نبدأ اليوم الأول من "ميغازين" بالسؤال الذي ألح علينا كفريق عمل طوال أشهر من الإعداد والتحضير، ماذا يعني أن ننطلق اليوم، في سياق من الإبادة المستمرة والتدمير والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وماذا يعني أن نبدأ مشروعًا يبحث فيما وراء الخبر، عندما يكون الخبر هو الموت؟
أجبرتنا حرب الإبادة المستمرة في غزة على التفكير في أشياء كثيرة، وإعادة النظر فيها، من بينها سؤال الجدوى في هذا الواقع القاتم. وفي حين كان الدور البطولي لآلاف الصحافيات والصحافيين الذين دفع عشرات منهم حياتهم ثمنًا للحقيقة، هو الإجابة الأولى على سؤال دور الصحافة المهنية، لا تزال تغطية الإعلام الغربي السائد إحدى الصور القاتمة للحرب، وسؤالًا مفتوحًا عن تهافت هذه المهنة في أزمنة الإبادة.
كشفت هذه التغطية عن الانحيازات العنصرية والعرقية العميقة التي كانت مدفونة تحت طبقات من الصواب السياسي والبلاغة المنمقة. كان أبرز أركان هذا الانحياز هو نزع السياق عن معاناة الفلسطينيين ومقاومتهم. لم يتم استثناء السياق فقط، لكن أدين كل من حاول أن يضع سياقًا لما يحدث طوال أشهر، وما كان يحدث قبل ذلك لعقود. ضُيّق على وسائل إعلام، وعوقب صحافيون، وسُحبت جوائز من مثقفين. في هذا الواقع المركب من العنف المنظّم ونزع السياق، فإن "ميغازين" يختار "السياق أولًا" شعارًا له، و"سياق" اسمًا لأحد أقسامه.
عبر السياق نفهم الأحداث لا كلحظات متقطعة وعائمة في الفراغ، سهلة للتصيد أو التوظيف السياسي، لكن كجزء من الحياة اليومية للناس وتطلعاتهم ومصائرهم. فمن خلال وضع الأمور دائمًا في السياق، يضيق المجال أمام الصور النمطية والمساحات الضبابية والتصورات الخطية عن العالم والتاريخ والآخرين.
إن العنف الشامل ضد الفلسطينيين الذي يتزامن مع تواطؤ ممنهج وتطبيع من أنظمة الاستبداد العربي، وانحيازات عرقية غربية، وفشل مستمر للنظام العالمي، يجعل من الضروري النظر إلى التقاطعات الشائكة للعنف، الذي يستهدف الإنسان والمدن والمؤسسات والبيئة معًا، ويجعل الصلة أكثر وضوحًا بين العدالة الاجتماعية والبيئية والحرية والديمقراطية ومناهضة الاستعمار.
"ميغازين" كما اخترنا أن نعرفّه، هو مشروع يمزج بين هوية الموقع الإلكتروني الحديث في زمن التسارع، والمجلة القادمة من زمن الأناة والتأمل. من هنا كان الاسم الذي يمزج بين هذه العناصر في مقطعيه: "ميغا" Mega الحجم الكبير بما يشير إلى كثافة المعلومات في زمننا، و"زين" Zine الذي ينتمي إلى الاسم العالمي للمجلة. إلى جانب ذلك، يقدم "ميغازين" مداخلته الخاصة في الكتابة الصحافية التي تمس كل ما يتصل بالمجال العام، من خلال مواد واسعة الإطار تجمع بين الانشغالات الفكرية والجمالية والهموم السياسية والأخلاقية في متون مفتوحة على مزايا الكتابات المقالية التي خفّ وهجها، أو كاد، في واقعنا الصحفي العربي الذي طغت عليه الأنماط الإخبارية والتقريرية، على حساب المعالجات التي تتميز بالإحاطة والمسعى الشمولي.
ينخرط "ميغازين" في أسئلة الواقع الراهن، ويقدم إجاباته عنها من خلال طرح متنوع الأشكال، تقدمه مجموعة واسعة ومتناغمة من كاتباتٍ وكتّابٍ وصحافيات وصحافيين من مختلف البلدان والخلفيات والاهتمامات، ممن يخوضون هذه الرحلة التي تؤكد أن إعلام المستقبل، في أزمنة الإبادة والاستعمار الاستيطاني والطائفية والعنف متعدد الأوجه، سيظل ناقصًا إذا لم يخلق علاقة حيوية مع المعرفة والفكر والفن، ولم يفسح المساحات الكافية لها كلها، على اعتبار أنّ ما يجري ويحدث، فينا ومن حولنا، مترابط ومتداخل، ولا يمكننا الإحاطة به دون استيعاب خطوط الشبكة كاملةً.
بدأت شبكة "الترا صوت" في لحظة تلت انفجار الربيع العربي، منصة شبابية تعبر عن التطلعات التي خرجت من شوارع المدن العربية وأعادت تشكيل المنطقة، على الأقل لسنوات. ومع الوقت، توسعت الشبكة وتوسع فريقها، وإلى جانب انخراطنا في الهم العربي المشترك وتقاطعاته الدولية والإقليمية، صارت لنا منصات تقارب السياقات المحلية، دائمًا من منظور عروبي وديمقراطي. أما ونحن نعيش الآن زمن الأزمة والتطبيع والانقلابات والشعبوية المعادية للثقافة والمؤسسات، فإننا ندرك أنه ليس على الرهان أن يتوقف، وليس على المسار أن ينتهي إلى إحباط وردّات فعل تدفعنا إلى الوراء أكثر، أو إلى النوستالجيا إلى ماضٍ بعيد ومتخيل. وفي هذا السياق، ينضاف إلى الرهان رهان آخر؛ أن نقف وقفة متأنية لفهم أكثر شمولية لما نمر به من مأزق. ففي أزمنة الانكسار، يصبح التطلع إلى مستقبل مختلف مقاومة. في ميغازين، ننخرط مع عشرات الشباب العرب على طول الوطن العربي الكبير في هذا التطلع إلى زمن عربي أفضل.