تروي حلقة "ليلة الموتى الصغار" في مسلسل "حب، موت، وروبوتات"، قصة اجتياح الزومبي لعالمنا المعاصر نتيجة حادثة غير متوقعة: علاقة جنسية في إحدى المقابر. تدفع هذه الحادثة الحكومات إلى اتخاذ قرار إطلاق الصواريخ النووية في مختلف أنحاء العالم للقضاء على البشرية.
يختلف هذا التصوّر كثيرًا بل جذريًا عن النشأة الأولى لأسطورة الزومبي في الثقافة العالمية، إذ يكشف البحث أن أصل هذه الأسطورة مرتبط بالفكر الاستعماري الأميركي في دولة هايتي، قبل أن تتحول إلى ظاهرة ثقافية عالمية، بعد أن كسر صورتها النمطية المخرج جورج أ. روميرو.
الأسطورة في ظهورها الأول
يُعرّف قاموس فكر السينما "الزومبي" بأنه "ميت يعود إلى الحياة وينهض، حاملًا علامات تحلل جسده، مثيرًا الرعب". ويربط ظهوره بـ"طقوس ديانة الفودو وعقائده، والتي صارت شعبية في الولايات المتحدة الأميركية بفعل الكتاب الذي وضعه الصحفي ويليام بويهلر سيبروك حول هايتي، بعنوان "الجزيرة السحرية".
زومبي الفودو "كائن من لحم لكنه بلا روح، فهي تظل ميتة. إنه جسد من دون رغبة، ولا أي تجلٍ شخصي للإرادة، فهو محض أداة في يد سيده الروحي". ودائمًا ما يظهر الزومبي بأنهم مجموعة "لا تطالب بشيء، ولا تقترح حلمًا بديلًا. فهي هناك، وبكل بساطة تعود دومًا وأبدًا لافتراس الأحياء". وتُظهر سيطرة الزومبي على المجتمع دائمًا: "وقائع البلد الواقع فريسة للموتى الأحياء مأساوية بالضرورة، والتاريخ سائر إلى نهاية سيئة، والخير مستحيل، والأسوأ قادم".
تشير دراسة وضعها مؤلف كتاب "إنتاجات بلوم هاوس: بيت الرعب الجديد"، توم ك. بلاتس، إلى أن ظاهرة الزومبي دخلت المخيلة الثقافية الشعبية للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة من الاحتلال الأميركي العسكري لدولة هايتي (1915 – 1934)، وهو يرى أن كتاب سيبروك "المثير لإشباع فضول سكان أميركا الشمالية المفعمين بكراهية الأجانب"، من أكثر الكتب صلة بالتطور الثقافي الشعبي لظاهرة الزومبي.
يعيد قاموس فكر السينما نشأة الزومبي في السينما إلى الأخوين هالبرن في فيلم "الزومبي الأبيض" في عام 1932. تبع هذا الفيلم مجموعة من الأفلام التي تعود إلى حقبتي الأربعينيات والخمسينيات "ثم استؤنفت في العام 1968 بالمانفستو الجمالي والسياسي" مع المخرج جورج أ. روميرو في فيلم "ليلة الموتى الأحياء". كما أنه يعتبر أن أفلام روميرو الخمسة حول الزومبي تمثل "كابوس أميركا الطويل: فهو يؤلمها، دون أمل في الشفاء أو التعافي، في الوقت نفسه يسليها فيه بما يروي حتى الثمالة ميلها المرضي إلى الفظاعة. فهذا البلد، مريض قطعًا مرضًا خطيرًا، ما دام يجد متعته في جماليات الخراب هذه، وفي تعفّن الذات".
هناك تصور مختلف يقدمه مؤلف كتاب "دليل النجاة من الزومبي"، ماكس بروكس، بالذهاب إلى توثيق وجودهم في الحياة الواقعية قبل آلاف السنين، حيث ضم الكتاب فصلًا في النهاية يسرد التواريخ التي سجل فيها ظهور الزومبي في الحياة الواقعية، مع الإشارة إلى مصدر المعلومة دون أن يدرج أي رابط أو إشارة مرجعية لها. بيد أن مقال مطوّل حول بروكس نشر في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، يصفه بأنه "يتمتع بفهم عميق للتاريخ والجغرافيا السياسية، فهو ليس مجرد مؤلف خيال علمي عادي يقفز على متن قطار الزومبي، بل هو مهندس ذلك القطار، على الأقل في نهضته الحديثة". ولبروكس رواية أيضًا بعنوان "الحرب العالمية زد: التاريخ الشفهي لحرب الزومبي"، وقد تم تحويلها إلى فيلم سينمائي صدر بعنوان "الحرب العالمية زد".
يسجل الكتاب ظهور أول حالة زومبي في التاريخ البشري في عام 60 ألف قبل الميلاد، في كاتاندا في إفريقيا الوسطى. وعلى الرغم من عدم قبول هذه الحادثة باعتبارها تسجيل ظهور أول حالة زومبي في التاريخ البشري، فإنه يعتبر أن الجماجم المكسّرة والأجساد المتفحمة كانت من الوسائل التي استخدمت للقضاء على الزومبي.
أما الحالة الثانية، فإن ظهورها يسجل في الشرق الأوسط، وتحديدًا في مصر في مدينة هيراكونبوليس (نخن) في عام 3 آلاف قبل الميلاد، ويقول إن تشريح الجثة التي اكتشفتها البعثة البريطانية في عام 1892 أظهر أن الدماغ المتحلل جزئيًا يحتوي على فيروس سولانوم. كما يسجل ظهور أول حالة زومبي في الولايات المتحدة في جزيرة رونوك في كارولينا الشمالية في عام 1587. أما آخر حالة زومبي، فظهرت في سينت توماس، وهي إحدى جزر العذراء الأميركية، وكانت بحسب بروكس في عام 2002.
الزومبي في الثقافة الشعبية
يُقدم مؤلف كتاب "النظرية الثقافية والثقافة الشعبية: المقدمة"، جون ستوري، مجموعة تعريفات يمكن الاسترشاد بها لدراسة ترابط ظاهرة الزومبي مع الثقافة الشعبية. والثقافة الشعبية هي ببساطة الثقافة التي يرغب فيها، أو يحبها كثير من الناس، وهي أيضًا الثقافة المتبقية بعد أن قررنا ما هو ثقافة رفيعة، أي أنها ثقافة أدنى، إضافةً إلى أنها ثقافة جماهيرية ترسيخها هي أن الثقافة الشعبية ثقافة تجارية ميؤوس منها، منتجة على نطاق واسع للاستهلاك الجماهيري. ضمن هذا النطاق، يمكننا قياس مبيعات الكتب والأقراص المدمجة وأقراص الفيديو الرقمي، ودراسة سجلات الحضور في الحفلات الموسيقية وعروض السينما، الأمر الذي ينطبق كذلك على خدمات الفيديو حسب الطلب (VOD).
تنتمي منتجات الزومبي بشكل من الأشكال إلى الثقافة الشعبية، وقد تحولت هذه المنتجات على مختلف أنواعها، بما يشمل الأفلام والكتب وألعاب الفيديو والقصص المصوّرة وما إلى ذلك، إلى أحد أكثر مصادر الربح في صناعة الترفيه العالمية بتسجيلها مساهمة تقدر بـ5 مليارات دولار في الاقتصاد العالمي سنويًا.
تنظر معظم الدراسات الخاصة بالزومبي – بحسب بلاتس – إلى المواضيع الثقافية باعتبارها تعبيرات جماعية تعمل كقنوات لاستكشاف المُثل المجتمعية والقيم والأفكار والتناقضات الأيديولوجية. ووفقًا لتحليل هذا النوع من الثقافة الشعبية (مثل موسيقى الراب والروايات الرومانسية وأفلام الجريمة)، نجد أنها تتصارع مع مجموعة القضايا الخاصة بها، وتطور شخصية مميزة في هذه العملية.
تنظر الدراسات إلى ظاهرة الوحش في أعمال الزومبي على أنها تعبير عن "المخاوف الثقافية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الأميركي"، بينما تمثل في سينما الزومبي "رد فعل منمق للوعي الثقافي وخاصةً للظلم الاجتماعي والسياسي"، وهناك وجهة نظر أخرى تقول إن "التكوين الخيالي الأساسي للزومبي يتحدد من خلال الفظائع الاجتماعية الموجودة خلال فترة إنتاجه". ويجادل آخرون بأن الزومبي لا يستجيبون نصيًا للصراع الاجتماعي فحسب، بل يستجيبون عدديًا أيضًا، بمعنى أن "الحرب والاضطرابات الاجتماعية تتسبب في ارتفاع إنتاج أفلام الزومبي".
كما أظهرت أعمال الزومبي أن استغلال المخاوف الثقافية لم يكن يقتصر على الزومبي أو حتى على نصوص الرعب، لكنها وفرت مؤشرات لكيفية تعامل الأميركيين بشكل جماعي مع القضايا الاجتماعية في فتراتها المحددة، مثل الهجرة الجماعية، على سبيل المثال، لا الحصر. هكذا، عندما ظهرت لأول مرة كجزء من ديانة الفودو، صوّرت الزومبي على أنهم مجموعة وحشية مشبعة بإعادة التخيّلات الاستشراقية للثقافة الكاريبية، وتحديدًا الهايتية، وكانت تعكس حالة اليأس التي تعيشها الطبقة العاملة الأميركية خلال فترة الكساد الكبير (1929 – 1939)، بينما ارتبطت بمخاوف فقدان الهوية في فترة الخمسينيات والستينيات، وحاليًا تعكس مخاوف البشرية من الأوبئة والفيروسات والتغير المناخي.
ديالكتيك الزومبي
تدرس مؤلفة كتاب "الزومبي عبر الأطلسي: العبودية، التمرد، والموتى الأحياء"، سارة ج. لاورو، نشوء ظاهرة الزومبي في السينما ضمن سياقات الرأسمالية والعولمة والاستعمار، باعتبار أن أسطورة الزومبي نقلت العبودية إلى "السينما، الخيال الشعبي، والثقافة الشعبية الأميركية"، وهي تستخدم مصطلح الأسطورة لتطور الزومبي للدلالة على تكرار الموضوع في وسائل الإعلام المتنوعة، مما يجعله مرتبطًا بـ"تاريخ الاضطهاد الاستعماري وما بعد الاستعماري".
ولتفسير هذه الظاهرة، تقترح استخدام مصطلح "ديالكتيك الزومبي" كوسيلة لفهم أسطورة الزومبي، نظرًا لوجود تقلبات متعددة في شخصيات الزومبي الذين يظهرون كشخصيات مثيرة للشفقة رغم تعطشهم للدماء. فهم في النهاية شخصيات متنوّعة فيها الضعيف والقوي، وفيها أيضًا التفرّد والتعدّدية، الاستعباد والتمرد.
يرتبط نشوء ظاهرة الزومبي ارتباطًا وثيقًا بتجارة الرقيق الأفريقية، والتي لها صلة بالاستعباد والتمرد، ويمكن القول إن جميع الموتى الأحياء هم شخصيات متمردة لأنهم على أقل تقدير "يتمردون على النظام الطبيعي وقوانين الفناء البشري". إنهم جثة متحركة على شكل "جسد تم اختزاله إلى شيء مجرد من وضعه الذاتي، ولكنه مع ذلك يحافظ على نوع من الفاعلية". كما أن ربط نشأة الزومبي الأولى بهايتي يدمجهم مع "تاريخ شعب حافل بالاستعباد والمقاومة السياسية"، ويقدم هذا الربط مفارقة للتناقضات المركزية لديالكتيك الزومبي الذي تصفه لاورو بـ"العبودية، التمرد، والموتى الأحياء".
إن شخصية الزومبي، على ما تمثلها صناعة الترفيه العالمية اليوم، تشبه "طائرة بدون طيار". إنها "جثة شريرة متحركة حاملة للفيروس مجردة من إنسانيتها"، بل و"جسد مسموم ينقل سلوكه السيكوباتي عبر لدغة". كما أنها "شخصية ترمز إلى محنة العبد الاستعماري (...) سليل أساطير المهاجرين الذين بشرت بهم مستعمرة سانتو دومينغو الفرنسية"، قبل أن تصبح لاحقًا دولة هايتي.
والزومبي في الأساس – بحسب لاورو – هو "استعارة استولى عليها الأوروبيون والأميركيون واستخدموها لتمثيل اهتماماتهم الخاصة في تتبع التاريخ الثقافي للزومبي"، لأنه "لم يكن مجرد استعارة للعبودية، بل أصبح استعارة العبيد في حد ذاتها عندما أُجبر على العمل في السينما حاملًا العبء النفسي لثقافة إمبريالية سابقة"، بتحويلها إلى "رثاء الجشع الرأسمالي بدلًا من العبودية الاستعمارية أو القمع ما بعد الاستعماري"، وأصبحت على هذا النحو دلالة على عدم الثقة بالحكومات، الهجمات الإرهابية، الأوبئة العالمية، التشكيك في العلم، ونقد النزعة الاستهلاكية.
تمثيل الزومبي في صناعة التلفزيون والسينما
تعدد تمثيل الزومبي في صناعة التلفزيون والسينما بعد نحو قرن تقريبًا على إنتاج أول فيلم سينمائي. ومع مرور الوقت، تطورت شخصيات الزومبي مما قلل من القواسم المشتركة مع الظهور الأول. ظهر الزومبي في البدايات كأجساد أو أرواح مسلوبة الإرادة تنتظر الأوامر من أسيادها، ولم يكن التهديد الذي يشكلونه بسبب احتياجاتهم، إذ كان استخدامهم فقط كأداة، ويمكن أن يصبحوا خطيرين إذا وقعوا أسرى لدى الشخصيات الشريرة. كما أنه حتى خمسينيات القرن الماضي كانت شخصيات الزومبي عرضة للتمثيلات العنصرية.
لم يكن الزومبي في أول فيلم سينمائي "الزومبي الأبيض" شخصيات بيضاء، إنما كانت الشخصيات السوداء هي فقط من تتحول إلى زومبي، باستنثاء بطل الرواية. فالخوف المتمثل في عنوان الفيلم يشير إلى خوف الرجل الأبيض من التحول إلى زومبي مما يجعله عرضة لاستغلال الرأسمالية، بينما يتم استغلال المرأة البيضاء جنسيًا. على هذا النحو، نلاحظ أن أفلام الزومبي في البدايات لم تقدم سردًا لحياة العبد/العبودية، لكنها أكدت على الاختلاف العنصري حيث يتم تصوير الأشخاص الملونين فقط على أنهم زومبي/عبيد؛ وغالبًا ما كانوا يشكلون تهديدًا لمجموعة من الأطفال أو قرية صغيرة، وتحولهم إلى زومبي كان مرتبط بتجارب العلماء، أو السحر، أو الحظ السيء.
أضاف المخرج إدوارد إل. جان تصوّرًا جديدًا لتفسير ظهور الزومبي عند ربطهم بالغزو الفضائي في فيلم "الغزاة غير المرئيين"، الذي صدر في العام 1959. تدور قصة الفيلم حول فضائيين ليس لديهم أجساد يريدون غزو الأرض، ولتحقيق غايتهم قاموا بالاستيلاء على أجساد الأشخاص المتوفين ليستطيعوا السير، بما فيهم الشخصيات البيضاء. وبعد عقد من الزمن، قدم روميرو في فيلم "ليلة الموتى الأحياء" الزومبي كشخصيات بيضاء ترتدي بدلات رسمية وربطات عنق، لا يمكن قتلهم إلا بإطلاق النار على رؤوسهم، ويمكن لأي الشخص التحول إلى زومبي إذا تعرض للعض من الشخص المصاب، لكنه لم يقدم تفسيرًا لظاهرة الزومبي تاركًا فكرة نشأتها لخيال الجمهور.
لقد شكّلت رؤية روميرو لشخصيات الزومبي تحولًا كبيرًا يظهر واضحًا في أعمال الزومبي المعاصرة، فهو في جميع أفلام الزومبي التي أخرجها نرى أنها "تتكيف مع سياق أميركا التي تشاهدها"، وهي أيضًا "استعارة تصور أميركا المتهاوية، وعن إمبراطورية مهددة لم تعد تسيطر على أقلياتها الداخلية ولا على غزواتها الخارجية، وصورًا فوتوغرافية سياسية في صيغة الحاضر لاهتزازات البلد".
في معرض حديثه عن ظاهرة أفلام الزومبي يقدم الكاتب، مارك ستيفنز، تفسيرًا يربط بين طبقة البروليتاريا والرأسمالية، فهو يرى أنه "إذا كانت هذه الأفلام (الزومبي) تمثل البروليتاريا، أو إذا كانت تزرع شعبوية مناهضة للرأسمالية، فإن هذا التمثيل وتلك الشعبوية لا يتعلقان بالتماهي مع شخصيات أو ممثلين محددين".
ويضيف موضحًا: "إننا نختبر المتعة البصرية ليس من خلال تماهينا مع خصوم الطبقة الدنيا أو مع ضحاياهم من البرجوازيين، ولكن من خلال العملية التاريخية، وهي طريقة للاستجابة للأزمة التي تؤدي في النهاية إلى إراقة الدماء على نطاق واسع".
عولمة الزومبي
التحوّل الأكبر الذي ظهر في هذا النوع من الأعمال كان مع عرض الموسم الأول لمسلسل "الموتى السائرون" في عام 2010. يعتبر هذا المسلسل الذي تحوّل إلى ظاهرة ثقافية عالمية من أشهر أعمال الزومبي على مر التاريخ، وكان لهذا النجاح أن دفع شركة أيه إم سي (AMC)، الجهة المنتجة، إلى الإعلان عن تطوير مجموعة مسلسلات فرعية مشتقة أصبحت تعرف بـ"عالم الموتى السائرون"، وهو في الأصل سلسلة قصص مصوّرة.
لم يبحث أو يقدم "الموتى السائرون" في جميع مواسمه التي صدرت أي تفسير لسبب ظهور الفيروس الذي أصاب البشرية، وبدلًا من ذلك ركّز على الحفاظ على النظام الاجتماعي، مما يجعل الزومبي تهديدًا خارجيًا بحتًا يجب محاربته لإعادة بناء المجتمع.
وعلى عكس روميرو الذي جعل الزومبي عالقين في مكان واحد، فإن "الموتى السائرون" عمل على عولمة الزومبي من خلال انتشار الفيروس في مختلف أنحاء العالم، وهي فكرة سبقهم إليها صُناع فيلم "بعد 28 يومًا" الذي صدر في عام 2002. في "الموتى السائرون"، تتعطّل جميع مفاصل الحياة الاجتماعية، وهو يجعل الجمهور على دراية بفكرة أن نهاية العالم بشكله الحالي أدت إلى تفكك الأسرة، سواء أكان ذلك من خلال التهديد المباشر من الزومبي، أو من خلال الصراعات بين المجموعات البشرية الناجية من الفيروس.
يظهر المجتمع في "الموتى السائرون" مرتبطًا بشكل وثيق بأساليب الحكم القديمة، والمجموعات البشرية الناجية لا تقوم بقتل الزومبي فقط، بل تقوم أيضًا بقتل البشر الآخرين بسبب ضعفهم وأخلاقهم السيئة، أو بعد إصابتهم بالعدوى، كما أنه يركز على قبول الأزمة بدلًا من البحث عن علاج أو حل لها.
بشكل عام لا يمكن اعتبار "الموتى السائرون" انعكاسًا للسياسة المعاصرة، بل هو نتاج لها، حيث يصور رد الفعل تحت ضغط دائم في حالات الطوارئ، فيما يتعلق بالهجرة الجماعية والجريمة وفقدان الوظائف، بدلًا من عرض حلول للمشاكل المعاصرة.
لاحقًا، كشف مسلسل "الموتى السائرون: عالم ما بعد النهاية" المشتق عن السلسلة الأصلية أسباب ظهور الفيروس بإعادته إلى مجموعة أطباء كانوا يجرون اختبارات لتطوير الفيروس في منشأة طبية في فرنسا، وربط انتشاره بمجموعة من الأشخاص قامت بمهاجمة المنشأة مما أدى إلى تفشي الجائحة، والقضاء على الحضارة الحديثة. وكان الكاتب الرئيسي لـ"الموتى السائرون"، روبرت كيركمان، قد ألمح سابقًا إلى أن سبب تفشي الفيروس جرثومة جاءت من الفضاء نتيجة محاولة الفضائيين غزوا الأرض لسرقة مواردها المائية.
يقدم مسلسل "الأخير منا" فكرة مختلفة من حيث السرد عن "الموتى السائرون"، وهو مقتبس عن لعبة الفيديو بالعنوان عينه. تدور أحداث هذا المسلسل حول رحلة جول وإيلي للبحث عن علاج عبر الأراضي القاحلة في الولايات المتحدة، وهو يقدم تفسيرًا لظهور العالم مرتبط بظهور وباء "كورديسيبس"، وهو أحد أنواع الفطريات التي يمكنها السيطرة على الحيوانات والنباتات، ثم يطور نفسه إلى السيطرة على أدمغة البشر.
تعيش المجتمعات الناجية داخل مدن محصنة، يطلق عليها مناطق الحجر الصحي التي تسيطر عليها حكومة "فيدرا"، وهي عرضة لهجمات مجموعة المتمردين "فاير فلاي"، التي تريد إيجاد علاج للفيروس.
أما الزومبي فإنها تُعرف بـ"الكليكرز"، وهم متصلين ومرتبطين فيما بينهم من ناحية أن أيقاظ أحدهم يعني إيقاظ جميع أفراد المجموعة في المنطقة المتواجدين فيها. عرض منه حتى الآن موسم واحد ركّز على الترابط العاطفي والجانب النفسي للشخصيات الرئيسية، حيثُ فرض على كل شخصية التعامل مع خسارة الأشخاص المقربين، إما قتلهم بعد إصابتهم بالفيروس، أو اختيار آخرين الانتحار بعد إصابتهم بالفيروس، أو الموت الطبيعي، أو قتل الأشخاص الآرين لإنقاذ المقربين منهم. كما أنه يركّز أكثر على تطور العلاقة بين جول وإيلي في أثناء رحلتهم. يقدم المسلسل نقدًا لاذعًا غير مباشر لسياسات الدول في التعامل مع الوباء، فهي تلجأ إلى قصف المدن المكتظة بالسكان، وتصدر قرار بتنفيذ الإعدامات الميدانية على المصابين وغير المصابين بالفيروس، فكرة شبيهة بـ"ليلة الموتى الصغار".
بعيدًا عن المسلسلات، هناك فيلم آخر بعنوان "جيش الموتى"، لا يقدم الفيلم تصورًا لتفشي الفيروس الذي حول الأشخاص إلى زومبي، وبدلًا من ذلك تقوم السلطات الأميركية بعزل جميع المصابين داخل مدينة لاس فيغاس بانتظار سقوط القنبلة النووية عليها.
على عكس جميع الأعمال التي تجرد الزومبي من المشاعر الإنسانية القائمة على العاطفة بجعلهم "جسد بلا روح"، وتجعل ملك الزومبي زيوس، وحبيبته الملكة ألفا مترابطيّن عاطفيًا. الجميع هنا يلتف حول الملكة الحامل لحمايتها هم "محض أداة في يد سيده الروحي"، والزومبي عندما يتم فصل رأسهم عن جسدهم، فإن الرأس يبقى حيًا لا يموت، هو شكل من أشكال التمرد على الموت.
بهذه الطريقة يلعب المخرج زاك سنايدر في الفيلم على فكرتين أساستين للزومبي بعكسهما، ويختار مدينة الأضواء والخطيئة ليقدم نقدًا مختلفًا للرأسمالية الحديثة. فهو يخلق مساحة عاطفية تقوم على الترابط الأسري/العائلة، الملك يتحسس صوت ابنه/الجنين في رحم الملكة، الجميع ينتظر ولادة الطفل/الوريث الملكي، ويستخدم سلطته كوسيلة لتنظيم حشود الزومبي بالهجوم والدفاع، انصياع تام لرغبة القائد/الملك بالانتقام. إنها إعادة إنتاج الأشكال التنظيمة للسلطة الواقعية في مجتمع الزومبي، لتبدو كما لو أنها استعارة للمجتمع الرأسمالي في شكله الراهن.
الخاتمة
تظهر تمثيلات أسطورة الزومبي في إنتاجات صناعة الترفيه العالمية، لكنها تكشف أيضًا عن أنها تمثيل "مقلق للماضي الاستبدادي، وللمقاومة في المستقبل"، كما تقول سارة لاورو. ففي النهاية، الزومبي غير قادر على إحداث أي تغيير، وظهوره ينعكس على ازدواجية جدلية تقوم على أساس الحي/الميت، الذات/الآخر، الإنسان/الحيوان، وعلى هذا فإن أسطورة الزومبي لا توجد إلا كـ"سراب مادي" تقتصر قوته المباشرة بشكل دائم على التوتر والانقسام بين الخيالي والواقعي.











