ترجمة لحوار نُشر في موقع "LITERARY HUB" مع مؤسسة فريق مشروع "شهداء غزة" الذي يهدف إلى تكريم ذكرى ضحايا حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكثر من عام.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مع انتشار صور الموت والمعاناة الفظيعة التي يعيشها الفلسطينيون نتيجة الجوع أو هجمات الطائرات المسيّرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي ظل التجاهل الكبير لهذه المآسي من قِبل وسائل الإعلام الرئيسية؛ يصبح مشروع "شهداء غزة" بمثابة ترياق حيوي للطريقة التي تسهم بها الصحافة في نزع إنسانية الضحايا، الذين يتعرضون للإبادة الجماعية في غزة من خلال إغفال سرد قصصهم.
في العادة، تميل الصحافة إلى الاعتماد المفرط على روايات الجنود والضباط العسكريين والسياسيين في أوقات الحرب، وغالبًا ما يكون هؤلاء هم الذين حققوا أكبر قدر من القتل. (خذ على سبيل المثال القصة الغريبة التي بثها برنامج "PBS NewsHour" في شباط/فبراير بعنوان "يوميات فيديو جندي إسرائيلي تقدم منظورًا فريدًا عن الحرب في غزة"). يُعتبر هذا التوجه مضللًا. كما قال الكاتب فيت ثان نغوين في تشرين الأول/أكتوبر: "لقد قضيت وقتًا طويلًا أفكر في كيفية أن آثار الحرب تكون واضحة بشكل أكبر للجنود، لأننا عندما نفكر في الحروب، نميل عادةً إلى تصور الجنود والمعارك والدبابات وما إلى ذلك. لكن الحقيقة هي أن الحروب تقتل عادةً عددًا أكبر من المدنيين مقارنةً بالجنود. ويواجه المدنيون أعباء هائلة، سواء بسبب العنف أو كذلك بسبب الصدمات المستمرة التي سترافقهم على مر السنوات اللاحقة".
قال نغويين هذا بعد إلغاء قراءة مذكراته "رجل بوجهين" في المركز الثقافي "92nd Street Y" التي تتحدث عن هجرته من فيتنام، وذلك لأنه وقّع على خطاب مفتوح في مجلة "London Review of Books" يطالب من خلاله بـ"إنهاء العنف والدمار في فلسطين". تعتبر الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام عن سكان غزة، التي لا تملك جيشًا وقُتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين، مثالًا صارخًا على تجريد المدنيين من إنسانيتهم في وسائل الإعلام الغربية.
في سياق الثنائيات التي تحدد كيف ينظر الصحفيون إلى الأرواح على أنها "تستحق الحزن أو لا تستحق الحزن"، كما شرحت جوديث بتلر في كتابها "إطارات الحرب" - أو إذا اعتبر المراسلون تلك الأرواح "ذات قيمة" و"بلا قيمة"، كما وصف إدوارد هيرمان نعوم تشومسكي في "تصنيع الموافقة" - قدّم الصحفيون والسياسيون الأميركيون الرئيسيون، بشكل عام، حالات وفاة الفلسطينيين كما لو أنها أرواح غير مستحقة للحزن وبلا قيمة.
تُعامل حالات الوفاة في فلسطين وكأنها مجرد أرقام، إن وُجدت أساسًا. في تشرين الأول/أكتوبر، عندما سُئل الرئيس الأميركي جو بايدن عن الآلاف من الضحايا المدنيين، أجاب بأنه ليس لديه "ثقة" و"لا تصور" بأن الفلسطينيين يتحدثون بصدق بشأن العدد الحقيقي للأشخاص الذين قُتلوا.
"حالما تُحرر القصص، تصل إلى جمهور أوسع، مما يعزز مشاعر التعاطف.. ومشروع «شهداء غزة» يُحوّل وسائل التواصل الاجتماعي إلى فعل من الحب".
تُعتبر مبادرة مثل "شهداء غزة" تدخلًا حيويًا لمواجهة تجريد إنسانية شعب يعاني من إبادة جماعية واستهداف منهجي. مع وجود 142.000 متابع على "إكس" و62.000 على "إنستغرام"، يهدف هذا المشروع على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تكريم ذكريات الغزيين الذين قُتلوا خلال الهجوم الإسرائيلي، بطريقة تعكس الإنسانية والتعاطف، وسيستمر في هذا المسعى طالما أن القائمين عليه في غزة لا يتحولون إلى شهداء بأنفسهم في خضم هذا الاضطهاد المستمر.
تحدثت مع المؤسسة والكاتبة الرئيسية لفريق "شهداء غزة"، المكون من أربعة أفراد، من موقع في غزة نُفضل عدم الكشف عنه حفاظًا على سلامتها. بعد محاولتين فاشلتين للتواصل عبر الهاتف بسبب ضعف الاتصال بالإنترنت أو القصف العنيف، جرت معظم محادثتنا عبر الرسائل الصوتية والنصية على واتساب. وقد تم تعديل المقابلة بشكل طفيف جدًا لإيصال المعنى بوضوح أكبر.
- ستيفن ثراشر: شكرًا جزيلاً لك على التحدث معي. أنا ممتن لجهودك، ولا أريد أن أضعك في أي خطر إضافي يتجاوز ما تواجهينه بالفعل. ماذا ترغبين في قوله عن نفسك وحياتك دون أن يعرض ذلك سلامتك للخطر؟
شهداء غزة: أنا روزان، في سنتي الأخيرة في الجامعة، أدرس الصيدلة. لدي عائلة صغيرة تملأ حياتي، لكن حياتنا الآن انقلبت رأسًا على عقب بسبب الإبادة الجماعية التي نتعرض لها.
- ستيفن ثراشر: تكتبين باللغة الإنجليزية بشكل جميل جدًا. هل أنتِ صحفية؟ أم أنكِ درستِ الصحافة في الجامعة؟ وإذا كنتِ صحفية، هل سبق لكِ أن كتبتِ "نعيًا" من قبل؟
شهداء غزة: لا، لستُ صحفية، لكنني أحب كتابة وقراءة القصص، لذلك يمكنك القول إن كتابتي جيدة. [هناك صحفي يقوم بتصوير الفيديوهات الأصلية وبعض الصور التي تُنشر على حساباتهم].
ستيفن ثراشر: من فضلك، احكِ لي عن مشروع "شهداء غزة". كيف جاءت لك فكرة القيام بهذا المشروع؟
شهداء غزة: كانت الإبادة الجماعية صادمة لنا جميعًا. في لحظة ما، شعرت أن لا أحد منا سينجو. بكيت كثيرًا، خوفًا من أن أموت دون أن يتذكرني أحد. كان من الصعب سماع الأخبار يوميًا، التي تقول أن إسرائيل قتلت 100، 200، 300، أو حتى 1.000 فلسطيني. هؤلاء الأشخاص كان لديهم قصص وأحلام وحياة طبيعية، عكس ما تصوره إسرائيل وتصفهم بأنهم إرهابيين. لذلك، قررت أن أظهر زيف الادعاءات الإسرائيلية من خلال الكتابة عن الحقيقة وراء حياة هؤلاء الشهداء وكيف كانوا أشخاصًا رائعين.
ستيفن ثراشر: تعرفت على رفعت العرعير قبل وفاته من برنامج تلفزيوني أمريكي يُدعى "الديمقراطية الآن!"، وعلى مشروعه "نحن لسنا أرقامًا". مثل مشروعك، أحب كيف يُسهم "WANN" في إنسانية الناس. هل كان مصدر إلهام لك؟
شهداء غزة: شهداؤنا ليسوا مجرد أرقام؛ هذه عبارة لطالما رددها الجميع في فلسطين. نحن نؤمن بأن شهداءنا يستحقون التكريم والذكر والاحتفاء بهم. كان الدكتور رفعت شخصية ملهمة للجميع، وقد اجتمع الجميع على محبته وتقديره.
- ستيفن ثراشر: كيف تجدين القصص والصور التي تكتبين عنها؟
شهداء غزة: تصلني القصص من الأشخاص المقربين، سواء كانوا أفرادًا من العائلة أو الأصدقاء أو الزملاء. أستلم هذه القصص باللغة العربية وأقوم بترجمتها إلى الإنجليزية. التأثير الذي تتركه هذه القصص عليّ غالبًا ما يكون مؤلمًا لدرجة تُفجر مشاعري وتدمع عيني، مما يؤثر سلبًا على صحتي النفسية بسبب انغماسي العميق في تفاصيلها المؤلمة. ومع ذلك، تنشأ السعادة الحقيقية عندما يتفاعل الناس مع قصص الشهداء، ويجدون فيها هدفًا ومعنى لحياتهم.
"المشاهد التي تراها على الشاشات أو وسائل التواصل الاجتماعي ليست سوى جزءًا صغيرًا من الحقيقة. هناك المزيد من القصص الفظيعة والمأساوية التي تستحق أن تُروى".
- ستيفن ثراشر: في أميركا، لدي أصدقاء فنانين يشاركون في مشروع رائع يسمى "فصل الرحمة". شعارهم هو "أتمنى أن تعرف كم أنت محبوب". يذهبون إلى مواقع وقعت فيها أحداث عنف مروعة في أمريكا - مثل حادثة إطلاق النار في مدرسة يوفالدي، تكساس - ويقومون بإقامة نُصب تذكارية تكريمًا للأشخاص الذين قُتلوا. من ضمن ما يفعلونه هو العثور على صور جميلة للأشخاص المتوفين وإنتاج نسخ منها بحجمهم الفعلي، حتى لا يعرف الناس فقط عن مآسي وفاتهم، بل يشهدون أيضًا جمال حياتهم. مشروع "شهداء غزة" يستخدم أيضًا صورًا لأشخاص مبتسمين وسعداء. كيف اتخذتِ قرار تصوير الأشخاص بهذه الطريقة؟
شهداء غزة: [نريد أن نقدم صورًا لهم] من حساباتهم الشخصية وحياتهم قبل الحرب.
- ستيفن ثراشر: لقد عملت في مشروع توثيقي شفوي في أميركا يُدعى "StoryCorp"، حيث يأتي صديقان أو فردان من العائلة إلى غرفة تسجيل لطرح الأسئلة على بعضهم البعض. كان شعار المشروع هو "الاستماع هو فعل من الحب". كيف ترين دور الحب في عملك؟
شهداء غزة: حالما تُحرر القصص، تصل إلى جمهور أوسع، مما يعزز مشاعر التعاطف. الحب، كما يتجلى في مبادرات مثل "StoryCorps"، هو قوة عظيمة، ومشروع "شهداء غزة" يحوّل وسائل التواصل الاجتماعي إلى فعل من الحب.
- ستيفن ثراشر: الصبي الذي قمت بمقابلته في الفيديو قبل بضعة أسابيع، اليتيم الذي كان يبيع أشياء في الشارع، كان قد فقد جميع أفراد عائلته عدا أخيه؛ كان يبدو مليئًا بالحب. هل تعرفين ماذا حدث له؟
شهداء غزة: حتى هذه اللحظة؟ لا أعرف!
- ستيفن ثراشر: يؤسفني سماع ذلك.
شهداء غزة: أعتذر، لكن نعم. الفيديو من شمال غزة، وليس من رفح. فقَدَ الصبي عائلته بالكامل، وهذا ما جعله وأخاه الناجيين الوحيدين في العائلة. وهو الآن يتحمل مسؤولية أخيه.
- ستيفن ثراشر: لدي بعض الأسئلة النهائية ذات الصلة، ثم أود أن أترك هذه المقابلة لك. هناك كلمة بالعربية ليس لدينا ما يعادلها في الإنجليزية، أعتقد أنها "ثكلى". هل يمكنك توضيح معناها؟
شهداء غزة: هذه الكلمة تشير إلى الأم التي فقدت ابنتها أو ابنها. لست متأكدة من وجود مصطلح مكافئ لها في اللغة الإنجليزية.
- ستيفن ثراشر: أعتقد أنك ثكلى. صُدِمت وتأثرت عندما قرأت أن ابنتك المحبوبة، نور، قُتلت على يد إسرائيل، المدعومة من الولايات المتحدة. هذا لا يكفي، لكن دعيني أقدم تعازيّ القلبية الحارة. أنا آسف جدًا لهذا الفقدان الذي لا يمكن تصوره. لقد لمستني كلماتك عندما قلتِ: "بعد رحيلها، تحولت حياتي إلى صحراء فارغة، رغم الازدحام الكبير من حولنا". هل يمكنكِ أن تخبريني عن نور؟ وكيف تستطيعين القيام بهذا العمل الكبير والمهم لمساعدة الآخرين في تذكر أحبائهم، بينما تحملين كل هذا الحزن في داخلك؟
شهداء غزة: في الواقع، نور هي ابنة زميلتي التي عملت معي في المشروع نفسه الذي يوثق قصص الشهداء. استمرت في العمل بعد هذه الحادثة المأساوية، وكتبت القصص كوسيلة للتعامل مع ألمها. لقد صدمنا جميعًا بخبر استشهاد نور، وانهارت والدتها لفترة طويلة. لكن زميلتي قررت أن تستمر في العمل معي وكتابة القصص، رغم أن الأمر كان صعبًا جدًا عليها. في النهاية، اختارت التوقف عن كتابة وقراءة قصص الشهداء لأن ذلك أثر سلبًا على صحتها النفسية.
- ستيفن ثراشر: تعازيّ لزميلتك.
شهداء غزة: ؟
- ستيفن ثراشر: أخيرًا، لدي سؤال أخير، ثم سأترك لك المجال. لقد رأيت على حسابك أنكِ تقدمين المساعدات للناس. يبدو أنه من الصعب جدًا إدخال الأموال أو المساعدات إلى غزة من أميركا. ماذا تفعلون لتحقيق ذلك؟ وكيف يمكن لقرائنا دعم عملكم؟
شهداء غزة: بالإضافة إلى توثيق القصص، فإن مساعدة النازحين الذين يحتاجون إلى الأساسيات مثل الغذاء والدواء أمر بالغ الأهمية. يمكن للقراء دعم هذه الجهود من خلال مساعدة النازحين الذين يواجهون صعوبات يومية بسبب القيود المفروضة على وصول المساعدات.
- ستيفن ثراشر: هل يمكن للقراء التبرع لمشروع "شهداء غزة"؟
شهداء غزة: نعم، بالتأكيد. هذا يساعدنا على تقديم المزيد من الدعم للنازحين الذين يعيشون في المخيمات.
- ستيفن ثراشر: الآن، أود أن أترك لك المجال. هل لديك أي أسئلة تودين طرحها عليّ؟ أو شيء تودين قوله لشعوب العالم؟ لشعب الولايات المتحدة؟
شهداء غزة: أولًا، شكرًا جزيلًا لك، السيد ستيف. كان من دواعي سروري لقاؤك. أود أن أقول للعالم، وللشعب الأميركي بشكل خاص، إن ما نواجهه يعد من بين أسوأ الجرائم في التاريخ المعاصر. المشاهد التي تُعرض على الشاشات أو وسائل التواصل الاجتماعي ليست سوى جزء بسيط من الواقع. هناك قصص أكثر فظاعة
ومأساوية، وآمل أن يدعم الجميع ويقف معنا. نحن لسنا كما يصورنا الإعلام العالمي الذي يخدم أجندات سياسية. نحن أناس عاديون نحب الحياة والسلام، ولنا طموحات ومستقبل.
- ستيفن ثراشر: شكرًا لك، روزان. لقد تأثرت كثيرًا بكلماتك. شكرًا جزيلًا على وقتك، وعلى كل ما تقومين به. إنه هدية للشهداء وللناس الذين نحبهم، ولقرائك في جميع أنحاء العالم. آمل أن نلتقي يومًا ما في فلسطين وهي حرة. حتى ذلك الحين، أتمنى لك ولعائلتك البركة والأمان، صديقتي. إن شاء الله.
شهداء غزة: آمين، أتمنى ذلك أيضًا.