كامالا هاريس

الـ"كامالاز هاريس": أي منهنّ يدعم مناهضي الاحتلال؟

20 سبتمبر 2024

منذ اختيارها كمرشحة للحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية في منتصف تموز/يوليو الفائت، لاقت كامالا هاريس حماسًا كبيرًا تشير له استطلاعات الرأي وحجم التبرعات القياسية والحضور الغفير الذي شارك في فعالياتها الانتخابية، مع أنّ قرار ترشيحها لم يكن سهلًا ومحسومًا من قبل الحزب، الذي يعرف تمامًا نقاط ضعفها وخصوصًا بعد فشلها في محاولة الترشح الرئاسي عام 2019، وولايتها المضطربة كنائبة للرئيس التي شابها الكثير من العثرات في اللقاءات البارزة، إضافةً لتغييرها المستمر للموظفين وارتفاع نسبة عدم الرضا داخليًا عن أدائها. لكنّ تمسّك بايدن بترشّحه حتى هذا الوقت المتأخر لم يجعل أمام الحزب خيارات عديدة على ما يبدو.

المدعية العامة السابقة لسان فرانسيسكو، والنائبة العامة في كاليفورنيا، برزت سياسيًا منذ عام 2010 عندما حصلت على تأييد الرئيس باراك أوباما لتصبح المحامية العامة في الولاية، لكن متابعة مسيرتها المهنية خلال هذه الفترة يكشف عن شخصية ذات آراء ومواقف مختلطة ومتضاربة، فقد واجهت انتقادات عامة لرفضها تنفيذ عقوبة الإعدام لرجل أدين بقتل ضابط شرطة شاب، بينما أعلنت في لقاءات مغلقة دعمها لعقوبة الإعدام في الولاية رغم معارضتها الشخصية لها!

ومع دخول الحرب على قطاع غزة شهرها العاشر وسط مئات المجازر والانتهاكات الوحشية على مرأى ومسمع العالم والمجتمع الدولي، وتحديدًا الوسيط الأميركي والذي لا يعرف كيف يكون وسيطًا في الوقت الذي يمدّ أحد طرفي الصراع بالأسلحة والمال؛ في ظل كل هذا، يبدو من المفهوم أن يميل العرب والمسلمون ومعادو الصهيونية لمعسكر كامالا هاريس، إذا لم يكن لقناعتهم ببرنامجها فعلى الأقل لأنها ليست ترامب. ولكن هناك أسباب كثيرة للقلق بشأن مصداقية هاريس والتزامها بوعودها وبرامجها، مما يشككك في جديتها بما أعلنت عنه خلال ترشحها لسباق الرئاسة عن أنها لن تبقى صامتة تجاه ما يحدث في غزة وأنها تدعم وقف إطلاق نار.

تصارع هاريس لما يبدو "إرضاء الجميع"، فتارةً تطمئن الجناح التقدمي في الحزب ومناهضي الحرب بأنها ستكون أكثر حزمًا في دعواتها لوقف إطلاق النار وإدانة وفيات المدنيين من الرئيس بايدن، لكنها ما تلبث أن تطمئن اللوبيات الإسرائيلية والتيارات المحافظة أنها لم ولن تتراجع عن دعم إسرائيل، وهو موقف قد ينفر الجناح اليساري منها فتسارع لتقديم تطمينات أنها لن تبقى صامتة جراء ما يحدث في غزة، وهكذا دواليك.

مؤخرًا، أعلنت مجموعة "نساء مسلمات من أجل هاريس" سحب دعمها للمرشحة الديمقراطية بعد رفض حضور متحدث أميركي/فلسطيني في المؤتمر، بينما دعت بشكل خاص عائلة الرهينة الإسرائيلي هيرش غولدبرغ بولين للتحدث، لتخرج المجموعة في مظاهرة انضمت لها النائبة الديمقراطية إلهان عمر، منددة لانحياز هاريس غير المفهوم.

على مدار فترة عملها كمدعية عامة، وهي الفترة التي تمثل الجزء الأكبر من حياتها المهنية والتي أشارت إلى أنها ستستخدم خبرتها فيها لمواجهة دونالد ترامب، اشتهرت هاريس بتغيير مواقفها، كما فعلت خلال حملتها الرئاسية لعام 2020 فيما يتعلق ببرنامج "الرعاية الصحية للجميع" ونقل الطلاب لإنهاء الفصل العنصري، فلم تظهر هاريس بأي مناسبة كسياسية تمتلك شجاعة الدفاع عن قناعاتها أو كشخصية مستعدة لاتخاذ خطوات جادة عند الشعور بوجود تحالف قوي معاكس.

ففي عام 2004 مثلًا، بعد انتخابها كمدعية عامة لمدينة سان فرانسيسكو، وعدت بعدم فرض عقوبة الإعدام، ودافعت بشدة عن فكرتها "التقدميّة" التي صاغتها في كتاب "الذكاء بشأن للجريمة" داعيةً  إلى قطع مسار الجريمة للمجرمين في وقت مبكر وتعليم السجناء غير العنيفين وبعض الجناة الأحداث مهارات للحصول على وظائف، لكنها ما لبثت أن اتهمت بالتغاضي عن وحشية الشرطة، وعدم معارضتها لعقوبة الإعدام  و"السجن الجماعي" للأميركيين من أصل أفريقي، وإلغاء نظام الكفالة لإبقاء المتهمين أطول فترة ممكنة في السجن، ودافعت عن مسؤولي إنفاذ القانون والمحامين المتهمين بسوء السلوك، كما تسبّبت بإدانة متهم بجريمة قتل لرفضها السماح بإجراء تحليل حمض نووي له كانت براءته متوقفة على نتائجه، محاولةً امتصاص غضب التيار المحافظ في الولاية وشرطتها من وقوفها ضد إعدام الجاني.

وفي عام 2019، تصدرت هاريس العناوين لانتقادها دعم بايدن للفصل العنصري في السبعينيات من القرن الـ20، لكنها عادت لتتراجع عن انتقاداتها له وقبول منصب نائب الرئيس. وفي خطاب بارز في آذار/مارس 2024، أصبحت أول شخص في إدارة بايدن يدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري، داعيةً الحكومة الإسرائيلية لبذل جهد أكبر لزيادة تدفق المساعدات إلى غزة، ووصفت الوضع في غزة بأنه "كارثة إنسانية". 

النسخة النهائية من الخطاب التي تم تسليمها كانت قد خففت من مسودتها الأصلية التي انتقدت إسرائيل بشكل مباشر بسبب عرقلتها لمرور شاحنات المساعدات إلى غزة، لكنها للمفارقة عارضت بشدة إدانة تصويت الأمم المتحدة أو حتى النقد الذي يهدف إلى التأثير على إسرائيل، وفق صحيفة "جيروزاليم بوست"، في حين تعارض أي تحقيق للمحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب محتملة ضد الفلسطينيين.

مؤخرًا، وبينما عبرت عن تعاطفها مع المحتجين الطلابيين في الجامعات الذين يشعرون بالذعر من الموت والدمار في غزة وحاولوا الضغط على مدارسهم لقطع العلاقات مع إسرائيل، أكدت أنها لن تدعم حظر الأسلحة على إسرائيل، وأنها كانت واضحة بسعيها الدائم لضمان أن تكون إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها ضد إيران والجماعات الإرهابية المدعومة من إيران، في حين وعدت المجموعات المناهضة للحرب بانفتاحها على مناقشة حظر الأسلحة لإسرائيل والعمل لحماية المدنيين في غزة والتمسك بالقانون الإنساني الدولي.

في الحقيقة، يُنظر إلى نائبة الرئيس الأميركي على أن لها علاقات قوية مع لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية (إيباك)، وهي أكبر جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل في البلاد، حيث قالت خلال عضويتها بمجلس الشيوخ: "سأفعل كل ما في سلطتي لضمان الدعم الواسع والحزبي لأمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس"، وشاركت في رعاية مشروع قانون يعترض على قرار دولي أدان المستوطنات في الضفة الغربية والقدس المحتلة رغم التزامها المعلن بحل الدولتين، الذي لا نفهم كيف يمكن تحقيقه في ظل الاستيطان!

وتمتلك هاريس علاقات طويلة الأمد مع المجتمع اليهودي الأميركي ومجموعات المصالح الإسرائيلية، كما يرتبط زوجها دوغ إمهوف (يهودي أميركي) بمبادرة إدارة بايدن لمكافحة معاداة السامية، ولديها علاقة عمل جيدة مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي يشترك معها في الشغف تجاه قضايا المناخ. كما أنها كانت حاضرة في كل المكالمات الهاتفية التي أجراها بايدن مع نتنياهو خلال الحرب لطمأنته بدعم أميركا لإسرائيل.

في حملتها الرئاسية، حصلت على دعم مجموعات المصالح اليهودية الكبرى، بما في ذلك "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل"، و"جي ستريت"، و"المجلس الديمقراطي اليهودي لأمريكا". كما أنها ترتبط بـ "لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية" (AIPAC) وقد ألقت خطابًا في مؤتمر المنظمة السنوي في عام 2017 بعد فترة وجيزة من انتخابها لمجلس الشيوخ الأميركي، قائلة إن أحد أولوياتها في المنصب كان تقديم قرار يعارض مشروع مجلس الأمن لإدانة إسرائيل مؤكدة أنها تعتقد "أن الروابط بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا يمكن كسرها"؛ فأي من الكامالاز هؤلاء هي من تترشحّ؟ ومن التي ستفوز؟ وأي منهجية ستطبّق؟ وهل يمكن الاعتماد عليها لإحراز أي تقدم؟