هذه ترجمة لمقال الكاتبة فرانسواز فيرجيس من موقع "The Funambulist". تركز فيرجيس في عملها على العبودية والإمبريالية والنسوية المناهضة للاستعمار والعنصرية.
ــــــــــــــــــ
على الرغم من أن الموز فاكهة محبَّبة لدى الجميع، بالإضافة إلى كونه غذاءً مهمًا ومريحًا، ومصدرًا جيدًا للعناصر الغذائية للأطفال والكبار، إلا أن تاريخه واقتصاده يقوداننا نحو العبودية الاستعمارية، والرأسمالية، والانقلابات العسكرية، وسياسات العنصرية البيئية، والجنسانية، والحرية، والشركات متعددة الجنسيات، والفقر، والحياة الهشة والمحفوفة بالمخاطر للقرن الحادي والعشرين.
الموز فاكهة غير موسمية، وهذا ما يجعله متاحًا على مدار السنة. لذلك أصبح جاهزًا للتحول إلى سلعة عالمية في نهاية القرن التاسع عشر. وقد ساعدت أربعة عناصر أساسية الولايات المتحدة في تحويل الموز إلى سلعة عالمية، وهي:
1- اكتشاف صنف معين من الموز يمكن زراعته في كل مكان ويلبي الأذواق الغربية.
2- التقدم في طرق النقل البحرية مع وصول السفن البخارية.
3- إنشاء صناعة التبريد.
4- الدور الذي لعبته الإمبريالية الأميركية في أميركا الجنوبية.
كان اكتشاف صنف معين يمكن زراعته في كل مكان أمرًا بالغ الأهمية: فهو ينتمي إلى تاريخ العلم والاستعمار. وفي الواقع، إن جميع المنتجات الاستعمارية (القهوة والتبغ وقصب السكر والكاكاو والموز) كانت موضوعًا لبحوث علمية مكثفة منذ بداية دخولها إلى سوق الرأسمالية العالمية، وذلك من أجل العثور على أفضل صنف من شأنه أن يقدم أكبر محصول ممكن، ويكون قادرًا على تلبية أذواق الغربيين، وقابلًا للزراعة الأحادية، ومحميًا من الأمراض.
ولعبت الأنواع الهائلة للموز دورًا في إحباط البحوث الرأسمالية المروِّجة لزراعة صنف واحد. ثم جاء علم النبات لإنقاذ الرأسمالية. ففي عشرينيات القرن التاسع عشر، بدأ تشارلز تيلفير بجمع نباتات الموز في جزيرة موريشيوس، وهو رجل إنجليزي كان مفتونًا بالموز الذي صادفه خلال رحلاته حول المحيط الهندي والصين. وفي عام 1829، قام بشحن شجرتي موز إلى أحد معارفه في إنجلترا، حيث وصلتا في النهاية إلى يد دوق ديفونشاير السابع، ويليام كافنديش، الذي كان قادرًا على زراعته وإنشاء صنف معين منه. وتم الاعتراف رسميًا بموز كافنديش عام 1836. ومن إنجلترا، انتشر موز كافنديش لاحقًا إلى المناطق الاستوائية. وبحلول عام 1855، انتشر موز كافنديش من تاهيتي إلى هاواي، وأستراليا، وبابوا غينيا الجديدة.
ظلَّ الموز فاكهة غريبة في المطبخ الأميركي حتى سبعينيات القرن التاسع عشر. وفي عام 1871، بلغت قيمة صادرات الموز إلى الولايات المتحدة حوالي 250 ألف دولار. وبحلول العام الأول من القرن العشرين، تضخمت تجارة الموز بشكل كبير إلى 6.4 مليون دولار. وبعد مرور عشر سنوات، تضاعفت عملية إنتاج الموز مرة أخرى. وبحلول منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر، اتسع نطاق إنتاج الموز من كوبا وجزر أخرى في منطقة البحر الكاريبي إلى أميركا الوسطى، بما في ذلك المكسيك وهندوراس وكوستاريكا وبنما، وحتى بلدان أميركا الجنوبية مثل كولومبيا. وتطورت عمليات شحن الفاكهة تدريجيًا من نطاق صغير ومستقل إلى شركات شحن وإنتاج ضخمة، وبلغت ذروتها بتأسيس شركة الفواكه المتحدة "United Fruit Company" عام 1899.
كانت شركة الفواكه المتحدة "UFC" في أميركا اللاتينية تهيمن على إنتاج وتجارة الموز في العالم حتى ثمانينات القرن العشرين، حيث أقامت مزارع في كولومبيا وكوستاريكا وكوبا وجامايكا ونيكاراغوا وبنما وسانتو دومينغو.
وقد وجدت شركة الفواكه المتحدة في أميركا اللاتينية، والتي أُطلق عليها اسم "إل بولبو" (الأخطبوط)، دعمًا قويًا من الحكومات اليمينية التي أعفتها من الضرائب وساعدتها في قمع النقابات. كما أجبرت الحكومات اليمينية الناس على التخلي عن أراضيهم، وإزالة الغابات لإقامة المزارع، والعمل فيها، وكل هذا من أجل "الأخطبوط".
ساهمت ثلاثة عناصر في زيادة شعبية الموز في الولايات المتحدة، أولها ثمنه الزهيد، وثانيها اعتباره فاكهة ذات أهمية كبيرة لنظام غذائي صحي، وآخرها تقديمها لموز معقمة قشوره كطعام مغذٍ وخالٍ من الجراثيم.
واستعانت شركة الفواكه المتحدة بنجوم السينما والموسيقى للترويج للموز، بالإضافة إلى وصفات ودروس طهي الموز التي زادت من شعبيته. كما ساعدت أفلام كارمن ميرندا في جعل أميركا الجنوبية مكانًا آمنًا لشركات الموز، حيث رقصت وغنت وهي محاطة بأشجار الموز، وتحمل قبعات من الموز أيضًا. كما ساهمت ميرندا، اللاتينية المثيرة والمحبوبة، في حجب صورة اللاتينيات العاملات في المزارع اللواتي يتم استغلالهن.
وعلى هذا النحو، كانت أميركا الجنوبية مكانًا ممتعًا مليئًا بالموسيقى والرقص، وبالرجال العازفين على الجيتار، ومكانًا جيدًا لقضاء العطلات. وكان بإمكان النساء البيض في الولايات المتحدة تقديم الموز لأسرهن بأمان، وابتكار وصفات لمسابقات الطهي واسعة النطاق التي كانت تنظمها شركة الفواكه المتحدة. لكن كان هناك صورة أخرى: لقد أخفى تحوُّل الموز إلى عنصر من عناصر الثقافة الشعبية والاستهلاكية، لاعتباره فاكهة ممتعة ومثيرة ومفيدة وآمنة صحيًا، الانقسام العنصري بين المستهلِك الأبيض والمنتِج الأسود، وهو الانقسام المصاحِب للاستعمار والإمبريالية، إذ دخل الموز إلى الولايات المتحدة بفضل الإمبريالية الأميركية التي غزت واستعمرت كلًا من هاواي، والفلبين، وبورتوريكو، وجمهورية الدومينيكان، وكوبا، ونيكاراجوا، بين عامي 1880 و1930.
كانت صناعة الموز رائدة إلى حد كبير، وتم لأجلها تأسيس مجموعة كبيرة من الشركات وإنشاء المشاريع المشتركة. ففي ناحية ما، تعرضت الغابات للإزالة، وتم فقدان آلاف العمال بسبب الأمراض، بالإضافة إلى إنشاء الموانئ، والسكك الحديدية، وتوفير الإسكان، والبنيات الأساسية الأخرى من الصفر. وفي الناحية الأخرى، حيث عالم الاستهلاك الحضري، كان للطلب المتزايد على الموز وتجارته المربحة تأثير كبير على إنتاجه في المزارع الموجودة في منطقة البحر الكاريبي، وأميركا الوسطى، وأميركا الجنوبية. وتدريجيًا، تطور نطاق زراعة الموز من الإنتاج المحدود والضئيل إلى الإنتاج الكثير والمكثف في سبيل تحقيق أكبر قدر ممكن من العوائد، وأقل قدر ممكن من الخسائر. ومع مرور الوقت، بدأ يبرز صنف واحد من الموز كفاكهة مربحة، وهو موز جروس ميشال أو "بيج مايك". وكان موز جروس ميشال مرشحًا مثاليًا لعملية الزراعة الأحادية، وسرعان ما استطاع أن يحل محل معظم أنواع الموز الأخرى المزروعة للاستهلاك الأميركي والأوروبي.
تسبب تحوُّل الزراعة من المتعددة إلى الأحادية في تغيير شكل المناظر الطبيعية في أميركا اللاتينية في مزارع "جروس ميشال"، إذ أصبحت مساحات المحاصيل الخاصة بموز "جروس ميشال" متطابقة وراثيًا، بيد أنه كان للزراعة الأحادية مخاطرها، إذ تسبب مرض بنما في القضاء على تجارة هذا النوع من الموز في ثلاثينات القرن العشرين. وفي عام 1958، اتجهت شركات الفواكه الكبرى نحو موز كافنديش. وفي أميركا الوسطى والجنوبية، أطلقت شركة الفواكه المتحدة "UFC" أيضًا ما يسمى "حروب الموز".
وكان الحدث الأكثر شهرة حينها الانقلاب الذي نفذته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "CIA" عام 1954 ضد الحكومة الديمقراطية المنتخبة في غواتيمالا. إذ أطاح الشعب بالدكتاتورية اليمينية وانتخب حكومة ذات توجه ديمقراطي واشتراكي، فيما شنت الولايات المتحدة حملة اتهامات بالشيوعية، ودعمت الادعاء بوجود صلة بين الشيوعية وموقف "مناهضة الموز" من خلال فيلم بعنوان "لماذا يكره الكرملين الموز؟".
في ستينات القرن العشرين، وتحت ضغط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تخلَّت شركات الموز متعددة الجنسيات عن معظم مزارعها في أميركا الوسطى ونقلتها إلى المزارعين المحليين أو الحكومات المحلية، كما وتبنت خطاب الرأسمالية الأخلاقية. وفي عام 1973، صرَّح إيلي بلاك، رئيس شركة تشيكيتا (شركة الفواكه المتحدة سابقًا): "ربما تكون شركتنا الشركة الأميركية الأكثر ذكاءً اجتماعيًا في نصف الكرة الأرضية".
الموز والعرق والجنس
ركّز أحد جوانب الثقافة الشعبية الخاصة بالموز على إضفاء طابع جنسي عليه مرتبط بالسود. وأشهر ممثلي هذه الثقافة هي جوزفين بيكر بتنورة الموز خاصتها عام 1926 في باريس، والتي حصدت موجة من "النيجروفيليا". في البداية، كانت تنورتها التي على شكل موز مصنوعة من المطاط، ثم تحولت لأشواك مهددة وموضوعة بشكل معين تستدعي فيها ارتباطات عقلية وذهنية بالأعضاء الذكرية. أشاد الناقد فرناند ديفوار بأداء بيكر ببعض الكلمات: "جوزفين بيكر، كانت حياتنا على ضفاف نهر السين متعبة ومحبطة قبل أن تأتي. في نظر باريس، أنت الغابة العذراء، لقد جلبتِ لنا تجديدًا همجيًا".
وبتنورتها التي على شكل موز، تحولت بيكر إلى "فاتو" التي نزلت في العرض من أعلى شجرة مثلما يفعل القرد (مع طعام القرد المفضل، والموز حول وركيها) على إيقاع طبول الرجال "الهمجيين" الذين بالكاد يرتدون الملابس، ودخلت حياة مستكشف أبيض كان نائمًا تحت الشجرة.
كانت تنورة الموز الخاصة ببيكر موضوعًا للعديد من المقالات. والأمر المثير للاهتمام هو الارتباط الذي نشأ بين السود والموز والجنس. تقول أليسيا سوفينسكا: "كان الموز جزءًا من تقاليد قاعات الموسيقى التي استخدمتها ليس فقط كنقطة محورية في مسرحيات الكوميديين (كانت قشور الموز غالبًا ما تثير المشاهد الأكثر تسلية للسقوط والانزلاق في السينما المبكرة)، أو كملحق لا غنى عنه في العروض المسرحية (ذات الانتماءات البدائية)، ولكن أيضًا كنكتة ذات إيحاءات". وبعد عرض بيكر، بيعت آلاف الدمى التي ترتدي تنانير الموز في مختلف أنحاء أوروبا. كما تم توزيع ملصقات دعائية لفيلم بيكر "زو زو" على بائعي الفاكهة في باريس ليتم لصقها على ثمار الموز الذي كانوا يبيعونه. ودخل الارتباط بين الموز والقردة والسود إلى الخيال الغربي بقوة، حيث: الجنس الهمجي، والقضيب الأسود، والسواد، والحيوانية.
وبحلول عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، كانت العديد من الأغاني تشير إلى الموز باعتباره رمزًا للقضيب الذكري. فمثلًا، أغنية "لم أر موزةً مستقيمة قط" التي غناها فريق "هابينس بويز"، وأغنية "موزة في سلة فواكهك" التي غناها بو كارتر، والتي جاء فيها: "دعني أضع موزي في سلة فواكهك وسأكون راضيًا".
وفي عام 1943، قدم باسبي بيركلي عرضًا بعنوان "السيدة ذات قبعة توتي فروتي"، حيث ظهرت راقصات يمتطين دعامات عملاقة من الموز والفراولة، غنت فيه كارمن ميراندا. وبحلول أربعينات القرن العشرين، أصبحت الصور الجنسية للموز مرتبطة بشكل متزايد بالصور العنصرية، وتشهد على ذلك شخصية "ملكة جمال تشيكيتا" التي ابتكرتها شركة الفواكه المتحدة في إعلاناتها.
دخل الموز عروض الرقص كرمز للقضيب من خلال النساء اللواتي تم تصويرهن كغريبات بشكل مثير وعرقي، مثل اللاتينية "الآمنة" (كارمن ميراندا)، والمرأة السوداء "البربرية" (بيكر) التي لعبت دورًا في الصور النمطية المرتبطة بالسود والجنس.
وكان السياق التاريخي والثقافي الذي نشأت فيه هذه الارتباطات (ولا يزال بالوسع مناقشة ما إذا كانت بيكر تستخدم الصور النمطية الغربية بشكل ساخر) يتمثل في الوجود المتزايد للأفارقة في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى، مع وصول موسيقى الجاز، وحركة الزنوج، وتأكيد الهوية السوداء الفخورة.
وفي الولايات المتحدة، كان النضال ضد الإعدام خارج نطاق القانون وقوانين جيم كرو. وكان هناك توتر بين الوعي الأسود الناشئ في فرنسا، وحركة النهضة في هارلم في الولايات المتحدة وانتشار الصور الاستعمارية. فقد تم إرسال أكثر من 134 ألف شخص من غرب أفريقيا إلى أوروبا كجنود وعمال أثناء الحرب، الأمر الذي أثار القلق والافتتان. وكثيرًا ما يشار إلى فترة ما بين الحربين العالميتين في فرنسا باسم "سنوات الموز" لأن "انحرافات الصورة النمطية"، على حد تعبير ميشيل روسيلو، كانت سببًا في تشويه الخيال الأفريقي والأوروبي. وقد سجل ليوبولد سيدار سنغور احتجاجه بالكتابة: "سأمزق كل ضحكات الموز عن كل جدار في فرنسا".
مزارع الموز مزارع أحادية الزراعة (حيث يتم زراعة نوع واحد فقط من المحاصيل)، و97% من الموز المتداول دوليًا يأتي من صنف واحد فقط، وهو موز الكافنديش. في آلاف المزارع، من بيليز في أميركا الوسطى إلى الإكوادور، تتطابق الثمار وراثيًا: يوجد نفس الصنف في مزرعة تلو أخرى. تسبب الافتقار إلى التنوع الجيني في جعل النباتات شديدة التأثر بالآفات والفطريات والأمراض، ما يستدعي استخدام كميات كبيرة من المبيدات الحشرية على المحاصيل.
يتم رش المواد الكيميائية الزراعية على المحاصيل يدويًا، ومن ثم يتم رشها جويًا من خلال الطائرات. وتشير التقديرات إلى أن 85% من المواد الكيميائية التي تُرش بالطائرات تفشل في الوصول إلى المحصول، بل تشبع المنطقة بأكملها، بما في ذلك العمال ومنازلهم وطعامهم. وتشكل مزارع الموز الكبيرة تحديًا كبيرًا للمنتجين، حيث يتطلب الاستنزاف السريع للمغذيات الموجودة في التربة استخدام الأسمدة الكيميائية باهظة الثمن من أجل الحفاظ على مستويات عالية من الإنتاجية. وعند تعبئة الموز، يتعين على العمال استخدام مبيدات الفطريات والمطهرات، مثل الفورمالديهايد، لحماية الفاكهة أثناء عمليات الشحن. وفي العديد من المناطق، تلوثت الأرض إلى الحد الذي جعل استخدامها الزراعي في المستقبل مستحيلًا.
وهناك دليل آخر على شدة تأثير هذه المواد الكيميائية وهو صمت المزارع. فلم تعد هناك أصوات للطيور أو الحيوانات لأنه لم يعد هناك أي حياة برية. وباختصار، تنطوي زراعة الموز على الاستخدام المكثف للمبيدات الحشرية، وتغطية حزم الموز بأكياس البولي إيثيلين لحمايتها من الرياح وهجمات الحشرات، أو الطيور، والحفاظ على درجات الحرارة المثلى. غير أن المبيدات الحشرية تنتقل إلى المياه المستخدمة للشرب والطهي والغسيل.
إن التأثيرات الصحية الناجمة عن الاستخدام المكثف للمواد الكيميائية الزراعية على العاملين في المزارع والسكان المحليين عديدة، وتتراوح بين الاكتئاب ومشاكل الجهاز التنفسي إلى السرطان والإجهاض والعيوب الخلقية. ولا يزال عشرات الآلاف من العمال الذين أصيبوا بالعقم بسبب استخدام مبيد للديدان الخيطية "DBCP"، في نيكاراجوا وكوستاريكا في سبعينات القرن العشرين، يسعون إلى تحقيق العدالة في المحاكم الأميركية من الشركات المتورطة متعددة الجنسيات. وعلى مدى العقدين الماضيين، تضاعف استخدام المبيدات الحشرية في أميركا الوسطى، مما أدى إلى زيادة المشاكل البيئية والصحية.
وفي تحقيق أجرته "هيومن رايتس ووتش" (Human Rights Watch) في عام 2002، وجدت المنظمة أن الأطفال الإكوادوريين الذين لا تتجاوز أعمارهم ثماني سنوات يعملون في مزارع الموز في ظروف خطيرة. إذ يبدأ الأطفال العمل في سن يتراوح بين الثامنة والثالثة عشرة، ومعظمهم يبدؤون العمل في سن العاشرة أو الحادية عشرة. ويستمر يوم عملهم في المتوسط اثنتي عشرة ساعة، وكان أقل من 40% من الأطفال لا يزالون في المدرسة بحلول سن الرابعة عشرة. وفي سياق عملهم، كانوا يتعرضون لمبيدات حشرية سامة، ويضطرون إلى استخدام السكاكين الحادة والمناجل، وحمل أحمال ثقيلة من الموز، وشرب المياه غير الصحية، كما وتعرض بعضهم للتحرش الجنسي. وقال ما يقرب من 90% من الأطفال لـ"هيومن رايتس ووتش" إنهم استمروا في العمل بينما كانت طائرات تحلق فوق رؤوسهم ترش مبيدات الفطريات السامة. ومقابل مجهوداتهم، كان الأطفال يكسبون في المتوسط 3.50 دولار في اليوم، ما يقارب 60% من الحد القانوني الأدنى لأجور عمال الموز.
لقد عملت مجموعة من الشركات مثل تشيكيتا "Chiquita،"، وديل مونتي "Del Monte"، ودول "Dole"، وفافوريتا "Favorita"، ونوبوا "Noboa"؛ في وقت ما، مع مزارع يعمل بها أطفال. وأكثر من 70% من الأطفال الذين تمت مقابلتهم من قبل المنظمات غير الحكومية قالوا إنهم عملوا في مزارع تزود شركة "Dole" بشكل شبه حصري. وإن العاملين في مزارع الموز في بلدان مثل جمهورية الدومينيكان، وبليز، وكوستاريكا؛ هم مهاجرون ليس لديهم سوى فرص ضئيلة لممارسة حقهم في العمل وغيرها من الحقوق الاجتماعية، خاصةً إذا لم يكن لديهم وضع قانوني في البلد المضيف.
أدى استغلال شركات زراعة الموز لمساحات شاسعة من الأراضي إلى تهجير السكان الأصليين. ففي المناطق الساحلية التابعة للبحر الكاريبي، يواجه شعبا الكابيكار والبريبري في الوقت الحاضر خطر تلوث أنهارهما، والضغط على أراضيهما، فضلًا عن التأثير السلبي على ثقافتهما عندما يبدأ شبابهما العمل في المزارع. فإما أن يصبح هؤلاء النازحون عمالًا في زراعة الموز، أو يصبحون مصدرًا للعمالة الرخيصة غير المتعلمة وغير المغذية وغير العاملة بالشكل الكافي.
وقد شهدت تسعينيات القرن العشرين زيادة في إزالة الغابات بعد فترة التباطؤ التي بدأت في الستينيات. وفي انتظار فتح سوق الموز في أوروبا الشرقية وتشكيل الاتحاد الأوروبي، بدأت مجموعة "وايلد بانتش" (Wild Bunch) في توسيع إنتاجها. وعلى الرغم من وجود قوانين ضد إزالة الغابات الأولية، وإقامة مناطق عازلة للمتنزهات الوطنية، والنباتات على طول ضفاف الأنهار، إلا أن هذه القوانين يتم تجاهلها في كثير من الأحيان.
تُشكل الحياة الجنسية للموز (أو انعدامها) سببًا للقلق المتزايد لدى كبرى الشركات والعلماء، إذ يتم إنتاج الموز المروي بواسطة عمليات الاستنساخ اللاجنسية، والتي تنتج عن عمليات التكاثر الخضري أو اللاجنسي الاصطناعي والهادئ. ومن هنا جاء البحث عن الجينوم الخاص بالموز على أمل أن تكشف المعلومات الكثير عن الجينات التي تجعل الموز على ما هو عليه، والأهم من ذلك ما قد يكون عليه إذا ما حصل على القليل من المساعدة الإضافية. ولا يزال العلماء في قطاع الأعمال الزراعية يعملون للعثور على الموز المثالي.
إن أمثلة عديدة على النضالات الحالية (إلغاء العبودية، عدم التمييز على أساس اللون، عدم التمييز العنصري، مناهضة العنصرية، ومناهضة الفصل العنصري) كانت مبنية على فكرة التقدم والذاتية الكونية. ولقد عانت هذه النضالات من انتكاسات خطيرة. إن فكرة العدالة اليوم أكثر أهمية من فكرة التقدم، ومن هنا جاءت عودة المطالبات بتعويضات عن الجرائم والظلم الذي وقع في الماضي. لكن هذه المطالبات تأتي من مجموعة من أجل مجموعة. ولا يهدف هؤلاء إلى بناء تحالف عالمي بل إلى تعزيز احتياجات مجموعة واحدة. فعلى سبيل المثال، فإن دول الكاريبي تطالب بالتعويضات (للدول التي كانت تتاجر في الرقيق سابقًا بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وهولندا والنرويج والسويد والدنمارك) من خلال اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري. ومن بين المطالب التي يتم رفعها إلى الدول الأوروبية التي كانت تتاجر في الرقيق سابقًا:
• تقديم المساعدة الدبلوماسية لإقناع دول مثل غانا وإثيوبيا من خلال منح الجنسية لأطفال الأشخاص من منطقة البحر الكاريبي "العائدين" إلى أفريقيا. ولقد قام حوالي 30 ألف شخص بهذه الرحلة إلى أفريقيا وعُرضت عليهم صفقات تسوية سخية، لكن افتقار أطفالهم إلى حقوق المواطنة يسبب لهم صعوبات.
• وضع استراتيجية تنموية للمساعدة في تحسين حياة المجتمعات الفقيرة في منطقة البحر الكاريبي التي لا تزال تعاني من الآثار المترتبة على العبودية.
• دعم التبادل الثقافي بين منطقة البحر الكاريبي وغرب أفريقيا لمساعدة سكان منطقة البحر الكاريبي من أصل أفريقي على إعادة بناء شعورهم بالتاريخ والهوية.
• دعم حملات محو الأمية التي تهدف إلى تحسين مستويات التعليم التي لا تزال بحالة مزرية في العديد من المجتمعات الكاريبية.
• توفير المساعدة الطبية للمناطق التي تعاني من مستويات عالية من الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري من النوع 2 عن طريق لجنة تعويضات الكاريبي المرتبطة بالتداعيات الناجمة عن العبودية. ومن بين أهم المطالب وأكثرها إثارةً للجدل أن تصدر الدول الأوروبية اعتذارًا غير مشروط عما فعلته في نقل الملايين من الرجال والنساء والأطفال من أفريقيا إلى منطقة البحر الكاريبي وأميركا في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
ولكن ما هي طبيعة الجريمة في تجارة الموز؟ هل هو الاستغلال؟ السياسات البيئية العنصرية؟ التنمية غير المتكافئة؟ ومن هم الضحايا؟ العمال في الحقول؟ العمال في المصانع؟ الناس الذين تلوثت بيئتهم بالمواد الكيميائية المستخدمة في مزارع الموز؟ ومن هم الجناة: الدول التي تسمح للشركات متعددة الجنسيات بتأجير الإنتاج المحلي؟ الشركات متعددة الجنسيات؟ منظمة التجارة العالمية؟ تكمن الصعوبة في هذه المنطقة المتشظية في القدرة على بناء هيمنة مضادة من سلسلة متكاملة من المواقف المختلفة وليس من جبهة واحدة فقط.
ربما تكون المنطقة الأكثر ملاءمة لبدء المعركة منها هي المنطقة المحيطة بالموز باعتباره سلعة: للكشف عما وراءه والذي من السهل اعتباره أمرًا مسلمًا به، ولإظهار الترابطات، والسبل المتقاطعة ومستويات الدلالات، والبعد العالمي/المحلي. إذ يُشترى الموز دون التفكير في أصله، أو الظروف التي زرع فيها، أو الشخص/الطفل الذي ساعد في عمليات حصاده ونقله.
وفي الختام، يمكن القول إنه لأكثر من عشرين عامًا، تم استخدام مبيد حشري قاتل، وهو الكلورديكون، في كل من مارتينيك وغوادلوب على الرغم من حظره في الولايات المتحدة وفرنسا. ولم يتم تناول البعد العنصري للجريمة إلا بصعوبة بالغة بسبب قوة أيديولوجية الجمهورية التي تحظر الحديث عن العرق. وكانت الجزيرتان مستعمرتين فرنسيتين للعبيد، واليوم هما مقاطعتان فرنسيتان حيث تتحد كل من معدلات البطالة والفقر والأمية المرتفعة معًا إلى جانب الافتقار إلى البدائل. ولعل السياسة التي تنتهجها الدولة على أساس عنصري وطبقي، والتي تسمح باستخدام الكلورديكون، دليل على الطرق التي تخدم بها الجمهورية الخامسة المصالح الرأسمالية. وفي حين أن أحفاد مالكي العبيد، الذين يترأسون اليوم اقتصاد الموز، يتلقون حماية من الدولة، لا يزال أحفاد العمال المستعبدين والمتعاقدين ضحايا للرأسمالية العنصرية.