الإبادة

الجيش الإسرائيلي وهندسة الإبادة.. الذكاء الاصطناعي آلة عمياء

27 مارس 2025

"أصبح الفلسطينيون فئران تجارب في مختبرٍ إسرائيلي لتطوير تقنياتِ الذكاء الاصطناعي، كلّ ذلك بهدف تعزيز نظام الفصل العنصري والاحتلال، حيث تُستخدم هذه التكنولوجيات للسيطرة على الشعب الفلسطيني والتحكم في تفاصيل حياته اليومية". 

  • نديم ناشف، مدير ومؤسس مجموعة "7amleh" الفلسطينية المعنية بالحقوق الرقمية.

 

قد تنطلق فكرة بعض الاختراعات في البداية، لحاجةِ الإنسان إلى تحسين ظروف معيشته، لكنها قد تخرج عن سياق ما اختُرعت لأجله وتُستخدم في الصراعات والحروب، وهو حال الذكاء الاصطناعي اليوم؛ حيث تحوّلت الطائرات المسيرة إلى أنظمة مراقبة متقدّمة، واستُخدمت هذه التكنولوجيا لتعزيز القُدرات العسكرية، حتى فقدت الدول إنسانيتها، ومنذ السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، أخذ التعاون بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وشركات التكنولوجيا العملاقة، وعلى رأسها مايكروسوفت وشركة الذكاء الاصطناعي OpenAI، منحىً مختلفًا، تجاوز حدود التوريد التقليدي للخدمات، ليتحول إلى شراكة مباشرة بين موظفي الشركة وبين الوحدات العسكرية الإسرائيلية. 

كما تُشير وثائق رسمية إلى أن شركة مايكروسوفت، قد أصبحت شريكًا استراتيجيًا للجيش الإسرائيلي، بل إن موقع الشركة نفسه يعترف بأن خبراءها باتوا "جزءًا لا يتجزأ من الفريق العسكري"، وفي تفاصيل أكثر دقّة، تكشف وثائق صادرة عن وزارة الدفاع الإسرائيلية، بالإضافة إلى ملفات الفرع الإسرائيلي لشركة مايكروسوفت، أن عشرات الوحدات العسكرية قد اشترت خدمات منصّة الحوسبة السحابية Microsoft Azure، ثم منحت هذه الوحدات وصولاً موسعًا إلى نموذج اللغة المتقدم GPT-4، الذي طوّرته OpenAI، والذي يُعد المحرك الأساسي لتقنية Chat GPT3، مثل وحدة "أوفيك" التابعة للقوات الجوّية، والمسؤولة عن إدارة قواعد بيانات ضخمة لـ"بنوك الأهداف"، ووحدة "ماتسبين"، المسؤولة عن تطوير أنظمة الدعم والقتالي، بالإضافة إلى وحدة "سابير"، المكلفة بصيانة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمديرية الاستخبارات العسكرية، ثم نظام "Rolling Stone"، الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي في تتبع تحركات الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. 

المثير للدهشة فعلًا؛ هو التحوّل الذي طرأ على سياسة شركة OpenAI، فقبل عام 2024، كانت شروط استخدام خدمات الشركة تحظر صراحةً استخدامها في الأنشطة "العسكرية والحربية"، إلا أنه في يناير 2024، ومع تصاعد اعتماد الجيش الإسرائيلي على تقنية GPT-4 خلال عملياته العسكرية في قطاع غزة، قامت الشركة بإزالة هذا البند بشكل صامت من موقعها الإلكتروني، مما أتاح لإسرائيل الاستفادة الكاملة من هذه التقنيات المتطوّرة، هذا التعاون الوثيق بين الجيش الإسرائيلي وشركات التكنولوجيا العملاقة يطرح تساؤلات حول الدور الذي تلعبه التكنولوجيا الحديثة في الصراعات العسكرية، وكيف استخدم الجيش الإسرائيلي تقنيات الذكاء الإصطناعي لإبادة الغزيين؟  

الوحدة 8200 

هل تتذكر الوحدة 8200 التي أعلن عن استهدافها حسن نصر الله ردًا على اغتيال القيادي بحزب الله فؤاد شكر؟ حسنًا، تلك الوحدة هي التي تدير كافة العمليات السيبرانية والتجسسية في الجيش الإسرائيلي، وفي الآونة الأخيرة، أصبحت هي المسؤولة أيضًا عن تطوير الذكاء الاصطناعي شبكة بجيش الاحتلال، ومن هنا تأتي أهميتها اللوجستية، ففي كشفٍ مثير، أظهر تحقيق مشترك أجرته مجلة "+972" وموقع "Local Call" وصحيفة "الغارديان" أن الجيش الإسرائيلي يعمل على تطوير أداة متطورة للذكاء الاصطناعي تشبه إلى حد كبير "Chat GPT"، بعد أن طور مهارات جنوده بعد التعاون مع مايكروسوفت، هذه الأداة، تعتمد في تغذيتها على كميات هائلة من البيانات التي تُجمع عبر مراقبة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ثم تدرب على ملايين المحادثات العربية.  

تُعرف هذه الأداة، باسم "نموذج اللغة الكبير" (LLM)، وهي عبارة عن برنامج تعلم آلي قادر على تحليل المعلومات بدقّة، وإنشاء النصوص، وترجمتها، والتنبؤ بها، وتلخيصها، وعلى عكس نماذج اللغة الكبيرة المتاحة للعامة، مثل المحرك الذي يعمل خلف "Chat GPT" والذي يتم تدريبه على بيانات مأخوذة من الإنترنت، فإن النموذج الجديد الذي يعمل عليه الجيش الإسرائيلي يُغذى بكميات ضخمة من البيانات الاستخباراتية التي تجمع من حياة الفلسطينيين اليومية تحت وطأة الاحتلال، وكان النموذج لا يزال قيد التدريب في النصف الثاني من العام الماضي، ولم يتّضح بعد ما إذا كان قد تم نشره بالفعل أو كيف سيتم استخدامه بالضبط. 

ومع ذلك، أشارت المصادر إلى أن الفائدة الرئيسية للجيش ستكون قدرة الأداة على معالجة كميات هائلة من مواد المراقبة بسرعة فائقة، مما يتيح لها الإجابة على أسئلة محددة تتعلّق بأفراد معينين، وبالنظر إلى كيفية استخدام الجيش نماذج لغوية أصغر حاليًا، يبدو أن هذا النموذج الكبير قد يعزّز من قدرات إسرائيل في إدانة واعتقال الفلسطينيين إضافة إلى قتلهم بالجُملة، ففي تصريحٍ لافت، كشف مصدر استخباراتي على اطلاعٍ وثيق بالجيش الإسرائيلي، عن الدور المتعاظم للذكاء الاصطناعي في تعزيز القوة العسكرية، حيث قال: إن الذكاء الاصطناعي يعزز القوة بشكل غير مسبوق، فهو لا يقتصر على تحليل البيانات فحسب، بل يُتيح استخدام معلومات عدد هائل من الأفراد، مما يفتح الباب أمام سيطرة شاملة على السكان، ليصبح بوسع اسرائيل تتبع النشطاء من الفلسطينيين والعرب، وعندما تمتلك هذا الكم الهائل من البيانات، يمكنك توجيهها لأي غرض تريده".

وإذا كان تطوير هذه الأداة قد بدأ قبل اندلاع الحرب الحالية، فإن التحقيق يكشف أن وحدة 8200، تحديدًا، سعت بعد السابع من أكتوبر، إلى تعزيز قدراتها من خلال الاستعانة بخبرات مواطنين إسرائيليين يعملون في شركات التكنولوجيا العملاقة مثل غوغل وميتا ومايكروسوفت، ومع التعبئة الجماعية للاحتياطيين في بداية الهجوم الإسرائيلي على غزّة، انضم خبراء من القطاع الخاص إلى الوحدة، حاملين معهم معرفة متخصّصة كانت حكرًا على مجموعة محدودة جدًا من الشركات العالمية، وقد حاول الصحفيين التواصل مع الشركات لفهم هذا التعاون، حيث أكدت شركة  غوغل أن لديها "موظفين يؤدّون الخدمة الاحتياطية في دول مختلفة"، مشددة على أن العمل الذي يقومون به في هذا الإطار "ليس له أي صلة بغوغل"، في المقابل، امتنعت كل من ميتا ومايكروسوفت عن تقديم أيّة تعليقات.

اقتل الكل

"نحن نتحدث عن معلومات شخصية للغاية، انتزعت من أشخاص أبرياء، لتدريب أداة قد تُستخدم لاحقًا لخلق اشتباهٍ ضدهم، هذه الممارسات تمثل خطرًا كبيرًا على الحرّيات الفردية، خاصة في ظلّ غياب ضوابط أخلاقية تحكم استخدام هذه التكنولوجيا". 

زاك كامبل، الباحث في مجال التكنولوجيا بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" متحدثًا عن الذكاء الاصطناعي الخاص بالجيش الإسرائيلي. 

نقطة التحوّل الكبيرة لجيش الاحتلال في تعامله مع التكنولوجيا المتقدمة، جاءت مع بداية تجنيد الوحدة 8200 لخبراء في الذكاء الاصطناعي من شركات التكنولوجيا الخاصة كجنود احتياط، حيث أكد أوري جوشين، الشريك المؤسّس والرئيس التنفيذي لشركة "AI 21 Labs" الإسرائيلية، أن موظفين من شركته شاركوا في المشروع خلال أدائهم للخدمة الاحتياطية، كما أردف قائلًا: "أن نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) يُمكن أن توفر لوكالات الاستخبارات قدرات هائلة، مثل معالجة المعلومات وإنشاء قوائم "مشتبه بهم" لاعتقالهم، وأيضًا القدرة على استرجاع البيانات المتناثرة عبر مصادر متعددة، فبدلاً من استخدام "أدوات البحث البدائية"، يمكن للضباط ببساطة طرح الأسئلة والحصول على إجابات من روبوت متخصص، روبوت بارد ومتبلد المشاعر، يمكنه، على سبيل المثال أن يهدم بناية كاملة على رؤوس ساكنيها دون أن يفكر للحظة واحدة في مآلات أفعاله، أو يشعر بوخز ولو بسيط في الضمير، كما يفعل البشر. 

غير أن جوشين اعترف بأن الاعتماد الأعمى على هذه الأدوات قد يؤدّي إلى أخطاء جسيمة، ومن جهته، أشار زاك كامبل، الباحث في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إلى مخاوف مماثلة، وقال إن نماذج اللغة الكبيرة تعمل مثل "آلات تخمين"، وأن أخطاءها جزءٌ لا يتجزأ من النظام، علاوة على ذلك، فإن الأشخاص الذين يستخدمون هذه الأدوات غالبًا ليسوا هم من طوروها، والأبحاث تظهر أنهم يميلون إلى الوثوق بها بشكل مفرط، وفي النهاية، يمكن أن تُستخدم هذه التخمينات لإدانة أو قتل أشخاص أبرياء. 

إلى هنا، كشفت تحقيقات سابقة أجرتها "+972" و"Local Call" حوّل استخدام الجيش الإسرائيلي لأنظمة استهداف تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتسهيل قصف غزة، عن عيوب تشغيلية خطيرة في هذه الأدوات، على سبيل المثال، استخدم الجيش برنامجًا يُعرف باسم "لافندر" لتوليد "قائمة اغتيال" تضمّ عشرات الآلاف من الفلسطينيين، حيث قام الذكاء الاصطناعي بإدانتهم بناءً على معلومات من ضباط الجيش الإسرائيلي حول ماهية أفراد حماس، وبما أن الجيش الإسرائيلي يريد إبادة الشعب الغزاوي، وليس الإنتهاء من حماس فقط، فقد قام النظام بقتل العديد من الأفراد وقصف العديد من الأماكن بطريقة عشوائية، على الرغم من أن البرنامج كان معروفًا بأن معدل الخطأ فيه يصل إلى 10% فقط، ما يعني أن قتل المدنيين كان خطأ مقصودًا من الجيش الإسرائيلي لقتل أكبر عدد من المدنيين. 

الكل يساوي الكل 

تلك الأنظمة، ليست إلا تطويرًا على النظام الإسرائيلي القائم أصلًا حول مراقبة وقتل الفلسطينيين تحت كل حجرٍ ومدر، وعلى باب كل مسجد وكنيسة وبيت وحانة، فقبل أكثر من عقد، كشف جنود سابقون في وحدة 8200 النقاب عن ممارساتٍ مرعبة، منها أنهم كانوا يراقبون مدنيين أبرياء، ولا صلة لهم بجماعات المقاومة من قريب ولا من بعيد، وذلك بغرض جمع معلومات شخصية يمكن استخدامها لابتزازهم، مثل هل تعاني من صعوبات مالية؟ هل تخفي توجهك الجنسي؟ هل أنت أو أحد أفراد أسرتك يعاني من مرضٍ خطير؟ كل هذه التفاصيل الحميمة كانت تُسجل وتُخزن، لتصبح سلاحًا في يد المحتل، حتى النشطاء السياسيون لم يسلموا من هذه العين القاتلة والجبانة وسيئة السمعة، والتي لا تترك شيئًا دون مراقبة.

كما ترسم شهادة الجنود الصهاينة صورًا مرعبة فعلًا، ففي زاويةٍ مظلمة من الذاكرة، حيث تختلط الأصوات بالصمت، تطفو على السطح قصة الجندي (ن)، الذي رفض ذكر اسمه، مترجم اللغة العربية في القاعدة 8200، والذي حمل على كتفيه ثقل أسرارٍ لم يعد يقوى على تحملها، يقول ن وهو يتحدث بصوتٍ يحمل في طياته حزنًا عميقًا: "بدأت الأمور تتغير بالنسبة لي أثناء عملية الرصاص المصبوب في عام 2008". كانت تلك العملية نقطة تحول في حياته، حيث رأى بعينيه كيف تتحول الحرب إلى آلةٍ عمياء، لا تعرف سوى الدمار، وبدلاً من أن تستهدف القوات الجوية مخازن الصواريخ والأسلحة في قطاع غزة، هاجمت خطًا للشرطة الفلسطينية، مما أسفر عن مقتل 89 شرطيًا، كان الرجل مجرد جندي بسيط، لكن قلبه لم يتحمل ما رآ، "طلبت نقل رأيي إلى أعلى سلسلة القيادة، لأن هذا كان عملاً غير أخلاقي ومثيرًا للمشاكل". لكن صوته ضاع في زحمة الأوامر العسكرية، ولم يتلقَ أي رد. 

ولكن حالته لم تكن هي السائدة، بل على العكس، ففي غرف العمل المغلقة، حيث تُجمع المعلومات الاستخباراتية وتُترجم، كان الصمت يسود بعد كل قصف، صمتٌ ثقيل، مليء بالتوتر، ينتظرون فيه إشارة "إصابة الهدف"، وعندما تأتي، تتحوّل الغرفة إلى عاصفة من التصفيق والهتافات، بينما تُوضع علامات X على سماعات الرأس والأقراص المدمجة التي تزين الجدران، وكا هو وحده الذي يشعر بالغثيان. "لم يتوقف أحد ليسأل نفسه عما إذا كانت الأهداف تبرر الدمار الذي لحق بحياة مليون ونصف مليون إنسان"، يقول بمرارة. 

كما يتذكّر يومًا هاجم فيه سلاح الجو منزل نزار ريان، أحد قادة حماس، مما أدى إلى مقتل 18 مدنيًا، معظمهم من أفراد عائلته، وفي يوم آخر، حاولوا استهداف قادة الجناح العسكري لحماس، لكن الضحايا كانوا كالعادة، من المدنيين، "عندما اتضح أنهم لم يكونوا من نبحث عنهم، تعالت صيحات الاستياء، ليس لأن الناس قُتلوا تعسفيًا، بل لأنهم لم يكونوا الهدف". 

لكن الذكرى الأكثر إيلامًا كانت عندما شاهد صورة طفلٍ صغير في بستان، أتبعه انفجار، ودخان يتصاعد، وأم مكلومة تركض نحو ابنها، "أدركنا أننا أخطأنا، كان الطفل صغيرًا جدًا، لكن الحياة في الوحدة لم تتوقف، وكان علينا أن نستمر، يقول ببرودٍ يحمل في طياته ألمًا لا يُوصف. 

في الوحدة 8200، حيث تُصنع القرارات بعيدًا عن ضجيج الحرب، كان يشعر بالعزلة، لم يكن من دوره طرح الأسئلة، لكنها رغم ذلك كانت تتراكم في داخله، مثل غيمة سوداء توشك أن تنفجر، وهنا يتذكر  قصة الملازم (أ)، رفض ذكر اسمه هو الآخر، الذي رفض في عام 2003 نقل معلومات أدت إلى هجوم على مبنى في غزة، خوفًا من إيذاء الأبرياء، ثم تمت محاكمته ونقله إلى وظيفة إدارية، وأصبحت قصّته درسًا يُدرَّس في دورات الوحدة. هكذا تتحوّل الحرب إلى آلةٍ لا تعرف الرحمة، حيث تُختزل الأرواح إلى أرقام، وتُدفن الأسئلة تحت ركام الصمت، ولذلك أيضًا يحاول الجيش الإسرائيلي تحويل أوامر القتل الجماعي إلى الذكاء الاصطناعي، حتى لا يظهر لهم من هو مثل (ن) مرةً أخرى. 

"كان الدرس يقول إنه لا يوجد شيء اسمه أمر غير إنساني في الوحدة". 

الجندي الصهيوني (ن)

بين الأرقام والقلوب

في ظلِّ صمتِ الليل، حيث تهمسُ النجوم بأحلامٍ بعيدة، تتحوّل التكنولوجيا إلى سيفٍ مسلط على رقابِ من يسعون للحرّية، حيث  أكدت مصادر استخباراتية أن استخدام النماذج اللغوية المتقدمة، جنبًا إلى جنب مع شبكة مراقبةٍ واسعة النطاق، قد عزّز من سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين، وزاد بشكلٍ كبير من وتيرة الاعتقالات، كما أصبح بإمكان القادة الآن، وبلمسة زرٍ بسيطة، الوصول إلى المعلومات المترجمة إلى العبرية، دون حاجةٍ إلى معرفة اللغة العربية أو حتى الاعتماد على مراكز الترجمة. 

لكن وراء هذه الأرقام الباردة، تكمن قصصٌ إنسانية مؤلمة. فكل رقمٍ يمثل قلبًا ينبض، وحياةً تُختزل في سطرٍ من البيانات. قال أحد المصادر بتعبيرٍ يختزل المأساة: "أحيانًا يكون الأمر مجرد رغبة من قائد الفرقة في تنفيذ 100 اعتقالٍ شهريًا في منطقته". كلماتٌ تبدو بسيطة، لكنها تحمل في طياتها دموع الأمهات، وصراخ الأطفال، ووجع الأبرياء الذين يُسحبون من بيوتهم في ظلام الليل، هذه التكنولوجيا التي كان من المفترض أن تقرب المسافات وتُضيء المستقبل، تحوّلت إلى أداةٍ للقمع، تُحيل الحياة إلى أرقامٍ جامدة، وتُحوِّل الأحلام إلى ملفاتٍ رقمية. في عالمٍ يُفترض أن يكون أكثر اتصالًا، أصبحنا أكثر عزلةً وحزنًا. 

فهل يمكن أن نجد يومًا ما توازنًا بين التقدّم التكنولوجي وإنسانية الإنسان؟ أم أننا سنظلُ أسرى أرقامٍ لا تعرف الرحمة؟ حيث قلوبُ الفلسطينيين اليوم معلقة بين الموت والخراب والدمار والفقد، وفي الأفق أسئلةٌ لا تجد إجابة: إلى متى ستظل التكنولوجيا أداةً للهيمنة بدلًا من أن تكون جسرًا للحرية؟ 

 

 

الكلمات المفتاحية

الأكثر قراءة

1

حكاية سيد درويش.. الحب والثورة والزوال

اعتُبر سيد درويش مخلّصًا للأغنية المصرية من عجمتها التركية، وقال البعض إنه أعاد الموسيقى إلى أصلها العربي كما كانت في زمن الخلافة العباسية

2

أشرف الصباغ: المكان في رواياتي هو ما يتركه البشر خلفهم

بدأ أشرف الصباغ طريقه بين رموز المعادلات وقوانين الفيزياء، لكنه وجد نفسه لاحقًا في قلب العواصف السياسية، ولعب دورًا لافتًا في ترجمة الأدب الروسي إلى العربية

3

ثلاثية الصعيد.. النيل والسكك الحديدية والموالد

الاحتفاء والاحتفال بموالد الأولياء، لا يقف عند المظهر الديني أو التدين الشعبي، بل يعكس حوارًا عابرًا للحضارات والثقافات

4

الأغاني العربية والثورات.. تاريخ بلغة النوتات

بقيت الأغاني العربية ملئية بأسماء الشخصيات الثورية والنضالية التي خلّدت في أرشيف المقاومة والوطنيات، أمثال الشيخ أحمد ياسين، وأبو إبراهيم، وكمال عدوان

5

أزمة المناخ العالمية.. النساء يدفعن الثمن وقد يمتلكن الحلول

تدفع النساء الثمن الأكبر للأزمات المناخية والبيئية، العائدات على الأراضي التي تديرها النساء أقل من تلك التي يديرها الرجال

اقرأ/ي أيضًا

قبر آشي

طريق الحج إلى "قبر آشي".. أو حلم "ألون ولبنان"؟

يستغلُّ نتنياهو كل حدث ليعود الى نصوص العهد القديم والتذكير بالنبؤات التي وردت في أسفاره، وبمقولة "شعب الله المختار".

نادر حجاز

ترامب
دونالد ترامب

أشباح "سموت هاولي" تحوم فوق المعادن النادرة

ليست هذه حربًا تُخاض بالسيوف، بل بالأجهزة الدقيقة، بالبطاريات، بالمغناطيسات الصغيرة، بالثقة التي لا تُرى في سلاسل الإمداد

حسن زايد

لوسا

ماريو بارغاس يوسا.. الأدب فردوس أخير

رحل ماريو بارغاس يوسا عن عالمنا. ومثل أصحاب الأثر جميعهم سيغيب صاحب حفلة التيس اليوم، لكنه غياب سيظل دائمًا قادرًا على أن يتكلم

رائد وحش

ميغازين

في حضرة ابن عربي.. أن نرى الله في كل شيء

إذا كان الغرب يعتقد بفلسفة ابن عربي فلماذا لا نزال نحن نختزله في عباءة التصوف أو نخوض معارك حوله بدلاً من استلهام رؤاه؟

فوزي الغويدي

اليمن

الخاص والمشترك في تجارب وأحوال الأمم

تنْبع الأخطاء المعرفية وما ينجرّ عنها من مخاطر ومفاسد عامة عن وضع ظواهر وحوادث مختلفة بالنوع والزمان والمكان في لائحة تفسيرية واحدة والتعامل معها معرفيًا وكأنها الشيء نفسه وجودًا وعدما، كمًّا وكيفا.

محمد العلائي

المزيد من الكاتب

محمود ليالي

كاتب وصحافي مصري

سياسة واستعمار: تجارة الجنس في مصر من العثمانيين إلى البريطانيين

ساهمت السياسة والاستعمار في صياغة ملامح تجارة الجنس في مصر بهدف تحويلها إلى أداة تخدم المصالح السياسية والاقتصادية على حساب الفئات المهمشة

من فعل مشين إلى فن نبيل.. كيف حوّل البشر العنف إلى مادة للتسلية؟

يرفض البشر العنف ويعتبرونه فعلًا مشينًا حين يمس حياتهم اليومية، لكنهم يحتفون به بوصفه فنًا نبيلًا في الرياضة والعروض الترفيهية

بين صافرتي البداية والنهاية.. كرة القدم كاستعارة للحياة

إنها لعبة معقدة، تحمل العديد من التشابهات مع الحياة اليومية، ففيها يمكنك أن تعمل ضمن مجموعة واضحة المعالم، وأن تقدم التضحيات على صخرة 'الكورفا' المقدسة، وأن تتحمل المسؤولية

بيب غوارديولا.. من الهوس إلى إيذاء النفس

هوس غوارديولا بالنصر يُظهره في صورة "الفيلسوف" بالنسبة للبعض، و"السيكوباتي" بالنسبة للبعض الآخر.

"هركبه وألفّ بيه مصر كلها".. القاهرة التي تصنع لغتها

الشارع المصري يتلقف كل جديد بشغف، يغربل ويشد كل شيء على مقاسه، مع الاعتماد على التكثيف واختزال المواقف والأفكار في كلمة واحدة أو كلمتين