مسلسل "4 Blocks".. صراعات العشائر اللبنانية في برلين

1 يناير 2025
blocks-series
حين تكون الهجرة مصيرًا قسريًا، تتحول العائلة إلى الملاذ الوحيد للبقاء، ولكن ما الثمن؟ "4 Blocks" يفتح نافذة على عالم تتداخل فيه الجريمة بالحاجة، والولاء بالقوة

"4 Blocks"، أو عشيرة حمّادي، هو مسلسل درامي ألماني يقدّم قصّة معقّدة عن عالم الجريمة المنظّمة في حي نويكولن في برلين. 

يسلّط الضوء على حياة عشيرة حمّادي اللبنانية المشهورة بتجارة المخدرات. العنوان "4 كتل" يشير إلى أربعة مربعات متجاورة في الحي، وتحملُ في طيّاتها رمزيّة السلطة والنفوذ، وهي: المخدرات، الكازينوهات، تجارة الجنس، وجمع الخوات. هذه العوامل تضمن استمرارية النفوذ العائلي وسط بيئة مليئة بالتهديدات، وفي عجزٍ واضح للشرطة الألمانية عن السيطرة.

بطلُ المسلسل علي حمادي، المعروف بـ"توني"، يؤدّي دوره الممثل والمخرج كيدا خضر رمضان، الألماني اللبناني. تعودُ قصة العشيرة إلى بدايات الحرب اللبنانية مع وصول أغلب أفرادها إلى ألمانيا، حيث انخرط علي وأخوه عباس في الجريمة بعد أن مُنعا من التعليم والعمل. علي حمادي الذي يتحلّى بالحكمة والهدوء في إدارة تجارة المخدرات وشؤون العائلة يشكل نقيضًا لأخيه عباس المعروف بعنفه وجموحه. يتذكّر خالهما إبراهيم أو رأس الهرم قائلًا: "لم يكن بإمكاننا العمل ولا الذهاب إلى المدرسة. حياةٌ دون كرامةٍ وبلا أفق، كلّ ما كنّا نملكه كانت العائلة. وهنا كانت فرصتنا."

المسلسل، الذي نال العديد من الجوائز وشهرة كبيرة أثناء عرضه عبر ثلاثة مواسم بين عامي 2017 و2019، يفتحُ نافذة على عالم الولاءات العائلية والصراعات المستمرة في حي نويكولن، حيث يكثر التواجد العربي والتركي. للمسلسل أكثرُ من كاتب سيناريو حاولوا أن يستميلوا الجمهور الألماني بمشاهد عنفٍ وكثيرٍ من الإثارة والتشويق على نسق أميركي، ولكن مع محاولة لفهم السياقات التاريخية والاجتماعية التي دفعت بمهاجرين إلى التنظيم تحت غطاء الجريمة. ما لا نعرفه أيضًا هو أن المسلسل وبحسب عمدة حي نويكولن، مارتن هيكل (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) "قريب جدًا من واقع حياة العصابات الإجرامية في برلين."

الموسم الأول

هو الأقوى حبكة وتكثيفًا. توني حمادي، الزعيم الذي يتعرض لضغوطات عالم الجريمة والحالم بالعودة إلى حياة طبيعية له ولأسرته، في مواجهته الشرطة وعصابة الروكرز ذات القيادة الألمانية. 

يبدأ الموسم الأول بمشهدٍ مشوق، مداهمة الشرطة للطيف حمادي، صهرُ العائلة ومنفّذ عمليات تجارة المخدرات. في محيط كاراج للسيارات مكتظٍ بالشباب العرب الذين يدخنون الأرجيلة ويستمعون إلى الموسيقى الصاخبة، ينكشف السرّ داخل سيارة لطيف، حيث لفائف المخدرات المخفية. سرعان ما يتم القبض عليه من قبل الشرطي، رغم اعتراضات شباب الحيّ ومواجهتهم، ما يدفع عباس بعد أيام إلى قتله انتقامًا. بعد اعتقال لطيف وقتل الشرطي تقع العشيرة تحت رقابة المحقق في مكتب الجرائم الإقليمي كوتشا، الذي يُعطى صورة النزيه والمثابر من أجل القضاء على إمبراطورية حمادي.

يشتدّ الصراع بظهور عصابة لبنانية منافسة بقيادة محمد الصافي. في أحد المشاهد، يقول أحد أفرادها: "نحن الذين عيّنا رئيس بلدية بيروت، بينما كنتم ترعون الماعز ومن ثم هربتم كالضعفاء إلى ألمانيا لتصبحوا كلاب شوارع ضالة (...)."

هناك شخصية فينس، الصديق الألماني القديم لتوني. يظهر في البداية كصديق للعائلة، قبل أن تنكشف هويته الحقيقية كعميل للشرطة. أما أمارة، أخت علي وزوجة لطيف، فتعيش صراعًا داخليًا بين ولائها لعائلتها ورغبتها في الهروب من هذا العالم المظلم بعد اكتشافها لميلها تجاه فينس. ومع اكتشافها لحقيقته، تواجه مشاعرها المتناقضة، وتقرّر الهروب معه، لكن الأحداث تعيدها إلى العائلة.

يختتم الموسم الأول بمقتل فينس وهو يدافع عن علي. يدخل عباس السجن بتهمة قتل الشرطي الألماني، فيستلم توني الزمام مجددًا.

الموسم الثاني

تتورط عشيرة حمادي هذه المرة بمواجهة عصابة عربية متحالفة مع أخرى شيشانية. يبدأ الفصل الجديد بعد زيارة علي بيروت، حيث يُنصّب من قبل رأس المافيا اللبناني كرامي ليكون زعيم برلين. تزدهر تجارته وتتعزز هيمنة العشيرة، لكن هذا النجاح يجرّ معه تحديات خطيرة من عصابات منافسة.

في الوقت نفسه، يسعى علي إلى توسيع إمبراطوريته التجارية بشراء العقارات، لكن مشاريعه تواجه عراقيل قانونية بعد تجميد حساباته بسببب الأصول المالية المشبوهة. وبينما تتسارع التحديات، تتدهور علاقته بعباس، الذي يشعر بالخيانة بعدما حُكم عليه بالسجن المؤبد.

تصاعد الأحداث يأخذ منحى دراميًا آخر مع اختطاف ابنة علي. بعد إعادة الابنة من قبل الصافي، تنجح زوجة علي في إقناع زوجة الزعيم العربي المنافس بعقد هدنة بين العشيرتين، مما يؤدي إلى اتفاق للسلام عبر زواج مشترك. لكن هذا الاتفاق لا يخلو من مؤامرة خفية من جانب الصافي، تفضي في النهاية إلى مقتله على يد توني.

تتصاعد الضغوط أيضًا بعد رفض السلطات اللبنانية التعاون مع نظيرتها الألمانية من أجل كشف التجارة بين كرامي وحمادي، على حد قول الشرطة. إن يأس المحقق كوتشا في القضاء على آل حمادي، فضلًا عن مرضٍ عضال يُصيبه، يدفعه لقبول رشوة كبيرة من علي، ويعترف بأن عباس لم يكن هو من قتل الشرطي. إثرها أيضًا يقدّم كوتشا، ضحية أخرى لآل حمادي، استقالته.

ينتهي الموسم الثاني بمأساة مدوية: إطلاق النار على علي حمادي وزوجته خليلة، التي تموت متأثرة بإصابتها.

الموسم الثالث

يظهر علي مدرّبًا لفريق كرة قدم للاجئين الشباب، لكنه يفقد حضانة ابنته لصالح جدتها. يتولى عباس زعامة العشيرة، متحالفًا مع عصابة عربية في إيسن لسرقة الألماس عبر مطار برلين، برشوة موظفي الأمن. تزداد التوترات مع دخول تجار روس إلى المشهد وتتعقد تجارة المخدرات مع كرامي بعد وصول أمواله منقوصة ومطالبته آل حمادي بتسليم الخائن، مما يعيد زمام القيادة لعلي.

الموسم الثالث يعدّ الأضعف دراميًا بسبب التكرار والإيقاع السريع. تستلم المحققة فينتر ملف العشيرة بعد وفاة كوتشا، وتكتشف مخبأ المخدرات وتداهم عملية تهريب الألماس عبر المطار.

أما أمارة، زوجة لطيف، فتهرب مع أطفالها بعد طلاقهما، لكنه يُقتل على يد رجال كرامي بعد مصالحتهما. لاحقًا، يقتل عباس عشيقته البولندية أيضًا بعد كشف خيانتها وسرقتها للمال المزمع إرساله إلى كرامي. يخبر علي حمادي كرامي بأمر الخائن وينهي علاقة التجارة معه، والتي تكون بداية نهايته. في إحدى لقاءاته المحددة من قبل المحكمة مع ابنته يهاجمه رجال كرامي محاولين قتلهما، ما يدفعه وبمساعدة شريك عباس في تجارة الألماس، إلى قتل الزعيم البيروتي.

في النهاية، تشن فينتر مداهمة لمقر العشيرة في نيوكولن، ويقبض على أفرادها واحدًا تلو الآخر. يلقى عباس حتفه أثناء مقاومة الشرطة، بينما يتحصن علي في منزله، حاملًا مسدسه ومنتظرًا قدوم الشرطة.

في اللقطة الأخيرة، يظهر فتى من رجال العشيرة جالسًا على كرسي لطيف، ملمحًا إلى استمرار الصراع.

السيناريو بين التنميط والإثارة

حاول كتّابُ السيناريو تقديم أعذارٍ لعشيرة حمادي تبرّر انخراطها في عالم الجريمة، مسلّطين الضوء على أن العشيرة تمثل مشكلة محلية الصنع، نشأت نتيجة سياسة الاندماج الخاطئة في السبعينيات وما رافقها من عنصرية تجاه الأجانب، وخصوصًا العرب. ويظهر ذلك جليًا في أحد المشاهد، عندما يقول أحد أفراد العصابة لوالده الذي يحاول إبعاده عن آل حمادي: "لا أريد أن أعمل للألمان، نحن مجرد قمامة بالنسبة لهم".

كما حاول السيناريو تناول الأسباب التي تحول دون السيطرة على هذه العشيرة، من خلال التطرق إلى مواضيع جريئة مثل فساد رجال الشرطة والأمن والمحامين، وقلة أعداد الشرطة في مواجهة العصابة. إلى جانب ذلك، سعى العمل إلى جذب تعاطف المشاهدين مع الشخصيات المجرمة عبر تصويرهم كبشر لهم حياة عادية: يحبون، يتزوجون، ينجبون، ويمارسون طقوسهم كغيرهم. وقد نجح المسلسل بحسب صحيفة دي تسايت الألمانية أن يقدّم " (...)".

رغم نجاح المسلسل في الخروج عن الأنماط التقليدية في تصوير الجريمة، إلا أنه لم يسلم من عرض صور نمطية سائدة. من بين هذه الصور النمطية، يظهر الرجل العربي غالبًا كشخص أسمر ضخم ذي شعر أسود، بينما تُصور النساء كعاجزات عن فك ارتباطهن بأزواجهن وغير مسموح لهن بالتدخل في شؤون الرجال. كذلك، يكرس المسلسل الاعتقاد بأن كل عربي مسلم، حتى لو كان مجرمًا، فهو يلتزم بشعائر الإسلام. كما يتبنى كليشيهات مضحكة، مثل أن "المجدرة" تحتوي على الكركم والسكر، أو أن العرب يخلعون أحذيتهم دائمًا عند دخول المنزل.

لكن المسلسل مليء أيضًا بمشاهد العنف والقتل والبذاءة والشتائم التقليدية، مثل "Scheiß Araber" (العربي الخرا). بالإضافة إلى ذلك، فهو يعيد تقديم فكرة أن العرب جميعهم، ومن بينهم اللبنانيون، يمتلكون جِمالًا ويعيشون في الصحراء، وهي كليشيهات شائعة في المجتمع الألماني.

على صعيد آخر، ورغم تقديم علي حمادي كشخص من أصول كردية، إلا أن العشيرة يتم تصويرها في كل الأحداث على أنها عربية. كما أنه ومن غير الواقعي أن يزور علي مسقط رأسه في قريته البقاعية في لبنان، لأن أكراد لبنان ليس لهم جذور تاريخية في منطقة البقاع. 

أما أسماء الشخصيات، مثل أمارة، خليلة، لطيف، أسد، براء، فرقان، فليست أسماء متداولة في الأوساط اللبنانية ولا الكردية. كذلك الأمر، لا تعكس اللهجة المستخدمة من قبل الشخصيات، ومعظمهم من أصول غير لبنانية، اللهجات اللبنانية أو الكردية. كما توجد أخطاء لغوية بارزة، مثل مناداة الابنة لوالدها بعبارة "إمي" بدلًا من "أبي"، أو كتابة الكلمات العربية بطريقة غير صحيحة. 

قد لا تكون وظيفة أية مسلسل معالجة الصور النمطية في مجتمع ما، لكن الإحاطة العميقة بالخلفية الثقافية والاجتماعية واللغوية للشخصيات كانت أمرًا ثانويًا لمؤلفي السيناريو، لصالح التركيز على مشاهد العنف والإثارة، توجهٌ جاء على ما يبدو تلبية لتطلعات المشاهد الألماني الشاب بالدرجة الأولى.

 

 

أصول عشائر برلين

تعودُ جذور العشائر المعروفة في ألمانيا بأنها لبنانية إلى فترة الحرب الأهلية اللبنانية. معظمها في الحقيقة من أصول محلّمية وماردلية (من ماردين)، وهي عشائر عربية على الأغلب كانت تعيش في تركيا وتتكلم العربية بتأثيرات كردية وتركية.

بسبب صعوبة اندماجها في المجتمع الألماني، شكّلت هذه العشائر مجتمعات موازية واتجهت إلى الأنشطة غير القانونية لكسب المال. من أبرز هذه العشائر: عشيرة ميري بزعيمها إبراهيم ميري، تنشط في بريمن وإيسن وبرلين وتضم حوالي 3500 فرد؛ عشيرة وقائدها عيسى رمو تضم أكثر من 500 عضو ومن أبرز جرائمها سرقة مجوهرات من متحف بودا في برلين عام 2017، وسرقة مجوهرات من مدينة دريسدن في 2019؛ وعشيرة الزين أيضًا التي تضم أكثر من عشرة آلاف عضو وتتوزع في دول أوروبية عدة. قائدها هو محمود الزين، الماردلي الأصل والمعروف بالأب الروحي لبرلين، والذي يعيش في تركيا منذ عام 2021 باسمه الأصلي محموت أوتشا؛ وهناك أيضًا عشيرة أبو شاكر الفلسطينية، زعيمها عرفات أبو شاكر، وهي تعدّ صغيرة لكنها ذات نفوذ قوي.

في لبنان كذلك الأمر غالبًا ما يُخلط بين الكرد والمحلميين والماردليين الذين يشكّلون الغالبية الساحقة ممن يُطلق عليهم أكراد لبنان، ويقدّر عددهم في في لبنان بعشرات الآلاف، أي أنهم من الأقليات ويعانون من التهميش السياسي والاجتماعي، علمًا أن رئيس الوزراء سامي الصلح قام بتجنيس أعداد منهم عام 1965، وكذلك فعل رفيق الحريري عام 1995.

 

الكلمات المفتاحية

الأكثر قراءة

1

حكاية سيد درويش.. الحب والثورة والزوال

اعتُبر سيد درويش مخلّصًا للأغنية المصرية من عجمتها التركية، وقال البعض إنه أعاد الموسيقى إلى أصلها العربي كما كانت في زمن الخلافة العباسية

2

أم كلثوم وصناع مجدها.. هل كانت ستصبح أسطورة في زمن آخر؟

كانت أم كلثوم بِنتَ لحظتها التاريخية بامتياز، تلك اللحظة التي هيّأت المكان والمكانةَ لأسطورةٍ تكتسب خلودَها من صوْتها ومن ظرْفها التاريخي ومن دورها التاريخي

3

معهد الموسيقى العربية.. حكاية نادٍ صغير صار صرحًا موسيقيًا

بدأت حكاية هذا الصرح من الاجتماع في بيت صغير لعازف القانون مصطفى بك رضا، وذلك قبل أن تتبدل الأحوال نتيجة أمور عديدة يطول شرحها

4

بين صافرتي البداية والنهاية.. كرة القدم كاستعارة للحياة

إنها لعبة معقدة، تحمل العديد من التشابهات مع الحياة اليومية، ففيها يمكنك أن تعمل ضمن مجموعة واضحة المعالم، وأن تقدم التضحيات على صخرة 'الكورفا' المقدسة، وأن تتحمل المسؤولية

5

فقاعة الأمان تحت الاحتلال.. كيف يُصنع الخوف في الضفة الغربية المحتلة؟

إن وجد غطاء للأمان فهو وهمي وغير حقيقي، لأنه في نهاية المطاف يوجد من يتحكّم بمجريات الحياة الفردية والجماعية والتخطيط لها

اقرأ/ي أيضًا

فيلم مدنية

فيلم "مدنية".. نظرة حيّة على الثورة السودانية

في فيلمه الوثائقي "مدنية"، يأخذنا المخرج محمد صُباحي في رحلة بصرية فريدة داخل شوارع السودان، خلال سنوات الثورة. الفيلم يعتمد على مشاهد حقيقية وشهادات من قلب الاحتجاجات

إسلام العزازي

السينما والأمراض النفسية
السينما والأمراض النفسية

من الهلع إلى الوعي.. تطور مفهوم المرض النفسي في السينما

تعاملت السينما في بدايتها مع المرض النفسي بوصفه أداة درامية تثير عاطفة المشاهد بغض النظر عن نوع هذه العاطفة

ميادة نصار

حفرة الموت

آلة الموت الأسدية.. وثائقيات تَروي حكاية المقابر الجماعية في سوريا

لجأ نظام بشار الأسد إلى المقابر الجماعية لطمس جرائمه بحقّ المعتقلين والمدنيين السوريين

إسراء عرفات

سيد درويش

حكاية سيد درويش.. الحب والثورة والزوال

اعتُبر سيد درويش مخلّصًا للأغنية المصرية من عجمتها التركية، وقال البعض إنه أعاد الموسيقى إلى أصلها العربي كما كانت في زمن الخلافة العباسية

يماني خلوف

أم كلثوم

أم كلثوم وصناع مجدها.. هل كانت ستصبح أسطورة في زمن آخر؟

كانت أم كلثوم بِنتَ لحظتها التاريخية بامتياز، تلك اللحظة التي هيّأت المكان والمكانةَ لأسطورةٍ تكتسب خلودَها من صوْتها ومن ظرْفها التاريخي ومن دورها التاريخي

عبد الرحمن الطويل