتبط الطلب على الوثائق القديمة عبر فيسبوك بالأزمة الاقتصادية التي تدفع الناس لبيع مقتنياتهم، وأيضًا بصرامة الأرشيف الرسمي في منع الوصول للمعلومات

5

العربية في تشاد.. من لغة الدولة إلى صراع البقاء

المفارقة أن اللغة العربية التي كانت قبل الاستعمار الفرنسي محصورة في مؤسسات الدولة لا يتحدث بها الناس، أصبحت بعده لغة شائعة بين الناس لكن لا يُسمح لمن تعلّم بها العمل في مؤسساتها

اقرأ/ي أيضًا
الصراع بين الصين والغرب على موارد التحول الأخضر

التنين الأخضر: كيف أصبحت الموارد الأولية للتحول الأخضر ساحة صراع بين الصين والغرب؟

يشكّل الصراع على موارد الطاقة الجديدة والمعادن النادرة بين الصين والدول الغربية أحد أهم التحديات أمام تحقيق التحول الأخضر في العالم

فريق التحرير

الحاجة أم زياد وأزمة النفايات
الحاجة أم زياد وأزمة النفايات

الحاجة أم زياد وأزمة النفايات.. السيدة المصرية نجحت بما فشل به كلينتون

تعد النفايات البشرية قنبلة موقوتة تزداد آثارها الكارثية يومًا بعد يوم. وبحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإنه من المتوقع أن يزداد معدل الإنتاج البشري للنفايات بحلول عام 2050

معتز ودنان

العرب وأكل اللحوم.. عن علاقة الغذاء بالجنس والاستعمار والذكورة

استهلاك اللحوم في الوطن العربي.. الجنس والاستعمار والذكورة

تلبّي التفضيلات في مجال الغذاء أغراضًا اجتماعية وسياسية تتجاوز الغذاء نفسه إلى رهانات أخرى ذات صلة وطيدة بثلاثي: الجنس، والحرب، والاستعمار

محمد يحيى حسني

الاحتباس الحراري وسباق التسلح في العالم

الكارثة بوصفها فرصة: كيف يطلق الاحتباس الحراري سباق التسلح في العالم؟

لم تتعامل الدول الكبرى مع التغيرات المناخية في منطقة القطب الشمالي بوصفها "كارثة" وإنما "فرصة" تسعى إلى استغلالها بطريقة تجعل المنطقة ساحة صراع

فريق التحرير