الإرث المرابطي في الذاكرة الموريتانية

الإرث المرابطي في الذاكرة الموريتانية.. جدل التاريخ والهوية

5 ديسمبر 2024

تعتبر الحركة المرابطية أبرز حدث سياسي عرفه الغرب الصحراوي طيلة تاريخه الوسيط، وقد تركت إسهامات واضحة على الكثير من المظاهر الثقافية والاجتماعية والمجالية في التاريخ الموريتاني المعاصر، سواء عبر عناصره الاجتماعية المنتمية إلى مؤسسي الحركة (أيًا كانت صيغة هذا الانتماء متواترًا أو مفترضًا)، أو في تجاربه الصوفية والإصلاحية خلال العصر الحديث، وكذلك من خلال روايات تأسيس بعض حواضر الجيل الثاني من القصور الصحراوية، عدا عن بقاء أجزاء من الأركيولوجيا المرابطية قائمة إلى اليوم، وأخرى تنسبها الروايات المحلية إليهم. 

وقد كان استدعاء الإرث المرابطي في الذاكرة الموريتانية متنوعًا في تمثلاته، بحيث تراوح بين الانتساب إلى قبائل كانت مساهمة في قيام وتأسيس الدولة المرابطية (مثل جدالة ولمتونة ومسوفة)، أو إلى أحد فروعها (مثل بني غانية المسوفيين)، وأحيانًا إلى أفراد من قادة الحركة (منهم أبي بكر بن عمر)، أو بعض المساهمين في تأسيسها من خارج مجتمع المرابطين (مثل الداعية عبد الله بن ياسين الجزولي والإمام الحضرمي).

وقد حظي بعض مشاهير علمائها (كالقاضي عياض اليحصبي والقاضي الحضرمي) بحضور بارز في بعض المشاهد الصوفية وروايات تأسيس المدن، كما قد يصبح المشروع الإصلاحي المرابطي في حد ذاته مرجعًا محليًا يستحق إعادة تمثله. وبالتالي، فإن ما نعنيه بالإرث المرابطي هنا يشمل كل هذه المتعلقات باعتبار اشتراكها في محورية الحدث المرابطي، وبالتالي أصبح بإمكاننا الحديث عن الإرث الجنيالوجي والإرث المعرفي والإرث الإصلاحي والإرث الأركيولوجي. 

 

الإرث الجنيالوجي

من المعروف أن الحركة المرابطية انطلقت من العمق الصحراوي - السوداني لبلاد المغرب في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، الحادي عشر ميلادي. وبالتالي، فقد شكل مكونا هذين المجالين العناصر الأساسية لقيادتها السياسية والسواد الأعظم من جيوشها المقاتلة. ورغم اكتساحها بلاد المغرب الأقصى وبعض الأوسط وأجزاءً من الأندلس، فإنها لم تعمر أكثر من قرن من الزمن، لكن عمرها الاجتماعي كان أطول من ذلك بكثير، فقد تحدث الباحثون عن قسم مرابطي بقي في الصحراء، تارةً يسمونه "الإمارات اللمتونية"، ويعتبرونه امتدادًا للتمرد الطويل الذي قاده بنو غانية المسوفيون ضد الدولة الموحدية تارةً أخرى.

لكن من المتفق عليه بينهم أن المجتمع والتقاليد المرابطية بقيت راسخة في المنبع الذي انطلقت منه هذه الحركة، بل وظهرت سرديات انتمائية جديدة في المجال السوداني تعود بنسبها إلى أحد رجالات الدولة أو المساهمين فيها من غير المرابطين. 

وعلى المستوى الأول، أبان ابن خلدون الموريتاني (وصف يطلق على المؤرخ وجامع التراث الأبرز في البلد المختار ولد حامدٌ المتوفى 1993) عن الأسماء المعاصرة للقبائل الموريتانية المنحدرة من أصول مرابطية (مثل لمتونة التي لا زالت تحتفظ بالاسم، ومشظوف التي هي تحريف لمسوفة، وتجكانت وغيرهم)، أو يظن أنها كذلك (كبقايا قبائل البافور في الجنوب الغربي وبعض مناطق الوسط والشمال)، وفصّل شجرات أنسابها ومواطن سكنها وتموضعها في السلم الاجتماعي المعاصر.

في المقابل، انتشرت في هذا المجتمع، بمختلف أطيافه، سرديات تحاول ربط نسبها بإحدى الشخصيات المحورية في المشروع المرابطي، ومن أبرز مظاهر ذلك انتساب مجموعات زنجية إلى الأمير المرابطي أبي بكر بن عمر (توفي 480 هـ/1087م)، ولعلها تجد مسوغها في أنه كان قائد الشطر الصحراوي من الدولة اللمتونية (بعد أن تنازل عن قيادة الجيوش الشمالية لابن عمه يوسف بن تاشفين.

وقد تحدثت المصادر الوسيطة بشكل مختصر (فصلته الروايات المحلية) عن فتح ابن عمر العديد من المعاقل في بلاد السودان، وتأسيسه "محلة" كبرى اتخذت من حصن "آزوكي" مركزًا لها، ثم استمر المُلك في عقبه قرابة قرن ونصف، قبل أن يسقط في ظروف تغيب عنا تفاصيلها الدقيقة.

كما نجد بعض الروايات المحلية الزنجية التي تتحدث أيضًا عن انتسابها من جهة الأم إلى صاحب الدعوة المرابطية في الصحراء عبد الله بن ياسين، وتسميه بالشريف عبد الله. وإن كانت الأدبيات التاريخية الكلاسيكية قد صمتت عن تفاصيل ذلك، فإنها قد أبانت عن جزء من شخصية هذا الداعية يمكن أن يعضد هذا الافتراض، حيث وصفته بأنه كان "كَلِفًاَ بالنساء.. لا يسمع بامرأة جميلة إلا خطبها".

ومع اتفاق الحركة المرابطية في مهدها مع مملكة التكرور على مبدأ الدفاع المشترك، يصبح مفهومًا تأكيد هذه السردية على المصاهرة التي تمت بين بعض ملوك منطقة "والو" (الضفة الجنوبية لنهر السنغال) ومؤسسي هذه الحركة.

إضافةً إلى ذلك، أورد المؤرخ المختار بن حامد مجموعات تنتمي إلى الإمام أبي بكر المرادي الحضرمي، قاضي الشطر الصحراوي من الدولة المرابطية، الذي كتب لأميره اللمتوني – على الأرجح – الكتاب الأشهر بالغرب الإسلامي في ميدان السياسة الشرعية وعنوانه "الإشارة في تدبير الإمارة"، وقد أشارت كتب التراجم إلى انقطاع أثره في الصحراء، قبل أن يتمكن أحد "صلحائها" من الكشف عن مكان دفنه، غير أن السرديات المحلية قد جعلته من ذرية الحسين، وفرّقت دمه بين عدة قبائل.

وإذا كان هذا الاستدعاء النسبي للمرادي الحضرمي ذا غرض اجتماعي يفهم في السياقات المستجدة بالصحراء بعد الهجرة الحسانية، فإنه قد تمت العودة مرة أخرى إليه، ولكن لهدف آخر ذي طابع معرفي.

 

الإرث المعرفي

كان لبعض مشاهير علماء المذهب المالكي خلال العصر المرابطي حضور طاغ في الذاكرة الموريتانية، وربما يعود ذلك في جزء منه إلى أن دولة الملثمين قد مكّنت لهذا المذهب في الغرب الإسلامي، فنفقت سوق علمه بعد كساد طويل بفعل الأنظمة المذهبية التي تقاسمت المنطقة منذ القرن الثاني الهجري إلى منتصف الخامس، حيث قرب المرابطون الفقهاء بحيث كانوا لا يصدرون إلا عن فتاويهم، وبها حكموا المغرب ودخلوا الأندلس، فأصبحت مكانة الفقيه تضاهي الحاكم، حتى سميت الدولة المرابطية بدولة الفقهاء، فصار مفهومًا ذلك الاستدعاء لأحدهم في سياقات طارئة لإضفاء شرعية مجالية أو مصداقية "عرفانية" لدعوى ما.

وفي هذا الإطار، تتبنى بعض سرديات تأسيس الحواضر الصحراوية (مدينة وادان تحديدًا) فكرة المؤسس القادم من المغرب الأقصى، والذي كان من تلامذة القاضي عياض اليحصبي، الفقيه المالكي المعروف وصاحب التصانيف الشهيرة في الدرس الفقهي المغربي، وقاضي الدولة المرابطية، وتعطي لذلك التأسيس تاريخًا محددًا هو العام 536 هـ/1141م، أي قبل وفاة اليحصي بثماني سنوات، ثم تتحدث عن نشرهم العلم في المدينة حتى حمل اسمها دلالة على المستوى البعيد الذي بلغته في ذلك (وادان: واد من العلم وواد من التمر)، لتصبح نهضة وادان الثقافية قبسًا من نبراس الحقبة المرابطية.

أكثر من ذلك، فإننا نعثر على استدعاء من نمط جديد لشخصية علمية مرابطية أخرى هي الإمام الحضرمي، قاضي المرابطين المتقدم الذكر، ولكن هذه المرة في إطار صوفي – باطني، حيث ظهر في القرن السابع عشر بمدينة أطار (في الوسط الغربي الموريتاني) رجل عُرِف بالإمام المجذوب، ويدعى محمد بن أحمد بن حسين الشمسدي الأطاري (المتوفى في حدود 1687)، وقدمته الروايات المحلية في صورة "الشيخ الصالح الولي"، رغم أنه لم يكن له حظ من العلم، بل كان أميًا حتى، إلا أن من كراماته المتواترة أنه التقى بالحضرمي في المنام فأخبره الأخير بأنه: "مات ومعه بعض العلوم لم تؤخذ عنه".

وهنا يتدخل عنصر "خرق العادة" الشهير لدى المتصوفة لكي يحوّل كل ما في صدر الإمام الحضرمي من العلم إلى إحدى يدي المجذوب، ثم يحدث أن تتورم اليد كثيرًا، عندها: "شرع المجذوب يكتب في الصكوك واليد ينزل ورمها إلى أن نفد ما فيها من العلوم، فصارت كأن لم يكن بها ورم قط"، وكانت نتيجة ذلك تدوين ستة أسفار من الأدعية والابتهالات والأوراد سميت بـ"كتاب المنة"، والذي نسب إلى الإمام الحضرمي لا إلى المجذوب الذي اعتبر نفسه مجرد ناقل "للتراث العلمي" للأول.

وقد عارض هذه الدعاوى جمع غفير من فقهاء مدينة أطار، إلا أن الإمام المجذوب لم يعدم من يستجيب له ويعتبره "حجةً وشيخًا"، حيث اجتمع حوله الأنصار وأصبحوا يأتمرون بأمره، ثم قدم لهم "هدية ولاء" أخيرة عندما صرح بأنه قد كوشف أيضًا بمكان دفن الإمام الحضرمي الذي كانت وفاته بمدينة آزوكي القريبة من أطار، لتصبح زيارة ضريحه من الطقوس الراسخة لدى أتباعه.

ويبدو أن محورية الإمام الحضرمي في المشروع الصوفي للإمام المجذوب ترتكز على معطيات منها أنه يتحرك في نفس المجال الذي نشأت عليه "محلة ابن أبي عامر"، وبين المجموعات الاجتماعية التي احتضنتها، فكان بحاجة لشرعية "معرفية" تستمد نسغها من هذا الإرث المرابطي، تمامًا كما حاول ذلك "مصلح" آخر في الجنوب الغربي الموريتاني.

 

الإرث الإصلاحي: ناصر الدين وابن ياسين

كثيرًا ما تم النظر إلى حركة أوبك بن أبهم الديماني، المعروف بالإمام ناصر الدين (1645-1673)، على أنها محاولة لتكرار التجربة الإصلاحية التي قام بها قبل ذلك بنحو ستة قرون الداعية عبد الله بن ياسين الجزولي، وأسفرت عن قيام "دعوة الحق ورد المظالم وقطع جميع المغارم"، بحسب وصف الجغرافي الأندلسي أبي عبيد البكري لها. وإن كان في ذلك تلميح إلى تشابه الظروف والسياقات بين التجربتين، إلا أن الأخيرة منهما فشلت في تحقيق نجاح الأولى، لكنها لم تفشل في تلمس خطواتها بشكل شبه دقيق.

ففي البداية، صدح الإمام ناصر الدين بدعوته الإصلاحية سلميًا، وبدأ الناس يجتمعون إليه مدة ثلاث سنوات، كان يعظهم فيها ويعلمهم ويغير ما استحكم من عوائدهم المخالفة للشرع، وسميت هذه المرحلة بـ"أعوام التوبة"، وهي تشبه في تمشيها انعزال عبد الله بن ياسين عن المجتمع الصنهاجي في رباط يفد فيه عليه من أراد الدخول في دعوته، فيتعلم منه ما يفرق به بين الواجب والمندوب، وليعيد الجزولي "تعميدهم" بطريقة فصّلها البكري في باب أسماه "ما شذ فيه عبد الله بن ياسين من الأحكام".

وبعد هذه المرحلة، تقدّم أوبك الديماني خطوة إلى الأمام في مشروعه الطموح الرامي إلى "إحياء دولة المرابطين من جديد"، فخرج من العزلة إلى الدعوة تمامًا كما خرج ابن ياسين من الرباط إلى الجهاد، ثم اختار من الألقاب ناصر الدين، وكان قد تلقّب به قبله أمير المسلمين يوسف بن تاشفين اللمتوني، وأسبقها بلفظة الإمام الخاصة بابن ياسين، ليجمع بذلك بين الزعامتين السياسية والدينية، كما رتب مجلسه الخاص وفق النموذج المرابطي، فكان به الوزير والقاضي وجابي الزكاة وغيرهم.

وليس من الصدفة أيضًا أن الحركة الإصلاحية لناصر الدين قد نشأت في الحيز الجغرافي نفسه الذي انطلقت منه التجربة المرابطية (أقصى الجنوب الغربي للصحراء)، في محاولة ربما للاستفادة من العمق السوداني، فقد بادر ناصر الدين إلى غزو منطقتي والو وفوتا تورو (إقليم التكرور في العهد المرابطي)، وإدخالها في مشروعه السياسي.

ونحن نعلم أن ملك التكرور لبي بن وارجابي كان قد ساهم بشكل فعال في مد الحركة المرابطية بما تحتاجه لمجابهة المعارضة الداخلية (قبيلة اكدالة) وللتوسع الخارجي أيضًا، ويُعتَقد بأنه قد توفي ودفن قريبًا من مدينة آزوكي (قاعدة الدولة اللمتونية في الصحراء)، مما يعني انتهاج ناصر الدين سياسة تأمين الخطوط الخلفية للحركة الطامحة للتوسع شمالًا على غرار النموذج المثالي لها. 

أخيرًا، يمكننا أن نفترض بأن سبب فشل التجربة الناصرية في إحياء النموذج المرابطي يعود إلى ارتكاب زعيمها خطأ كان ابن ياسين قد عاقب عليه الأمير اللمتوني يحيى بن عمر حين دخل القتال بنفسه قائلًا له: "الأمير لا يدخل القتال بنفسه، لأن حياته حياةُ عسكره وهلاكه هلاكُهم"، باعتبار أن ناصر الدين قد قُتل في موقعة ترتلاس (آب/أغسطس 1673)، ولم تعمر "دولته" بعده طويلًا، حيث قضى عليها المغافرة بشكل نهائي سنة 1677.

وفي المحصلة، اعتبر الكثير من الباحثين أن هذه الحركة كانت "محاولة جادة لتكرار التجربة المرابطية"، وإحياء الإسلام الجهادي الذي بعد العهد به منذ أمدهم. ورغم ما اعترى هذه المحاولة من سياقات جعلتها تقصر عن سابقتها، إلا أنها دلت على أن الإرث المرابطي استمر حيًا في الذاكرة الجمعية لساكنة هذا النطاق الصحراوي، تمامًا كما بقيت شواهدها الأثرية ماثلة للعيان رغم عاديات الزمن. 

 

الأركيولوجيا المرابطية

لعل من أكثر الأشياء التي جعلت التجربة المرابطية دائمة الحضور في أذهان ساكنة الغرب الصحراوي هي بقاء شواهدها الأثرية ماثلة للعيان إلى اليوم، وأحيانًا يتم عزو بعض النطاقات لهم اعتمادًا على استقراء معين للنصوص التاريخية، وتعتبر مسألة الرباط خير مثال على ذلك، وبغض النظر عن كثرة مسميات المواضع التي يعتقد أنها تعود للحقبة المرابطية، فإن أبرز المواقع ذات الطابع الأثري المنسوبة لهم هي:

أ- بقايا آزوكي: وتقع في الوسط الغربي لموريتانيا على بعد أميال قليلة من مدينة أطار (عاصمة ولاية الحوض الغربي)، وقد وردت بعدة صيغ في الكتب الجغرافية الوسيطة (أركى.. آزقي)، وقد اشتهرت بكونها حصنًا صحراويًا منيعًا تحيط به الكثير من أشجار النخيل بناه الأمير اللمتوني يانُّو بن عمر الحاج، ثم اتخذه أخوه أبو بكر بن عمر عاصمة للشطر الصحراوي من الدولة المرابطية، ويعتقد أنها قد فقدت الكثير من بريقها بعد نهاية هذه الدولة، وتم إهمالها من طرف القوافل المتوجهة إلى بلاد السودان أو القادمة منها، بعد أن كان الطريق اللمتوني مصدر ثرائها الأول.

ب- ضريح الأمير أبي بكر بن عمر اللمتوني: ويوجد في ولاية تكانت (وسط موريتانيا) في المكان المسمى "مكسم بو بكر بن عامر"، وقد كان، كما قلنا، قائدًا للقسم الجنوبي من دولة الملثمين. واستطاع، حسب الروايات المحلية، أن يتوسع على حساب خمسة عشر مملكة سودانية، قبل أن يتمكن بعض أعدائه منهم من اغتياله على الأرجح سنة 480ه/1087م، وبقي قبره شاهدًا على حقبة هامة من تاريخ المنطقة. 

ج- ضريح الإمام الحضرمي: وهو من مشمولات الموقع الأثري بآزوكي، ويعود إلى قاضي الصحراء، أو المعلم الثاني للمرابطين بعد الجزولي، وهو إفريقي من أصول يمنية، اعتبر أبرز أشعري في الغرب الإسلامي في عصره، دخل في خدمة أمير الملثمين بالجنوب في محاولة، حسب ابن بسام الشنتريني، لتكرار نموذج عبد الله بن ياسين، ولكنه لم يبرح الصحراء إلى أن دفن فيها، وقد عُد اكتشاف موقع ضريحه من كرامات الإمام المجذوب، والذي استغل مرجعية الحضرمي لكي يكرس بين أتباعه تقاليد طقوسية متعلقة بالضريح كالزيارة والتبرك.

إضافةً إلى هذه المعالم الأثرية، بقي مكان الرباط الذي انطلقت منه الحركة المرابطية موضع جدل بين المتقدمين والمحدثين. ورغم أن الرأي الأثري في هذه المسألة إلى حد الآن لم يصل بعد إلى مؤشرات تحدد أحداثيات الموقع، أو حتى تؤكد وجوده، فإن الروايات الوسيطة (تعضدها السرديات المحلية) حاولت أن تعطي تفسيرات للنصوص الوصفية الكلاسيكية لهذا الرباط، لتقدم عدة افتراضات للموضع.

أشهر هذه الافتراضات هي جزيرة تيدرة التي توجد على الساحل الأطلسي الموريتاني شمال العاصمة نواكشوط، ونظرًا لقربها من اليابسة وكثرة طيورها وثمارها، تعزز لدى البعض الاعتقاد بأنها موضع رباط ابن ياسين بحسب الوصف التاريخي له في المصادر، وبالتالي أصبحنا أمام موقع ينسب إلى الدولة المرابطية بحسب الرواية، ولا تقوم على ذلك أثريًا أية دلائل، لكنه ترسخ في الذاكرة العامة بوصفه موقعًا محتملًا للرباط الشهير.

في المحصلة، بقيت التجربة المرابطية حاضرة بقوة في الذاكرة الموريتانية رغم بعد العهد بها، تغذيها سرديات جينيالوجية وأخرى معرفية وصوفية وعمرانية، مع بقايا أطلال مواقع منسوبة وأخرى مظنونة النسبة إليهم، ولا يزال في هذه الذاكرة مجال للحفر أكثر عن رواسب هذه الحقبة في التراث والثقافة والأدب الموريتاني الفصيح واللهجي.

الكلمات المفتاحية

الأكثر قراءة

1

حكاية سيد درويش.. الحب والثورة والزوال

اعتُبر سيد درويش مخلّصًا للأغنية المصرية من عجمتها التركية، وقال البعض إنه أعاد الموسيقى إلى أصلها العربي كما كانت في زمن الخلافة العباسية

2

أم كلثوم وصناع مجدها.. هل كانت ستصبح أسطورة في زمن آخر؟

كانت أم كلثوم بِنتَ لحظتها التاريخية بامتياز، تلك اللحظة التي هيّأت المكان والمكانةَ لأسطورةٍ تكتسب خلودَها من صوْتها ومن ظرْفها التاريخي ومن دورها التاريخي

3

معهد الموسيقى العربية.. حكاية نادٍ صغير صار صرحًا موسيقيًا

بدأت حكاية هذا الصرح من الاجتماع في بيت صغير لعازف القانون مصطفى بك رضا، وذلك قبل أن تتبدل الأحوال نتيجة أمور عديدة يطول شرحها

4

بين صافرتي البداية والنهاية.. كرة القدم كاستعارة للحياة

إنها لعبة معقدة، تحمل العديد من التشابهات مع الحياة اليومية، ففيها يمكنك أن تعمل ضمن مجموعة واضحة المعالم، وأن تقدم التضحيات على صخرة 'الكورفا' المقدسة، وأن تتحمل المسؤولية

5

فقاعة الأمان تحت الاحتلال.. كيف يُصنع الخوف في الضفة الغربية المحتلة؟

إن وجد غطاء للأمان فهو وهمي وغير حقيقي، لأنه في نهاية المطاف يوجد من يتحكّم بمجريات الحياة الفردية والجماعية والتخطيط لها

اقرأ/ي أيضًا

حكاية معهد الموسيقى العربية

معهد الموسيقى العربية.. حكاية نادٍ صغير صار صرحًا موسيقيًا

بدأت حكاية هذا الصرح من الاجتماع في بيت صغير لعازف القانون مصطفى بك رضا، وذلك قبل أن تتبدل الأحوال نتيجة أمور عديدة يطول شرحها

محب جميل

المسمط.. ثقافة شعبية وليست مجرد أكلة
المسمط.. ثقافة شعبية وليست مجرد أكلة

"يا جابر.. على الله": المسمط ثقافة شعبية وليست مجرد أكلة

يعكس المسمط جزءًا من الثقافة الشعبية المصرية، إذ يمثل مزيجًا فريدًا من البساطة والتقاليد المتوارثة التي ساهمت في صياغة الهوية الغذائية للمجتمع المصري، منذ عصر الخلفاء المسلمين وصولًا إلى يومنا هذا

محب جميل

أوداغست

حكايات عن أوداغستْ.. موريتانيا ومعالمها المجهولة

تعاني المعالم الأثرية الموريتانية من إهمالٍ كبير رغم تاريخها العريق والممتد في أعماق الزمن، وتعد حالة مدينة أودغاست مثالًا حيًا يحمل دلالات عميقة

أحمد ولد جدو

الأفراح المصرية

الأفراح المصرية قديمًا.. ما الذي جمع بين التختروان والفتوات؟!

شكّلت الأفراح، على تنوّع طقوسها بين الأرياف والطبقات الثرية، عنصرًا أساسيًا في تشكيل الهوية الثقافية المصرية

محب جميل

ahzab-almghrb

التجربة الحزبية في المغرب.. سيرة التفكك والانشقاق

كيف تحولت الزاوية الدينية من أداة للتعبئة السياسية إلى نواة لتأسيس الأحزاب؟ وكيف أسهمت الدولة في تشكيل مشهد حزبي متعدد لكنه مأزوم بالانشقاقات؟

عبد المومن محو

المزيد من الكاتب

عبد السلام يحيى

كاتب وأكاديمي موريتاني

الهجرة الحسانية إلى موريتانيا: مسار طويل من التأثير والتأثر

الحسانيون مجموعة من عرب المعقل دخلت موريتانيا ضمن الهجرة الهلالية التي اجتاحت بلاد المغرب في القرن الحادي عشر، وصاحب دخولها وانتشارها تغيرات ثقافية في سلوك وأعراف المجتمع الصحراوي

كتابة تاريخ موريتانيا: ملامح المحطات الكبرى

ما يُطرح من أسئلة في كل محطة من محطات التاريخ الموريتاني أكثر مما يُقدَّم من إجابات