دونالد ترامب

ترامب يعيد التاريخ .. ماذا حدث في الكساد الكبير؟

13 أبريل 2025

يحبس العالم الآن أنفاسه، ويتابع الجميع بتخوف الحرب الاقتصادية التي أعلنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على جميع دول العالم تقريبًا، سواء حلفاء الولايات المتحدة أو مَن تعتبرهم الدولة من الأعداء.

أعلن الرئيس الأميركي في بداية شهر نيسان/أبريل الجاري، عن تعريفات جمركية بنسب متفاوتة على عدد من الدول، مثل الصين، ودول الاتحاد الأوروبي، لتبدأ تأثيرات تلك التعريفات سريعًا.

وعليه، انهارت أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم بشكل عنيف، لنسب تخطت الـ 10% في بعض الأحيان مثل بورصة هونج كونج التي انخفضت بنسبة 13.2%، وهو أسوأ يوم لها منذ الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت في عام 1997.

أما على صعيد الدول التي فُرضت عليها تلك التعريفات، فكانت الردود مختلفة، فمعظم الدول الأوروبية، لا تريد تصعيد وتيرة هذه الحرب، التي تعلم تمام العلم أنها ستؤثر على الجميع، أما الصين فلم تهتم بهذا المبدأ، وبدأت بفرض تعريفات مضادة على منتجات الولايات المتحدة.

ففي يوم 8 نيسان/أبريل، أعلن البيت الأبيض عن فرض رسوم جمركية على جميع الواردات من الصين بلغت نسبتها 108%، وذلك بعد أن أعلنت الأخيرة عن رسوم انتقامية بنسبة 34% على السلع الأمريكية.

فما كان من الصين إلا أن أعلنت يوم 9 عن زيادة الرسوم لتصل إلى 84% على جميع السلع الأميركية القادمة إلى الصين.

مع هذا التصاعد العنيف، بدأ خبراء الاقتصاد الأميركيون يحذرون من شبح الكساد والذي وصلت احتمالية دخول الولايات المتحدة فيه إلى 45%. أما بالنسبة للاقتصاد العالمي، فالخبراء قالوا إن احتمال دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الكساد تصل إلى 60%.

تلك التحذيرات التي انطلقت من العديد من المؤسّسات الاقتصادية مثل غولدمان ساكس وجي بي مورغان، عن احتمالية دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الكساد، ذكرت الجميع بواحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية التي مرت على العالم وهي الكساد الكبير الذي وقع في عشرينات القرن الماضي.

ما المقصود بالكساد؟

قبل الحديث عن الكساد الكبير، يجب في البداية تقديم تعريف بسيط عن ما المقصود بالكساد، وكيف يحدث، وسنحاول تقديم التعريفات بلغة سهلة بسيطة قدر الإمكان، لكي يسهل للجميع استيعابها.

التعريف الأبسط والأكثر شيوعًا للكساد الاقتصادي، هو حالة انكماش تصيب الاقتصاد لمدة ستة شهور متتالية وتؤثر على الناتج المحلي الإجمالي.

يعتبر الناتج المحلي الإجمالي أو "GDP" أهم مؤشر اقتصادي يقيس حجم اقتصاد الدول، ويشمل كل ما يُنتج في هذه الدولة، وفي حالة زيادة هذا المؤشر فهو دليل على صحة الاقتصاد كما يدل على نسب توظيف أفضل ودخل أعلى.

أما عندما ينخفض فهذا يعني أن الاقتصاد ليس على ما يرام وعندما لا يستمر الوضع على ما يرام لمدة ستة أشهر، يُعتبر ذلك ركودًا.

وهناك تعريف آخر للكساد، في الولايات المتحدة، يأتي مخصوصًا من المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية وهو الهيئة التي تعلن رسميًا عن الكساد، حيث يُعرف المكتب، الكساد بأنه "انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي ينتشر في جميع أنحاء الاقتصاد ويستمر لأكثر من بضعة أشهر".

ولمزيد من التبسيط، مفهوم الكساد، هو توقف حركة الإنتاج مما يعني نقص الوظائف وعمليات تسريح ضخمة، وتخفيض للأجور، وارتفاع جنوني في الأسعار بسبب قلة المعروض، وزيادة نسبة الفقر في المجتمعات، وزيادة معدلات الإفلاس سواء للمؤسسات والشركات أو الأفراد، وانخفاض حركة التجارة الدولية، وانخفاض في قيمة العملات.

في حال دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الكساد، بسبب الحرب الاقتصادية التي بدأها الرئيس الأميركي ترامب، ستعاني غالبية الدول، التي بدأت لتوها من الخروج من تبعات الأزمة التي تعرضت لها بسبب جائحة كورونا، وسيشهد اقتصادها سيناريو مرعب شهده العالم من قبل من حوالي 100 عامًا.

الكساد العظيم

يُعدّ الكساد الكبير الذي بدأت أحداثه في عام 1929 أقوى انهيار اقتصادي في التاريخ الحديث، والذي تأثر به الاقتصاد العالمي لمدة عقود طويلة، وشكّل الفكر الاقتصادي لعقود تالية.

بدأ الكساد في الولايات المتحدة في البداية، ثم بدأت تداعياته في الانتشار حول جميع أنحاء العالم، ليؤثر على كل الدول الصناعية تقريبًا، وليعلن عن حقبة جديدة تشهدها البشرية.

تبدأ أحداث هذا الكساد في شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1929، بانهيار ضخم في سوق الأسهم الأميركية، حيث فقدت السوق ثُلث قيمتها في أسبوع واحد فقط، والذي كان هذا الانهيار جرس إنذار بنهاية حقبة العشرينات الحالمة الهادئة التي تمتع فيها الاقتصاد الأمريكي بحالة من الأزدهار بعد نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918.

لو أردنا تقسيم هذا الانهيار، فيمكن تقسيمه على فترتين، الأولى بدأت من عام 1929 إلى منتصف عام 1931، والفترة الثانية والتي تعتبر قمة الأزمة فهي من  منتصف عام 1931 إلى عام 1933.

هذه المرحلة شهدت انهيار اقترب من الـ 50% في معدلات الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة، كما انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 30%، وارتفعت معدلات البطالة لمستويات قياسية لتصل في عام 1933 إلى 25%، الأمر الذي جعل مظاهرات العاطلين في شوارع واشنطن هو أمر اعتيادي مطالبين بحل هذه المشكلة.

وتفاقمت الأزمة الاقتصادية بسلسلة من حالات الذعر الاقتصادي والتي ترتب عليها إفلاس نصف البنوك في الولايات المتحدة بحلول عام 1933.

أسباب الكساد الكبير

لم يقع الاقتصاد الأميركي ثم تبعه بعد ذلك الاقتصاد العالمي في الكساد الكبير، بسبب واحد، بل كان نتيجة تفاعلات معقدة سواء اقتصادية أو اجتماعية كانت السبب في خلق هذه الأزمة غير المسبوقة.

العوامل الاقتصادية

تعتبر زيادة معدلات المضاربة في سوق الأسهم من أبرز العوامل التي تسبب في حالة الكساد، وهي هو أمر كان شائعًا خلال العشرينات في الولايات المتحدة.

فبعد حالة من الانتعاش الاقتصادي، وارتفاع المدخرات لدى المواطن الأميركي، قرر توجيه هذه المدخرات إلى سوق الأسهم، لزيادة قيمتها بشكل سريع، وأدى هذا إلى خلق "شراء للأسهم بأموال مقترضة من البنوك" لترتفع قيمة الأسهم بشكل أكبر من قيمتها الحقيقة.

كان المستفيد الأكبر من ارتفاع الأسهم بهذه المعدلات القياسية، هم كبار المستثمرين، والذين قرروا الانسحاب فجأة من سوق الأسهم، وبيع ما يمتلكونه من أسهم بعد وصولها لأسعار مرتفعة، لتبدأ السوق في الانهيار.

أدى هذا الانهيار إلى اختفاء مليارات الدولارات من المدخرات والثروات التي وضعها الأمريكيين في سوق الأسهم، ليجدوا أنفسهم مفلسين، بالإضافة إلى مطالبة بعضهم بسداد قيمة القروض التي أخذوها من البنوك للاستثمار في سوق الأسهم.

بسبب حالة الهلع، بدأ الأمريكيين في سحب أموالهم الموجودة في البنوك خوفًا من إفلاس هذه البنوك، لتحدث سلسلة من إعلانات الإفلاس للبنوك.

كما لعب النظام النقدي، القائم على ربط قيمة العملة بالذهب الموجود لدى البنوك المركزية، دورًا حاسمًا في تفاقم الأزمة، وإلجام البنوك المركزية والحد من قدرتها على زيادة المعروض النقدي لمعالجة الانكماش الاقتصادي.

وكأن المشهد العام الاقتصادي ليس مزري بشكل كافٍ، ليأتي الرئيس الأمريكي، هربرت هوفر، في عام 1930 ويعلن عن قانون "سموت-هاولي" الخاص بالتعريفات الجمركية، ليرفعها بشكل كبير على الواردات القادمة إلى الولايات المتحدة، لتتفاقم الأزمة سواء في الداخل الأمريكي أو على الاقتصاد العالمي بشكل كامل.

كان الهدف من هذه التعريفات حماية الصناعات الأمريكية، لكنها أثارت رسومًا جمركية انتقامية من دول أخرى - كما هو الحال اليوم - مما أدى إلى شبه توقف وشلل في حركة التجارة الدولية، ليبدأ الطلب العالمي والانفاق في الانخفاض، بالإضافة إلى دفع الشركات لخفض الاستثمار لضعف طلب المستهلكين على السلع، لِتُخلق فجوة كبيرة بين الطلب المنخفض والإنتاج، ليسيطر الكساد الكبير على العالم بأثره.

العوامل الاجتماعية

لم تكن المسببات الخاصة بالكساد الكبير، كما قلنا من قبل، اقتصادية فقط، ولكن كان هناك أيضًا عوامل اجتماعية.

أبرز تلك الظروف كانت، التفاوت القوي في توزيع الثروات خلال فترة العشرينات، وهذا أدى إلى افتقار شريحة كبيرة من السكان إلى الاحتياطيات المالية اللازمة لمواجهة الأزمات الاقتصادية.

تلك الشريحة هي الطبقة العاملة في قطاع الزراعة والصناعة، والتي ظلت طوال العشرينات تحت ضغط الإفراط في الإنتاج الزراعي والصناعي أو الإنتاج الزائد عن الحد، والذي ينتج عنه انخفاض سواء في الأجور أو قيمة السلع، ولكن عادًة ما يكون انخفاض الأجور بنسبة أعلى.

ومع تدني الأجور، لجأت فئة كبيرة إلى الاستعانة بقروض البنوك، فأصبحت تلك الأسر تحت ضغط مالي ونفسي كبيرين، ومع انهيار سوق الأسهم، فقد جزء كبير من الشعب الأمريكي الثقة في الاقتصاد والمؤسسات الاقتصادية، التي ضاعفت معاناته المالية، لينتشر الرعب بين جميع طبقات الشعب الأمريكي، وهناك قاعدة اقتصادية تقول عند زيادة الخوف، يقل الإنفاق، وهذا ما حدث بالفعل.

تداعيات الكساد الكبير على الاقتصاد العالمي

هذه الأسباب التي ذكرناها أعلاه، كانت سببًا في انتشار تداعيات الكساد الكبير خراج حدود الولايات المتحدة، لتبدأ تؤثر على الاقتصاد العالمي.

انهارت حركة التجارة الدولية بنسبة وصلت إلى 65% بين عامي 1929 و1934 وهذا بسبب قانون التعريفات الجمركية "سموت-هاولي"، لتبدأ حرب اقتصادية بين الولايات المتحدة وبين الدول الأخرى وبسببها تم خنق حركة التجارة العالمية.

وبسبب التمويل العالمي، وحرية نقل الأموال والاستثمارات بين الدول، والأسواق المترابطة، ونظام ربط قيمة العملة بمخزون الذهب، بدأت تتأثر دول أخرى بالهزة الاقتصادية التي تعرضت لها سوق الأسهم الأمريكية، والبنوك.

فبدأت الاستثمارات الأمريكية في الانخفاض لدى الدول الأوروبية بالإضافة إلى الإقراض أيضًا، مثل ألمانيا التي كانت تعتمد على الاقتراض من الولايات المتحدة لسداد تعويضات الحرب العالمية الأولى التي فُرض عليها دفعها، وبعد الأزمة ومع هروب السيولة عانت ألمانيا من انهيار اقتصادي شبه كامل.

بينما عانت باقي الدول الأوروبية لنفس الأسباب المذكورة، ونتيجة لذلك انخفض الإنتاج الصناعي في جميع دول العالم، وبين عامي 1929 و1932 انخفضت وتيرة الإنتاج الصناعي بنسبة 46% في الولايات المتحدة، وألمانيا بنسبة 41%، وفرنسا بنسبة 24%، والمملكة المتحدة بنسبة 23%.

هذه الانخفاضات قدمت لنا نسبة مرعبة من معدلات البطالة العالمية القياسية والتي وصلت ذروتها إلى 30% وذلك في عام 1932.

تسبب الكساد الكبير في موجة من الفقر والجوع والتشرد وارتفاع معدلات الجريمة في جميع أنحاء العالم تقريبًا، لتواجه العائلات صعوبات مختلفة وتبدأ مجموعة من الاضطرابات الاجتماعية لتزيد من حِدّة الأزمة.

تلك الاضطرابات والمشاكل تضاعف تأثيرها وحِدّتها في الدول النامية، مثل دول الشرق الأوسط، ومصر من بينهم، والتي كان اقتصادها قائمًا على بيع محصولها من القطن وتصديره إلى الخارج، ومع توقف حركة التجارة العالمية وانتشار شبح الكساد في دول العالم بأثره، أصبح هذا المحصول غير مرغوب فيه لتهوى أسعاره بشكل عنيف.

في كتابه "أزمة الكساد العالمي الكبير وانعكاسها على الريف المصري 1929-1934"، قدم علي شلبي صورة قاتمة وحزينة للغاية عن الريف المصري، وكيف تأثر بهذه الأزمة الاقتصادية العالمية.

من المعلوم أن الريف المصري، كان مهمشًا بشكل كامل، خلال هذه الفترة، وعانى حتى قبل الكساد، من معدلات فقر كبيرة، ومع وجود الأزمة ازدادت معاناة أهل الريف.

يقول شلبي إن هبوط أسعار الحاصلات الزراعية صاحبه تراجع إنتاجية الأراضي، لعدم القدرة على الإنفاق بشكل يوفر كل مستلزمات العملية الزراعية، مثل الأسمدة وأمور أخرى لرعاية المحاصيل الزراعية، وفي نفس الوقت ارتفعت أسعار السلع الضرورية مثل الخبز والبقوليات والمحروقات والسكر.

ويؤكد أن أسعار السلع الأساسية ارتفعت في مصر بنسبة تتراوح بين 50% و100%.

هذا الارتفاع الضخم في أسعار السلع كان بسبب حرب التعريفات الجمركية التي بدأتها الولايات المتحدة، ولحماية المنتجات المصرية، أعلنت الحكومة فرض رسوم جمركية على بعض المنتجات الواردة للسوق المصري بلغت 67%.

بالطبع لم يلتزم التجار - مع ضعف المراقبة الحكومية - بفرض الزيادات على المنتجات المحددة فقط، فتم رفع أسعار عدد كبير من السلع، مما دفع الحكومة المصرية إلى إنشاء قسم خاص في وزارة الداخلية سُمي "قسم مكافحة الغلاء"، وهذا يدل على استفحال الأمر في عموم مصر بكاملها.

وفي نقطة أخرى من الكتاب، يقدم شلبي جانب خاص بتفشي البطالة في مصر، حيث استغنت الحكومة عن عدد كبير من موظفيها لقلة الأموال، وحتى أصحاب الأعمال الخاصة، بدأوا أيضًا في موجة تسريح للعمال، لتزيد نسبة العاطلين عن العمل.

وبسبب هذه الموجة من التسريح، بدأت تشهد مصر ازدياد في معدلات الانتحار بسبب الضيقة المالية وعدم وجود أي حلول لهذه الأزمة، والتي دفعت البعض إلى اللجوء لإنهاء حياتهم.

يذكر شلبي واقعة أوردتها جريدة الأهرام عن عائلة في محافظة الشرقية قررت التخلص من هذه الأزمة بغلق بابها، وانتظارها للموت بسبب الجوع، بعد بيعها جميع ما تملك، وكانت من قبل عائلة ميسورة الحال.

كما أورد قصة انتحار تاجر قطن في دمياط بعد تدهور حالته المالية بسبب تكالب الديون عليه، وعندما لم يجد أي طريقة لسداد تلك الديون، قرر القفز في نهر النيل، ليعثر الفلاحين على جثته.

لم يكن الجميع يفكر في التخلص من مشاكله المالية بالانتحار، فهناك حلول أخرى، أقدم عليها البعض مثل السرقة والقتل، حيث ارتفعت وتيرة هذه الجرائم بشكل كبير بسبب هذه الأزمة الخانقة.

كما أقدم البعض الآخر على حلول أخرى، وكانت الاتجار في المخدرات، والدخول في عالم الدعارة، فانتشرت تجارة المخدرات بشكل واسع عبر جميع محافظات مصر، ويدلل شلبي على هذا الانتشار إلى انهيار الأوضاع الاجتماعية والصحية في البلاد بسبب أزمة الكساد الطاحنة.

وفي عام 1931 وصل عدد مدمني المخدرات في مصر، وفقًا للتقرير السنوي لمكتب مكافحة المخدرات، إلى نصف مليون شخص، ووفاة حوالي 20 ألف نفس جراء تعاطي المخدرات سنويًا. أمّا البغاء فكان مصرحًا به ورسميًا في ذلك الوقت في مصر، ولكن غالبية هذه البيوت التي كانت تُدار للدعارة كانت يديرها أجانب، إلا أن نسبة هذه هذه البيوت قد ارتفعت.

كانت آثار الكساد الكبير متفاوتة بين الدول، لكن كان للولايات المتحدة النصيب الأكبر والأشد وطأة، حيث شهدت تراجع في معدلات الإنتاج، وارتفاع معدلات البطالة بمستويات قياسية، وإفلاس لعدد ضخم للمصارف.

أما في أوروبا كانت ألمانيا هي الأكثر تضررًا كما قلنا من قبل بسبب ديون الحرب العالمية الأولى، وتوقف التجارة الدولية، بينما عانت بريطانيا وفرنسا من انخفاض كبير في معدلات الإنتاج الصناعي تبعه موجة ضخمة من البطالة.

التعافي من الكساد العظيم

التعافي من الكساد الكبير استمر لفترة طويلة للغاية وشاقة، حيث بدأت الدول في تبني سياسات وبرامج اقتصادية مختلفة لمحاولة حل المشكلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

يصل الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت إلى البيت الأبيض في عام 1933، لينفذ خطة اقتصادية عرفت آنذاك بـ"الصفقة الجديدة"، والتي كانت تتمحور حول عدة برامج تهدف إلى توفير الإغاثة للعاطلين عن العمل، وزيادة معدل الانتعاش الاقتصادي، وتقديم مجموعة من الإصلاحات للنظام المالي.

ولإرجاع الثقة في النظام المصرفي مرة أخرى، تم إنشاء - ضمن الخطة الاقتصادية - المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع، وبرامج أخرى لدعم قطاع الأعمال والقطاع الزراعي.

ومع وصول الأنظمة الشمولية لحكم بعض الدول الأوروبية، مثل هتلر وموسوليني، بدأ سباق التسلح، والتي استفادت منه الولايات المتحدة بزيادة معدلات إنتاج الأسلحة وتشغيل المصانع الضخمة مرة أخرى، وهذا ساعدها بشكل كبير على التعافي السريع في الفترة قبل الحرب العالمية الثانية.

أما الدول الأوروبية فخفّضت بريطانيا قيمة الجنيه الإسترليني، كما خفضت أسعار الفائدة، مما أنعش حركة الصادرات البريطانية وجعلها أكثر قدرة على المنافسة، لتبدأ موجة خفيفة من الانتعاش.

في حين شهدت ألمانيا بعض الانتعاش المبدئي من خلال خطة الأشغال العامة وتطوير الطرق الألمانية، بالإضافة إلى التركيز على إعادة التسلح في ظل النظام النازي.

أمّا أبرز دروس الكساد الكبير فهو تغير دور الحكومة في الاقتصاد، إذ كانت الدولة قبل أزمة الكساد تراقب الأسواق وحركة الاقتصاد كمراقب، وبعدها أصبح تدخل الحكومات بشكل فاعل في الاقتصاد هو أمر مطلوب عند الضرورة، لتجنب مشاكل قد يصعب السيطرة عليها في بعض الأحيان، وأدى ذلك إلى مزيد من التنظيم للأسواق المالية، ومزيد من الضمانات الاجتماعية مثل التأمين ضد البطالة والضمان الاجتماعي.

 

الكلمات المفتاحية

الأكثر قراءة

1

حكاية سيد درويش.. الحب والثورة والزوال

اعتُبر سيد درويش مخلّصًا للأغنية المصرية من عجمتها التركية، وقال البعض إنه أعاد الموسيقى إلى أصلها العربي كما كانت في زمن الخلافة العباسية

2

أشرف الصباغ: المكان في رواياتي هو ما يتركه البشر خلفهم

بدأ أشرف الصباغ طريقه بين رموز المعادلات وقوانين الفيزياء، لكنه وجد نفسه لاحقًا في قلب العواصف السياسية، ولعب دورًا لافتًا في ترجمة الأدب الروسي إلى العربية

3

ثلاثية الصعيد.. النيل والسكك الحديدية والموالد

الاحتفاء والاحتفال بموالد الأولياء، لا يقف عند المظهر الديني أو التدين الشعبي، بل يعكس حوارًا عابرًا للحضارات والثقافات

4

الأغاني العربية والثورات.. تاريخ بلغة النوتات

بقيت الأغاني العربية ملئية بأسماء الشخصيات الثورية والنضالية التي خلّدت في أرشيف المقاومة والوطنيات، أمثال الشيخ أحمد ياسين، وأبو إبراهيم، وكمال عدوان

5

أزمة المناخ العالمية.. النساء يدفعن الثمن وقد يمتلكن الحلول

تدفع النساء الثمن الأكبر للأزمات المناخية والبيئية، العائدات على الأراضي التي تديرها النساء أقل من تلك التي يديرها الرجال

اقرأ/ي أيضًا

التعليم التحرّري

التعليم التحرّري.. بين خوف الطغاة وحاجة المقهورين

أولى التجارب التطبيقية للتعليم التحرّري في فلسطين تعود إلى سنة 1909، حيث ألغى خليل السكاكيني العقوبة البدنية للطلبة بوصفها "بربرية وتعود إلى القرون الوسطى"

إسراء عرفات

الخوف
وارقة الخوف

وراثة الخوف

الخوف حالة نفسية تهدف لحماية الإنسان، لكن تجاوزه يتطلب تجربة شخصية، لا الاكتفاء بوراثته عن الأسلاف

ميادة نصار

الإبادة الجماعية

الإبادة الجماعية.. من الإدانة إلى الدعم المطلق

تذكر موسوعة الهولوكوست أن المحامي اليهودي البولندي رافائيل ليمكين، هو أول من صاغ كلمة "الإبادة الجماعية"

فريق التحرير

حركت BDS

كيف تحولت BDS إلى كابوس لإسرائيل؟

تتخذ حركة المقاطعة BDS طابعًا أساسيًا، حيث لا يقتصر على معارضتها السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، بل تؤكد على ضرورة ربط الحرّية الأكاديمية مع حقّ الوصول إلى التعليم المستدام والميسر

آمنة بعلوشة

بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمان وعباس محمود العقاد

بنت الشاطئ ونيران العقاد

ساهمت المعارك الأدبية في تنشيط الحياة الثقافية، فأثرت واقعها، وتركت ميراثًا مهمًا من الكتابات

ممدوح النابي

المزيد من الكاتب

إسلام أحمد

كاتب مصري

المولد النبوي واحتفالاته.. رحلة عبر الزمن

لم يبدأ المسلمون الاحتفال بذكرى المولد النبوي إلا في عهد الدولة الفاطمية، التي استخدمته لإبراز قوتها الاقتصادية، واستمالة العامة إليها بحبهم للنبي

وحيٌ ورسائل وبوصلة.. حكاية الرؤى في الإسلام

يكشف ما كتبه المسلمون عن الرؤى والأحلام أنها لعبت دورًا مهمًا في تاريخ الإسلام بنقلها رسائل إلهية أحيانًا، واعتبارها أداة توجيه وإلهام في أحيان أخرى