تشكل مؤتمرات المناخ، التي اعتاد قادة العالم عقدها سنويًا على مدار العقود الثلاثة الماضية، فرصة محورية للدبلوماسية المناخية العالمية للتفاوض على حلول لأزمة المناخ، بحضور رفيع المستوى من قادة الدول وصناع القرار، وخبراء وأكاديميين، وتكتلات دولية، ومنظمات وشركات ومجتمع مدني.
وتجتمع وفود رفيعة المستوى من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، في مؤتمر سنوي يعرف بمؤتمر الأطراف (COP)، لبحث آلية تنفيذ الاتفاقية التي تهدف إلى "تثبيت تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون تدخل خطير من جانب الإنسان في النظام المناخي، وذلك في إطار فترة زمنية كافية تتيح للنظم الإيكولوجية أن تتكيف بصورة طبيعية مع تغير المناخ، وتضمن عدم تعرض إنتاج الأغذية للخطر، وتسمح بالمضي قدمًا في التنمية الاقتصادية على نحو مستدام".
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذل في المفاوضات التي تمتد سنويًا لأكثر من أسبوعين، لا تزال أهمية هذه المؤتمرات موضع شك وتساؤل، فيما إذا كانت أدوات فعالة لدفع التغيير المنشود، أم أنها مجرد أحداث احتفالية ذات تأثير محدود على أرض الواقع.
البداية من قمة الأرض
كان مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية الذي انعقد في العاصمة السويدية ستوكهولم، في الخامس من يونيو/ تموز 1972، أول مؤتمر رئيسي للأمم المتحدة بشأن قضية البيئة، وكان يهدف لتحديد مبادئ الحفاظ على البيئة البشرية وتعزيزها، وكانت الاتجاهات في ذلك الوقت تتمحور حول الأخطار التي تهدد صحة الناس نتيجة تلوث البيئة بالملوثات الصناعية ودخان المصانع وآثار ذلك على سبل العيش وجودة الحياة. وشكل انعقاد المؤتمر، الذي جاء استجابةً لضغوط شعبية من جمعيات غير حكومية ومؤسسات شبابية، نقطة تحول تاريخية في العمل البيئي والمناخي العالمي، توجت بإنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP).
وعلى الرغم من أن الوعي بشأن تغير المناخ وتأثير ثاني أكسيد الكربون على ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي المنخفض للأرض، لوحظ لأول مرة أواخر القرن التاسع عشر، حين أدرك سفانتي أرينيوس، أحد أبرز علماء الكيمياء في السويد، في عام 1896، أن غاز ثاني أكسيد الكربون (حمض الكربونيك بالنسبة له) - الناتج عن حرق كميات هائلة من الفحم في القاطرات والسفن والأنوال الصناعية التي تعمل بمحركات البخار منذ عصر الثورة الصناعية - قد يجعل الكوكب أكثر دفئًا؛ إلا أن ملف قضية تغير المناخ لم يصل إلى أروقة المفاوضات الدولية حتى عام 1992 بعد عشرين عامًا من مؤتمر ستوكهولم، حين عُقدت في مدينة ريو دي جانیرو البرازيلية قمة تاريخية عرفت بقمة الأرض، وسعت الأمم المتحدة خلالها إلى مساعدة الحكومات على إعادة التفكير في التنمية الاقتصادية وإيجاد طرق لوقف تلويث الكوكب واستنفاد موارده الطبيعية.
وكان من أبرز نتائج قمة الأرض، فتح صكين ملزمين قانونًا للتوقيع، هما الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، واتفاقية التنوع البيولوجي، وبدء المفاوضات بشأن اتفاقية مكافحة التصحر.
وسبق إطلاق اتفاقية المناخ تأسيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، عام 1988، والتي تعمل على تقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتغير المناخ وأسبابه وتأثيراته المحتملة واستراتيجيات التصدي لهذا التغير.
ماذا أنجزت مؤتمرات الأطراف؟
نصت اتفاقية المناخ في بندها السابع على تأسيس مؤتمر الأطراف (COP)، بوصفه الهيئة العليا لهذه الاتفاقية لتنفيذ الالتزامات اللازمة لحصر الانبعاثات الغازية بصورة كافية، والتعاون على التكيف مع آثار تغير المناخ، ومساعدة البلدان النامية المعرضة بصورة خاصة لآثار التغير المناخي في تغطية تكاليف التكيف مع تلك الآثار الضارة، وانعقد أول مؤتمر للدول الأطراف في اتفاقية المناخ (COP1) في مدينة بون الألمانية عام 1995.
وجاءت أولى ثمار التعاون المناخي العالمي في مؤتمر الأطراف الثالث الذي استضافته مدينة كيوتو اليابانية عام 1997، والذي شهد توقيع أول اتفاق ملحق باتفاقية المناخ هو "بروتوكول كیوتو"، الذي تبنى خطة لحفظ الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري بين عامي 2008 و2012.
فشل بروتوكول كيوتو بداية في الحصول على المصادقة الكافية لدخوله حيز التنفيذ، خصوصًا مع عدم تصديق الصين والولايات المتحدة عليه بوصفهما أكبر الدول المسببة للانبعاثات، لكنه دخل حيز التنفيذ عام 2005 خلال مؤتمر الأطراف 11 في مونتريال الكندية، بعد تصديق روسيا عليه، وعقدت الدورة الأولى للدول الأطراف في بروتوكول كيوتو (CMP1) إيذانًا بدخوله حيز التنفيذ والتفاوض بشأن تخفيضات أعمق لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومنذ ذلك التاريخ، تنعقد مؤتمرات أطراف كيوتو ومؤتمرات الأطراف في اتفاقية المناخ خلال حدث واحد مشترك.
ومع انعقاد مؤتمر الأطراف 18 عام 2012 في العاصمة القطرية الدوحة، وانقضاء فترة التزامات بروتوكول كيوتو، كان لمؤتمر الدوحة دور بارز في تمديد أجل هذه الالتزامات إلى ما بعد عام 2012، ومن ثم التأسيس لاتفاقية مناخية شاملة.
وشهد مؤتمر الأطراف 21 في العاصمة الفرنسية باريس، عام 2015، توقيع اتفاقية مناخية عالمية هي اتفاقية باريس، بهدف الحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية وكبح زيادة معدل ارتفاع درجات الحرارة العالمية عند درجتين مئويتين نهاية القرن الحادي والعشرين، مع هدف طموح بالحد من هذه الزيادة إلى 1.5 درجة.
تنص الاتفاقية، التي وقعت عليها 193 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، على التزام جميع الدول الموقعة بخفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، والعمل على التكيف مع آثار تغير المناخ، وتمويل الدول النامية لمساعدتها في جهود التخفيف من حدة المناخ والتكيف مع آثار التغير المناخي.
تشكل اتفاقية باريس أبرز مخرجات مؤتمرات المناخ العالمية على مدى العقود الثلاثة الماضية، ونقطة تحول محورية نحو عالم منخفض الكربون، وخارطة طريق للإجراءات المناخية التي تهدف إلى تقليل الانبعاثات وبناء القدرة على التكيف والصمود مع تغير المناخ.
ما جدوى مؤتمرات المناخ؟
تتقاطر آلاف الوفود سنويًا إلى مقر انعقاد مؤتمر المناخ، من رؤساء وقادة ومندوبين عن الهيئات العلمية والدولية، وعلماء، وممثلين عن المجتمع المدني، وسط تغطية إعلامية عالمية شاملة لاجتماعات القادة التي تعقد في المنطقة الزرقاء المخصصة للأمم المتحدة، والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية المرافقة للمؤتمر التي تنعقد في المنطقة الخضراء التي تشرف عليها الدولة المضيفة.
وتعمل مؤتمرات المناخ على تعظيم وإثارة قضايا المناخ على الساحة العالمية، كما أنها تولد اهتمام وسائل الإعلام وتحفز أصحاب المصلحة، وكثيرًا ما يؤدي الضغط على القادة لإظهار التقدم خلال هذه المؤتمرات إلى تعزيز التزاماتهم والتأكيد عليها.
كما تحفز قمم المناخ آفاق الابتكار والتمويل الأخضر في قطاعات الطاقة المتجددة وأنظمة تداول الكربون التي تشهد نموًا متزايدًا في أعقاب المؤتمرات الكبرى.
ومن عجيب المفارقات أن مثل هذه التجمعات تولد انبعاثات كبيرة نتيجة عمليات السفر الدولي، والأحداث المرافقة لها، وما تتركه خدمات استضافة هذه الحشود من بصمة بيئية وكربونية سيئة، ويكفي أن نتابع أحد مواقع تتبع مسارات الرحلات الجوية خلال أيام المؤتمر لنشاهد ما يثير التساؤلات حول استدامة مثل هذه المؤتمرات وجدواها.
وإذا سلمنا بهذه البصمة البيئية السيئة كفاتورة لا بد من دفعها، فإن هناك تحديات وانتقادات عديدة توجه إلى هذه المؤتمرات عامًا بعد عام، خصوصًا في السنوات الأخيرة حيث تنعقد مسبوقة بأحداث مناخية وجوية قاسية، وتقارير علمية عن ارتفاع غير مسبوق بدرجات الحرارة.
فعلى وقع فيضانات مدمرة في إسبانيا، وفيضانات عارمة في فلوريدا، وحرائق غابات في أميركا الجنوبية، انعقد مؤتمر المناخ الأخير في باكو تزامنًا مع إصدار المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تقريرها الذي يشير إلى عام 2024 بوصفه العام الأكثر حرارة على الإطلاق في تاريخ الأرض الحديث منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، مع وصول الانبعاثات العالمية إلى مستويات قياسية وزيادة معدلات درجة حرارة المحيطات بشكل كبير خلال العقدين الماضيين.
وعود فارغة وقمم بدون مخالب
من أبرز هذه الانتقادات افتقار قرارات قمم المناخ إلى التنفيذ الملزم، والاعتماد على الالتزامات الطوعية سواء بالتقليص من الانبعاثات أو بالدفع بالتمويل اللازم للمساهمة في تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معه في الدول النامية والفقيرة، وتترك هذه الثغرة في الالتزام مخاوف دائمة من انسحاب الدول الكبرى من الاتفاقيات دون مواجهة عواقب كبيرة.
فعلى الرغم من عقود من المفاوضات، تستمر انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي في الارتفاع، ويرى المنتقدون أن هذه المؤتمرات تنتج الكثير من الكلام والقليل من العمل، وأن وتيرة المفاوضات المناخية الحالية غير كافية لمنع التأثيرات المناخية الكارثية.
وتحت عنوان "لا مزيد من الوعود الفارغة من فضلكم"، يركز تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2024 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة قبل أيام من قمة باكو، على الحاجة لتسريع العمل المناخي العالمي، والارتقاء به لتحقيق طموحات اتفاق باريس، حيث الحاجة إلى تخفيضات بنسبة 42 في المائة بحلول عام 2030، و57 بالمئة بحلول عام 2035 لتحقيق الهدف المتمثل في الإبقاء على الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية، وإلا فإن العالم سيتجه نحو ارتفاع درجات الحرارة العالمية التي قد تصل إلى 3.1 درجة مئوية، وهي زيادة من شأنها أن تقوض سبل العيش وتتسبب بآثار صحية واقتصادية لا يمكن عكسها، وهو ما يكشف حجم الفجوة الكبيرة بين الانبعاثات الحالية والإنجازات الفعلية التي حققتها 28 قمة مناخية سابقة.
العدالة المناخية الغائبة
فشلت محادثات المناخ الأخيرة في أذربيجان، والتي أطلقت عليها الأمم المتحدة اسم "مؤتمر الأطراف المالي"، في تلبية التوقعات والاحتياجات، فقد اضطرت البلدان الأكثر ضعفًا، والتي تتحمل بالفعل وطأة التأثيرات المناخية الشديدة على نحو متزايد، إلى قبول تعهد مالي رمزي لمنع انهيار المفاوضات، وهو تذكير صارخ بالاختلال المستمر في العدالة المناخية العالمية.
وعلى الرغم من التزام الدول المتقدمة بتقديم 300 مليار دولار على الأقل سنويًا بحلول عام 2035، من مجموعة متنوعة من المصادر، إلا أن هذا الالتزام قوبل باستياء كبير من وفود الدول النامية والفقيرة والدول الجزرية المهددة بتفاقم آثار تغير المناخ، وتعميق عبء الديون عليها.
وينظر إلى الدول الغنية بقيادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان، على أنها تجاهلت مسؤوليتها التاريخية وأحجمت عن إعطاء الأولوية لإنصاف الدول الضعيفة وتركها دون حماية حقيقية لحقوقها وأراضيها ومستقبلها، حيث تكلف التأثيرات المناخية البلدان النامية مئات المليارات، دون احتساب التكاليف الإضافية للتكيف والانتقال العادل والمنصف إلى الطاقة المتجددة.
إن الافتقار إلى الدعم المالي من الدول الغنية لا يزال يعوق التقدم الملموس في التكيف والتخفيف الذي تسعى إليه مؤتمرات المناخ، وكما ألمح إعلان مجموعة العشرين، فإن فرض الضرائب على الأثرياء، وعلى قطاعات الطيران والشحن والصناعات الاستخراجية، من شأنه أن يجمع تريليونات الدولارات سنويًا، مما يفتح الباب أمام الأموال الضرورية لتمويل المناخ، وتعزيز الخدمات العامة، ودفع المجتمعات إلى الأمام نحو مجتمعات أكثر صحة وإنصافًا واستدامة.
رعاية نفطية
ومع استمرار فشل المجتمع الدولي في كبح جماح الأنشطة المعتمدة على الوقود الأحفوري، التي تواصل تلويث الكوكب وزيادة درجة حرارته، سلمت الإمارات العربية المتحدة التي تعتبر إحدى أكبر عشر دول منتجة للنفط في العالم، رئاسة مؤتمر الأطراف لعام قادم إلى أذربيجان، الدولة التي يشكل الوقود الأحفوري حوالي نصف اقتصادها والغالبية العظمى من عائدات صادراتها، وتعتبر شركة النفط والغاز المملوكة للدولة في أذربيجان، مصدرًا رئيسيًا للدخل فيها.
وتثير استضافة الدول النفطية لمؤتمرات المناخ قلقًا حقيقيًا حول جدوى هذه المؤتمرات، وما إذا كانت هذه الدول تمتلك إرادة حقيقية للتخلص من الوقود الأحفوري، ومدى خطورة استغلال هذه الدول النفطية لموقعها في رئاسة مؤتمر الأطراف للتوسع في مشاريع غير خضراء، والالتفاف حول مخرجات القمم السابقة بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري من خلال خطط ومشاريع تطيل أمد الاعتماد على النفط والغاز.
وتعزز هذه المخاوف تصريحات الأمين العام لمنظمة "أوبك"، هيثم الغيص، وهو أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في قطاع النفط الكويتي، في قمة المناخ في باكو، بأن النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"، وإن محادثات الاحتباس الحراري العالمي يجب أن تركز على خفض الانبعاثات وليس اختيار مصادر الطاقة، وهو ما عبر عنه سابقًا الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف خلال محادثات المناخ في بون في نيسان/أبريل الفائت، والتي أكد فيها بعد أشهر فقط من موافقة العالم على التحول بعيدًا عن مصادر الطاقة الأكثر تلويثًا خلال مؤتمر المناخ في دبي، على الحاجة المستمرة للاستثمار والإنتاج في الوقود الأحفوري الذي وصفه أيضًا بأنه "هبة من الله"، وهو ما يتعارض بشكل صارخ مع التزامات أذربيجان بموجب اتفاق باريس.
وإلى جانب آلاف من أفراد جماعات الضغط الداعية لوقف استخدام الوقود الأحفوري، يجتمع في أروقة مؤتمرات المناخ رؤساء شركات نفط عملاقة، والذين يستغلون قوتهم الاقتصادية لتعزيز مصالحهم الخاصة، ومعارضة الجهود الأساسية للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والدفع نحو حلول معقدة وطويلة الأجل مثل تعويض الكربون، أو تقنيات ناشئة محفوفة بالمخاطر مثل احتجاز والتقاط الكربون من الهواء وفوهات المصانع، أو الدفع بالغاز باعتباره "وقودًا انتقاليًا"، كوسيلة لصرف الانتباه عن الحاجة الملحة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، لذلك فإن تضارب المصالح هذا وميل الكفة لصالح القوى الاقتصادية المنتجة للملوثات، يشكل أكبر تهديد يقوض أهداف معاهدات المناخ العالمية.
منكرو تغير المناخ تحدٍ آخر
يمكن لمنكري تغير المناخ، بما في ذلك الأفراد والمنظمات، وأحيانًا الحكومات، التأثير بشكل كبير على نبرة واتجاه نتائج مؤتمرات المناخ، وفي حين تهدف هذه التجمعات إلى بناء الإجماع والالتزام بمعالجة أزمة المناخ، فإن وجود أطراف مشككة أو منكرة لعلم المناخ غالبًا ما يطرح مخاوف من إضعاف الالتزامات العالمية وتشجيع الانقسام، والتأثير على التصور العام والتغطية الإعلامية، وتشويه العلم من خلال نشر نظريات المؤامرة التي تعارض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ.
ومع وصولهم إلى مواقع السلطة، يعرقل منكرو المناخ الالتزامات والجهود الدولية لإنقاذ الكوكب، من خلال إبطاء تنفيذ الاتفاقيات المناخية ومقاومة أهدافها الطموحة، أو حتى الانسحاب منها، خصوصًا عند تضاربها مع مصالحهم الاقتصادية والسياسية، وقد رأينا ذلك خلال فترة إدارة الرئيس الأميركي السابق والمرشح الفائز بدورة رئاسية قادمة، دونالد ترامب، حين انسحبت الولايات المتحدة رسميًا من اتفاقية باريس في عام 2020، قبل عودتها مجددًا في عهد الرئيس بايدن، كما ألغى الرئيس الجمهوري القادم من عالم التجارة والأعمال، أكثر من 100 لائحة بيئية، بدعم من شركات الوقود الأحفوري، ووصف تغير المناخ بأنه "خدعة".
وتزامنًا مع فترة إدارة ترامب الأولى، وعلى الجانب الآخر من العالم الجديد، حيث غابات الأمازون المطيرة التي تعتبر رئة الأرض ومخزنًا طبيعيًا لامتصاص الكربون، شكلت سياسات رئيس البرازيل السابق جايير بولسونارو (2019 - 2022)، خطرًا كبيرًا على البيئة، حيث سجلت في عهده وبإشرافه أعلى معدلات لإزالة الغابات وصلت إلى 72 بالمئة، وذلك بهدف استغلال مساحات الغابات المطيرة لرعي الماشية، وزيادة إنتاج اللحوم والمنتجات الزراعية الأخرى.
وتعهدت حملة ترامب الانتخابية بانسحاب الولايات المتحدة مجددًا من اتفاقية باريس، وسط مخاوف من أن يؤدي انسحاب أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري وأحد أكبر منتجي النفط والغاز، إلى تقويض الجهود المناخية، وتراجع التمويل المالي الذي التزمت به دول العالم الغنية لوقف تدهور مناخ الأرض والتخفيف والتكيف من آثاره، فيما تتجه الأنظار نحو الصين والاتحاد الأوروبي لقيادة دفة العمل المناخي العالمي فيما لو أدار ترامب ظهره مجددًا للاتفاقيات الدولية.
فرصة أخيرة لإنقاذ الكوكب
في عالم يسوده مناخ مضطرب، أصبحت الأحداث المناخية المتطرفة أكثر تواترًا وشدة، من الفيضانات المدمرة إلى الأعاصير العارمة، إلى حرائق الغابات والجفاف وشح الموارد المائية، وهو ما يهدد صحة الإنسان وأمنه الغذائي إضافة إلى تهديد النظم البيئية والتنوع الإحيائي، وانتشار الأمراض وزيادة معدلات الفقر والجوع وزيادة موجات الهجرة والنزوح، وتهديد الاستقرار الأمني للمجتمعات والدول.
وإذا لم يوقف العالم ظاهرة الاحترار العالمي أو يتخذ الإجراءات اللازمة للتكيف معها، وزيادة تمويل المناخ وتمويل الخسائر والأضرار بشكل كبير فإن عواقب كارثية قد تهدد البشرية نهاية هذا القرن.
وتتجه الأنظار نحو المزيد من الطاقة المتجددة للمساهمة في خفض الانبعاثات بنسبة كبيرة، من خلال نشر تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتعزيز التعاون الدولي والتمويل العالمي لضمان وصول هذه التقنيات إلى الدول التي لا تمتلك القدرة على نشرها، وتحمل الدول الأكثر إطلاقا للانبعاثات لمسؤوليتها المالية والأخلاقية تجاه ذلك.











