عمرو فتحي من مواليد عام 1971 بالجيزة، ويشغلُ حاليًّا منصب مدير إدارة النُظم والمعلومات بغرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات المصرية، حصل على دبلوم دراسات عُليا تخصّص تذوق فنّي من المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، وصدر له عن دار الكرمة "موسوعات أغاني عبد الحليم حافظ" (2019)، و"قائمة القراءة: كبار الكُتّاب يرشحون لك أجمل وأهم الكتب" (2023)؛ "نجيب محفوظ: عن الكتابة" (2025)، كما صدر له عن مؤسسة غايا للإبداع كتاب "فايزة أحمد: كروان الشرق"(2025).
وعلى الرغم من دراسته للتجارة وإدارة الأعمال، فإنّ شغفه بالموسيقى والأدب، دفعه لإنجاز مجموعةٍ من الأعمالٍ المهمة والتي أتينا على ذِكرها. ومن يطالع هذه الأعمال، يُلاحظ مدى الجُهد المبذول في جمع المصادر وترتيبها وتنوعها، كأنه عمل مؤسسي.
ولأنه واحد من عُشّاقِ "كروان الشرق" المطربة الكبيرة فايزة أحمد، قبل أن يكون الموّثق لسيرتها وأعمالها الفنية الممتدة والمتشعبة بين عواصم عربية مختلفة، كان لنا معه هذا الحديث عبر "ميغازين". والذي سعينا من خلاله إلى استكشاف العديد من المحطات التي تخصّ مسيرتها بالإضافة إلى محاولتنا لإزالة الالتباس حول نقاطٍ عدة، ظلّت متداولة للسنواتٍ بعيدة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمنتديات على نحو مرسل.
وقد اعتمد الباحث فيه على المجلات الفنية الأساسية إلى جانب مجلة الإذاعة، عمل سجل أشبه بقاموس مصّغر لأغنيات فايزة وأبرز ما قيل فيها إلى جانب اسم المؤلف والملحن وأحيانًا الموزع والمقام المُستخدم. كما ضمت بدايات الفصول توثيق لسيرة فايزة في كل مرحلة وأبرز المحطات الفنية والأحداث التي خاضتها مع الأخذ في الاعتبار السياق الجغرافي والتاريخي للأحداث. ومن يطالع الكتاب سيدرك التقارب المنهجي بينه وبين موسوعة أغاني عبد الحليم حافظ، وكأنه نقطة مكملة لما سبق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- في البداية دعني أسألك: لماذا فايزة أحمد؟
لأنها تستحق كتاب يوثق تاريخ حياتها وأعمالها الفنية المتميزة، إنَّ فايزة أحمد مطربة هامة في تاريخ الغناء العربي، غنتْ أكثر من 300 أغنية، ومثلتْ وغنتْ في سبعة أفلام. امتد نشاطها الفني الناجح والطويل لمدة 33 سنة من عام 1950 حتى 1983، لها أهميّة عربية واضحةٌ، حيث أنها سورية لبنانية مصرية، لديها رصيد كبير من الأغاني الناجحة والتي تُعد من كلاسيكيات الأغاني العربية.
فعلى سبيل المثالِ تعد أغنيتها "ست الحبايب" الأغنية الأهم في تاريخ الغناء العربي عن الأم. عاشت حياة درامية في حياتها العادية والفنية واستطاعت التغلب على ما واجهها من معوقاتٍ. وتمتعت بالإصرار على النجاح ووهبت حياتها للفن. كما تمتعت بصوتٍ جميل قادر على الأداء السليم للمقامات الموسيقية الشرقية وجُمل التطريب واللزمات الطويلة.
- من الذي أطلق عليها لقب (كروان الشرق)؟
إن الشاعر الكبير كامل الشناوي هو من لقب فايزة أحمد بكروان الشرق.
- يبدو لمن يقرأ الكتاب أن يلاحظ بسهولة هذا الجهد الضخم في جمع المصادر وترتيبها وتنوعها، كم من الوقت استغرقت لإنجاز هذا العمل؟
4 سنوات.
- في رأيك، لماذا هذا اللغط حول مسألة نسبها وأصولها بين كونها لبنانية أم سورية وربما مصرية؟
يرجع ذلك إلى أنها ولدتْ وعاشتْ طفولتها في سوريا الكبرى، في عهد الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان (1923- 1946). ولذلك عندما كانت تُسأل في أوقاتٍ لاحقةٍ عن أصلها، كانت ترد في أحيانٍ بأنها سورية وأحيانٍ أخرى بأنها لبنانية. كما أنها فى عام 1975 ذكرت مرتين: مرة فى شهر أيار/ماي في خبر نُشر لها في جريدة الجمهورية، ثم مرّة أخرى فى شهر كانون الأول/ديسمبر ببرنامج مشهور بالتلفزيون المصري أنها مصرية، رغم نشأتها في سوريا ولبنان. وأنَّ والدها الحقيقي من أسيوط ووالدتها من الشرقية، ولها أقارب على اتصالٍ بهم في مصر.
- لعبت والدة فايزة دورًا مؤثرًا في حياتها، لكن يبدو أن هذا الدور اتسم بالتناقض بين الدعم تارة وتحصيل الأموال تارة أخرى. فهل رأيي سليم؟
لا أستطيع تأييد هذا، ولكن أعتقد أن ظروف حياتهما معًا في السنوات الثلاث عشرة الأولى من حياة فايزة أحمد، كانت فيها الكثير من التعقيدات والصعوبات والتحديات.
- تحدثت في البدايات عن ثلاثة أشخاص دعموها: رياض البندك، محمد محسن، رضا علي. فهل توجز لنا دور كل منهم؟
مكتشفها رياض البندك، هو ملحن فلسطيني كبير كان مقيمًا فى سوريا، وقد رعاها ونقلها من الغناء في المسارح متواضعة المستوى إلى الغناء فى إذاعة دمشق. كما أنه علَّمها أصول الغناء العربي المُتقَن، أما محمد محسن فهو ملحن سوري كبير عمل مع فايزة أحمد بعد اعتمادها في الإذاعة السورية، وكان متأثرًا بالأسلوب المصري في الغناء وخصوصًا أسلوب الموسيقار محمد عبد الوهاب، مما ساعدها على التاقلم بعد ذلك مع الغناء المصري.
فى الفترة التي غنّت فيها في العراق تعرفت على الملحن العراقي الكبير رضا علي والذي قدم لها أغاني ناجحة أهمها (ما يكفي دمع العين يا بويه). كان لغنائها في العراق أثرًا كبيرًا على شخصيتها الفنية. فقد تعرفت على طباع الوسط الفني الموسيقي ونظام عمل الفِرق الموسيقية وكيفية حفظ اللحن، كما عرفت أنواع مختلفة من الجمهور مثل جمهور الأفراح والملاهي الليلية. وكذلك استطاعت جمع ثروة كبيرة من المال.
- هل كانت أغنية "أنا قلبي إليك ميّال" السبب وراء شهرتها في مصر وما موقف محمد الموجي من صوتها؟
نعم، فهذه الأغنية في منتصف حزيران/يونيو 1956 حققت نجاحًا كبيرًا في مصر. وكان المستمعون يطلبون تكرار إذاعتها يوميًّا. أما الموسيقار محمد الموجي، فلم يكن مقتنعًا بفايزة أحمد قبل نجاح هذة الأغنية.
- هل حقًا تسببت أغنية (ياما القمر ع الباب) في كل تلك الضجة؟ وفي رأيك لماذا ثار العقّاد ونبيل بدر ضدها؟
بالفعل رغم نجاح الأغنية، فأنها تسبّبت في موجة عارمة من الانتقادات، ثار الكاتب الكبير عباس محمود العقاد وكذلك المذيع نبيل بدر على السياق الدرامى الذي تعبر عنه الأغنية، ولأنهما يمثلان الاتجاه المحافظ فقد اعتبرا أنه يسيء إلى أهل الريف والبنت المصرية.
- رغم كل ما لحّن الموسيقار محمد عبد الوهاب لفايزة من روائع (بريئة، حمّال الآسية، وقدرت تهجر، تراهني، خاف الله) وغيرها، هل يمكن القول بأن"ست الحبايب" هو العمل الذي خلّد اسمها إلى يومنا؟
نعم، لأن هذه الأغنية من حُسن حظ فايزة أحمد قد قدم كل صانعيها من مؤلف وملحن وهي كمطربة كل مشاعرهم وإبداعهم فيها بإخلاص شديد وفن عظيم، تحية لأمهاتهم وبالتالي للأم بصفة عامة.
- في مقالةٍ له عقب وفاتها نشرتها صحيفة النهار اللبنانية (1983) قال المؤرخ الموسيقي فكتور سحّاب إن عبد الوهاب أعطاها ألحانًا بدا فيها وكأنه يختبر سككًا مقامية جديدة، فهل تتفق مع هذا الطرح؟
نعم، فهي كانت تمتلك قدرة رائعة على تقديم ما يطلبه منها أي ملحن من إبداع.
- هل تحدثنا قليلًا عن اختيار الموسيقار محمد عبد الوهاب لها بصفة مستمرة في الأناشيد الوطنية تحديدًا (صوت الجماهير، الجيل الصاعد)؟
لا أعتقد أنها كانت من المطربات الرئيسيات في هذه الأناشيد.
- أعود إلى الموسيقار محمد الموجي وألحانه البديعة التي قدمها لها (يا تمر حنة، يا الأسمراني، قلبي عليك يا خي، بيت العز) وغيرها. في رأيك هل كان الموجي أفضل من استوعب جماليات صوتها؟
بلا شك أن ألحان الموسيقار محمد الموجي لها كانت كلها بديعة وروحها مصرية شعبية. وبالتالي هي التي حببت صوت فايزة أحمد وقربتها من آذان المستمع المصري من خلال الإذاعة.
- حدثنا عن بداية التعارف بين فايزة وأحمد والموسيقار محمد سلطان وهل فعلًا جاء اللقاء في الوقت الحاسم بعد انصراف الملحنين الكبار عنها؟
التعارف كان بين مطربة لها شعبية كبيرة ومن مطربات الصف الثاني بعد أم كلثوم مباشرة وملحن صغير في بدايته هو محمد سلطان، إلا أنني بعد بحثي هذا، أعتقد أنها لم تكن في حالة فنية صعبة ولم يصرف عنها الملحنين الكِبار. لكن يمكن اعتبار عام 1963 هو بداية تحوّل المِزاج الموسيقي في مصر والبحث عن شكلٍ جديدٍ للغناء وهو ما كان يبحث عنه عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وكمال الطويل والموجي أيضًا. وكان القدر يمهد لظهور الموسيقار محمد سلطان، ليبدع ويقدم أعماله من خلال تعاونه مع فايزة أحمد.
- قمت بتقسيم التعاون بين فايزة وسلطان إلى محطات فنية زمنية، هل تصفها لنا مع أبرز الأعمال في كل مرحلة؟
بالفعل هى ثلاث مراحل فنية، بدأت المرحلة الأولى من مسيرة التعاون الفني بينهما من عام 1963 حتى عام 1967. وقد بدأت بأغنيتين حققتا نجاحًا كبيرًا وهما: "هاتوا الفُل مع الياسمين" و"أؤمر يا قمر". وظهر فيهما طابع خاص بمحمد سلطان إلّا أنه تلا ذلك مجموعة أخرى من الأغاني؛ ظهر فيها تأثره بأسلوب الموسيقار محمد عبد الوهاب في التلحين.
ثم جاءت المرحلة الثانية والتي امتدت من عام 1967 إلى عام 1972. وهي مرحلة التجارب الفنية لمحمد سلطان وفايزة أحمد معًا، وفيها بحثا عن طابع فني مميز لهما مثل فيروز والرحبانة. فقدما في هذه المرحلة الموشحات والأغاني ذات الاتجاه الفلكلوري الشعبي. فالموشحات مثل "هلالا" و"العيون الكواحل"، ثم الأغاني الفلكلورية مثل "قاعد معايا". أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فامتدت من عام 1973 إلى عام 1982. وفيها استقر الثنائي على تقديم أغاني طويلة وأخرى قصيرة. وبدأت بأغنية "غريب يا زمان" ثم قصيدة "رسالة من امرأة".
- كانت هناك منافسة شديدة بين وردة وفايزة ووصل الأمر إلى حدّ الخصام، في رأيك لماذا اشتعل هذا الخلاف بينهما وكيف انتهى الحال إلى الصداقة والتصالح؟
طبعا كانت توجد غيرة فنية بينهما، كما أن فايزة أحمد كانت تعتقد أن بليغ حمدي لا يتمنى نجاح محمد سلطان ولا ألحانه، لقد كان الأمر كلّه سوء ظن من جميع الأطراف. وقد تم التصالح بينهم جميعًا مع بداية عام 1980.
- يلاحظ خلال صفحات الكتاب أن خلافها مع الفرقة الماسية والصحافة الفنية قد عرقلا طويلًا مسيرتها الفنية، ناهيك عن الخلافات مع الأزواج. فهل هذا صحيح؟
للأسف نعم.
- في رأيك: هل نجح المخرجون في توظيف طاقاتها الصوتية الكبيرة في الأفلام السينمائية التي شاركت بها؟
للأسف لم ينجح المخرجون في توظيف طاقاتها الصوتية الكبيرة في الأفلام السينمائية التي شاركت بها.
- أخيرًا، هل تشعر أنك طرحت وأحطت بكل ما يتعلق بفايزة من خلال هذا الكتاب أم يمكن أن نرى إضافات مستقبلية؟
أعتقد أنني قدمت كتابًا يليق بفنانة كبيرة تستحق كل تقدير واحترام. أتوقع في طبعاتٍ لاحقةٍ أن تكون هناك إضافات عند توفر معلومات جديدة.